ناتو الشرق الأوسط: الحلف الملتبس

غموض أميركي وتحفّظ عربي وتردد إسرائيلي وتوجس إيراني

محمد قواص

قبل وصوله إلى السعودية دار جدل كبير في الولايات المتحدة والمنطقة والعالم حول الأسباب الحقيقية لجولة الرئيس الأميركي جو بايدن في الشرق الأوسط. بدا أن واشنطن تقوم بإدارة الحزب الديمقراطي باستدارة كبرى، ليس فقط في علاقات واشنطن بدول المنطقة، لا سيما مع دول مجلس التعاون الخليجي، وخصوصا مع السعوية، بل بشأن مكانة المنطقة داخل الأولويات الأميركية.

وعلى الرغم من عدم حصول أي تغير معلن على الاستراتيجية الأميركية التي تضع “الخطر” الصيني على رأس أجندة واشنطن الاستراتيجية منذ ما أعلنها الرئيس الأسبق باراك أوباما في عهده وباتت من الثوابت التي يتفق عليها

الملك عبد الله الثاني: أتمنى قيام “ناتو” في المنطقة

الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إلا أن بروز “الخطر” الروسي، وفق الوثائق المحدثة لحلف شمال الأطلسي، بدّل كثيرا من الخرائط التي مسّت على ما يبدو ميدان الشرق الأوسط.

الاجتماع الدولي الكبير

كان واضحا أن بايدن، الذي ذهب بعيدا في استعداء السعودية والوعد بجعلها “دولة منبوذة”، شديد الحرج من قراره زيارة السعودية، وبات يبحث عن فتاوى وتفسيرات. وحين سُئل عن خططه للقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أثار الرئيس الأميركي في معرض “كشفه” عن حيثيات رحلته إلى الشرق الأوسط، التي تشمل إسرائيل والأراضي الفلسطينية والسعودية، إلى أنه ذاهب لحضور اجتماع دولي كبير.

ضم الاجتماع في جدة، إضافة إلى الرئيس الأميركي، قادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن. يلتقي الرجل مع قادة تسع دول عربية من أصل 22 دولة عضواً في جامعة الدول العربية. وإذا ما كانت زيارة بايدن تأتي على خلفية الجدل الأميركي الإيراني حول احتمال أو انتفاء توقيع اتفاق مُحدث بشأن البرنامج النووي، فإنه يصعب تخيّل أن “الاجتماع الدولي الكبير” يدور حول مسألة إيران والموقف من طهران.

ما بين المنطقة وواشنطن، وخصوصاً في عهد الإدارة الديموقراطية بون من الجفاء والقلق والشكوك. تغيرت الولايات المتحدة، ليس فقط ما بين ديموقراطيين وجمهوريين وما بين جو بايدن ودونالد ترامب، بل في تلمّس أهل المنطقة للتراجع الحقيقي للشرق الأوسط في أولويات الأمن الاستراتيجي الأميركي.

لم تستطع إدارة بايدن الإطاحة بـ “صفقة القرن”

لم تعد الولايات المتحدة مستورداً للطاقة ولم تعد منطقة الخليج في ميزتها الطاقوية بنداً أساسياً أولياً في صراع واشنطن مع خصومها. أعادت حرب أوكرانيا للطاقة الأحفورية مجدها، لكن الهاجس الصيني في واشنطن يخفف حكماً من انخراط الولايات المتحدة التاريخي التقليدي في الشرق الأوسط. وإذا ما تقلق دول المنطقة من مقاربة أميركية للملف الإيراني، فإن بايدن اضطر، وربما مرغماً، أن يأتي إلى المنطقة للتداول مع حلفاء بلاده، إسرائيل أولاً، وحلفائه الآخرين تالياً.

ناتو إقليمي

قبل أن يصل بايدن إلى المنطقة أطل العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ليعيد إثارة مسألة قيام “ناتو إقليمي” مسألة قيام “ناتو إقليمي”. تحدث في هذا الصدد عن تمنياته في مقابلة على الـ “سي أن أن” الأميركية نشرت مقتطفات منها قبل بثها، بما أوحى بأنه يتوجّه إلى الرأي العام الأميركي وإلى النخبة السياسية في واشنطن ويبعث رسائل إلى البيت الأبيض.

