في يوم اللغة العربية تحتفي مدننا ويكسوها الحرف الجميل

باسم مهدي

تُعدّ اللغة العربية ركناً من أركان التنوع الثقافي للبشرية. وهي إحدى اللغات الأكثر انتشاراً واستخداماً في العالم، إذ يتكلمها يومياً ما يزيد على 400 مليون نسمة من سكان المعمورة. يحتفل العالم باليوم العالمي للغة العربية في الثامن عشر من كانون الأول/ديسمبر من كل عام.

وقد وقع الاختيار على هذا التاريخ بالتحديد للاحتفاء باللغة العربية لأنه اليوم الذي اتخذت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1973 قرارها التاريخي بأن تكون اللغة العربية لغة رسمية سادسة في المنظمة.

لقد أبدعت اللغة العربية بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة والعامية، ومختلف خطوطها وفنونها النثرية والشعرية، فالفن العربي لايخلو من جماليات اللغة والتي تجسدت بالحرف العربي الذي اختزله الفن التشكيلي والعمارة العربية والأسلامية كأحد معالمها البارزة التي تنطوي في ثناياها القدسية مضيفاً عليها بعداً روحياً.

ولو تحدثنا عن شراكة الخط العربي مع العمارة الاسلامية فهناك مجموعة من الخصائص الشكلية والتنظيمية ، فخاصية التشكيل تبدأ أهميتها بتأثير المعالم المعمارية على التكوينات الخطية ، فكل  فضاء في الهندسة المعمارية يحتاج لبناء جمالي إذا اعتمده الخطاط كمساحة لإسقاط رؤيته فسوف يخلق الموائمة ما بين التقاليد العميقة للخط العربى وبين تجريدية الخلفيات التشكيلية فى اطار من التوليف يجمع بين الزخرفة والخط من جانب وسطوح البناء من جانب أخر.

فقد كان المعماري يعمل مع الخطاط، في كيفية وضع الخطوط على الجدران وبهذا تعلم الخطاط كثيراً من المعماري في هندسته للأشكال وكيفية ملىء الفضاء والصعود عالياً بالحروف ، فتظهر كثير من الحروف أو النصوص الخطية وكأنها تستند على قاعدة أساسات لترتفع مع شكل البناء الهندسي مازجة بين إنحناءات الحروف وأقواس العمارة ، حيث نرى هذا المزيج في كثير من مشاريع المبدع العربي وعبر تاريخ البناء الإسلامي وتراث الإبنية العربية ، كما إعتمدها الخطاطين في أزمنة مختلفة من النهضة الفنية التي شهدتها الحضارة الإسلامية بفنونها، ولهذا نرى كثير من الباحثون الغربيون قد أطلقوا على الفن العربي الإسلامي تسمية الفن الشرقي، وهذه التسمية هي القطب الشرقي من الفن الذي يمتد من أعرق المدن التي احتضنت الفن فبغداد ينطلق منها الفن ليصل الى الأندلس لقدرة وإمكانية الخطاط والفنان العربي والمسلم على التأثير والإلهام لحضارات غربية كانت تستلهم معاني الجمال، وهذه المعاني  كما يصفها المشتغلون في هذا المجال انها تأخذ قوتها من هندستها الروحانية وجوهرها الإيقاعي الذي تفرد به فن الخط العربي.

ان الحروف العربية التي يأخذ نسقها الخط المستقيم في الكتابة، فهي عند الخطاط تأخذ شكل هياكل وكتل تصعد للأعلى لتتشابك تشابكاً مدروساً يجمع بين الفراغ والحرف، حيث اصبحت الدلالات اللغوية من الحرف عاملاً جمالياً في بناء الفكرة وإرتباطها مع العمارة، وجاء في مقدمة ابن خلدون:

(إن الخط هو من جملة الصنائع المدنية المعاشة فهو لذلك ضرورة اجتماعية اصطنعها الإنسان وحيث أن الخط والكتابة هما المرتبة الثانية من مراتب الدلالة اللغوية فإنها بذلك تكون تابعة في نموها وتطورها لتقدم العمران شأن كثير من الصناعات المختلفة ولهذا السبب نجد أن الخط والكتابة ينعدمان في القرى والبدو البعيدين عن المدنية، وتكتسب بالتحضّر والمدنية والعمران)

تمتلك المدنية العربية وشواخصها في العمارة قدسية كبيرة استمرت ليومنا هذا وأصبحت تحتفض بعلاقة جمالية بين اللغة والخط العربي، وتبقى العمارة ركن أصيل من أركان الثقافة والحضارة العربية الإسلامية باعتبارها جزء من التراث الحي للأمة ، ولا توجد حضارة أولت الخط وفنونه عبر العصور اهتماماً مثل الحضارة الإسلامية التي شهدت ألواناً وأشكالاً عديدة من الفنون والرسومات، وتميز كل مجتمع عربي بفن من الفنون وجد فيه تعبيراً حقيقياً عن روحه وشخصيته وطموحه.

وسيبقى يوم اللغة العربية هو إضاءة ودلالة على لغتنا التي تحتوي حروف لاشبيه لها لعمق الجمال  والمعنى الذي لاينضب.

العدد 124 / كانون الثاني 2022