الثقافة أداة الجوهر

نسأل أنفسنا ونحن نفتتح مكتبة شريكة في بلدة مجدل عنجر، بالتعاون مع نادي الحدود الرياضي عن حقيقة الكتاب في وقتٍ يتحدثون فيه تارةً عن مركزية الثقافة وطوراً عن لامركزية العولمة الثقافية…

هنا يحضُرُني قول الجاحظ: »أنَّ الكتاب هو خيرُ أنيس وجليس، وكلما أمعنّا فيه وسَبَرنا أغواره، كلما أضفنا الى ميزاتنا نفَسَاً أو خلقاً حديداً؛ وهذا بالتأكيد ما يجعلنا نأتي الى مجدل عنجر المنسيَّة ربما من لوائح الشطب الإنمائي لنجدّد تمسّكنا بأن الثقافة ليست مركزية وهي صنيعة كل زمان ومكان وتشمل الأطراف كافة…

أن يقوم نادٍ لتفعيل دور العمل الثقافي هو مَآل كلّ المؤمنين بحركة الحياة والمعرفة، وهي خطوة فب طريق التفاعل والاختلاف… لكن علينا أن نُحبّ الكتاب لنأنس به، وأن نُحبّ أنفسنا لنُحبّ الآخر، إنه شأن الكتاب وشأن المثقف، لنصل الى ارتقاءٍ حضاري في اللغة…

»إفتح مدرسة تقفل سجناً« قد أصبح شعاراً قديماً، لطبيعة التفريق بين التعليم والتثقيف، وقد أصبحت الأميّة الى زوال، لكن ما نحتاجه اليوم قراءةً وإرشاداً وتوجيهاً، وعياً وبصيرة، لا إرادةً وبصَراً فحسب، فالوعي والتبصُّر يعنيان الإمساك والاستدلال والتصبُّر، ولا يكون وعياً دون أناةٍ وصَبْر… فالعجلة لا تخدم الروح والمجتمعات الحيّة… من هنا، فكلما أعدَدْنا كتاباً سليماً صادقاً، كلما أوْغَلنا في كشف الزيف عمّا يعتَوِرُنا من نقص…

المخرج الراحل سايد كعدو
المخرج الراحل سايد كعدو

الكتاب يا أصدقائي، ليس بما يحتويه من معرفة، بل من تدريب على صقل المواهب وجعلها لباساً للمعنى، لا للشكل، فالثقافة هي أداة الجوهر، وتهذيب المعنى، أكثر منه تنميقاً للأشياء دون التي لا لبَّ فيها والتي لا تخدم إلا اللاشيء…

مجدل عنجر، وناديها الحدود الرياضي، يسعيان الى خلق مناخ صحي يوائم بين وظيفة الكتاب ودوره وأهميّته في استئصال أمراض تعشّش في عقولنا، وتفتح لنا آفاق الرحابة والسّمو، كي نحقق ما نصبو إليه جميعاً، إن عبر وزارتنا أو عبر المؤسسات الأهلية المدنية التي تتجه في العمل على بناء الإنسان وغذائه الروحي والعقلي…

هذا ما أحبَبْتُ أن أقع عليه معكم… وأن أتشارك وإياكم في افتتاح هذه المكتبة الشريكة…

 بين صلاح سلام والياس العطروني

كنت أظن صلاح سلام ناشراً مدعوكاً بحلَّةٍ أنيقة ولباسٍ باهظ وسيجارٍ فاخر كسائر الإعلاميين أصحاب الصحف والمطبوعات…

وحين علمت أن صديقي الروائي الياس العطروني هو رئيس القسم الثقافي في جريدة اللواء، أدركتُ أنَّ وقتاً يحين سيخرج فيه الإبداع من شرنقة الناشر وأنَّ الأزمة ستدوم، وتُفكُّ عقدة الإبهام وتتّضح الأمور…

