منظمة الآمم المتحدة ومشاهد مستقبلات الحاضر في عام 2030

أ.د. مازن الرمضاني*

في عدد الشهر الماضي من الحصاد, ذهبنا إلى الآجابة عن السؤال: كيف أضحى أداء منظمة الآمم المتحدة منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي وصولآ إلى الآن؟ وقد انتهى هذا السؤال إلى أن هذا الآداء كان متباينأ: ناجحا في أحيان وفاشلآ في أحيان أخرى جراء مدخلات عامة وأخرى خاصة. في هذا العدد من الحصاد, سنعمد, إستكمالآ للسؤال الآول, إلى الآجابة عن السؤال التالي: كيف يمكن و/أو يحتمل أن تكون مشاهد مستقبلات حاضرهذا الآداء في عام 2030؟

ابتداءً, نقول أن المستقبل لا يقبل الآنغلاق على مشهد حتمي واحد لإنه ليس مجرد أمتدادأ تلقائيأ وحتميأ لمعطيات وأتجاهات الماضي كما تمت رؤيته لفترة طويلة من الزمان, وإنما يتميز بالانفتاح على عدد من المشاهد, ولاسيما تلك الممكنة, و/أو المحتملة, و/أو المرغوب فيها.ومن هنا لم يُعد استخدام كلمة المستقبل بصيغة المفرد شائعأ بين جل المستقبليين في الوقت الحاضر, وإنما كلمة المستقبلات بدالة الجمع. ومما ساعد على تحول التفكير في المستقبل من دالة المفرد إلى دالة الجمع  تحول أهتمام العلوم الآجتماعية في نهاية العقد السادس الماضي من الآخذ بالنظرية الوضعية ورؤيتها للعلم والعالم وكأنهما الشئء ذاته إلى ما يشار إليه الآن بما بعد الوضعية, التي تدرك العلم والعالم من منظور تعددي.

  إن هذه الرؤية التعددية تنسحب أيضا على موضوعنا, أي منظمة الآمم المتحدة. لذا نرى أن مستقبلات هذه المنظمة الدولية في عام 2030 تتوزع على ثلاثة مشاهد بديلة,هي:أما مشهد استبدالها بمنظمة دولية أخرى, أو أما مشهد إصلاحها, أو أما مشهد أستمرار واقعها الراهن.  وسنتناول كل من هذه المشاهد في أدناه, وبضمنه المشهد الذي نرى أنه سيكون لصيقا بلآمم المتحدة في عام 2030.

  1. مشهد أستبدال منظمة الآمم المتحدة بمنظمة دولية أخرى

يجد هذا المشهد ما يدعمه تاريخيأ. فبعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945 تم أستبدال عصبة الآمم بمنظمة الآمم المتحدة. ومرد ذلك فشل الآولى في الحيلولة دون إندلاع الحرب العالمية الثانية, وهو الآمر الذي افضت إليه مخرجات ثمة مدخلات مهمة متفاعلة: أولها, تحول العصبة إلى مجرد عصبة للدول المنتصرة في الحرب العالمية الآولى, وثانيها, أفتقارها للقوة العسكرية الذاتية, التي تتيح لها تنفيذ قراراتها, وثالثها, مخرجات أزمة الكساد الآقتصادي, الذي شمل العالم في وقته, ورابعها, بروز النظم النازية والفاشية, وخامسا, سباق التسلح . ومن هنا كان أستبدال عصبة الآمم بمنظمة أخرى ضروريا من منظور القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية. ومما سهل ذلك التوافق أنذاك بين هذه القوى على توظيف نتيجة هذه الحرب لصالحها.

