الجزائر-السودان: الانقلاب على الانقلاب

العسكر والمدنيون يتصارعون من أجل عقد اجتماعي جديد

محمد قواص (*)

يمثل الحدثين الجزائري والسوداني مفاجئة لن يكن يتوقعها الخبراء المتخصصون في شؤون البلدين. استطاع البلدان أن يبقيان بمنأى عن موجة الربيع العربي التي انطلقت من تونس عام 2011، وتمكن نظامي البلدين من التعامل مع بعض ظواهر الاعتراض التي تصغر أو تكبر لكنها بقيت تحت السيطرة من قبل الساسة وأجهزة الأمن والمخابرات.

وفيما همد الشارع الجزائري طويلا ولم يلحظ له نشاط مقلق منذ انتهاء  »العشرية السوداء، في تسعينيات القرن الماضي. وفيما بدا أن تحركات الميدان السوداني تأخذ أبعادا كلاسيكية، سواء في النسخة التقليدية للمعارضة السياسية أو بتلك التي تعبر عنها الفصائل المتمردة المسلحة، إلا أن أحدا لم يتوقع هذا السقوط المدوي لنظام الرئيسين، عبد العزيز بوتفليقة وعمر حسن البشير.

يتولى الجيشان، السوداني والجزائري، هذ الإيام إدارة زمام الأمور في بلديهما، أو يسعيان بشق النفس إلى ذلك. وأيا تكن تفسيرات التحولات الحاصلة فإن الجيش نفذ انقلابا أطاح برأس السلطة في الجزائر ورأس السلطة في الخرطوم.

يشتبه العامة في البلدين بصفقات تحت الطاولة أخرجت العسكر إلى الواجهة وسحبت وجوه النظامين إلى خلف الكواليس. كان على العسكر استجابة لضغوط الناس في الشارع أن يعبروا نحو القرارات الكبرى التي نقلت البشير وحاشيته من القصر إلى السجن، وأسقطت رؤوسا كبرى كانت تعتبر عصية مستحيلة المسّ في الجزائر.

في الجزائر كما في السودان، لم يتعامل  »الانقلابيون« مع النظام  »المخلوع« بادئ الأمر على النحو التقليدي الذي تمارسه الانقلابات في أدائها السوقي أو الثوري. بدا وكأن أوامر  »البلاغ رقم واحد« صدرت عن الرؤساء المخلوعين، وأن قادة الجيش، المرتبكين في الجزائر،

تعليق: كيف سقط عمر حسن البشير بعد 30 عاما؟

والحائرين في السودان، ينفذون خطة ومناورة كتلك التي ُتدرّس في المعاهد العسكرية الكبرى.

وسواء كانت الشكوك مبررة أو فيها افتراءات تنتجها نظريات المؤامرة، فإن الشارع في البلدين، بتياراته وأحزابه وهيئاته وقضاته و »كنداكاته«، لم يخضع للأمر الواقع، ولا يبدو أنه سيقبل باختصار ما هو تاريخي في حراكه بترميم شكلي لتصدعات أصابت الواجهة السياسية دون اجتثاث ما هو أعمق داخل نظاميْ البلدين.

في الموجات الأولى لـ  »الربيع العربي« التي شهدتها تونس ومصر عام 2011، كانت الحدود مرسومة بدقة:  »الشعب يريد إسقاط النظام«. جرت المبارزة بين  »الشعب« و »الحكام« كما في الروايات التاريخية البسيطة. لاحقا برزت حدود واضحة أخرى. الجيش والإسلاميين في مصر. البورقيبية واليسار من جهة والإسلاميين في تونس.

لا شيء من هذا يشبه ما يجري في السودان والجزائر. خرج الإسلام السياسي من حلبة الفعل والقيادة لحراك الناس في البدين. بات منكسرا مهزوما في السودان ومتواريا متخفيا في الجزائر. قيادات إسلامية طُردت من قبل المتظاهرين في الجزائر، فيما هتافات الشوارع في السودان تحمل الإسلام السياسي مسؤولية قيام نظام استبداد وفساد حكم البلاد بإسم الدين.

