نوبل 2022

آني إرنو اول كاتبة فرنسية تنال جائزة نوبل للآداب!

باريس ـــ جاد الحاج

نالت الكاتبة الفرنسية آني إرنو جائزة نوبل للآداب عن  سنة 2022. وهي من مواليد 1940 لكنها الانثى الوحيدة التي تنال هذه الجائزة المميزة وسط 16 من الذكور بينهم آناتول فرانس (1912) رومان رولان (1915)   هنري بيرغسون (1927) اندريه جيد (1947) فرانسوا مورياك (1952) ألبير كامو (1957) سان جون بيرس (1960) وجان بول سارتر (1964)… واشتهرت آني إرنو بالتركيز العميق والموثق على الحالات العاطفية  والجنسية لدى المرأة آخذة من ذاتها وتجاربها دليلاً للتشريح والشرح  في لغة شديدة القرب مما يلهج به الفرنسيون عادة – أي من دون اللجوء الى سياق معقد  او بعيد  عن النهج الرائج لدى عامة الشعب. ولعل هذه الصفة بحد ذاتها افسحت المجال امام عدد واسع جداً من القراء والقارئات واذا بالكتب والروايات الموقعة” بإسمها تتجاوز مبيعات “فضائح” فرانسواز ساغان، وبلاغة مارغريت يورسنار، وحكايات كوليت وصولا ً الى صداعات جورج ساند!

ولدت آني في مقاطعة نورماندي وتنقلت بين الجامعات المحلية تدرّس الكتابة الادبية والنقد، علماً ان مؤلفاتها ركزت على النواحي النسائية خصوصاً عاديات وعادات اللواتي انتمين، على غرارها، الى الطبقة الكادحة في فرنسا. ومع مرور الزمن باتت آني إرنو مشهورة بالتصدي الى اكثر المواضيع حساسية وخطورة من الناحية الاخلاقية، مع ذلك استطاعت ان تتحدث  عن مسائل الاجهاض والحب والخيانة الزوجية كما عاشتها ووصفتها من دون اللجوء الى التمويه الادبي مما يحدث عادة في الروايات المتداولة إن في فرنسا أو غيرها من دول العالم الحر.

وليس غريباً ان يعتبر النقاد حصولها على جائزة نوبل ظاهرة مستجدة، علماً ان تجارب الشخصيات التي عالجتها    ما هي سوى شاهدات على ما عاشته وعانته وبحثت عن اسبابه بجرأة عارية . ويقول ماتس مالم المسؤول في الاكاديمية السويدية  : إن احدى الاسباب الاساسية التي دفعت باللجنة الى تخصيص آني إرنو بأهم جائزة ادبية على الاطلاق “هي شجاعتها في التصدي الحميم والدقيق لكل ما عالجته في مسيرتها الطويلة من شخصيات تحمل في اعطافها تجارب المؤلفة وتعرضها كما هي من دون تجميل او تمويه”.

في الثانية والثمانين من عمرها وقفت آني في دار غاليمار، ناشر  كتبها، وقالت: “إن الحصول على جائزة نوبل بالنسبة إلي مسؤولية تدفعني الى الاستمرار في عملي. وانا اتكلم من موقعي كإمرأة علماً ان النساء لم ينلن حقوقهن بالكامل حتى الساعة”. وقد حاز على  جائزة نوبل للآداب 119 كاتباً حتى اليوم، إلا أن آني وحدها تشكل الرقم 17 بالنسبة الى أدباء فرنسا ممن نالوا تلك الجائزة.

في بداية مسيرتها الادبية كتبت إرنو خواطرها، وسرعان ما انتقلت الى العمل الروائي وكتابة المذكرات علماً انها رفضت دائماً تحديد النوعية الادبية التي تتعامل معها. ويقول دان سيمون مؤسس دار النشر المعروفة باسم “دار القصص السبعة” الذي نشر كتب إرنو مترجمة الى الانكليزية طوال 31 سنة: “إن أعمالها الآتية مباشرة من التجربة المعيشة تتميز بالاسلوب الروائي من دون افتعال او لجوء الى انشائيات صعبة”. أما إرنو فتقول أن كتابتها تنتمي الى السياسة اكثر من الادب. ويعود ذلك الى كونها تضع ذاتها في قلب النص باحثة عن متوازيات متشابهة او متعارضة مع المسار الحكائي في كل كتاب على حدة، ويبدو واضحاً من سطورها الاولى انها قبضت على واقع المجتمع الفرنسي في اكثر الازمنة والظروف المتبدلة والمتغيرة خصوصاً بما يتعلق بالإرث الكاثوليكي وقيمه، وفي المقابل بالحريات الجنسية على اختلافها.

منذ انطلاقتها الاولى عرفت إرنو   صدّ  الناشرين الذين رفضوا نشر مولودها الأول وتوزيعه على اساس انه كتاب “زائد الطموح” مما جعلها تتوقف عن الكتابة حتى بلغت الثلاثين من عمرها، متزوجة ولديها ولدين وتعمل مدرّسة للغة الفرنسية.

سنة 1974 صدر لها كتاب يمكن اعتباره رواية ذاتية  عنوانه “كامل النظافة” كتبته سراً في الخفاء من زوجها الذي لم يكن كثير الاهتمام بما تكتبه: “لقد حاول أبي أن يقتل أمي ذات يوم أحد من شهر حزيران وكان ذلك بعد الظهر” بهذه الكلمات بدأت إرنو كتابها الأول. إلا أن نجاحها التسويقي لم يظهر بوضوح حتى سنة 1992 مع نشرها   “الهوى البسيط ” الذي يصف علاقتها السرية بأحد الديبلوماسيين كما يتطرق بدقة ووصفٍ عميق لمشاعر الرغبة الجنسية لدى النساء عموماً. وتقول إرنو: “كثيرون هم الرجال والنساء أسرّوا إلي بكم كانوا يحبون لو انهم كتبوا ذلك الكتاب بأنفسهم”.

وقد باع  “الهوى البسيط” مئتي ألف نسخة.

 يرى النقاد ان إرنو لم تتوقف عن البحث في اعماق تصرفاتها ومشاعرها حتى انها استعادت الكثير من محطات حياتها في كتاب “احداث” الذي صدر سنة 2000 وفيه وصف دقيق لعملية الاجهاض التي عاشتها سنة 1963 وهي لم تزل طالبة في الثامنة عشرة من عمرها.

 أخيراً من الصعب بمكان ان نعزو خيار نوبل الى تمرّد إرنو على نمطية الرواية الغربية وتجاوزها الأسس الكلاسيكية الى خرقها بالكامل تقريباً، مما حصل في أعمال سابقة لكوليت وجورج ساند التي كتبت باسم رجل مستعار. . . ولحية! الا ان نوبل تتحرى بدقة أصداء الأنماط والمتغيرات الإجتماعية وظهور مؤثراتها على السياق الإبداعي، فمن يدخل عالم النشر هذه الأيام لا بد أن يلحظ اسقاطات واسعة النطاق لعلوم النفس، والمؤثرات الرياضية، ومحتويات الطعام والشراب، على ما يكتبه المؤلفون، ناهيك عن ظهور اسماءعدد ملحوظ من الأطباء والإختصاصيين على اغلفة كتب خلفها مؤلفون  … وشعراء، مما يشير الى تفلت الآداب المعروفة وانفتاح ابواب دور النشر لكل من يهمه التواصل عبر الكتابة مع جمهور جاهز للتجاوب والتجريب!

إذذاك لا بد ان نضع السيدة إرنو في مكانها الصحيح!