ومنذ ولادتها في عام 1945, ومنظمة الآمم المتحدة تعاني من مدخلات فشل عامة نبعت من طبيعة معطيات النظام الدولي ثنائي القطبية, الذي كان وراء تكوينها أبتداءٌ. وبضمنه مخرجات الصراع بين قطبيه, وكثافة إستخدامهما لحق النقض( الفيتو) في مجلس الآمن الدولي ضد بعضهما الآخر, وكذلك نبعت هذه المدخلات من طبيعة النظام الدولي أحادي (الآمريكي) القطب, الذي أفضى إليه إنهيارالاتحاد السوفيتي, وهو النظام, الذي وجد في الآمم المتحدة أداة مهمة مضافة وداعمة لآدوات هيمنة هذا القطب الآحادي , فضلا عن مدخلات فشل خاصة من نوعين: الآول, له علاقة بكيفية تعامل الدول الآعضاء مع المنظمة الدولية إنطلاقا من مدى الفائدة المترتبة جراء تقديم دعمها لها. أما الثاني فيرتبط بمخرجات الهيمنة الآمريكية على مجلس الآمن. وفي مقالنا للشهر الماضي تم تناول , وبشىء من التفصيل, ثنائية مدخلات هذا الفشل النسبي.

ويتفاعل هذا الفشل مع معطيات وتحديات دولية وإقليمية ومحلية جديدة تنطوي مخرجاتها على دعم الحاجة إلى إيجاد إطارعالمي أخر قادر على التفاعل مع المعطيات والتحديات الجديدة بكفاءة. ويكمن أبرزها وبإختصار في الآتي:

*  إتجاه قانون الصعود الى قمة الهرم الدولي والهبوط منه إلى تكرار ذاته تدريجيا بالنسبة للولايات المتحدة الآمريكية. وعلى الرغم من تجربة التاريخ تفيد أن القوى العظمى لا تتخلى عن دورها العالمي بسهولة , بيد أن هذه التجربة تؤكد أيضا أن هذه القوى لا تستطيع الحيلولة دون أفول دورها. ويتفاعل هذا الإتجاه أيضا مع بدء صعود ثمة قوى تسمى بالدول السائرة في طريق النمو, او أيضأ بالدول البازغة, إلى قمة هذا الهرم , وهو الآمر, الذي يرتب تلك المعطيات الدافعة إلى تشكيل نظام دولي متعدد الآقطاب. وتؤكد اراء عديدة أن القرن الراهن سيقترن به على الآرجح. ومثل هذا النظام يحتاج إلى منظمة عالمية تُعبرعن معطياته.

* تطور بنية العلاقات الدولية وعلى نحوٍ يفيد باستمرار تكون منظمات جبهوية وقارية, اقتصادية وسياسية وغيرها, التي يمكن أن تكون بديلا لبعض النشاطات الراهنة للآمم المتحدة .

* تقادم  بقاء ثمة صراعات إقليمية دونما حل متفاعلا مع بروز ظاهرة الصراعات الداخلية بين الآثنيات العرقية والقومية والدينية وسواها. وبينما فشلت الامم المتحدة في أيجاد حلول دائمية للآولى ,لم تستطع الحد من الثانية في الآقل, بل فشلت في منع الإبادة الجماعية, التي صاحبت العديد من الصراعات الداخلية, كما حصل مثلا في رواندا عام 1994.

*  بداية بروز معيارجديد للتميز بين الدول يتأسس على مدى قدرة الدولة على التاثير في محيطها الآقليمي في الآقل أعتمادا على قوتها الناعمة أساسأ, وليس على المقومات الصلبة التقليدية للفعل الدولي المؤثر, كالدول الآسكندنافية, وسويسرا, ودولة الآمارات العربية المتحدة.

* بروز تحديات خطيرة كالإرهاب الدولي, والفقر,وعدم الآستقرار, والتغيرات المناخية, والآوبئة الفتاكة …الخ, وهي التحديات, التي لم تستطع وكالات الآمم المتحدة احتواء مخرجاتها بكفاءة عالية. ولنتذكرمثلا كيف تعاملت منظمة الصحة العالية , وهي إحدى هذه الوكالات, مع  وباء كورونا-19. إذ لم يلاحظ المرء تبنيها لإستراتيجية فاعلة  لتنظيم وإدارة التعاون الدولي لمواجهة هذا الوباء العالمي. ولعل وباء كورونا قد كشف بشكل اكثر وضوحا عن أخفاق الآمم المتحدة وتقاعسها المتكررعلى هذا الصعيد وسواه.

