أسواق النفط في مرمى الضغوط الجيوسياسية من فنزويلا الى إيران

إجتماع مرتقب لـ »أوبك« وهندسة متناسقة مع حلفاء الإنتاج

العقوبات على إيران ليست أولوية.. وأزمة فنزويلا تتفاقم في غياب الحلول

بيروت هيثم محمود

شهدت الأسواق العالمية في الآونة الأخيرة ارتفاعا مستمراً لأسعار النفط التي وصلت منتصف مايو )أيار( الماضي إلى أعلى مستوى منذ 2014 بدعم من عوامل عديدة كان أبرزها الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وتجديد العقوبات على إيران، إضافة إلى مسائل تتعلق بالمشاكل الحاصلة في فنزويلا والتي تؤثر بشكل مباشر في الامدادات العالمية. إلا أن الأسعار شهدت تراجعات محدودة بدعم من تنامي الإنتاج الروسي وزيادة نشاطات الحفر الأمريكية إلى أعلى مستوياتها في أكثر من ثلاث سنوات. ولا شك في أن المشاكل الجيوسياسية في بعض المناطق المنتجة للبترول تؤثر سلباً في حركة الأسعار التي تتحرك في نطاق من 75 إلى 80 دولاراً.

فمع فرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة على إيران، التي تنتج نحو 4٪ من إمدادات النفط العالمية، ارتفعت أسعار النفط بقوة وبلغت العقود الآجلة لخام القياس العالمي مزيج  »برنت« أعلى مستوى منذ نوفمبر )تشرين الثاني( 2014 لتصل إلى 77. 89 دولار للبرميل منتصف مايو )أيار( المنصرم. وسجلت العقود الآجلة لـ »خام غرب تكساس الوسيط« الأمريكي أعلى مستوى عند 71. 84 دولار للبرميل.

ويتوقع المحللون أن يبدأ تنامي الإنتاج الأميركي في النيل من الجهود التي تقودها  »منظمة البلدان المصدرة للبترول« )أوبك(، لكبح الإنتاج منذ أوائل 2017 والتي دفعت الأسعار للارتفاع بقوة في النصف الأول من العام الحالي.

أسواق النفط.. ترقب في انتظار اجتماع اوبك
أسواق النفط.. ترقب في انتظار اجتماع اوبك

خلال الأيام الماضية تأثرت الأسعار سلبا بزيادة جديدة في عدد حفارات إنتاج النفط الجديدة بالولايات المتحدة. وزاد عدد الحفارات إلى أعلى مستوياته منذ مارس )آذار( 2015 إلى 862 حفاراً، وفقا لبيانات شركة  »بيكر هيوز« لخدمات الطاقة. ويؤشر ذلك إلى أن إنتاج النفط الخام الأمريكي سيرتفع أكثر من مستواه القياسي البالغ 10. 8 مليون برمياً.

وساهمت أعمال الحفر الأمريكية بعودة العقود الآجلة لخام  »برنت« إلى مستوى 76. 18 دولار للبرميل. كما نزلت  »عقود الخام الأمريكي« إلى 65. 56 دولار للبرميل.

 »أوبك«.. الأولوية فنزويلا وليست إيران

ومن المقرر أن تجتمع  »أوبك« في فيينا في 22 الجاري لاتخاذ قرار في شأن ما إذا كانت ستزيد الإنتاج، بالتعاون مع عدد من المنتجين خارجها بينهم روسيا، لتهدئة المخاوف من النقص المحتمل في الإمدادات من إيران وفنزويلا. وهناك توقعات قوية بأن تعمد المنظمة في اجتماعها إلى زيادة الإنتاج لتهدئة الأسواق، نظراً للقلق حول الإمدادات من فنزويلا وإيران، بعدما أبدت واشنطن قلقاً من أن أسعار النفط ترتفع أكثر من اللازم.