لكن حساباتي لم تنطبق على بيدر الواقع، فاستغربت حين لم يرعوِ صديقي الياس من نفخ الهواء في كُمّي لينال من أصابعي تحريضاً، بالقول: لم يزل هناك متّسع لنكتب ونقول ونتحدّى، وعلى عتبة جريدةٍ يحمل لواءها المثقف الإعلامي صلاح سلام… حينها استبشرت خيراً بوطنٍ سيولد من رحم الحبر ليكون دواةً لا دمَ فيها، ودواءً من صنعٍ وطنيّ لا سيولة معرفية فيه ولا عصر هضم فكري يجتاحه…

ودام الياس العطروني في جسم اللواء بدعم وتحريض من الناشر ذ الثائر، صاحب القضية، فقرّرا معاً تغيير المعادلة وتحدّي الزمن بأدوات الحاضر… هنا تأكدت أن الثوب يحاك بمهارة حين يخلد الكاتب والفنان والثائر الى صوف المعاناة معصورين بنسيج القلب والعقل ليحبكوا سترة النجاة التي تقينا صقيع الموت البطيء وعصف المؤامرات العشوائية…

مسابقة اللواء إنموذج متحدٍّ لخمس عشرة سنة خلَت، كنت أصارع خلالها وزراء الثقافة الذين تعاقبوا ليتم إجراء مسابقة الشعر والقصة القصيرة، في وزارة الثقافة وعلى مستوى لبنان، ولم يعوزني الإصرار بل الحنكة وتلهّي السياسيين في ما بينهم حتى وضعَت المسابقة شالها منذ سنواتٍ عشر على كتف طلاب لبنان في المرحلة الثانوية والجامعية…

لن يعوزنا بعد اليوم التحريض طالما القافلة انطلقت، وفي ركاب وسائل الإعلام أيضاً، وإنما تعوزنا الحكمة في أن نتمسك بدورنا في تعميم ثقافة الكتاب، فندخل مسابقة العالم لندرك أيَّ مصيرٍ سنؤول إليه، وأيَّ سلاحٍ سيتمّ استخدامه بالحبر أم الضوء، بالقلم أم »الماوس« كل هذا لا يهم المهم أن نبقى نحن أحراراً في من سنكون…

شكراً للثائرَين صلاح سلام والياس العطروني وجريدة اللواء، وباسم وزارة الثقافة أشدّ على أيديكم لبناء إنسانٍ جديد في لبنان. ومبروك للطلاب الفائزين في مسابقة اللواء…

OXFORD, ENGLAND - OCTOBER 08:  First year student Tom Partington peruses the books in Blackwell bookshop as Oxford University commences its academic year on October 8, 2009 in Oxford, England. Oxford University has a student population in excess of 20,000 taken from over 140 countries around the world. The University is made up of 38 independent, self-governing colleges, three of which: University College, Balliol College, and Merton College, were established by the 13th century. According to the QS/Times Higher Education rankings, Oxford has slipped down the international league table from fourth to a joint fifth place with Imperial College London.  (Photo by Oli Scarff/Getty Images)
مكتبات لبنان – من يقرأ؟

في رحيل سايد كعدو

يكسُرنا الشوق حين يحاصِرُنا الغياب، وتمتحنُنا الأنواءِ حين يستبدُّ بنا النزيف… ماجنٌ مَن يستلقي على خشبة الخلاص معتقداً أنه خارج الحياة…

ولأن الحريّة صراع، والموت قضاءٌ وقدر ومصيرٌ محتوم، دأب الفكر على سؤالٍ، ما جدوى أن نكون لنموت… جاء المخرج الراحل سايد كعدو ليؤكد غير مرّة، أن الغياب قضية المعنى، لكنْ مَن منّا يموت ليحظى بشرف محاولة الحياة.. فيظفَر بحق الصراع وحقّ التقدّم.

يا أحبّة سايد كعدو..