 أولها أن البلدان الحليفة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط أخذت علماً نهائياً بـ “الانسحاب” الأميركي من المنطقة.

ثانيها أن تلك البلدان تستكشف تشكيل منظومة أمنية بديلة مساعدة لكن بالتوافق مع المظلة الأمنية الأميركية.

ثالثها أن بلدان المنطقة المتبرّمة من اتفاق نووي مع إيران لا يضمن مصالحها قادرة، مجتمعة، على تجويف الجهد الأميركي في انتاج اتفاق ركيك سيقود حتماً إلى نشوب حروب ربما يجب قيام أحلاف استعداداً لها.

لم يقل الملك عبدالله ما هو هدف هذا التحالف ومن هو خصمه الأساسي. لم يقل من هي الدول التي ستنخرط داخله. ولم يقل إذا ما كانت إسرائيل ستكون جزءاً من هذا “الناتو الإقليمي”. غير أن سياق الدعوة الأردنية الى قيام هذا الحلف ليس بعيداً من تصاعد موقف عمان في الأسابيع الأخيرة من المخاطر الإيرانية على الأردن ودول المنطقة، ولا يمكن أن يكون منفصلاً عن سياق آخر من التوتر الحدودي الخطير مع سوريا والذي تلقي عمان مسؤوليته على إيران وميليشياتها.

حراك المنطقة

“الاجتماع الدولي الكبير” في جدة و “ناتو” العاهل الأردني يتقاطعان مع تقارير عن تعاون دفاعي عسكري بين إسرائيل وبعض دول الخليج لم يتم تأكيده رسمياً، ومع دعوة وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس “الدول العربية التي تشارك إسرائيل المخاوف بشأن إيران أن تعزز قدراتها العسكرية تحت رعاية واشنطن”.

تواكب ذلك الضجيج أيضاً مع قمة مصرية – بحرينية – أردنية عقدت في شرم الشيخ، وزيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لمصر والأردن قبل ذهابه إلى تركيا، وزيارة قام بها العاهل الأردني للإمارات. وجولة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على البحرين وعُمان. قبل ذلك زار الأردن قائدُ القيادة المركزية الأميركية مايكل كوريلا.

والحال أن كل هذه الأعراض تعبّر عن قلق وارتباك وارتجال لدى كل دول المنطقة. قال الملك الأردني إن على “تحالفه” أن يضم الدول التي تتشارك “مواقف موحدة” وأن رؤية مثل هذا التحالف العسكري يجب أن تكون واضحة جداً ودوره يجب أن يكون محدداً بشكل جيد. الشروط صعبة وجاء الجواب سريعاً.

تحسم الإمارات هذا اللغط وتعلن أنها “ليست طرفاً في أي تحالف عسكري إقليمي أو تعاون يستهدف أي دولة بعينها”. يذهب بيان أبو ظبي إلى أن “الإمارات العربية المتحدة ليست على علم بأي مناقشات رسمية تتعلق بأي تحالف عسكري إقليمي من هذا القبيل”. وعلى هذا فإن لا خطط رسمية لإقامة حلف إقليمي ضد إيران، على الأقل في الوقت الحاضر.

أين إيران؟

لا يمكن لاجتماع جدة أن يكون مقدمة لفكرة من هذا النوع. يكفي تأمل هوية المجتمعين لاستنتاج الطابع التعددي لمواقف أطراف الاجتماع من إيران. فإضافة إلى تباين هذه المواقف بين دول مجلس التعاون الخليجي الست، فإن مواقف الأردن ومصر، وخصوصاً العراق، ليست على موجة واحدة في كيفية مقاربة المسألة الإيرانية. وعلى ذلك فإن اجتماع جدّة، على أهميته، ليس مناسبة كبرى يمكن التأسيس عليها لاستشراف تحوّل كبير لإقامة تحالفات تقوم عليها علاقات جديدة لواشنطن مع الشرق الأوسط.

