ملتقى طويق الدولي للنحت في الرياض.. تناغمٌ فنيٌّ وعالمي

الرياض – رنا خير الدين

الدرعية رمزٌ للتراث الحضاري في المملكة

تزاحمت الأفكار الفنية العالمية ذات الطابع الفريد في “ملتقى الطويق الدولي للنحت” الذي أطلقته “الرياض آرت”، في مبادرة جمعت نحاتين من مختلف دول العالم، تحت عنوان “شاعريّة المكان” في الدرعية – الرياض.

وكان قد أُطلق ملتقى طويق الدولي للنحت الذي جمع ٢٠ فنانًا محليًا ودولياً لإنشاء منحوتات عامة في بيئة إبداعية مفتوحة للزوّار ومدعومة بعدة برامج وفعاليات وندوات؛ كما عُرضت كافة الأعمال الفنية في المعرض المصاحب لمدة ٤ أيام مع نهاية الملتقى، أي قبل انتقالها إلى مواقع متعددة ليتم عرضها في أرجاء مدينة الرياض. الملتقى ضمّ فنانين من المملكة المتحدة، بلغاريا، مقدونيا، الصين، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، كولوميبا، المكسيك وغيرها، حيث سيقدّم هؤلاء نحتاً حياّ مباشراً على مدة عشرين يوماً من العمل والجهد المتواصلين.

المركز الأول – المنارة الثلاثية.

إلى ذلك، تولّت لجنة من الخبراء مؤلفة من خمسة أعضاء محترفين، إضافة إلى القيّم الفني للملتقى علي جبار، مراجعة كافة طلبات المتقدمين، ثم تحديد القائمة النهائية التي تضم 20 فناناً لتكليفهم بعمل منحوتات معاصرة في الملتقى. كما تألّفت اللجنة التي حددت الفائزين من عدّة خبراء وفنيين وهم: كريستيانو كولو (مدير المعرض الوطني للفنّ الحديث والمعاصر في العاصمة الإيطالية روما)، ونيكولاس كولبنان (مدير معرض الصور الوطني في العاصمة البريطانية – لندن)، ويوكو هاسيغاوا (مدير متحف القرن الحادي والعشرين للفنّ المعاصر بمدينة كانازاوا اليابانية)، ومارينا لوشاك  (مدير متحف بوشكين الحكومي للفنون الجميلة في العاصمة الروسية – موسكو) وأيك شميدت (مدير معارض أوفيزي بمدينة فلورنسا الإيطالية).

حديث النحاتين

آنا ماريا نيقارا (المركز الأول): هذا الحدث ألهمني بمشاريع فنية جديدة

“الحصاد” كان لها جولة في الملتقى تعرّفت خلالها عن كثب على الفنانين المشاركين من شتى دول العالم، حيث التقت النحاتة آنا ماريا نيقارا من رومانيا التي حازت منحوتتها على المركز الأول. حيث ترى آنا أن العمل بين مجموعة من الفنانين العالميين له خاصية مميزة من ناحية التعلّم والإفادة. وقالت: سعيدة بكوني جزءاً من الحوار الفنّي الذي يساهم

المركز الثالث – اللامرئي.

في إنشاء مشروعاً ثقافياً كبيراً الذي يقوم على ممارستي البحثية الشخصية. ساهم الملتقى في تطوير مجالات تفكيرنا بطرق جديدة وبوجه خاص ألهمني إلى مشاريع فنية جديدة وسمح لي بالتطور ولم أكن أسعى للربح أكثر مما حاولت اكتساب امكانيات جديدة في النحت من الزملاء المشاركين وتبادل الخبرات معهم. سعيدة بهذا النجاح وعلى أمل أن يكون بداية لمشاريع رائعة لاحقاً.

وأضافت: العمل في الفضاء الخارجي يجدّد الحيوية والنشاط في العمل الفني ويعطيه طابعاً خاصاً من حيث المكان والضوء والوقت.

حيدر العلوي (المركز الثاني): قدّمت نموذجاً فنيّاً حيّاً إلى العالم

الفنان السعودي حيدر العلوي بدوره قال: طرحت في هذا الملتقى عملاً بعنوان “خطوط الصحراء” يمثّل البيئة السعودية، وهو عبارة عن حركة الرمال في الصحراء والأمواج المائية في البحر. سعيد بهذه المشاركة وسعيت إلى تقديم صورة إبداعية فنية عن تراثنا الحضاري.

كيم دي رويشر (المركز الثالث): تجربةٌ زادت من خبراتي الفنية

أما النحات كيم دي رويشر من بلجيكا أشار لـ”الحصاد” إلى أن المشاركة في الملتقى بالرياض عاد عليه بفائدة على

المركز الثاني – خطوط الصحراء.

الصعيد الشخصي والعام من حيث التجربة والتعلم والربح. ويقول: هي تجرية رائعة من حيث التنظيم، وقد وجدت خلال تواجدي هنا حسن الضيافة لدى أهل السعودية.