يلعب الجيش في الجزائر والسودان دور المنقذ. في ثنايا تلك الوظيفة سعي لمواراة دور الجيشين ومسؤوليتهما في إنتاج النظامين اللذين حكما الجزائر والخرطوم. أحكم الجيش الوطني في الجزائر قبضته على الجزائر منذ الاستقلال عام 1962. هو المنتج للرؤساء الذين حكموا البلاد مذاك. وإذا ما قام بالضغط لإجبار عبد العزيز بوتفليقة على الاستقالة، فإن ذلك، في زمن ما بعد الربيع العربي، لم يعد كافيا لإقفال الملف وإخلاء الشوارع والعودة إلى حياة عادية طبيعية في البلاد.

ينسحب أمر تلك المسؤولية على الجيش في تاريخ السودان الحديث منذ الاستقلال عام 1956. من ذلك الجيش خرجت الانقلابات العسكرية ابتداء من ذلك الذي قاده إبراهيم عبود عام 1958 وصولا إلى ذلك الذي قاده عمر البشير عام 1989. 11 انقلابا ومحاولة انقلاب تفصح عن نزوع دائم للجيش للانقلاب على نفسه أو على أي حكم مدني عابر.

على هذا لا يأمن الناس في جزائر وسودان هذه الأيام هذا  »المنقذ« وقد خبروه في تاريخهما مكشرا عن أنيابه. بدا أن الذاكرة البعيدة كما تلك القريبة تمنع المحتجين من مغادرة الشوارع قبل أن يحصل هذا التغيير الذي زحفوا من أجله. في البال أن حراك الناس هو من أوقف مهزلة  »الرئيس مدى الحياة« في البلدين، فاستقال بوتفليقة وأُقيل البشير. وهذا الحراك نفسه هو من أجبر الجيشين على التحرك، ولو كان هناك سبيل آخر غير ذلك لربما فعلاه.

حين أطل عوض بن عوف (قبل أن يتنحى هو الآخر) منصّبا نفسه رئيسا للمجلس العسكري الانتقالي في السودان، أطلق سيلا من الوعود البراقة متوعدا بإجراءات أمنية مشددة فارضا حالة الطوارئ ومنع التجول. رحل بن عوف، وخرجت النسخة الجديد بقيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه، الشخصية المثيرة للجدل، محمد حمدان دقلو الملقب بـحميدتي تؤكد أن لا نية أبدا لاستخدام العنف ضد المعتصمين. تلك الروحية التي فرضت ذاتها في السودان هي التي يتقيد بها العسكر في الجزائر، على الرغم من ارتباك أمني شاب أداء الشرطة ومنابر الأمن في هذا البلد في الأيام الأخيرة.

ربما تقادمت تقليعة العنف الدموي الذي تمارسه الأذرع الضاربة للسلطة ضد المتظاهرين. يفقد الجيشين، في الجزائر والسودان،  »فضيلة« القوة أمام الشعبين، ويرتجلان يوميا أداء السياسة وممارسة فنونها. ولئن تبدو الحيرة والحذر عناوين للسلطة في البلدين، فإن أمر ذلك ينسحب

تعليق: من أجبر بوتفليقة على الاستقالة؟

على كبرى عواصم العالم في مقاربة الحدثين.

في الشارع الجزائري يروج توجس بنيوي قديم جديد من موقف باريس. تُكال لفرنسا الاتهامات بأنها غرفة العمليات الحقيقية التي تدير أمور البلاد منذ عقود. في الأمر مبالغة مرتبطة بالعلاقة التاريخية الملتبسة بين البلدين، ونهل من حكاية الاستعمار الفرنسي في تحميله مسؤولية علل الجزائر بسبب الاحتلال، وتحميل باريس مسؤولية التواطؤ مع نظام الجزائر بعد اندثار الاحتلال. وعلى قاعدة ذلك التوجس يمكن فهم الموقف الفرنسي الحالي المُبالغ في تبرئة النفس من أي شبهة تدخل في شؤون الجزائر.