واتفق وزراء نفط عرب من  »أوبك« وخارجها، على الحاجة إلى استمرار التعاون لتحقيق التوازن في الإمدادات العالمية. ولا يُستبعد أن يكون مخزون الخام في الولايات المتحدة هبطت نحو 2. 5 مليون برميل في المتوسط وفقاً لمحللين، لكن زيادة إنتاج النفط الخام الأمريكي تسبب أيضاً ضغوطاً على أسعار النفط.

وبعد اجتماع في الكويت للجنة الوزارية المشتركة التي تراقب التزام الأعضاء بالاتفاق، أكد وزراء النفط العرب من  »أوبك« ضرورة الاستمرار في التعاون بين الدول المنتجة التي كانت خفضت إنتاجها 1. 8 مليون برميل في اليوم حتى نهاية العام الحالي

وأكد الوزراء في بيان نقلته وكالة الأنباء الكويتية )كونا(، مواصلة الشراكة الحالية للتعامل مع متغيرات السوق بما يحقق مصلحة الدول المنتجة والمستهلكة ويعزز النمو الاقتصادي العالمي على نحو سليم. كما أكدوا الحاجة إلى أوضاع صحية في السوق تشجع استثمارات كافية في قطاع الطاقة، بهدف ضمان إمدادات مستقرة من النفط لتلبية الطلب المتنامي وتعويض أي انخفاضات في بعض أرجاء العالم.

وتوقع وزير الطاقة الجزائري مصطفى قيتوني، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الجزائرية،  »بقاء أسعار النفط الخام العالمية بين 75 و80 دولاراً للبرميل«، بعد اجتماع  »أوبك« هذا الشهر. وقال وزير النفط الإماراتي، سهيل المزروعي، الذي تترأس بلاده  »أوبك« أن الأولوية هي لمعالجة أزمة فنزويلا مؤكداً أن لدى المنظمة ما هو أهم من إيران.

ويرصد تقرير نشرته  »أوبك« زيادة قيمة الصادرات البترولية للمنظمة البلدان المصدرة للنفط )أوبك(، بنسبة 28 في المئة عام 2017، استناداً إلى تقرير إحصائي سنوي أصدرته أمس، ما يظهر أن عودتها إلى إدارة سوق النفط عبر خفض الإمدادات، عززت إيرادات المنتجين.

وارتفعت قيمة هذه الصادرات إلى 578. 30 بليون دولار العام الماضي من 451. 80 بليون عام 2016، نتيجة الزيادة في أسعار النفط بعد قرار  »أوبك« بإدارة الإمدادات، بعد تعزيز الإنتاج من أجل الدفاع عن الحصة السوقية بين عامي 2014 و2016، والتي انخفضت خلالها قيمة صادرات النفط.

ومن بين تفاصيل حركة الإنتاج، حدثت  »منظمة البلدان المصدرة للنفط« هدفها لإنتاج النفط في نشرتها الإحصائية السنوية، ليشمل غينيا الاستوائية أحدث عضو ينضم إلى المنظمة. وحددت الوثيقة حصة غينيا الاستوائية في الإنتاج عند 178 ألف برميل يومياً، وبهذا يرتفع الهدف الكلي لإنتاج أعضاء أوبك ال12 المشاركين في اتفاق خفض إمدادات النفط، إلى 29. 982 مليون برميل يومياً. ووفق تقديرات محايدة تبلغ حصة غينيا الاستوائية نحو 128 ألف برميل يومياً وهدف  »أوبك« الإجمالي عند 29. 932 مليون برميل يومياً، استناداً إلى بيانات من  »وكالة الطاقة الدولية«.

مؤثرات داعمة وضغوط

يلاحظ تقرير أصدرته شركة  »نفط الهلال« تأثر أسواق النفط العالمية حالياً، بحزمة من المؤثرات الداعمة والضاغطة، بحيث لن يكون للاتجاه إلى إحداث أي تغير جوهري من بعض اللاعبين انعكاسات كبيرة وسريعة على مسارات الأسواق. وهذا يرجح بقاءها ضمن المعطيات المتوافرة من دون تدخل مباشر، إذ لم يعد ضرورياً التفتيش عن آليات واتفاقات جديدة، لدعم استقرار أسواق النفط العالمية من الضغوط الجيوسياسية والأسعار الإيجابية المتماسكة عند المستويات الحالية.