أما عن الملتقى، فقال: أحاول دوماً خلال تجربتي الفنية استكشاف الأشياء التي تحيطتنا في هذا العالم الأمر الذي سمح لي بتحقيق نفسي وعملي، فكل مكان له خصائصه العامة والخاصة، بحيث أن مشاركتي في الملتقى كانت سبباً في إضفاء روحيّة على أعمالي وتقديمي. وما أقدمه اليوم هو ليس عملاً عادياً بل إنه خلاصة من اكتشافاتي ومعرفتي الفنية.

إيزابيل لانقتري: الملتقى ثريٌ من حيث الشكل والمضمون

أما النحاتة إيزابيل لانقتري من المملكة المتحدة فقالت: يعدّ ملتقى طويق الدولي للنحت حدثاً فنياً مهماً لتلاقي الخبرات والمعارف بين النحاتين من شتى دول العالم، حيث جمع 20 فناناً مختلفين من حيث البيئة والأيديولوجيا، الأمر الذي شكّل إمكانية في توسيع الأفق الفنية وساهم في إثراء الأعمال المقدمة.

كما أن الندوات هي من بين الأحداث الثقافية الأكثر إنتاجية وأهمية، لأن الهدف هو ترك أعمال فنية جديدة في الفضاء العام لصالح المجتمع والزوّار والعالم. هذا التعاون الفني الدولي عرض الغرض الأساسي من الفنّ على اعتباره لغة

النحاتون العالميون المشاركون في الملتقى.

دولية للتواصل، حيث أن هذا التعاون العالمي للفنّ ساهم في إنشاء ثقافة جديدة، وخلق إرثاً واتحاداً فنياً في الوقت عينه.

وأضافت: إن جمال “TISS” هو المساهمة في فنّ طموح في مشروع المساحات المفتوحة في الرياض. أتطلع إلى تطوير منحتي في الساحة العامة والإجابة على أسئلة الزوار وتشجيع الآخرين على الإلهام والتعبير عن أنفسهم بشكل خلاق.

محمد الثقفي: المملكة تخطو خطوات سريعة نحو الثقافة العالمية

أما النحات المشارك محمد الثقفي من السعودية، فقال: هذه المشاركة جريئة من المملكة، حيث أنها تخطو خطوات سريعة نحو الثقافة العالمية. من خلال استقطاب الفنانين العالميين إلى الرياض لتبادل الثقافات من خلال الفنّ عموماً والنحت خصوصاً. وهو مناسبة لتعريف العالم على تراث وحضارة المملكة ورمزيّة مكان الملتقى.

وفاء القنيبط: أسعى إلى تقديم صورة الأصالة والحضارة

أما الفنانة السعودية وفاء القنبيط، قالت: أسعدني وشرّفني أنني أشارك في “TISS “، فهذه السنة الملتقى مختلف من حيث التقديم والهدف. فكانت المسؤولية كبيرة علي كفنانة سعودية في إظهار الفنّ المملكة من حيث الحضارة والتراث والأصالة. الملتقى سمح لنا بتبادل الخبرات الفنية مع الفنانين العالميين. سعيدة بهذه المشاركة الفنية.

فعاليات الملتقى!

ضمّ الملتقى فعاليات حيوية للفنّ من ورش عمل وندوات التي تزيد المشاركة بين الفنانين فيما بينهم وبينهم وبين الزوّار والحضور. ومن هذه الفعاليات، نذكر:

1-      الجولات الأسبوعية للنحت الحيّ: أتيحت الفرصة للزوّار لأخذ نظرة مقربة لمشاهدة أعمال الفنانين وذلك أثناء جولات النحت الحية في أيام الأسبوع، وتم تزويد الزوار بالسماعات العازلة للصوت ونظارات الواقية لسلامتهم.

حضورٌ فني سعودي فريد هذا العام.

2-      اختيار المكان وتنسيق مساحة العرض للأعمال الفنية: هذه الجلسة استضافت شخصيات بارزة في مجال الفنّ، علي جبار أمين طويق للنحت، مايا العذل – القيّم الفني لإقامة مساحة معهد مسك للفنون، وعمار عالمدار مقيّم فني وذلك لمناقشة موضوع تنسيق المنحوتات في المساحات المفتوحة والمغلقة، حيث تطرقت الجلسة إلى عملية اختيار المساحات المناسبة للعرض ودورها في إبرازها القطع الفنية بأفضل صورة.

3-      أساسيات وتقنيات النحت: ورشة العمل هذه أتاحت للمشاركين التعرّف على الأدوات المستخدمة في مجال النحت مثل الحجر وأدوات الصنفرة.. إلخ، بالإضافة لأهم التقنيات المستخدمة لإخراج منحوتة مميزة، قدّمها فنان طويق للنحت علي الجابري ولينا الزبن من جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن من كلية التصاميم والفنون.

4-      مجوهرات طويق: خلال هذه الورشة تعرّف المشاركون على تاريخ جبل طويق، وتضاريسه العميقة، بحيث استلهموا منها تصاميم لمجوهرات مصنوعة من الطين.

