كتاب”جريمة الغرب” يذكر الإسرائيليين بقرب زوال الكيان الصهيوني  

باريس – جاد الحاج

 في ظل الظروف المتوترة بين العرب والفرس والإسرائيليين ، وكل من اتصل او تواصل معهم، استعادت بعض قنوات التخاطب الإجتماعي كتباً واحداثاً ومؤتمرات ذات علاقة بتلك الظروف، ولو على سبيل التذكير أو المقارنة. من بينها كتاب “جريمة الغرب” الصادر سنة 2004 عن دار “فايار” الباريسية  للراحلة فيفيان فورستر. واقعياً لم نجد ترجمة عربية واحدة لمؤلفات فورستر مع انها شغلت مواقع ووظائف بارزة في عالم الصحافة الأوروبية، وحازت جوائز عدة ابرزها جائزة غونكو ر،وقد  تُرجمت بعض كتبها الى معظم اللغات الحية.

  “جريمة الغرب” كتاب يعكس  حيثيات مميزة ابرزها ان فيفيان انحدرت، قبل  زواجها، من  عائلة دريفوس اليهودية التي اشتهرت في محاكمة الفريد دريفوس احد الجنود الفرنسيين بتهمة تسريب معلومات خطرة الى الألمان،  وقد سجن  ظلماً من سنة 1894 حتى 1904 . . .  لكن فيفيان ركزت في ذلك الكتاب على مسألة الحقوق الإنسانية

كتاب جريمة الغرب

وحقيقة الظلم الذي عاناه الفلسطينيون على ايدي  صهاينة  معظمهم يهود اوروربيون، اتوا الى فلسطين العربية على متن سفن انطلقت من النروج ومن مرافىء اوروبية اخرى ، وانتقموا من سكان القدس وحيفا ويافا والجليل  وغزة وبيت لحم . وقد دأبت فورستر في “جريمة الغرب” على مقارنة اللاسامية الأوروبية تجاه اليهود  بالعنف الصهيوني غير المبرر تجاه الفلسطينيين. لكن المتوازيات التي اوردتها انتهت الى القناعات المنطقية الاتية:

“من أحرق من؟ عرب فلسطين احرقوا  يهود أوروبا ام نحن من قام بذلك؟

من اقام المقابر الجماعية؟ عرب فلسطين ام نحن الأوروبيون؟

من جوّع من؟ عرب فلسطين هم من جوّع يهود اوروبا؟ ام نحن من جوّعهم؟

من هجّر  سكان فلسطين الأصليين؟ ثم احتلها بالقوة والترهيب؟

اما عاش اليهود قروناً مع العرب في الاندلس،  ثم باتوا مستشارين مصرفيين في بيروت وبغداد والقاهرة وسورية والعراق، كما في المغرب العربي، وكان لهم شأن ومقام مثل غيرهم؟

نحن الاوروبيون من صنع مأساة الشعب الفلسطيني ومن صنع الفوضى في العالم العربي، نحن من لفظ اليهود ورماهم في فلسطين. نحن من غسل عاره بدماء الفلسطينيين، وتركنا اليهود يتفننون في قتل وذبح الفلسطينيين وتهجيرهم والإستيلاء على ارضهم واحتلال بلدهم وجعلنا من المظلوم ارهابيا ظالما….

“ردّوا اليهود الى اوروبا، وابحثوا عن محارق اجدادهم وافران الغاز التي ابادتهم في قارتنا وليس في فلسطين …”