لن نقول رحَلَ الصديق الذي كان بوجهه القلِق يبحث دائماً عن فكرةٍ تَلِدهُ مرّةً تلوَ مرّة، وحين كانت الفكرة تأتيه يشردُ لهنيهاتٍ قليلة كأنه حصل على كنزٍ مؤجّل في زوايا العدَسَتين الصغيرة والكبيرة… ويكفي أنَّ سايد كان خارج الصغائر ليُعيد ترتيب أحلامه على قدر وعيه العالي في قراءة الأحداث… وهذا ما يتّضح من خلال أعماله التي أنجزها، )تقاسيم من بغداد، وفيلم عن القائد الراحل جمال عبد الناصر، وآخر عن الإمام الأوزاعي وغيرها(…

لكن المُذهل، أنَّ مخرج الأفكار الكبيرة هذه، هو طفلٌ يكابِدُ أوجاعه وآماله بأحلام العاشق ونقاوة الوردة، وعفوية الأرض، وبراءة الحزين…

لن نقول رحَلَ سايد كعدو، بل باغتنا، بحنينه الراقص على حافّة الفكرة، وفي عمق المشهد، الذي اصطحبَنا معه الى غايةٍ جميلةٍ تقولُ أنَّ هناك أناساً يولدون، ولا يُخلقون، وهناك أمثالُ سايد يرحلون لكنهم لا يموتون…

أنا أصرُّ أن أكون واحداً من أصدقائك يا سايد، الذين يكرّمون أنفسهم بغيابك قبل حضورك، وأن أُلبّي دعوتك الى رفض الغياب وتأكيد الحضور… فمن كان غيابه حضوراً لا يخشى الرحيل…

 شكراً لحضورك سايد في قلوب محبّيك!.

لبنان المكتبة

أهلاً وسهلاً بكم في عاصمة القلم… للكتاب مساحات بيضاء لا يستلّها الحبر، ولا تمسّها أسنان المطابع، هي المكان الفاصل بين الرؤية والرؤيا… بين الحقيقة والخيال… بين أن تكون بيروت عاصمة المعاني الملتبسة، أو عاصمة المعنى المجدِّد للرغبة والتنوّع والفرادة والأصالة والحريّة…

أنتم هنا لنقول أن بيروت تقرأ وتكتب وتطبع وليس كما تمَّ تعريفها بأنها آلة للطباعة والنسخ والتقليد…

هي مساحة الإبداع، مرتع الفكر والأدب والثقافة على تنوّعها، وهي محتاجة لأن تعيد برنامج اتصالها بالأقضية والمحافظات اللبنانية لتنتشر العدوى.. حُمّى الثقافة والفكر خير من حُمّى السياسة والمكر…

بهذا الإطار، تسعى وزارة الثقافة اللبنانية الى تكريس الكتاب كوظيفة يومية، كالمأكل والمشرب والملبس، فالكتاب ليس للترَف ولن يكون… إنه استثمار ذكي لحركة الوعي وتشغيل العقل وإبراز الطاقة وتحويل النظر من المبنى الى المعنى، ليستقيم نبض الحياة بصورتها الواضحة، قد يشرب البياض حجّة السواد ليكون..

 تسعى وزارة الثقافة الى شراء وتخزين ما أنتجه بعض العقل اللبناني، وهي تعيد بذلك دعم الكتاب وإعادة توزيعه أو تسويقه للقاريء وذلك عبر إنتاج التواصل بين بيروت والريف… وتأتي رغبتها بتفعيل المطالعة العامة والتنشيط الثقافي Clac ودور المكتبات العامة الشريكة معها، عبر ضخّها بكل جديد من الكتاب اللبناني والعربي والعالمي على حدٍّ سواء… وعلى أمل السعي لإنشاء مكتبات عامة جديدة ودعمها بالمكننة الحديثة، نحثّ كل وزراء الثقافة الذين تعاقبوا على إدارتها، والمسؤولين في الدولة العمل لتفعيل دور الوزارة، وذلك عبر زيادة موازنتها بما يخدم تطلعات الحداثة وبناء الإنسان الجديد…

01

02