٥٠٠ عام على ولادة موليير

لم يعان الرجل بالتنقل بين البحار . هو فيلسوف ومسرحي . الفلسفة بحر والمسرح بحر. إلا أن موليير اختار المسرح ، لكي يطوع الموت . لأن الفنون وحدها تهزم الموت . مواليد العام ١٦٢٢. هذا غسقه الأول . لأنه في دأبه على الحياة لم يمتدح إلا الحياة ، وهو يسيرها بنوابضه . لم يلعب دور الشراح . ذلك أنه في مسرحه بدا كرجل مجروح ، متزن ، دفع العالم إلى تحمل ثرثرة الألم بالضحك . بدا مفوهاً يلقي على الجموع بيانات البقاء ، هو أحد الأهم بين أساتذة الكوميديات أو الهزليات الكوميدية ، لا بفرنسا وحدها بل بعموم أوروبا ، بحيث طوبه التاريخ كمؤسس للكوميديا الراقية . ذلك أن الهزل هو تدوين الممزق بالأسلوب الخاص .

الكوميديا ، الهزل ، في مواجهة الجحيم في ٣١ مسرحية ألفها على شروط التأليف الخاصة بكوميدياته . غير أن هذا الرقم سيرتفع إلى ٩٥ مسرحية ، إذا ما حسبنا مسرحيات لعبها ولم يؤلفها . لعب٦٤ مسرحية ، لم تحظى بجاه تأليفاته. تميزت مسرحياته بالبراعة بتصوير الشخصيات وفي تأليف الأحداث ، ذات القدرة المفوهة بالإضحاك. ولد بباريس ، حيث تعلم في كلية كليرمونت اليسوعية ، حيث حصَّل ودعَّم معرفته بالكلاسيكيات . تلك المرحلة بغاية الاهمية بتكوين شخصية مسرحي إتبع الحزن ، طحنه بحيث أضحى مسرحه الضاحك ، المضحك. هذه معادلته : الصعود من ملح الحياة إلى مائها . لم يتتبع أثرٍ أحد فيما كتبه إلا قسمه أمام برد العالم والناس . درس المحاماة ، إلا أنه لم يلبث أن كرس حياته للمسرح . غير أن رؤية المجتمع للمسرح كديك أزرق، دفعه جان باتيست بوكلان إلى إعطاء نفسه إسمه المستعار ، ما سوف يتحول رواية مسرح لا تموت : موليير. لم ينظر إلى المسرح كشيء محترم. وإذ اراد أن يجنب عائلته الإحراج ، غير إسمه . هكذا تقدم بانتصاره الكبير الأول بدون أن يعلم مع خلود الإسم بعالم الثقافة والفن . عالم ترك للأحفاد ما يدحرجونه أمام الأشباح الناجرة ، الداعرة ، وهي تريد للعالم أن يكتهل فقيراً، أن يكتهل على صورة خريف مكشوف ، لا يعود إلا من أجل أن أجل الكيد . كيد ككيد أعدائه ، من حاربوه بعد أن قدم ” مدرسة الزوجات ” أمام الملك ، واحدة من أكبر نجاحاته ، إذ ادعى هؤلاء أن المسرحية مسروقة . أنها ليست له . وأنها ذات منحى لا أخلاقي ، بهدف إثارة الملك والسلطات الدينية وأهل البلاط . وحين قرر أن يرد على كمن له ألف ” انتقاد مدرسة الزوجات ” ، مسرحية تضمنت نقاشاً حول النقد والنقاد . وتعد مسرحيته ” طرطوف ” من أشهر وأهم مسرحياته. غير أنها أغضبت جمعية القربان المقدس ، بحيث دفعت إلى منع عرضها على مدى خمس سنوات ، مع سيطرة رجال الدين على حياة منحتهم حصانتها. هكذا ، لم تنشر المسرحية إلا بعد وفاته . ثم أنها بقيت محدودة التداول والإنتشار حتى بدايات القرن العشرين . وإذ عانى من الإكتئاب والمرض ، بعد كتابة مجموعة من المسرحيات ، لم تلاقي النجاح المنشود ، استعاد شهرته وثقة جمهوره به ، بعد كتابته الكوميديا الممتازة ” البرجوازي النبيل ” بالعام ١٦٧٠. ولأنه لم يؤمن بالطب، ساءت حاله الصحية . إلا أنه لم يتوقف عن الكتابة على الرغم من ذلك . كتب”مقالب سكابان ” ، مسرحية نالت شهرة عظيمة ، كما كتب ” المريض بالوهم ” الأشهر على الأرجح في سجل كتاباته البعيدة من الهذر وحساب الأبعاد الثقيلة . توفي بالعام ١٦٧٣، بعد معاناته نوبات مرضية شديدة . ولأنه لم يتكلف ولم يتملق ولم يمارس السحر ولا الشعوذة وضعه التاريخ كواحد من الأقدار الجميلة فيه ، لتعتبر مسرحياته وحياته المحشودة بالنضالات والمؤامرات في القصر والأمراض والإخفاقات العائلية والزوجية ، واحدة من موازين تكال فيها الخوالد لا الخذلان . سحر مسرحه لا يزال على شجر العالم ، على الرغم من مرور ٥٠٠ عام على ولادة من أفاق على الحياة مقتولاً واستمر يحيا على الرغم من قلة الأيدي الحرة الممدودة إليه .

العدد 115 / نيسان 2021