موضوع الحصاد – هل بات التدخل الدولي حتمياً؟

أجندات غيرمتطابقة تعرقل الحلول في لبنان

غاصب المختار

  مع صدور هذا العدد من”الحصاد” يكون قد مضى يوم واحد على انتهاء عهد رئيس الجمهورية ميشال عون، ودخل لبنان اما في عهد جديد واما في الفراغ الرئاسي، مع ما يعنيه من فراغ دستوري قد يجر الى فوضى دستورية ما لم تكن قد تشكلت حكومة جديدة تتولى ادارة البلاد من دون ازمات اضافية.

 وليس المجال متاحاً كفاية لتقييم عهد عون بعد الذي مرّ به، لكن ثمة امور اساسية وضعت على السكة، منها خطة التعافي الاقتصادي وبعض القوانين الاصلاحية، وتوقيع “اتفاق مبدئي” مع صندوق النقد الدولي، وبدء عمليات التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان المركزي تمهيداً للتدقيق في ادارات ومؤسسات رسمية اخرى وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري، واخيرا إتفاق الاطار لترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان الاسرائيلي والذي أبصر النوركإتفاق نهائي قبل انتهاء ولاية عون.

 جلسات انتخاب الرئيس

   في 29 ايلول – سبتمبر الماضي انعقدت اول جلسة نيابية لإنتخاب رئيس جديد للبلاد، كانت حصيلها لا رئيس، إذ تكتلت بعض قوى المعارضة السياسية للعهد التي انتجها البرلمان الجديد

القوات والكتائب والاشتراكي ومعوض تحالف الضرورة المؤقت.

لإنتخاب النائب ميشال رينيه معوض، فحصل على 36 صوتاً، بينما تكتلت القوى الاخرى المحسوبة على ما يوصف بـ “خط الممانعة” للتصويت بالأوراق البيضاء وجمعت 63 صوتاً ابيضَ، وتفرقت اصوات باقي المجموعات بين التصويت للمرشح غير المعلن رسميا سليم ميشال إده فنال 11 صوتاً من نواب “قوى التغيير”، وتَكتّلَ النواب المستقلون ليضعوا ورقة بإسم “لبنان”. فتحولت الجلسة الى تأكيد المؤكد بأنه لا خيار موحداً لدى الاغلبية النيابية، ما اعاد سيناريو انتخاب الرئيس عون عام 2014 بعد اكثرمن 42 دورة انتخاب على مدى سنتين من الفراغ الرئاسي.

 وقد وصف تحالف القوات اللبنانية والكتائب والحزب التقدمي الاشتراكي وبعض المستقلين مع ميشال معوض بانه تحالف الضرورة المؤقت القابل للتغيير اذا تعذر انتخاب معوض لمصلحة رئيس توافقي يحظى باكثرية الاصوات المطلوبة.

وفي 13تشرين الاول – اكتوبر، انعقدت جلسة ثانية لإنتخاب الرئيس ولم يحصل فيها نصاب دستوري (86 نائبا) بل حضرها 73نائباً وقاطعتها كتلة التيار الوطني الحر بسبب تاريخ الجلسة الذي صادف مع ذكرى عملية 13 تشرين الاولعام 1989 التي اطاحت بالعماد ميشال عون وقتها عندما كان قائدا للجيش ورئيس حكومة عسكرية منقوصة التمثيل الطائفي والسياسي. وتضامنت معها كتلة حزب الله. فتأجلت الجلسة الى 20 من الشهر نفسه… وهكذا دواليك.

لوائح مرشحين

ونتيجة الانقسامات، تبنت كلٌّ من القوى السياسية مرشحاً معيناً ترى انه الاصلح لقيادة المرحلة لمقبلة، وانتشرت لوائح مرشحي هذا الطرف او ذاك، فيما اعلنت شخصيات مغمورة ترشيحها رسمياً للرئاسة. وعلى هذا افادت مصادر نواب قوى التغيير ان لائحة مرشحيهم تتضمن اسماء:

جلسة انتخاب رئيس الجمهورية وإشكاليات توفير النصاب.