تبدو الصورة أكثر وضوحا في شأن السودان. لم يعد العالم يمسك بالمفاتيح التي كانت تفتح أبواب السودان: نظام، معارضة، فصائل مسلحة، شمال، جنوب، ميليشيات، المحكمة الجنائية الدولية… إلخ. عادت واشنطن البشير ووضعت نظامه على لائحة الإرهاب. سقط البشير دون أن يكون في جعبتها خطة بديلة.

العالم بأثره يتعاطى بدبلوماسية الحد الأدنى في الجزائر والسودان. البلدان المعنية تؤيد إجراءات المجلس العسكري في السودان وتعتبر أن مصير الجزائر يحدده الجزائريون دون أي تدخل خارجي. تحتشد لغة الدبلوماسية بجرعات عالية من النفاق وعدم اليقين، على نحو يؤشر أن النظام العالمي المتصدّع والذي يسعى للتشكل، يقف مصعوقا أمام حراك داهم لم ترصد أجهزة المخابرات الكبرى أنه سيُسقط رأسين حكما البلدين لعقود.

لا يستطيع العالم أن يحتمل الفوضى داخل دولتين من الأكبر مساحة في المنطقة. وليس من مصلحة هذا العالم أن تطول فترة عدم اليقين في الجزائر والسودان، فذلك يهدد ببروز مطالب فرعية من داخل المطالب الوطنية، بما ينذر بتفتت يهدد وحدة البلدين.

لا تستطيع الدول الكبرى أن تتبارز داخل عالم لا تمسك بخرائطه. وللمفارقة الكبرى، يكاد موقف موسكو وبكين وواشنطن وباريس.. الخ أن يكون واحدا، وإن اختلفت مفردات القول والإداء، لمواكبة أزمة الجزائر والسودان للوصول إلى سكك الخلاص.

لا تعني سكك الخلاص بالضرورة الاهتداء إلى الحل النهائي الذي يرضي الجزائريين والسودانيين سكك الخلاص هي تلك التي على أساسها يضع العالم البلدين داخل القواعد المتعارف عليها والتي يمكن التعامل معها. فهذا العالم لا يحب هذه الثورات التي لا تشبه الربيع العربي.

سيكون من الحكمة مراقبة الجدل الجزائري كما ذلك السوداني بصفته حدثا ليس تابعا لسياق الربيع العربي الذي ربما بات متقادما. ينتفض الشارع في البلدين ضد النظام الساقط كما ضد العسكر كما ضد المعارضات التقليدية. يجري التدول وفق أبجديات جديدة ويجري التحاور مع شخوص ووجوه لم تعرفها الطبقة السياسية في البلدين.

وقد يبدو أن في الأمر وقائع حالمة رومانسية لا تشبه علم السياسة ومصالح الدول بالمعنى المباشر. وعلى هذا يجري العلاج محليا بوسائل محلية تشبه ثقافة البلدين ولغة الحشود داخلهما. وعلى هذا تقل تحليلات المحللين من الخارج كما تتردد تدخلات المعنيين في الخارج أيضا.

 »إعلان الحرية والتغيير« في السودان: من هم وماذا يريدون؟

برز اسم تحالف إعلان الحرية والتغيير في الآونة الأخيرة الذي يقود المفاوضات والاجتماعات مع المجلس العسكري الانتقالي. فما هو هذا التحالف وما هي مطالبه؟

يتكون تحالف إعلان الحرية والتغيير من عدة منظمات وأحزاب وحركات أبرزها:

-تجمع المهنيين السودانيين

يلتف السودانيون حول تجمع سوداني أطلق على نفسه  »تجمع المهنيين السودانيين« الذي تأسس عام 2013 بعد الاحتجاجات التي عمت البلاد في سبتمبر من ذلك العام، إلا أن الإعلان الرسمي عنه كان في أغسطس 2018 في ظل تعتيم على أعضائه وهيئاته لأسباب أمنية.

ويضم التجمع العديد من الأكاديميين من مهندسين وأطباء وأساتذة جامعات.