ومع ذلك، فإن الكلام عن “الناتو” وشبهة أن يكون ضد إيران، تتواكب مع تطوّر الملف الإيراني على نحو انقلابي قاد إلى استئناف المفاوضات في الدوحة. انتقل مكان التفاوض إلى المنطقة بعد أن عملت طهران وواشنطن بعناد لإقصاء المنطقة عن كواليس أي اتفاق. سيكون الكلام عن الأحلاف هامشاً، فيما الحدث الحقيقي سيتركّز في كيفية استعادة واشنطن علاقات دافئة مع الرياض والخليج. سيكتشف بايدن منطقة متخلّصة من احتكارية الوصل مع الغرب ومتقدمة في علاقاتها مع الشرق، روسيا والصين خصوصاً. يأتي بايدن ليتعامل مع هذا المعطى وليس لصدّه أو احتوائه.

والظاهر أن ينزل بايدن مجبراً عن قمّة شجرة تسلّقها لاستعداء السعودية هي استدارة دراماتيكية يقوم بها الرئيس الديموقراطي يحتاج إخراجها إلى “اجتماع دولي كبير”.

العرب والقنبلة النووية

لم يكن الموقف العربي من اتفاق فيينا مع إيران لعام 2015 مرتبطا مباشرة بفحوى الاتفاق وبنوده. تحفّظ العرب على “صفقة” لم تأخذ بعين الاعتبار هواجسهم، وعلى اتفاق دُبّر من وراء ظهرهم نسجته قناة تواصل خلفية بين واشنطن وطهران دون أي تشاور مع عواصم المنطقة المفترض أنها حليف تاريخي للولايات المتحدة.

ولئن تخوّفت الدول المحيطة بإيران، لا سيما دول الخليج، من الخطر البيئي الذي تشكله المفاعلات النووية، لا سيما أن بعضها أقرب إلى عواصمها من طهران، إلا أن تمتع إيران ببرنامج نووي، وحتى الوصول إلى القنبلة النووية على جسامة الأمر، لم يكن الهاجس الأول لتلك الدول، ذلك أن قنابل إسرائيل أو باكستان أو الهند (وغيرها) النووية تحيط بالمنطقة أيضا بدون أن يشكّل هذا الواقع خطراً آنيا مباشراً على بلدان المنطقة وشعوبها.

لا تملك الدول النووية القريبة والبعيدة مشروعاً ايديولوجيا لاسقاط الأنظمة في العالم العربي على ما فاخرت إيران به منذ قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979 ووعدت بتصدير ثورتها.

ولا تستعين تلك الدول بميليشيات تفتك بالنسيج الاجتماعي الداخلي لبلدان عربية أو بأنشطة تدخّل في شؤونها في مغرب المنطقة ومشرقها.

لم يصدف أن اكتُشف لتلك الدول خلايا ناشطة أو نائمة في هذا البلد أو ذاك، ولم يُسجل أنها تدعم جماعات وميليشيات تسلّط مسيرّاتها وصواريخها ومخدراتها ضد هذه الدولة أو تلك. ولم تكشف أبواقها التابعة عن عزم على تدمير المدن ودعم الفتنة فيها أو فخر بالسطو على أربع من عواصمها.

اختلف موقف إسرائيل عن الموقف العربي من حيث تركيزه على منع البرنامج النووي الإيراني من التمكن من انتاج القنبلة النووية. ففيما عدا الصدام مع المليشيات والفصائل التابعة لإيران أو المتحالفة معها في لبنان وسوريا وفلسطين وسيطرتها على مستويات الصدام واحتوائه، فإن إسرائيل معنية أولا وأخيرا بخطر إطلالة قنبلة نووية من إيران، وليست مهجوسة كثيراً بالسلوك الإيراني في اليمن والعراق وداخل دول الخليج، لا بل قد تجد في ذلك حافزا لتعزيز حضورها السياسي داخل المنطقة ومناسبة لتراجع مستويات العداء الإقليمي ضدها.

ولطالما ردد العرب، لا سيما دول الخليج، رفضهم لمقاربة مجموعة الـ 5+1، في تناول البرنامج النووي عبر مداخل تقنية يجري التعامل معه بآليات تقنية تراقبه وتحاصره وتحدّ من شططه. ولطالما طالب العرب بآليات سياسية تتيح مشاركتهم الكاملة بالمفاوضات وعدم التعامل معهم وكأنهم جغرافيا في كوكب آخر. طالب العرب خصوصاً تضمين المفاوضات مع إيران ملف برنامجها للصواريخ الباليستية وملف سلوكها المزعزع للاستقرار في المنطقة.