الوزيرالاسبق زياد بارود، الوزير الاسبق صلاح حنين، سليم ميشال إده، وزير الخارجية الاسبق ناصيف حتّي، امين عام وزارة الخارجية الاسبق ناجي أبي عاصي، وكريم بيطار وهو ابن وزير الصحة الاسبق عام 1971الراحل اميل بيطار.

 وتشير المعلومات إلى أن نواب “التغيير” الـ 13 اتخذوا قراراً حاسماً بعدم التصويت لمرشح «القوات» و«الكتائب» و«التقدمي الاشتراكي» النائب ميشال معوض، وهم تواصلوا مع نواب صيدا أسامة سعد، وعبد الرحمن البزري وشربل مسعد ليختاروا أحد الأسماء التالية: زياد بارود وناصيف حتي والنائب السابق صلاح حنين.

    بينما سعى تكتل النواب السنة لطرح اسماء اخرى مختلفة ايضاً عن مرشحي المعارضة، ولديهم فرصة ليكونوا كتلة مؤثرة في التصويت مؤلفة من نحو عشرة نواب  على الاقل.

    اجندات مختلفة

أظهرت وقائع الجلستين الاولى والثاية لإنتخاب رئيس الجمهورية ، وتعثّر تشكيل الحكومة، وتعقيدات مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة ومعالجة ازمة النازحين السوريين  والأزمة الاقتصادية المالية وخطة التعافي المرتبطة بها وما تتطلبه من قوانين إصلاحية، ان القضايا الكبرى اوالاساسية في لبنان لا تجد حلاّ لها سوى بتدخلات خارجية، بالترغيب ومحاولة الاقناع اوبالترهيب عبر الضغوط.

ما سبق جلسات انتخاب رئيس الجمهورية وما تلاها من اتصالات ولقاءات، شارك فيها بعض سفراء الدول المعنية بالوضع اللبناني، ومواقف مسؤولين عرب وفرنسيين واميركيين وايرانيين، وحتى من منظمة الامم المتحدة خلال انعقاد الجمعية العامة للامم المتحدة، كلها معطيات تشير الى محاولات

ميشال عون عهد مثير للجدل

حثيثة لترتيب البيت اللبناني الداخلي الفوضوي، خاصة بعدما ظهر ان المجلس النيابي الجديد “بيت بمنازل كثيرة” تتقارب فيه مقاعد السكان وتتباعد سياسياً وفكرياً وتوجهاً واهدافاً، ما يحول دون تسهيل معالجة الكثيرمن المشاكل، فيدخل الخارج الى البيت وقد يعيد تنظيمه بما يتلاءم ومصالح هذا الخارج بغفلة عن اهل البيت.

  سمعنا خلال الفترات الماضية كلاما من مسؤولين في بعض الدول يحمل علامات الاشمئزاز والغضب من اداء المسؤولين اللبنانيين على كل المستويات، وتضمن هذا الكلام عبارات قاسية وتلويحاً بالعقوبات على معرقلي الحلول واذا لم ينضبط “مشاغبو هذا البيت”، وفي المعلومات ان هذه الدول تتداول في ما بينها من اجل المساهمة في ابتداع الحلول اوعلى الاقل الافكار التي تدفع الى إجتراح الحلول. ومن هذا الحراك اللقاءات السعودية -الفرنسية – الاميركية، التي اظهرت بعض التباينات حول طريقة التعاطي مع بعض الملفات، والكلام الصادر من الفاتيكان عن تحرك للبابا ومعاونيه تجاه الدول القادرة على مساعدة لبنان، عدا الكلام عن مسعى مصري ما زال في الظل، ومحاولة بعض الدول الاخرى كقطر الدخول اكثرالى الواقع اللبناني عبر بوابة الدعم الاقتصادي والاستثماري وتوفير فرص عمل للبنانيين.

  لكن يبدو ان كل هذه المحاولات لم تصل الى نتيجتها لسببين: سبب داخلي مردّه انقسام الطبقة السياسية، لا سيما في المجلس النيابي المُحرّك لكل شيء، بين محاور شتى من الصعب ان تتفاهم نظراً للسقف العالي لمواقفها السياسية وادائها السياسي وتباعد الايديولوجيات والاهداف والوسائل، وكذلك اختلاف نظرة دول الخارج الى كيفية المعالجة، ووضع فيتوات على تعاطيها مع بعض الاطراف الداخلية المؤثرة ورفض التواصل معها، ولو ان بعض المعلومات تفيد عن تواصل ضعيف بالواسطة مع “المغضوب عليهم” خارجياً.