تشكل هذا التجمع ليمثل  »خيرة أبناء المجتمع« من المثقفين بدلا من الأحزاب التقليدية، وإيجاد بديل للنقابات الرسمية التي كان يسيطر عليها النظام، والسعي إلى تغيير النظام السياسي بوسائل سلمية.

 كيف تمرد الشارع الجزائري على عقدة  العشرية السوداء

واتفق تحالف المحامين الديمقراطيين وشبكة الصحفيين السودانيين ولجنة الأطباء المركزية ولجنة المعلمين السودانيين وغيرها من التنظيمات النقابية، على المطالبة بتنحي البشير دون شروط وتشكيل حكومة انتقالية من كفاءات وطنية لأربع سنوات ووقف الانتهاكات وإلغاء القوانين المقيدة للحريات.

وتم الاتفاق عليها وصدرت كوثيقة موقعة في بداية عام 2019 في الخرطوم. كما كان لدى التجمع متحدثون رسميون باسمه في كل من فرنسا والمملكة المتحدة قبل الإطاحة بالبشير، إلا أنه بعد الإطاحة بالبشير، أصبح بمقدور أعضائه الخروج للملأ وإدلاء التصريحات باسمه من العاصمة السودانية، الخرطوم.

-قوى نداء السودان

تشكلت قوى نداء السودان في ديسمبر 2014، في أديس أبابا في إثيوبيا. وضمت عدة أحزاب وحركات سياسية وتنظيمات مدنية معارضة مختلفة أبرزها حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي، بهدف إيجاد حل للأزمة السودانية وتشكيل حكومة مؤقتة لإدارة البلاد في الفترة الانتقالية.

كما ضمت تنظيمات مسلحة مثل الجبهة الثورية المسلحة المكونة من  »حركة تحرير السودان فصيل مني أركو مناوي« و »حركة تحرير السودان فصيل عبدالواحد نور« و »حركة العدل والمساواة« بقيادة جبريل إبراهيم و »الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال«.

وأيضا  »قوى أحزاب الإجماع الوطني« التي تضم مجموعة من القوى المدنية المعارضة أبرزها  »الحزب الشيوعي السوداني« و »المؤتمر السوداني المعارض« وحزبا  »البعث« و »الناصريين« و »مبادرة المجتمع المدني« والعشرات من منظمات المجتمع المدني.

وتتميز قوى نداء السودان بضم الحركات والأحزاب ذات الأيديولوجيات المختلفة من إسلامية ويمينية ويسارية وقومية وشيوعية وغيرها.

ما قوة الشارع السوداني في مواجهة العسكر؟

والهدف الذي جمع قوى نداء السودان بحسب ما أعلنوه هو:

* تأسيس دولة المواطنة والديمقراطية.

* الحوار والحل السياسي الشامل.

* حل الأزمة السودانية حلا جذريا مستداما.

* إطلاق سراح المعتقلين سياسيا والأسرى والمحكومين سياسيا.

* إلغاء القوانين المقيدة للحريات وحقوق الإنسان في السودان.

* تشكيل حكومة انتقالية لإدارة مهام الفترة الانتقالية.

* تكوين إدارة متفق عليها لعملية حوار تفضي إلى تحقيق السلام الشامل والتحول الديمقراطي

الجزائر: سقوط أعمدة النظام

اعتقلت أجهزة الأمن الجزائرية السعيد بوتفليقة، الأخ الأصغر للرئيس الجزائري المستقيل عبد العزيز بو تفليقة.

وكان السعيد أحد كبار مستشاري الرئيس السابق لأكثر من عشر سنوات. ويتردد أنه كان الحاكم الفعلي للجزائر منذ إصابة شقيقه بجلطة دماغية في عام 2013.

كما اعتقلت المديرية العامة للأمن الداخلي للجيش الوطني اثنين من قادة جهاز الاستخبارات السابقين، وهما محمد مدين، واللواء بشير طرطاق.

وكانت وسائل إعلام جزائرية أعلنت قبل ذلك أن قائد الجيش، أحمد قايد صالح، كان قد اتهم مدين المعروف بالجنرال توفيق بعقد اجتماعات مع شخصيات وصفها بالمشبوهة بهدف زعزعة أمن البلاد والتآمر على المؤسسة العسكرية والحراك الشعبي.

