هل بات الفراغ الرئاسي حتمياً ومن يديره بعد عون؟

بيروت – الحصاد

غاصب المختار

كما في الحكومة… كذلك في الرئاسة. الاشتباك السياسي في لبنان يعرقل كل الاستحقاقات فلا تنتهي الازمات في لبنان… ولا يكاد يبدأ البحث عن مخرج لأزمة حتى يدخل في اخرى اكثر تعقيداً. وهكذا هي الحال على كل المستويات السياسية والمعيشية والمالية والاقتصادية والخدماتية والصحية والتربوية عدا ازمة اعادة النازحين السوريين. وهي ازمات مطروحة دفعة واحدة امام رئيس الجمهورية وأمام حكومة تصريف الاعمال ووزراءها المربكين العاجزين عن إيجاد الحلول.

  اذا كانت الازمات غير السياسية معقدة ولا حل لها قريباً، وثمة من يربط استمرارها بضغوط سياسية داخلية

حكومة ميقاتي بدل عن ضائع.

وخارجية حتى انتهاء عهد الرئيس ميشال عون في نهاية تشرين اول – اكتوبر المقبل، فإن حل الازمة السياسية التي تفاقمت بعد تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة في حزيران- يونيو الماضي، وبعد دخول لبنان في المهلة الدستورية لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية يبدو اكثر تعقيداً، نظراً لحالة الانفصال والانفصام القائمة بين معظم القوى السياسية المعنية بإستحقاقي تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية. والتي باتت تشكّل مدخلاً واسعاً لطروحات إنعقاد مؤتمر سياسي تأسيسي للجمهورية الجديدة نظراً لإحتضار جمهورية إتفاق الطائف، ولإعادة النظر في بعض مواد دستور الطائف .

  هذا الطرح الذي تبنّاه عدد من القوى السياسية من ضفتي الواقع السياسي اركان الحكم و”المعارضة الجديدة”، عاد بقوة نتيجة  الخلافات بين القوى السياسية على طريقة حكم البلاد، والسجال الدستوري والسياسي الواسع الذي اندلع على خلفية صلاحيات رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف تشكيل الحكومة، وحول صلاحية حكومة تصريف الاعمال في تولي مهام وصلاحيات رئيس الجمهورية في حال عدم تشكيل حكومة جديدة كاملة الصلاحيات او تعذر او تأخر انتخاب رئيس للجمهورية. علماً ان البعض يعتبر انه في حال تم تشكيل حكومة جديدة وانتهت الولاية الرئاسية، تعتبر الحكومة بحكم المستقيلة وتصبح حكومة تصريف أعمال.

لكن مستشار رئيس الجمهورية الوزير الاسبق للعدل القاضي سليم جريصاتي قال لـ “الحصاد” حول هذا النقاش الدستوري: كلا…لا تصبح الحكومة الجديدة بحكم المستقيلة لأن نص المادة 69 من الدستور التي تعدد حالات استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة واضح، فهي تصبح مستقيلة عند بدء ولاية رئيس الجمهورية الجديد بعد قسم اليمين. وليس عند انتهاء ولاية الرئيس السابق.

 وعن سحب تكليف ميقاتي يقول جريصاتي: الامر غير مطروح فعلياً، والمسار الدستوري لهذا الامر يتطلب استشارات يجريها رئيس الجمهورية مع الكتل النيابية فإذا حصل التوافق يجري تكليف شخصية جديدة ومن ثم تشكيل حكومة جديدة. ويبدو ان هذا الامر غير وارد.

ويؤكد جريصاتي: إن الرئيس المكلف ملزم بمهلة معقولة للتشكيل وفق الاجتهاد كواجب وطني ودستوري، سائلاً “كيف لحكومة اعتبرت مستقيلة مع بدء ولاية مجلس النواب أن تمارس صلاحيات رئاسية في حال خلو سدّة الرئاسة؟ فلا يجوز ان يحصل احد على تكليف ويحبسه أشهراً طويلة تبتلع نصف ولاية العهود احياناً. لذلك طرح تكتل لبنان القوي اقتراح تعديل الدستور بإلزام الرئيس المكلف تشكيل الحكومة خلال مهلة محددة.

 واستدرك جريصاتي بالقول: اذا انتهت الولاية هل ندخل في فراغ رئاسي على فراغ حكومي؟ لذلك لا بد من تشكيل حكومة تنال ثقة المجلس النيابي لتستطيع ممارسة مهام رئاسة الجمهورية في حال الفراغ الرئاسي عملا بالمادة 62 من الدستور.وهذا لبّ الكلام.