بايدن وعقيدة أوباما

في مطالعات الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، والتي كشفتها بدقة المقابلات التي أجراها معه الصحفي الأميركي جيفري غولدبيرغ ونشرها في صحيفة “ذي أتلانتيك” تحت عنوان “عقيدة أوباما” في عام 2016، ظهرت جلية المداخل الإيرانية التي اعتمدتها الإدارة الديمقراطية آنذاك دون أخذ المداخل العربية بعين الاعتبار.

لم يلحظ أوباما العامل الإقليمي للمسألة، مطمئنا إلى أن “إنزال” اتفاق دولي مع إيران بآلية ثنائية مباشرة بين واشنطن وطهران كفيل بفرض أمر واقع في الشرق الأوسط، لا بل ودعوة الخليجيين فوق ذلك للذهاب وفق هذا الأمر الأمر الواقع، للاتفاق مع إيران و “تشارك النفوذ معها” في المنطقة.

ثبت أن أوباما كان مخطئا. أجهضت الولايات المتحدة بالذات في عهد الرئيس دونالد ترامب الاتفاق، وعجزّت مواهب الرئيس الحالي جو بايدن عن إعادة انعاشه وإعادة الروح إليه بدون ملاحق تصويبية ضابطة لم تقبلها طهران حتى الآن.

بات واضحاً أن العامل الإقليمي الذي أسقطه أوباما هو نفسه الذي أسقط الاتفاق بعد 3 سنوات على إبرامه، وأن ضغوط دول المنطقة هي التي منعت الإدارة الديمقراطية في واشنطن ومبعوثها لهذا الملف روبرت مالي من إعادة انعاش الصفقة الأوبامية العتيقة.

يأتي بايدن إلى المنطقة بناء على هذا المعطى. لا يمكن لاتفاق دولي مع دولة في المنطقة أن يقوم إلا من داخل المنطقة وبالتشاور الكامل معها. وإذا لم تفهم واشنطن ذلك سابقا، فقد تولّت عواصم المنطقة، لا سيما بمناسبة اندلاع “الربيع العربي”منذ عام 2011، فرض رؤيتها وأجنداتها وجعل إراداتها شرطا وجب على العواصم الكبرى، وخصوصا واشنطن، التموضع وفقها.

صحيح أن بايدن عبّر غداة دخوله إلى البيت عن نزوع يمثّل تمددا للأوبامية لمناكفة المزاج العربي العام واعتباره هامشا، إلا أن ما اكتشفه الرئيس الأميركي من تحوّل لافت في السياسات الخارجية العربية، الخليجية بالاخص، أحدث انقلابا اضطرت إليه المؤسسات السيادية الأميركية لإعادة ترتيب مواقفها وتصويب أداء البيت الأبيض العام حيال دول المنطقة.

لا تشكل حرب أوكرانيا وأزمة الطاقة في العالم إلا أعذارا أنزلت بايدن من قمة شجرة بالغ في تسلّقها في التعبير عن فوقية أميركية نزقة في التعاطي مع مصالح العرب. حتى أن الرجل نفسه يصرّ على أن جولته الشرق أوسطية وزيارته للسعودية بخاصة ليس لها علاقة بملف الطاقة. يعترف بايدن أن تحولات كبرى جرت في الشرق الأوسط في العقد الأخير وهو يأتي ليلاقي هذه التحولات لا ليسير عكس تيارها.

يبقى أن دونالد ترامب رأى في أيار (مايو) 2017 أن زياته للسعودية هي محطة مفصلية لإدارته للإطلالة على العالم. في السعودية شارك آنذاك في قمم ثلاث جمعته مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي والعالمين، العربي والإسلامي. يفتخر بايدن، بعد نفي الطابع الطاقوي لزيارته، أنه ذاهب “لحضور اجتماع دولي كبير”. شيء في سلوك بايدن المستجد يحمل عبقا ترامبية أدركه متأخراً. لكن أن يدرك ذلك متأخرا خير من أن لا يدركه أبدا.