* إتجاه التعاون بين الدول لمواجهة التحديات المشتركة إلى التأكل لصالح الآعتماد على الذات. وقد أكد وباء كورونا-19 هذا الآتجاه.

وفي ضوء عموم الآداء الضعيف للآمم المتحدة خلال75 عامأ من تأسيسها, ذهبت أراء إلى القول أن هذه المنظمة الدولية قد استنفذت وسائلها وأسباب وجودها. كما أن ارأء أخرى طرحت السؤال الآتي: إلى أي مدى يحتاج العالم بعد 75 عاملأ من تأسيسها؟ وأيضأ السؤال: هل منظمة مثل الآمم المتحدة ما يزال لها مكان في عالم اليوم؟ .وبدورنا , نتساءل: هل لازال قول داغ همرشولد, الآمين العام الاسبق للآمم المتحدة للفترة 1952-1946, نافذأ ومعبرأ عن واقعها؟, والذي أكد فيه:” لم يتم إنشاء الآمم المتحدة لإدخالنا إلى الجنة, بل لإنقاذنا من الجحيم.”

وعلى الرغم من أن مشهد أستبدال منظمة الآمم المتحدة بمنظمة عالمية أخرى هو أحد المشاهد البديلة الممكنة, بيد ان هذا المشهد يجد من يرفضه, ولعدة أسباب سنتناولها عند الحديث عن المشهد الثالث لمستقبلات الآمم المتحدة في أدناه.

  1. مشهد إصلاح منظمة الآمم المتحدة

 تتقابل الدعوة إلى الإستغناء عن منظمة الآمم المتحدة  جراء إخفاقاتها في العموم مع دعوة أخرى مختلفة لم تنقطع منذ نهاية الحرب الباردة, هي الدعوة لإصلاحها. ومما ساعد على ذلك أدراك شبه عالمي مفاده أن تحديات عالم اليوم لا يمكن الإرتقاء إلى مستواها أعتمادأ على جهد منظمة دولية تعاني من أخفاقات, ومن ثم أضحت بعيدة عن معطيات عالم يتغيرعلى نحوً غير مسبوق . لذا قد تم تشبيه مسار الآمم المتحدة ” بمسار طائرة استمرت جاثمة على المدرج دون أن تكون قادرة على الإقلاع. وتحتاج الطائرة أولآ إلى إصلاح حتى تقلع .”

وإستجابة لمطالب الإصلاح, عمد الآمين العام الآسبق, كوفي عنان, في وقته إلى تشكيل لجنة مؤلفة من (16) شخصأ لإقتراح الإصلاحات المطلوبة. وقد أنتهت هذه اللجنة إلى تقديم (161) مقترحأ, من بينها توسيع مجلس الآمن بحيث يضم (24) دولة بدلآ من الدول الخمس عشرة, التي يضمها حاليأ.  بيد أن هذه المقترحات لم يصر إلى ترجمتها إلى واقع ملموس جراء مناهضتها من قبل ثمة قوى دولية مؤثرة لإنها لم تؤمن تمتعها بحق النقض.

مع ذلك,تتعدد الصعد التي ينبغي إصلاحها أولا حتى تتمكن الآمم المتحدة من أنجاز وظائفها بكفاءة عالية. ولعل أهم هذه الصعد يكمن في إصلاح مجلس الآمن الدولي, بإعتباره الهيكل الآهم, سبيلا لجعله أداة أكثر فاعلية لحل الصراعات الدولية, وكذلك أكثر تمثيلا للدول الآعضاء في الجمعية العامة للآمم المتحدة. هذا فضلا عن الآرتقاء بصلاحيات الجمعية العامة إلى المستوى, الذي يجعلها أكثر فاعلية.