 ما بعد الفراغ

ولهذا عاد الجهد يتركز على تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات تتولى معظم مهام رئيس الجمهورية في حال الفراغ الرئاسي الذي يعتبره الكثيرون شبه حتمي، وانتقل الخلاف حول الحكومة من تقاسم الحقائب والحصص إلى خلاف على من يدير الفراغ في حال تعذر الانتخابات، وأي حكومة سترِث صلاحيات رئيس الجمهورية. خاصة ان الرئيس عون يؤكد ليل نهار انه سيغادر القصر الجمهوري منتصف ليل 31 اكتوبر، وقال مستشاره جريصاتي لـ “الحصاد” في هذا المجال: لا يراهن احد على مخالفة الرئيس عون للدستور او على انه سيخترع اجتهادات للبقاء في القصر.

وظهر جلياً انّ الفريق السياسي المحسوب على رئيس الجمهورية يستعجل تأليف الحكومة. والدافع الى ذلك ان حكومة تصريف الاعمال التي يترأسها ميقاتي لا تتمتع بأي صلاحية تُجيز لها تولي صلاحيات رئيس الجمهورية كاملة (بخاصة الصلاحيات اللصيقة) فيما لو انقضَت الولاية الرئاسية ولم ينتخب رئيس جديد للبلاد. اذ انّ الصلاحيات الرئاسية تناط بحكومة كاملة الصلاحيات والمواصفات وليس بحكومة فاقدة لها. وحكومة تصريف الاعمال حكومة لا وجود لها، وبالتالي لا يمكن ان تناط اي صلاحيات رئاسية او غير رئاسية بشيء غير موجود.

  غير ان مصادر الرئيسين نبيه بري و نجيب ميقاتي وبعض الخبراء الدستوريين اكدوا ان حكومة تصريف الاعمال ليست حكومة منعدمة الوجود، بل هي حكومة موجودة. أن الرئيسين بري وميقاتي فاتحا مسؤولين ووزراء بأن لديهما فتاوى دستورية تؤكد إمكان منح حكومة تصريف الأعمال قوة العمل كحكومة كاملة المواصفات في حالة الشغور الرئاسي. وبالتالي اذا ما انتهت ولاية الرئيس عون من دون انتخاب رئيس للجمهورية، فحكومة تصريف الاعمال هي التي سترث صلاحيات رئيس الجمهورية الى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وستقوم بدورها كاملاً لتحيط مرحلة الفراغ الرئاسي بكل مسؤولية. ذلك أن الأمر لا يرتبط فقط بمعركة الصلاحيات، بل بكيفية إدارة البلاد في حالة شغور موقع رئاسة الجمهورية، خصوصاً أن الجميع يتصرف على أساس أن الانتخابات الرئاسية قد لا تحصل في موعدها، ما يجعل النقاش حول من يدير البلاد في المرحلة الانتقالية هو العنوان الرئيسي.

ويتابع المعنيون بالموضوع، أن هذا الأمر قد يتسبب بمواجهات غير محسوبة بدقة. إذ تسود الأوساط المسيحية عموماً، وفي بكركي أيضاً، كما لدى قوى وشخصيات سياسية أجواء مفادها أنه لا ينبغي السكوت عن قضم

كرسي رئاسة الجمهورية من يملأ الفراغ.

الصلاحيات العامة لرئيس الجمهورية من خلال منح حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئيس الجمهورية، وأن القبول بهذا الموقف سيتسبّب بتوجيه ضربة جديدة إلى اتفاق الطائف وبمشكلة جديدة بين اللبنانيين.

لذلك سمع بري وميقاتي من زوارهما أن لعبة الفتاوى والاجتهادات الدستورية لا تنحصر في ملعب واحد. وأن تجاوز الدستور سيدفع الآخرين إلى البحث في خطوات مشابهة. وتردد، بقوة، أن هناك قوى وازنة في الوسط المسيحي تدعو من الآن إلى وضع خيار أساسي مفاده بقاء الرئيس عون في منصبه إلى حين قيام حكومة كاملة المواصفات أو انتخاب رئيس جديد. وهوما اشار اليه صراحة رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بطرح معادلة “الفوضى الدستورية ستقابلها فوضى دستورية، وانه لن يتم الاعتراف بتولي حكومة تصريف الاعمال صلاحيات الرئيس”.

  تكتل مسيحي؟

   بعد هذه السجالات الدستورية والسياسية، بدأت القوى السياسية المسيحية تسعى لتكوين اصطفاف نيابي واسع لخوض معركة رئاسة الجمهورية، وهوجهد يقوم به بشكل خاص حزب القوات اللبنانية عبر اتصالات و لقاءات معلنة وغير معلنة، مع بعض نواب قوى التغيير والمستقلين لجذبهم الى تكتل اوتجمع نيابي يُشكل الثقل الانتخابي، عدا اتصالات تجريها القوات مع رئيس حركة الاستقلال النائب ميشال معوض وحليفه النائب أديب عبد المسيح. ومع كتلة النائبين نعمت فرام وجميل عبود، وحزب الكتائب اللبنانية الذي يضم اربعة نواب (سليم الصايغ، سامي الجميل،الياس حنكش، ونديم الجميل) والحزب التقدمي الاشتراكي.وقال سميرجعجع حول الموضوع: من المفترض أن نتوصل خلال الأسابيع المقبلة إلى مرشح بعد عرض أكثر من إسم، ونحن في مسار إيجابي والمؤشرات جيدة.