ويرى التقرير أنه لم يعد ضرورياً أيضاً الاتجاه نحو إلغاء اتفاق خفض الإنتاج بين  »أوبك« وحلفائها عن المستويات الحالية وتوازن العرض والطلب، الذي يدعم استقرار الأسواق وينعكس إيجاباً على المنتجين والمستهلكين، ويضمن استدامة نمو الاقتصاد العالمي.

الأزمات الداخلية تعصف بفنزويلا
الأزمات الداخلية تعصف بفنزويلا

وبات ضرورياً، وفق التقرير منح أسواق النفط العالمية وقتاً إضافياً لاختبار التماسك وضمان ثبات عوامل الدعم الحالية، قبل البدء بالحوار حول إلغاء اتفاق خفض الإنتاج. في حين أن مقاييس حجم العرض الحالي  »ليست بتلك الدقة بل هي تحتاج إلى مزيد من البحث والمراجعة، قبل اتجاه المنتجين نحو زيادة الإنتاج عن مستوياته الحالية لدعم التوازن والاستقرار للاقتصاد العالمي.

ويجب الأخذ في الاعتبار أن منتجي النفط من داخل أوبك وخارجها ملتزمون توفير الإمدادات التي تطلبها الأسواق في كل الظروف، وأن الأسواق لا تتطلب تحرير العرض حتى نهاية هذه السنة. كما أن تعويض الأسواق نتيجة تراجع الإنتاج في عدد من الدول الرئيسة  »لن يؤثر على التوازن الحالي.

ويرى تقرير  »نفط الهلال« أن عوامل التوازن بين قوى العرض والطلب فرضت منذ بداية السنة إطاراً جديداً لتحرك أسواق الطاقة، وبالتالي بدأ تراجع حجم التأثير الذي كانت تحمله تقلبات المخزون التجاري في الدول الصناعية الكبرى، مع الإشارة إلى أن  »الانعكاس الحقيقي للمخزون لا يجب أن يتعدى خطط المنتجين المتوسطة والطويلة الأجل، والأهمية التي يضطلع بها المنتجين وكذلك استقرار أسواق المنتجين واقتصاداتهم في كل الظروف«. ذلك أن استقرار أداء اقتصادات المنتجين ونموها  »يضمنان ثبات اقتصادات المستهلكين والاقتصاد العالمي ونموها. في حين لم يظهر الاقتصاد العالمي معدلات نمو استثنائية في فترة التراجع، وعدم الاستقرار المالي الذي واجهه اقتصاد المنتجين خلال الفترة الماضية.

ايران.. الخطر الجيوسياسي

كان الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وتجديد العقوبات على إيران من الأحداث اللافتة التي أثّرت في سوق النفط، وبالتالي فإن خروج جزء من الإنتاج الاياني من السوق العالمية بفعل العقوبات الأمريكية يدعم الأسعار مباشرة. فطهران تنتج يومياً نحو 2. 5 مليون برميل يومياً وهي تعتزم بحسب وزير النفط فيها، بيغن زنغنه، المضي في خطة لزيادة إنتاجها بنحو 460 مليون برميل خلال ثلاث سنوات إلى ثلاث ملايين برميل، بحسب ما نقل موقع معلومات وزارة النفط الإيرانية )شانا( عن الوزير.

وقال زنغنه إن الخطة ستركز على زيادة الإنتاج من 29 حقلا نفطيا من بينها حقول إيلام وخوزستان وجشساران وفلات قره وفارس. أضاف أن الجزء الأكبر من الأعمال اللازمة لزيادة الإنتاج في حقول النفط ستنفذه شركات إيرانية. ووفقا لزنغنه فإن أكثر من 75٪ من معدات زيادة الإنتاج إيرانية.

