هل التاريخ قضية وطنية..أم رؤية سياسية ؟

بين الرصد للظاهرة وتحليلها، والأسقاط السياسي وعواره

أمين الغفاري

ماهو التاريخ..؟

هل هو مجرد أحداث عابرة وقعت، وطوتها الأيام مع ما طوت من عقود وقرون من السنين؟

أم انه بالأحرى أحداث قد جرت، وتركت بصماتها على كل أيامنا، وشكلت في مجموعها حاضرنا، بل وفي سبيلها أن تترك آثارها على مستقبل أيامنا، ان لم ننتبه لوقعها ولرصد حركتها.

نتساءل بكل مافي البراءة من صفاء..هل التاريخ ضمير يتكلم للمواطن، وأمانة تروى من اجل الوطن؟

أم انه رؤية سياسية ذات اختلاف في المعايير، ان لم تكن سلعة مزورة وتجارة محرمة يجرى انتهاكها وفق التطلعات الذاتية أو الأهداف السياسية.

ان من يتابع في هذه الأيام مايجري على الساحة المصرية من اصدارات، أو أحاديث عبر الصحف أو القنوات الفضائية لابد ان يصاب بالدهشة، وهو يقرأ، أو يستمع لكتاب أولأساتذة تقترن أسماء بعضهم بدرجات علمية يفترض معها أن تكون لأرائهم بعض القبول أوالمنطق أو بما يشي بمعنى أومضمون يستحق الأنصات اليه، وفي الوقت الذي تواجهها بعض الأصابع للأعتراض، وتدق لهم بعض الأجراس للتنبيه، فان العبث هو ما تصادف، والأصرار هو ما تقابل، في الوقت الذي يكون فيه التأثير الوحيد الذي يشاهد هو الاعتراض ان لم يكن الأستهجان والرفض الصريح لما يطرح أو يقال.

من هذه الصور الكاتب الدكتور يوسف زيدان، وقبل أن ندلف الى عالمه في محاولة للفهم والأستيعاب، علينا أن نضع تأهيله العلمي أمامنا للتعرف على تخصصاته العلمية الأساسية ثم على اجتهاداته في قضايا أخرى من التاريخ الى السياسة التي أثارت الكثير من الأستهجان والجدل ان

الدكتور عاصم الدسوقي استاذ التاريخ الذي تصدى لمغالطات التاريخ

لم يكن اللغط حوله

مؤهلات الدكتور سوف زيدان العلمية

شهادة ليسانس الفلسفة من كلية الآداب جامعة الأسكندرية عام 1980 ذ الماجستير في الفلسفة الأسلامية برسالته عن الفكر الصوفي عند عبدالكريم الجيلي، دراسة وتحقيق لقصيدة النادرات العينية للجيلي مع شرح النابلسي ذ الدكتوراه في الفلسفة الاسلامية برسالته عن الطريقة القادرية فكرا ومنهجا وسلوكا، دراسة وتحقيق لديوان عبدالقادر الجيلاني عام 1989. أنشأ د.يوسف زيدان قسم المخطوطات في مكتبة الأسكندرية عام 1994 وعمل رئيسا له، ثم تم فصله من وظيفته في عهد الدكتور اسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الأسكندرية عقب خلاف بينهما.

اجتهاداته في التاريخ والسياسة

للدكتور زيدان العديد من المؤلفات في مجالات متعددة منها مايتصل بالتراث الأسلامي والأنتاج الأدبي وفهرست المخطوطات التراثية، وهي لاتدخل في اطار الأجتهادات المعنية بها تلك السطور، بصرف النظر أنها تواجه أيضا انتقادات مرة، نربأ باثارتها في هذا الموضوع، حتى لاتختلط الأمور.

يصف الدكتور زيدان في حلقاته المتتالية في التاريخ والسياسة واحدا من الأبطال الكبار في التاريخ الاسلامي وهو صلاح الدين الأيوبي بأنه )أحقر شخصية في التاريخ الأنساني(. يقول الدكتور محمد عفيفي أستاذ ورئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة عن هذا الوصف أن )استخدام لفظ أحقر( لايمكن ان يصدر من مؤرخ أو مفكر أو مثقف، وكان يمكن لو كان له رأي سلبي عن شخصية مثل صلاح الدين الأيوبي أن يذكرها، ويضيف المصادر التي استند اليها في تكوين ذلك الرأي.