بايدن وفلسطين

سعت واشنطن إلى تأمين عوامل نجاح، ولو شكليّ، لزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية. وإذا ما كانت المحطة السعودية من زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط كانت الأهم في مغازي مقاربة الإدارة الأميركية للمنطقة، إلا أن بايدن يحتاج (في أول وجهة عربية له)، في فلسطين إلى إنجاز ما داخل ملف الصراع يكون فيه متميّزاً على نحو نوعي عما انتهجته إدارة سلفه دونالد ترامب.

ولئن عُلّقت “صفقة القرن” أو تراجع وهجها، إلا أن غياب خطة أميركية بديلة في عهد الإدارة الديمقراطية ما زال يجعل من “الصفقة” المشروع الدولي الوحيد الذي سيتم حتما انعاشه إذا ما تولى الجمهوريون دفّة الحكم في البيت الأبيض بعد انتهاء ولاية بايدن، وخصوصا إذا ما استعاد ترامب بالذات المنصب في انتخابات عام  2024. فحتى إفراج واشنطن عن مساعدات مالية للانروا ومؤسسات فلسطينية أو وعود نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي مبعوث الإدارة الأمريكية هادي عمرو بقيت اقتصادية على خطى الترامبية بنكهة بايدينية واهنة.

التحضير لزيارة بايدن، تطلّب اتصالات أردنية مصرية مع قيادة السلطة، بما في ذلك زيارة مفاجئة قام بها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى رام الله في 31 أيار (مايو)، من أجل تهيئة الأجواء للقاء بايدن – عباس، وتأمين شروط لإنجاح مساعي الإدارة الديمقراطية لتحقيق تقدم نوعي ينهي الانسداد الحاصل منذ عام 2014. وليس صدفة أنه في نفس اليوم أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اتصالا بالرئيس الفلسطيني.

على أن ما أورده البيان الرسمي الفلسطيني بشأن زيارة الوزير الأردني، اعتُبر بمثابة رسالة مباشرة إلى واشنطن، من حيث أن عباس هدد “أن القيادة الفلسطينية بصدد اتخاذ إجراءات لمواجهة هذا التصعيد الإسرائيلي، في ظل عجز المجتمع الدولي عن إرغام إسرائيل على الامتثال لقرارات الشرعية الدولية”. وتأتي الجهود المصرية الأردنية من أجل تهدئة فلسطينية عقب تهديدات صدرت عن القيادة الفلسطينية (المجلس المركزي الفلسطيني في شباط) بسحب الاعتراف الفلسطيني بدولة إسرائيل.

معلومات أخرى ذكرت أن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي رفضا اقتراحا أميركيا لعقد لقاء فلسطيني إسرائيلي تشارك به الولايات المتحدة ومصر والأردن. الفلسطينيون لم يحصلوا على ضمانات بخروج هذا اللقاء بتعهدات إسرائيلية دولية للالتزام بحلّ الدولتين وفق القرارات الدولية، والإسرائيليون المتحجّجون بأزمتهم الحكومية غير معنيين بأي “شبهة” مفاوضات مع الفلسطينيين. لكن الأرجح أن لا شعور عام بجدية بايدن وإدارته في “اقتحام” أكثر الملفات تعقيداً في التاريخ الحديث.

مطالب السلطة

وبالرغم من الهمّة الأميركية المستجدّة للإطلالة على الشأن الفلسطيني لدرجة عقد قمّة بين الرئيسين الأميركي والفلسطيني، إلا أن الإدارة الديمقراطية المناكفة عقائديا لترامب، والتي سعت للانقلاب على قراره الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018 وإعادة ترميم ما أصابه الرئيس السابق من تصدّعات طالت علاقات واشنطن مع الحلفاء، ما زالت، ولأسباب مقلقة، متلكئة في التراجع عن قرارات ترامب بشأن الفلسطينيين.

تطالب السلطة الفلسطينية برفع منظمة التحرير الفلسطينية من قوائم الإرهاب، في وقت رفعت فيه الإدارة حركة “كاخ” اليهودية المتطرفة عن تلك القوائم.