فأما عن إصلاح مجلس الآمن, فهو يتطلب, أولآ,معالجة إشكاليتين متداخلتين إستمرتا, ومنذ فترة طويلة من الزمان, بمثابة العائق الآساس أمام أي إصلاح جدي له, هما: حق النقض(الفيتو), و توسيع  نطاق عدد الدول الآعضاء في المجلس, سواء دائمة, أوغير دائمة, العضوية , فضلا عن إصلاح نظام العضوية فيه وجعلها على أساس التمثيل الإقليمي, وكذلك تعديل نظام التصويت بداخله بحيث يصبح لكل دولة صوت واحد

وتنبع المطالبة بالغاء حق النقض من كثافة استخدامه وخصوص خلال الحرب الباردة , ودوره في تعطيل إنجاز الآمم المتحدة لبعض وظائفها في الآقل . فمنذ عام 1946 وحتى عام 1991 فقد تم توظيفه (276) مرة. أما بعد عام 1991 فقد تراجع العدد إلى (35) مرة: (14) للولايات المتحدة, و(13) لروسيا الاتحادية, و(8) للصين.

وأماعن الجمعية العامة للآمم المتحدة, فهي الآخرى بحاجة إلى الإصلاح, وعلى النحوالذي يدعم فاعليتها حيال مجلس الآمن, ولاسيما جعل قراراتها تتسم بخاصية الإلزامية وليس الإستشارية كما هو الحال الآن. وهذا الآمرهو الذي تطالب به دول عالم الجنوب, والذي لا تحبذه الدول دائمة العضوية في مجلس الآمن مثلا. وبهذ الصدد يقول دبلوماسي أمريكي: ” إن الجمعية العامة هي كيان خاص بالدول الصغيرة. ونحن لسنا صغارأ.”

  1. مشهد استمرارية الواقع الراهن لمنظمة الآمم المتحدة

يُعد هذا المشهد حصيلة لرأي يدافع عن الواقع الراهن للآمم المتحدة ويقول بأهميتها, ورأي أخريؤكد صعوبة تحقيق الإصلاح المنشود لهيكلية هذه المنظمة الدولية, ولاسيما لمجلس الآمن بإعتباره هيكلها الآساس.

فأما عن الرأي الآول فهوقديم وممتد عبر الزمان. إذ يعود إلى , تريفلي لي :الآمين العام الآسبق للآمم المتحد للفترة 1952-1946. إذ قال: ” هناك أهمية بطبيعة الحال للآمم المتحدة. ذلك لآن مسألة مستقبل الآمم المتحدة لها علاقة مباشرة بمستقبل النظام الدولي. فهي حجرالآساس في هذا النظام, وبالتالي فإن تلاشي النظام متعدد الآطراف, الذي تعبر عنه الآمم المتحدة, سيفضي إلى أن تكون هناك عواقب عديدة وغير متوقعة.” وتماهيأ مع هذه الرؤية لا يجد مشهد إستبدال الآمم المتحدة بمنظمة أخرى قبولا واسعأ. وكثيرة هي المسببات, ومنها الآتي على سبيل المثال:

* أولا,  في ضوء معطيات الواقع الدولي الراهن سيكون من الصعب إعادة التفاوض على ميثاق الآمم المتحدة, فضلا عن صعوبة التوصل إلى أتفاق جديد حول مقر المنظمة الجديدة متفاعلآ مع أنتفاء ارجحية مساهمة الدول الآعضاء بالموارد اللازمة لبناء هذه المنظمة.

* ثانيا, سيكون لتفكك الآمم المتحدة تاثير فوضوي على عمل مجمل هياكلها الداخلية , الثلاثة والثلاثين.

* أيضأ سيكون من الصعب الحفاظ على المعاهدات الدولية النافذة, فضلا عن إستحالة تحقيق التوافق الدولي على الآتفاقيات الثلاثة الرئيسية في مجال حقوق الآنسان, وخاصة الاعلان العالمي لحقوق الآنسان لعام 1948.

وإضافة إلى أعلاه, يؤكد رأي أخر أن الآمم المتحدة ليست في ورطة, ردا على ثمة رأي قال بذلك. ويستشهد الرأي الآول على ذلك بإنجازاتها المتعددة خلال الزمان الممتد من تاريخ تأسيسها إلى الوقت الراهن. بيد أن هذا الرأي وأن يعترف بإخفاقاتها, الإ أنه يؤكد أن هذه الإخفاقات لا تشكل تهديدا لها الإعندما  يصل عدد متزايد منها إلى أوضاع حرجة تؤدي إلى وضع مصداقية الآمم المتحدة موضع التساؤل.