5-      حضور الرخام في المشهد الفني: ناقش كل من ايزابيل لانقتري، واليكساندر إفتيموفسكي وآنا ماريا نيقارا نهجهم الفني في ابتكار أشكال ثلاثية الأبعاد وكيفية إنشائها من الرخام وطريقة إخراجها كعمل فني.

6-      جبل طويق: استخدام خامة الجبس لتنفيذ تركيب مكوّن من عدد من المربعات، تتضمن كتابات بخط المسند المستخدم في النقوش النجدية، ومن ثم استلهام بيت شعري بعد تجميع القطع في مكانها، تقدّمها نورة المسعود من جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن من كلية التصاميم والفنون.

7- أحافير طويق: أتاحت ورشة العمل هذه للمشاركين التعرف على خامة الجبس السعودي، وتقنية الحذف في النحت، من أجل إنتاج أعمال مستلهمة من أحافير وجمال جبال طويق، تقدمها روان الشهري من جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن.

8-      الفنّ الإسلامي: (حكايات منحوتة) دارت جلسة النقاش هذه حول البُعد الذي وصل إليه الخطّ العربي ومدى تعمّقه منذ عصور في تاريخ الفنّ حيث اُشتهر باستخدامه في النحت لتزيين المساجد والقُبب، ودور ذلك في توجّه الفنانين لإستخدام الخطوط في منحوتاتهم المستقلة، تستضيف الجلسة أ.فهد المجحدي (مبتكر شعار عام الخط العربي) والفنانة وفاء القنيبط للحديث عن هذا الموضوع والمقارنة بين الخطوط العربية المختلفة وكيفية ترجمتها إلى الحجر.

9-      تشكيل أصيص للنباتات: ورشة تشكيل أصيص نباتات بعجينة السيراميك بتصميم خاص لكل متدرب، حيث

ملتقى طويق بين الضوء ورمزية المكان.

تحفّز هذه التجربة الأطفال على اكتشاف قدراتهم بالتشكيل الثلاثي الأبعاد وابتكار تصاميم خاصة بهم، تحت إشراف بدور العقيدي من جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن من كلية التصاميم والفنون.

10-    حوار فني بعنوان “ثأثير النحت على العمارة”: نجود السديري وعبدالله الصانع مهندسين معماريين سعوديين، ناقشا في هذه الجلسة القيمة أعمال النحت المصنوعة على واجهات المباني. كما يسلّطان الضوء على ما يبحث عنه المهندسين المعماريين في المنحوتات المعروضة في المباني والمرافق التابعه لها ودورها في إكمال العنصر الجمالي.

كما تجدر الإشارة إلى أن الحجر المستخدم في الملتقى هو من رخام اللؤلؤ باللونين الأبيض والأسود.

ضجيج الأفكار

حصلت الفنانة النيوزلندية  آنا كورفر على المركز الأول، فيما حصد الفنان السعودي حيدر العلوي المركز الثاني،

عالم النحت والإبداع.

فيما فاز الفنان البلجيكي ” كيم دي رويشر” بالمركز الثالث، وقد تم اختيار الفائزين من قبل لجنة من شخصيات فنية رائدة من مختلف دول العالم ، حيث تم اعتماد معايير فنّية عالمية لتقييم المنحوتات التي استمر العمل عليها على مدار ثلاثة أسابيع.

كان عمل الفنانة  “آنا كورفر”، الحاصل على المركز الأول بعنوان “المنارة الثلاثية”، وهو تصوير يدمج ما بين عناصر العمارة واللباس التقليدي للمرأة السعودية، في رحلة تستكشف العالاقات التي تربط الأشخاص بالمكان، وكيفية اندماجها في تصوير الذات، ويظهر الجمال الفريد وقوة هذا المنظور من خلال الأشكال االمجرّدة وترمز “المنارة الثلاثية” للأمن والأمان وأهمية الشعور بالإنتماء للوطن. فيما استمد الفنان “حيدر علوي العلوي”  من خلال عمله “خطوط الصحراء” عن إلهامه من القوى الموجودة في الطبيعة، ليحوّلها إلى أعمال فنية ملموسة، حيث تمثل منحوتته “خطوط الصحراء” المستوحاة من ملاحظاته حول تأثير الرياح على رمال الصحراء وأمواج البحر على المياه ورسومات الطبيعة وخطوطها الممتدة داخل عناصر الطبيعة.  فأما المركز الثالث بعنوان “اللامرئي” للفنان كيم دي رويشر الذي يشرح اللامرئية، والغموض، والفاصل بين الخيال والواقع، وجميعها جوانب يستكشفها الفنان كيم في أعماله بشكل متكرر، حيث يستعمل الأسطح التي تعزّز رغبة المشاهد في تفكيكها لإكتشاف القطعة الحجرية أمامه، ومن خلالها إيجاد أفكار جديدة واسترجاع الذكريات الجميلة.

العدد 125 / شباط 2022