وتطالب السلطة بفتح ممثلية المنظمة في واشنطن التي أغلقتها إدارة ترامب في أيلول 2018.

وتطالب السلطة بإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية والتي أغلقتها الإدارة السابقة عام 2019 بعد أن تم نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، مقابل موقف رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت الرافض للأمر “دفاعاً عن القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل”.

وتطالب السلطة بقرار لاستئناف المساعدات المالية الأميركية للفلسطينيين والذي ما زال خاضعا لقانون “تايلور

وزير الدفاع الإسرئيلي: لتنسيق الدفاع مع الحلفاء في المنطقة

فورس” الذي أقره الكونغرس عام 2018 في عهد ترامب. يشترط القانون لارسال المساعدات الاقتصادية الأميركية للسلطة الفلسطينية وقف السلطة الدفعات المالية لـ “صندوق أسر الشهداء”.

والمفارقة أن الإدارة الأميركية، حتى من أجل تسهيل زيارة بايدن إلى المنطقة، لم تتخذ أي مواقف تدين التصعيد الإسرائيلي الميداني خلال الأسابيع الأخيرة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما أنها لم تقدم أي وعود بإمكانها تهدئة القيادة الفلسطينية وفتح آفاق الأمل بمعاملة أميركية إيجابية أخرى بامكانها الانسحاب على مجمل الموقف الدولي.

يرفع الجمود الأميركي حجم الضغوط السياسية على قيادة السلطة بشأن طريقة تعاطيها مع التصعيد الإسرائيلي ضد المدن والقرى والفلسطينية، ويرفع مستوى الضغوط المالية الاقتصادية التي تهدد بإضعاف السلطة الفلسطينية لصالح حركة حماس التي توسّع من شعبيتها حتى داخل الضفة الغربية. والأمر يطرح أسئلة بشأن خطة إسرائيلية لا تمانع في تعزيز نفوذ الحركة الإسلامية لأغراض إسرائيلية خبيثة، ترمي إلى هدم الوعاء السياسي الفلسطيني والترويج لحلول اقتصادية هدفها أن تحسّن من الأحوال المعيشية للفلسطينيين بدون بحث أي مستقبل سياسي لهم.

وإذا لم تحصل مفاجآت في اللحظة الأخيرة، فإن زيارة بايدن الإسرائيلية-الفلسطينية لم تعدو كونها من تقاليد أي رئيس أميركي يصل إلى البيت الأبيض وقد يصحّ وصفها بالسياحية الاستطلاعية التي لن تعلن أي تحول نوعي تختلف عن سياسة واشنطن المعهودة وسياسة ترامب بالذات بشأن القضية الفلسطينية.

والأرجح أن الإدارتين، الحالية والسابقة، وكما أكد السفير الأميركي في إسرائيل توماس نايدز في أيار، تعوّلان على “اتفاقات أبراهام” إطارا أساسيا وربما نهائيا لترتيب علاقات إسرائيل بالعالم العربي.

والظاهر أن المحطة الإسرائيلية-الفلسطينية، لا سيما في شقّها الإسرائيلي، هي مباركة إضافية لإطار إقليمي أوسع تأمل واشنطن في توسيع مساحة أطرافه من خلال اجتماع في جده. وليس تفصيلا أن يجعل بايدن من هذا الاجتماع بالذات عنوانا، أساسيا وأصيلا وكاد يكون وحيداً، لجولته الشرق أوسطية.

آفاق ناتو المنطقة

من المبكر إعطاء أجوبة نهائية عن مشهد الشرق الأوسط بعد جولة بايدن. غير أن ما هو جلي أن أزمة الطاقة في العالم أعادت للمنطقة، سواء في جهاتها التقليدية المنتجة للطاقة في الخليج، أو تلك المنتجة للغاز، لا سيما الجزائر وإيران (إضافة إلى قطر)، أو في جهاتها الجديدة الواعدة شرق المتوسط والتي يتوق العالم إلى ما تختزنه أعماق المياه من نفط وغاز.