   في النتيجة، يظهر ان الاجندات غير المتطابقة لكل الاطراف الداخلية والخارجية تحول دون إيجاد اي حل قريب للازمات المتوالدة كالفطر السام، فلا توافق خارجياً على الملفات الساخنة في المنطقة والعالم، من الخليج الى اوكرانيا وصولاً إلى آسيا (الخلاف الاميركي – الصيني)، ولا تفاهم داخلياً على تشكيل الحكومة، ولاعلى انتخاب رئيس للجمهورية، ولا على المعالجات الاقتصادية بشكل كامل، ولاحول عودة النازحين، ما يعني ان اختلاف الاجندات يُكرّس الازمات بدل حلحلتها بل ربما يفاقمها…

  وعليه صار الواجب ترقب تفاهمات خارجية اقليمية ودولية تنعكس تفاهمات الحد الادنى في الداخل لتمرير الاستحقاقات، تماماً كماحصل في “تسوية الدوحة” التي انتجت توافقا على انتخاب ميشال سليمان رئيسا للجمهورية. ولكن يبدو ان امر هذه التفاهمات سيطول. فلا الحرب الروسية – الاوكرانية في طريقها الى النهاية، ولا افق حتى الان يُبشّر بحل للخلاف حول الملف النووي الايراني، ولاحل نهائياً للازمة السورية التي مازالت تنعكس اضراراً بالغة على لبنان من كل النواحي، ولا الصراع الاميركي- الصيني السياسي والاقتصادي يتجه نحو التهدئة بل العكس… ولينتظر اللبنانيون الذين سلموا امرهم للخارج ويطالبون بالحياد!… أليس من الافضل لهم التفاهم بعيداً عن تأثيرات وضغوط الخارج؟.  

المسعى الفرنسي مستمر

ومع ذلك، تفيد معلومات خاصة ان فرنسا ومنذ بداية انخراطها الجدي في معالجة الازمات اللبنانية، تُصرُّعلى القيام بدور ايجابي بعدم الانحياز مع اي جهة ضد اي فريق لبناني، بالرغم من موقفها  المتحالف مع الغرب ولا سيما الولايات المتحدة الاميركية.

وبحسب مصادر مطلعة “فإن الفرنسيين يعملون على ايجاد تسوية رئاسية سريعة لذلك فهم يقدمون العروض ويقترحون اسماء على مختلف القوى السياسية والاطراف المعنية بالاستحقاق” .

وتؤكد المصادر “ان باريس لا تتبنى اي مرشح رئاسي بل تسعى للتوافق بين القوى اللبنانية على اسم ولا تضع فيتو على اي شخصية سياسية قد تُطرح للرئاسة” .وهي بقيت على تواصل مع كلالاطراف بما فيها حزب الله للتوصل الى مقاربات مشتركة حيال الملفات اللبنانية المعقدة.

الحصيلة

  يُستنتج من حصيلة احداث العهد، ان بنية النظام السياسي والاقتصادي في لبنان قابلة للإنهيار، ما استتبع حصول الانتفاضات الشعبية منذ العام 2019 حتى الان، بسبب عدم الاستقرار السياسي الذي ادى الى انهيار اقتصادي نتيجة الخيارات الاقتصادية والمالية الخاطئة على مدى 40 سنة والتي اقر بها معظم الخبراء الاقتصاديين خلال السنوات الثلاث الماضية، ما يفرض على القوى السياسية إجراء مراجعة شاملة لكل الاداء ولكل الخيارات، وحتى مراجعة اسباب انتكاسة نظام الطائف ودستوره، الذي لم تطبق بعض بنوده الاساسية التي تكفل تطوير النظام ونقله من الولاءات الطائفية والمذهبية والمناطقية والسياسية العمياء، الى النظام المدني الاوسع والاكثر عدالة، والذي يحقق الانتطام العام في كل مرافق الدولة، ويحقق تكافؤ الفرص والتكافل الاجتماعي بين كل المواطنين، ويحقق ايضا المساءلة والمحاسبة ومكافحة الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة وبعض نواحي المجتمع، وهي عماد الديموقراطية في اي نظام.