يصف الدكتور زيدان البطل المصري التاريخي أحمد عرابي بأنه كان فأرا بجوار الخدديوي توفيق، وينفي واقعة مواجهته أمام قصر عابدين وقول عرابي للخديوي )لقد خلقنا احرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقارا، فوالله الذي لااله الا هو اننا لن نورث أو نستعبد بعد اليوم( ويذكر يوسف زيدان بيت الشعر لأحمد شوقي وهو يهجو عرابي حين عاد من المنفى عام 1902 بقوله )صغار في الذهاب والأياب أهذا هو شأنك ياعرابي(. يقول المؤرخ الكبير الدكتور عاصم الدسوقي )يمكن لأي قارئ ومهتم بالتاريخ أن يدلي برأيه(، ولكن ان تتصدى لقضايا جوهرية وتعيد قراءتها على غير ما تعارفنا عليها، فعليك ان تكون دارسا للمنهج التاريخي في استقراء الحدث، تماما ويضرب مثلا في ذلك بقوله كرجل له صوت جميل حين يغني، يمكنه أن يغني، ولكن ان يصبح مطربا فعليه أن يربي صوته على يد موسيقي وأن يدرس المقامات والطبقات حتى يمكنه أن يصبح مطربا، والدكتور يوسف زيدان ليس مؤهلا لكي يقدم احكاما في التاريخ، لاسيما ان التاريخ ليس علما مطلقا، وانما به تخصصات كذلك مثل التاريخ الحديث والتاريخ الأسلامي وتاريخ اوروبا وتاريخ الحضارات القديمة وغير ذلك من التخصصات، بل أن هناك ايضا التخصصات في الفروع ذاتها، وما ذكره عن احمد عرابي غير صحيح والمواجهة بينه وبين الخديوي ليست تأليفا وانما لها شهود ومراسلي صحف كتبوا عنها. أما أن الشاعراحمد شوقي قد هجاه ببيت من الشعر قال فيه )صغار في الذهاب وفي الاياب أهذا كل شأنك ياعرابي( فذلك

الدكتور يوسف زيدان أستاذ الفلسفة.. أثار الأستنكار في تطاولاته التاريخية والسياسية

صحيح، ولكن لماذا لم يذكر رد أحمد عرابي عليه، وذلك من باب الأمانة في العرض فقد رد عرابي قائلا )كبار في الذهاب وفي الأياب رغم أنف أولاد الكلاب(. والمنهج في دراسة التاريخ يوجب عليك ذكر الوثيقة أو الموقف بجوانبها المختلفة، فهجاء شوقي له منطقة، لأن شوقي ابن احدى الجواري الشركسيات في القصر، وشوقي ذاته قال )لقد ولدت بباب اسماعيل( فشوقي ربيب القصر، وذلك لاينفي انه قامة كبيرة في الشعر، وكل طبقة الأتراك والشراكسة كانوا ضد عرابي وعلى ذلك فان شهادتهم مجروحة، يستطرد الدكتور عاصم الدسوقي قائلا »أنا أحترم علمي وتخصصي في التاريخ الحديث ولو دعاني أحد للحديث عن الفلسفة مثلا لرفضت أو للحديث عن تطور الرواية العربية لرفضت، لكن البعض لايحترم تخصصه، وكون حضرتك يا دكتور يوسف زيدان مثقف كبير فان هذا لايعطيك الحق في الحدبث عن وقائع تاريخية لأنك غير مختص »