   اما “التكتل الوطني المستقل” الذي يضم  النواب: طوني فرنجية، فريد هيكل الخازن، ملحم طوق، ميشال المر، فيبدو حتى الان خارج اطار التواصل المسيحي، وهو يتواصل فقط مع البطريرك الماروني،  فيما حزب الطاشناق

نواب المعارضة اي دور؟

الارمني الذي يضم ثلاثة نواب (هاغوب بقرادونيان وآغوب ترزيان والوزير جورج بوشكيان) فهوعلى موجة اخرى اقرب الى تفاهم مع الرئيس نبيه بري، وربما رئيس تيار المردة سليمان فرنجية من دون قطع الصلة برئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر. وهو يتجه الى تحالفات مع القوى التقليدية في اي استحقاق.

وحده التيار الحر على خلاف مع اغلب القوى السياسية، وهو يحاول التفاهم مع بعض القوى كالتكتل الوطني المستقل، وحصل لقاء بين رئيسه جبران باسيل والنائب فريد هيكل الخازن بهدف تنسيق المواقف والتفاهم مع سليمان فرنجية لكنه لم يؤدِ الى نتيجة.

هذا علماً ان باسيل اقترح عقد لقاء برعاية البطريرك الماروني للقوى المسيحية، لكن البطريرك حاذر هذا التوجه بعد فشل اكثرمن لقاء عقده في تحقيق التوافق على برنامج واحد، بينما اتى الرفض الفوري من القوات اللبنانية للقاء باسيل وفرنجية.

  …وتكتل سنّي  و”تغييري”

 يُشكّل النواب السنّة قوة انتخابية وازنة في المجلس، لكنهم متفرقون ضمن كتل كبيرة وصغيرة متباعدة، وقد دعا مفتي الجمهورية النواب السنّة الـ 27 في البرلمان الى اجتماع اواخر ايلول – سبتمبر الماضي، و قالت مصادر دار الفتوى لـ “الحصاد”: إن سقف الاجتماع وهدفه سيكون واحداً، وهو تعزيز وحدة نواب الطائفة اسلامياً ووطنياً، وأن الاجتماع لن يكون لهدف سياسي محدد، كالاستحقاق الحكومي اوالرئاسي أو العمل التشريعي والخدماتي والانمائي، بل هناك عنوان عام سيجري البحث فيه هو وقف التشرذم وتعزيز التعاون بين النواب السنّة وفي كل المجالات، لا سيما بعدما غابت الزعامات السنية عن واجهة العمل الوطني، ولم يستطع أحد تعبئة فراغ الرئيس سعد الحريري وكتلته وتياره السياسي العريض. عداعن التركيز على موضوع تحصين موقع رئاسة الحكومة وعدم تجاوزه والالتفاف على صلاحياته الدستورية.

  بالموازاة،  بدأ نواب “مجموعة التغييريين” البحث الجدي في استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية، اسوة بغيرهم، واعلنوا وثيقة تتضمن رؤية متكاملة تشمل “المواقف السياسية والمقاربة الدستورية التي تؤسس لحاضنة سياسية وشعبية تدفع باتجاه انتخاب رئيس يساهم في اطلاق مسار انقاذي للبلاد”. واجروا لقاءات مع كل الكتل النيابية لعرض هذا المشروع الانقاذي على امل التوافق على خطوط مشتركة.

حركة بلا بركة

لكن حتى كتابة هذه السطور، بدت كل الحركة السياسية بلا بركة، وبدا الاتجاه العام في البلاد ينحونحو مزيد من تضييع الوقت والانسداد السياسي الذي يُبشّر بإستمرار الازمة على الاقل حتى نهاية عهد الرئيس ميشال عون. لكن البعض يُراهن على عدم تراجع الاهتمام الدولي- الاقليمي- العربي بلبنان، وعدم دفعه الى الفوضى التي تؤول الى عقد مؤتمر تأسيسي. وفي هذا السياق، لا يستبعد مصدر سياسي مطلع ان تكون قمة المناخ التي تعقد في النصف الثاني من نوفمبر – تشرين الثاني المقبل في شرم الشيخ، فرصة للتباحث في الملف اللبناني، وربما الاتفاق على تبنّي اسم شخصية لرئاسة الجمهورية.

العدد 133 / تشرين الاول 2022