صحيح ان “جريمة الغرب” صدر في باريس  منذ 18 سنة لكن لم تجرؤ دار نشر اسرائيلية على ترجمته الى العبرية علماً انها   ترجمت كتباً ومقالات كثيرة مغايرة تماماً لسياسة الإستيطان والإحتلال،  معظمها من تأليف يهود اسرائيليين مناهضين للإجراءات التعسفية التي درجت عليها حكومات تل ابيب منذ بدء الإحتلال الصهيوني لأرض فلسطين. لكن السلطات الإسرائيلية تبذل جهوداً كبيرة لضبط النفس حيال اولئك الرافضين بحجة التوكيد على حرية التعبير حتى لو بلغت الخط الأحمر نسبة الى ما تعتبره من المسلمات البديهية لـكيانها الـ”ديمقراطي”. ولعل تلك الحقيقة  قد تبلورت مع مرور الزمن في تصاعد ملحوظ لاعداد الشبان والشابات الذين يرفضون سياسة جيشهم القائمة على اعتبار العرب “غونيم” لا بأس في اضطهادهم أو قتلهم أو سجنهم من دون محاكمة. وقد تجلت ظاهرة الإعتراض على التجنيد الإجباري والخدمة في صفوف تساحال لدى الطلبة اليافعين الى ان بلغ عددهم قرابة المئة سنوياً. بعضهم يدفع الثمن سجناً ومحاولات ضاغطة لثنيهم عن قرار الإفلات من الخدمة. لكن نتائج الضغوط لا زالت غير مجدية في معظم الحالات.

 على سبيل المثال لا الحصر،عازف الكمان المولع بالموسيقى،عمر سعد، رفض الإنخراط في التجنيد وقال بكل صراحة: “لا ارى دفاعاً في قتل طفل كل ثلاثة ايام، ولا ارى دفاعاً في اسر الأطفال، ولا ارى دفاعاً في الأسر الإداري الذي قد يطول عمراً من حياة ابرياء، بل كل ما يرتكبه الجيش بحق اولئك الفلسطينيين اعتبره مجرد جرائم حرب لا غير.”

اما آمون هلسبيرغ فكان على يقين ثابت انه لن يفلت من التجنيد الإجباري بسهولة، ولذا التحق بالمجندين ، وكتب رسالة انتحار زجها في حقيبته ، واتفق سرّاً مع اصدقائه على “اكتشافها” وتسليمها الى السلطة.  جاء في الرسالة انه محبط نفسياً ويراوده الإنتحار  مما دفع بالقيادة العسكرية الى تسريحه ومعالجة حالته النفسية ريثما يشفى ويعود الى السلك، لكن الحيلة انطوت ابعد مما توقعت القيادة ولم تتحسن حال آمون ما ادى الى تسريحه على اسس صحية لا اكثر.  في النتيجة انصرف آمون  الى مساعدة اترابه من رافضي الخدمة العسكرية، فانضم اليه آبي بيركو المتمرّد الفوضوي الذي وزع صوراً من تاريخ النكبة على صفوف  مدرسته عشية زيارة رئيس بلدية تل ابيب لتلك المدرسة. شعار بيركو: “لا يمكنك الدفاع عن حقوقك وانت تستهين  حقوق سواك!” وقد انضم اليه معظم  رافضي التجنيد الإجباري بينهم ماندي كارتنر التي قررت مواجهة السلطة بلا  لف ودوران على اساس انها واقعية ولا تنتظر من السلطة سوى الرفض او المماطلة في افضل الأحوال.

اخيراً جيلاد بيرغر الذي يتوقع مواجهة المسؤولين عن تجنيده في الشهور القليلة المقبلة، وعلى غرار ماندي كارتنر يتهيأ جيلاد لقبول الحكم بالسجن لأنه سيعترف برفضه التجنيد الإجباري لأسباب محض سياسية ابرزها وحشية تساحال تجاه الفلسطينيين.

قد تبدو مواقف اولئك الطلبة “طوباوية” ضعيفة الجدوى، الا انها جزء لا يتجزأ من تراجع اليقين العام  تجاه صلابة الكيان الصهيوني. ففي الآونة الأخيرة صدرت تقارير صحافية محلية تشير الى تصاعد ملحوظ في صفوف االإسرائيليين نحو شراء منازل واراضٍ  في قبرص وتركيا وإسبانيا تحسباً لـ “انتشار يهودي متوقع” في وقت قريب “لأن اسرائيل الحالية مقبلة على مواجهة زوالها” في المستقبل المنظور!

العدد 126 / أذار 2022