ولكن الدكتور زيدان يصرعلى يضرب بفأسه في غير أرضه، ويحارب في غير ميدانه، فهو يؤرخ بلا تأهيل علمي لدراسة التاريخ ومنهجيته وأصوله، والأدهى من كل ذلك انه يتحدث وكأن لاعلم بعد علمه، وقد ردعه في احدى حواراته الدكتور محمود مكي وهو عالم جليل في الدراسات الأندلسية، وقال له في مواجهته في برنامج تلفزيوني لا تصدق المبالغات التي تجدها في بعض الشهادات التاريخية عن أعداد القتلى والسبايا والأسري فدائما في الحروب تجد في وصف الغنائم صورا تتخطى المنطق وأحكام العقل.ثم يوجه الدكتور زيدان الكثير من اوجه النقد لثورة 23 يوليو عموما، ويصفها بأنها ثورة )الأحرار جدا( باعتبارهم صنعوا مايروق لهم، ثم يوجه لعبدالناصر تحديدا العديد من تلك الأنتقادات ومنها أنه سمح بانفصال السودان، وكل ماصنعه عبدالناصر أنه أعطى للسودانيين )حق تقرير المصير( فاختاروا الأستقلال، فما هي الجريمة في ذلك ؟ هل كان يريد استعمار السودان ؟ ويتصدى لهم بالقوة ان رفضوا الحكم المصري لهم ! هل ذلك النمط من التفكير، يليق برجل أكاديمي متحضر؟هل يليق ان يكون الأكراه سبيل للتعامل مع الأشقاء وحتى مع غير الأشقاء، ؟هل ذلك أسلوب يتفق مع حقوق الأنسان ؟ ويستطرد في توجيه النقد قائلا )لماذا كتب عبدالناصر »فلسفة الثورة« ؟هل عبدالناصر فيلسوف حتى يكتب فلسفة، ثم ان الكتاب ساذج( والرد ان هذا كتيب، وليس كتاب صدر في عام 1953 عن الدار القومية للطباعة والنشر، سلسلة كتب قومية العدد 303 والثمن قد دون عليه خمسة قروش، والكتاب أصلا عبارة عن ثلاثة احاديث اجراها الأستاذ هيكل مع عبدالناصر، وقد نشرت في مجلة آخر ساعة، التي كان يرأس تحريرها في ذلك الوقت. كان الجزء الأول من الحديث يتناول حرب فلسطين والأسلحة الفاسدة، وكان ينفي أن الثورة قامت من أجل الأخفاق في حرب فلسطين أو الأسلحة الفاسدة، ولكنها قامت نتيجة للأوضاع المتراكمة من الأحتلال الى الفساد الى تعطيل الدستور، وأن الجيش هو القوة المؤهلة للتغيير، وانقسام وتناحر النخبة المصرية، وحاجتنا نتيجة للأوضاع الطبقية الى ثورتين سياسية واجتناعية، وتناول في الجزء الثاني من الحديث امكانية تحقيق التغيير، مستعرضا تجربته الخاصة، ومحاولته الفاشلة للأغتيال السياسي وندمه عليها، ثم الجزء الثالث فتناول فيه آفاق السياسة الخارجية التي يتطلع اليها، ودوائرها الثلاث، وينتهي الى ان حركات التاريخ مليئة بأدوار البطولة التي لم توفر بعد الأبطال الذين يقومون بهذه البطولة على مسرحه، ويستطرد عبد الناصر بالقول لاأعرف لماذا أتخيل دائما ان دورا هائما يدور على وجهه في هذه المنطقة يبحث عن البطل الذي يقوم به، ثم يقول لست أدري لماذا يخيل الي ان هذا الدور الذي أرهقه التجوال في المنطقة الواسعة الممتدة في كل مكان حولنا قد استقر به المطاف متعبا منهوك القوى على حدود بلادنا يشير عليها ان تتحرك، فان احدا غيرنا لايستطيع ان يقوم به.كانت ثلاثة أحاديث نشرها الأستاذ هيكل على ثلاثة أعداد، ثم صدرت في كتيب أطلق علية الأستاذ هيكل اسم )فلسفة الثورة(. لكن الدكتور يوسف زيدان، وهو يلهث في التاريخ والسياسة باحثا عن النواقص راكضا وراء هواه، لايدقق كثيرا في ما يطرحه من قضايا، اللافت في الأمر أنه يحكم على فلسفة الثورة أو ماتضمنته الأحاديث عن الآفاق الجديدة التي طرحتها الثورة وهي الثورة الأجتماعية بجوار السياسية، والدوائر الثلاث خصوصا أفريقيا، ويقول انها ساذجة، بعد أن اصبحت حقيقة نسعى اليها الآن مجددا بعد أهمالها فترة السادات ومبارك. قد

الزعيم الثائراحمد عرابي الذي وصفه د.زيدان بأنه فأر

تكون الآن بمنطق 2018 طبيعية، ولكن قبل ان يولد الدكتور زيدان )مواليد 1958( تعد آفاقا جديدة في سياستنا الخارجية. يمضي الدكتور زيدان في القول العبرة دائما لدي بالنتائج وعلى ذلك عبدالناصر.. )أخرج الأحتلال البريطاني، وأدخل ألأحتلال الأسرائيلي(. الدكتور يتجاهل، ان لم يكن بالفعل يجهل طبيعة الصراع مع اسرائيل وطبيعة الدور الأسرائيلي في المنطقة، ومع ذلك نورد له نص برقية الجنرال ديجول لعبدالناصر بعد اعلان تنحيه في يوم 9 يونية عام 1967، ويشير فيها أن النصر والهزيمة ليست دائما نهاية المطاف، بل عوارض.