ولآن هذا المشهد لايجد أستجابة, ذهب رأي قائلآ” إن الآمم المتحدة مدعوة إلى إعادة إبتكارنفسها…وإعادة النظر في وظائفها وهيكلها وتوزيعها للموارد بأساليب جديدة لجعلها أكثر قدرة على مواجهة تحديات المستقبل والتحرر من الهيمنة.”

وأما عن الرأي الثاني, الذي قال بصعوبة إصلاح الآمم المتحدة, فهو يؤكد أن هذه الصعوبة مردها تاثير إشكاليتين:

فأما عن الإشكالية الآولى: حق النقض, فهي  تكمن في أن أي محاولة  لنزع حق النقض من الدول دائمة العضوية ستدفع بها إلى إستخدامها له ضد محاولة نزعه منها. ومما يساعد على ذلك أن ميثاق الآمم المتحدة  يخلو من مادة تسمح بنزع هذا الحق دون الموافقة الجماعية للدول الخمس دائمة العضوية, إضافة إلى ذلك من غير المحتمل حصول موافقة هذه الدول على التخلي عن هذا الامتياز المهم, سيما وأنه يعد بمثابة الآداة, التي تتيح لها حجب أي قرار لا يتماهى مع مصالحها . ولإنه يؤدي هذه الوظيفة, كان بمثابة الثمن, الذي توجب دفعه للقوى الدولية الكبرى أنذاك لتأمين مشاركتها في تأسيس الآمم المتحدة.

وأما عن الإشكالية الثانية: توسيع نطاق الدول الآعضاء في مجلس الآمن, بنوعيها: الدائمة وغير الدائمة, فإنها نجمت عن معارضة ثمة دول يشوب علاقتها مع دول مرشحة لعضوية مجلس الآمن الدولي التوتر. فمثلا, ذهب عدد من الدول الآوربية إلى معارضة عضوية المانيا, والشىء ذاته بالنسبة للارجنتين حيال البرازيل, وباكستان بالنسبة للهند.

وبغض  النظر عن هاتين الإشكاليتين, تعد إجراءات تعديل ميثاق الآمم المتحدة  بحد ذاتها مسأله تتسم بصعوبتها. فوفق المادة 108 من هذا الميثاق يتطلب التعديل موافقة ثلثي اعضاء الجمعية العامة وتصديق جميع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الآمن, والتي قال أحد الآراء عنها”… أنها  تختلف, ولكنها تتفق في إستخدام حق النقض ضد أي إصلاح للميثاق.”

وفضلا عن هذا الشرط القانوني, كان لتشكيلة مجلس الآمن علاقةٍ وثيقة بتوزيع القوة على الصعيد الدولي أنذاك. فكما أن الدول ذات العضوية الدائمة حاليا في هذا المجلس: الولايات المتحدة, والصين الشعبية( البديل للصين الوطنية أو فرموزا), وروسيا الآتحادية( وريثة الآتحاد السوفيتي), وفرنسا, والمملكة المتحدة, كانت بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية, وما بعدها, هي الدول النووية الوحيدة, ومن ثم الآقوى دوليا أنذاك, قد لايمكن إعادة تشكيل مجلس الآمن بمعزل عن القوى الكبرى البازغة حاليأ, وبعضها يطالب بالعضوية الدائمة, وهي المانيا, اليابان, الهند, والبرازيل. وهذا إن حصل, فإنه قد يكون على حساب بعض الدول دائمة العضوية, إلتي, جراء ذلك من المرجح أن تذهب إلى أستخدام حق النقض لصالح إستمرار عضويتها الدائمة في مجلس الأمن.

وفي ضوء ما تقدم, نرى أن هذا المشهد الثالث هو أكثر ترجيحا للإستمرار من سواه . ومما يساعد على ذلك أن النظام الدولي متعدد الآقطاب, الذي يتطلب وجود منظمة دولية تتماهى مع معطياته, يحتاج إلى زمان قد يمتد إلى منتصف القرن الحالي حتى يتبلور ويتشكل.

* استاذ العلوم السياسية/السياسة الدولية ودراسات المستقبلات/لندن

العدد 114 / اذار 2021