وقد لا تؤشر استعادة الأهمية الاستراتيجية للمنطقة إلى “عودة” الولايات المتحدة إلى لعب دور تقليدي كالذي عرفته المنطقة منذ عقود. والظاهر أن واشنطن ما زالت ذاهبة نحو الشرق القريب من نفوذ الصين في منطقة الأندو-

بايدن يعيد الاعتراف بدور الرياض وزعامة ولي العهد السعودي

باسيفيك، وهي ذاهبة لتشجيع قيام أحلاف إقليمية بإمكانها تحمّل أعباء تشكيل منظومات أمنية دفاعية برعاية أميركية تحلّ مكان الولايات المتحدة وتخلّصها من أكلاف الانخراط المباشر في المنطقة.

ومع ذلك فإن الحديث عن “ناتو الشرق الأوسط” ما زال عصيا على التنفيذ، خصوصا أن المنطقة، بما فيها الدول التي لها علاقات مع إسرائيل ما زالت غير راغبة في الإنخراط مع إسرائيل في هياكل عسكرية بدون أي تقدم على المسار الفلسطيني. ثم أن إسرائيل نفسها التي ترغب بإقامة “تنسيق” مع بعض دول المنطقة، غير متحمسة للدخول في حلف إقليمي يفرض عليها توافقات وتنازلات سياسية لا ترغب بها، ناهيك من تحفّظها عن كشف أسرارها العسكرية على أعضاء أي حلف. لكن الثابت أن أمورا كثيرة قد تغيرت وتعد المنطقة بتحولات مقبلة.

لم يقل الملك عبدالله ما هو هدف هذا التحالف ومن هو خصمه الأساسي. لم يقل من هي الدول التي ستنخرط داخله. ولم يقل إذا ما كانت إسرائيل ستكون جزءاً من هذا “الناتو الإقليمي”. غير أن سياق الدعوة الأردنية الى قيام هذا الحلف ليس بعيداً من تصاعد موقف عمان في الأسابيع الأخيرة من المخاطر الإيرانية على الأردن ودول المنطقة، ولا يمكن أن يكون منفصلاً عن سياق آخر من التوتر الحدودي الخطير مع سوريا والذي تلقي عمان مسؤوليته على إيران وميليشياتها.

لا يمكن لاجتماع جدة أن يكون مقدمة لفكرة من هذا النوع. يكفي تأمل هوية المجتمعين لاستنتاج الطابع التعددي لمواقف أطراف الاجتماع من إيران. فإضافة إلى تباين هذه المواقف بين دول مجلس التعاون الخليجي الست، فإن مواقف الأردن ومصر، وخصوصاً العراق، ليست على موجة واحدة في كيفية مقاربة المسألة الإيرانية.

هل يمكن قيام “ناتو” في الشرق الأوسط

ولئن تخوّفت الدول المحيطة بإيران، لا سيما دول الخليج، من الخطر البيئي الذي تشكله المفاعلات النووية، لا سيما أن بعضها أقرب إلى عواصمها من طهران، إلا أن تمتع إيران ببرنامج نووي، وحتى الوصول إلى القنبلة النووية على جسامة الأمر، لم يكن الهاجس الأول لتلك الدول، ذلك أن قنابل إسرائيل أو باكستان أو الهند (وغيرها) النووية تحيط بالمنطقة أيضا بدون أن يشكّل هذا الواقع خطراً آنيا مباشراً على بلدان المنطقة وشعوبها.

ولئن عُلّقت “صفقة القرن” أو تراجع وهجها، إلا أن غياب خطة أميركية بديلة في عهد الإدارة الديمقراطية ما زال يجعل من “الصفقة” المشروع الدولي الوحيد الذي سيتم حتما انعاشه إذا ما تولى الجمهوريون دفّة الحكم في البيت

إيران تنظر بقلق إلى قيام تحالف إسرائيلي عربي ضدها

الأبيض بعد انتهاء ولاية بايدن، وخصوصا إذا ما استعاد ترامب بالذات المنصب في انتخابات عام  2024. فحتى إفراج واشنطن عن مساعدات مالية للانروا ومؤسسات فلسطينية أو وعود نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي مبعوث الإدارة الأمريكية هادي عمرو بقيت اقتصادية على خطى الترامبية بنكهة بايدينية واهنة.

العدد 131 / اب 2022