نص برقية ديجول لعبد الناصر

إن النصر والهزيمة في المعارك عوارض عابرة في تاريخ الأمم وما يهم هو الإرادة، وفرنسا في وقت من الأوقات كما تتذكر كان نصفها تحت الاحتلال المباشر النازي ونصفها الآخر خاضعا لحكومة عميلة ولكن فرنسا لم تفقد إرادتها وظلت طول الوقت تسير واثقة وراء قيادتها المعبرة عن إرادتها، إن الشجاعة الحقيقية هي في مواجهة المحن وأما الأوقات السعيدة فإنها لا تستدعي هذه الشجاعة، إن سلام العالم العربي يقتضي جهودك. لعل تلك البرقية تضيف للدكتور شيئا.

يعن لنا ان نتساءل عن ماهية التاريخ

هل لنا نتساءل ماذا يعني التاريخ، هل هو مدرسة ينبغي أن نستوعب من خلالها مرارة التجربة وعظةالحدث وعبرة الدرس، وعلى ذلك لابد ان نحفظ له قيمته ومكانته، ونحيط احكامه بالكثير من الأدراك والتقدير، باعتبار أن هذه الاحكام هي المرجع في مسيرة الوطن ومكانة القادة ؟أم أن التاريخ مجرد متابع، لايتمعن الصور التي تتوالى على مسرح الأيام، ذلك ان لم يكن شاهد زور، تتلون رؤاه وفق الهوى للكاتب أو للراوي، والنافخ في مزامير البهتان

لابد أن نطرح لكي ندرك أن التاريخ قضية وطنية تتربى عليها الأجيال، بكونها حصاد الماضي، ولحمة الحاضر، وذخيرة المستقبل.؟.

لقد خاض صلاح الدين حربا ضروسا في موقعة )حطين( ضد قوى عظمى بمعايير ذلك التاريخ ومع ذلك يمتلك الدكتور زيدان )الجرأة( ولااستخدم وصفا آخر، ويصفه بأنه )أحقر شخصية في التاريخ(هنا نتأدب فنكتفي بالأبتسام!، ويستطرد فيقول )لقد انتج فيلما عن بطولة صلاح الدين بطولة احمد مظهر بايعاز من السلطة الحاكمة لأضفاء صفة البطولة على العسكر(، وهو ادعاء يكذبه الواقع فقد سبق أن انتج فيلما عن صلاح الدين عام 1942 أي قبل الثورة بعشر سنوات، ولعب دور البطولة الممثل القديم بدر لاما وبدرية رأفت ومحمود المليجي وبشاره واكيم. فمن الذي اوعز في ظن الدكتور؟

حين تتراجع القوة في الأنسان، ويتهاوى الجسد ويضعف في مواجة المرض، تعاني الأجساد ويثقل كاهلها من البثور والتقيحات، وهكذا الأمم في حالات التراجع والأزمات الخانقة تطفو على سطح الأحداث مثل تلك النماذج من البشر، تخطر مختالة كالطواويس على شواطئ السفسطة

فيلم عن صلاح الدين عام 1942 وصفه د. زيدان بأنه أحقر شخص في التاريخ

بقلب الحقائق والأدعاء بالأكاذيب. ان الثورات في مجملها كالثورة الفرنسية والثورة العرابية )يصفها د.زيدان بالغوغائيه( وثورة 23 يوليو وغيرها من الثورات قيمتها الأساسية ليست في ما حققته من نتائج فحسب ولكن فيما طرحته من قيم عن الحرية والمساواة والعدل الاجتماعي، وليست مجرد حسابات الجمع والطرح كما يذكر استاذ الفلسفة.

ولو ان الدكتور يوسف زيدان يتحدث عن تحقيق التراث وعن المخطوطات أوعن الفكر الصوفي عند عبالكريم الجيلي كان علينا ان نستمع اليه بل وننصت لأنه يتكلم عن علم، ولكن ان يتحدث في التاريخ وفي السياسة، ويطرح مفاهيما من شأنها أن تهدم ثوابت الوطن، وتعبث برموزه بكل هذه الخفة محاولة الأستظراف، فذلك أمر يستفز المشاعر الوطنية والقومية قبل ان يمس قداسة العلم والثقافة والمعرفة، لذلك لابد ان يرفع الجميع في مواجهته كارت أحمر.