وفي تحدٍ للعقوبات الأمريكية أكد الرئيس التنفيذي لشركة  »نايارا إنرجي« الهندية للتكرير، أن الشركة مستعدة لاستبدال النفط الإيراني إذا تطلب الأمر ذلك، بسبب العقوبات. وأمل في أن  »تسدد المبالغ المستحقة لطهران قبل الموعد المحدد، لإعادة فرض العقوبات في نوفمبر )تشرين الثاني( المقبل.

ويخيم الغموض على مصير صادرات إيران النفطية، بعدما الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي المبرم في 2015. وستستغل  »نايارا« المشتري الرئيس لنفط إيران، شبكة مورديها الضخمة التي تضم أسماء مثل  »روسنفت« و »ترافيغورا« لاستبدال النفط الإيراني. وتدير الشركة مصفاة متطورة بطاقة 400 ألف برميل يومياً، في فادينار على الساحل الغربي للهند.

وقال الرئيس التنفيذي للشركة إنها على اتصال دائم بموردين بديلين للخام. وتوقع أن تسدد الشركة ديونها لإيران قبل 4 نوفمبر )تشرين الثاني(. وأكد أن الشركة سددت متأخرات بنحو ملياري يورو )2. 3 مليار دولار(، لتغطية مشتريات سابقة من الخام الإيراني، ولا تزال مدينة بنحو 500 مليون يورو.

ويتوقع محللون أن يتوقف تصدير النفط الإيراني، إذا طبقت الدول الأوروبية العقوبات الأمريكية على إيران. وتستورد أوروبا نحو 600 ألف برميل في اليوم من النفط الإيراني. وتجري محادثات حثيثة للاتفاق على كميات إضافية يجب ضخها في السوق.

العقوبات على ايران لم تعد اولوية
العقوبات على ايران لم تعد اولوية

فنزويلا تكافح

تكافح فنزويلا لتلبية التزامات الإمداد، حيث تنتظر عشرات الحاويات في الموانئ لنقل النفط، وتنتظر الحاويات لتحميل أكثر من 24 مليون برميل من النفط الخام وهي تقريباً الكمية ذاتها، التي شحنتها شركة  »بي دي في إس إيه« الحكومية في أبريل )نيسان(. وأزمة التكدس شديدة لدرجة أن الشركة الحكومية أبلغت بعض زبائنها، أنها قد تعلن حالة القوة القاهرة، ما يتيح لها تعليق العقود موقتاً، إذا لم يقبل الزبائن بشروط جديدة للتسليم. لكن هناك مؤشرات إلى زيادة الإنتاج خارج المنظمة.

وتؤكد مصادر مطلعة إن  »أوبك« تراقب عن كثب هبوطا في إنتاج النفط في فنزويلا لتعرف ما إذا كان انخفاض الإمدادات الفنزويلية. ويمثل هذا تحولا في الموقف عما كان في وقت سابق هذا العام عندما قلل مسؤولو أوبك من أهمية انخفاض إنتاج فنزويلا. وساعد انخفاض إنتاج فنزويلا بسبب أزمة مالية على خفض إمدادات  »أوبك« بأكثر من المستويات التي استهدفتها في اتفاقها مع روسيا ومنتجين آخرين لتقليص الإمدادات والتخلص من تخمة المعروض في الأسواق العالمية.

وقبل اجتماع وزراء  »أوبك« وحلفاؤها، سيكون ملف إنتاج فنزويلا حاضرا في الاجتماعات الفنية فضلا عن اجتماعات أخرى يُتوقع أن تعقد خلال الشهر الجاري. وانخفض إنتاج فنزويلا النفطي في نيسان )أبريل( إلى أدنى مستوى منذ فترة طويلة عند 1. 505 مليون برميل يوميا، وهو ما يقل بنحو 500 ألف برميل يوميا عن مستوى الإنتاج المستهدف ضمن حصتها في  »أوبك«.