السعيد بوتفليقة: حاكم الظل في الجزائر

منذ إلقاء القبض على علي حداد، أحد أهم رجال الأعمال المقربين من دوائر الرئاسة في الجزائر، رآه كثيرون حدثا له دلالة واضحة وجاء بمباركة من الجيش الجزائري، ويعني أن الرجل لم يعد يتمتع بالحماية السابقة وأن الطرف أو الجهة التي كانت تؤمن له الحماية فقدت نفوذها في

هل فقد العسكر سطوة القوة على الشعوب

دائرة صنع القرار.

وكان حداد يعد من المقربين من السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس، إذ وقف إلى جانبه في الصراع بين رجل الأعمال الثري ورئيس الوزراء السابق، عبد المجيد تبون، الذي أقيل من منصبه.

وقد ألحق الجيش تلك الخطوة ببيان له يوم الثلاثاء في الثاني من أبريل/نيسان الحالي دعا فيه الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، إلى الاستقالة فورا وبعدها بأقل من ساعة استجاب الرئيس.

لم يسمع أحد بالسعيد بوتفليقة قبل عودة شقيقه عبد العزيز من الخارج بعد عقد من أمضاه في الخارج، إذ اصطحبه الرئيس معه إلى القصر وعينه مستشارا عام 1999، وظل السعيد بعيدا عن الأضواء نسبيا ولم يُعرف له موقف سياسي أو تصريح علني في أي شأن قبل أن يُصاب الرئيس بسكتة دماغية عام 2013.

وقبل مرض الرئيس، لم يكن السعيد سوى صورة تظهر إلى جانب شقيقه في إطلالات رسمية قليلة، لكن ظهوره اللافت كان منذ إصابة الرئيس بسكتة دماغية أقعدته، إذ راج منذ ذلك الوقت كثير من التخمينات والاشاعات عن الدور الذي يلعبه السعيد في إدارة دفة الحكم في الجزائر.

وظل السعيد معروفا في الأوساط الجامعية فقط قبل سنة 1999، إذ كان محاضرا في جامعة باب الزوار للعلوم والتكنولوجيات في مجال الذكاء الاصطناعي.

وسعيد، الذي ولد في عام 1958 في مدينة وجدة بالمغرب، هو أصغر إخوة الرئيس، عبد الغني وعبد الرحيم وسعيد، وقد عادت أسرة بوتفليقة بعد استقلال الجزائر عام 1962 إلى البلاد.

درس السعيد حتى المرحلة الجامعية في البلاد ونال درجة مهندس من جامعة باب الزوار، وفي 1983 انتقل إلى باريس ليواصل دراسته، ونال الدكتوراه من جامعة بيير وماري كوري، وعاد إلى عام 1987 ليعمل في الجامعة.

في أبريل /نيسان 2013، قالت وكالة الأنباء الجزائرية إن الرئيس بوتفليقة أصيب بجلطة دماغية ومنذ ذلك التاريخ بدأ نشاط السعيد بالظهور وبدا كأن له دور بارز في المشهد السياسي، كما انتشر كثير من التخمينات التي تحدثت عن سيطرة السعيد على دائرة القرار في الحاشية الضيقة والمتماسكة المحيطة بالرئيس.

عبد الفتاح البرهان: جنرال الضرورة

يقود الفريق أول عبد الفتاح البرهان المرحلة الانتقالية في السودان، بعد توليه رئاسة المجلس العسكري الانتقالي خلفا لوزير الدفاع الفريق عوض بن عوف.

وكان بن عوف قد أعلن استقالته من رئاسة المجلس الانتقالي، وكذلك إعفاء رئيس الأركان الفريق أول ركن كمال عبد المعروف الماحي من منصبه كنائب لرئيس المجلس.

وجاءت الاستقالة إثر استمرار الاحتجاجات يوم الجمعة، والتي اعتبرت بن عوف امتدادا لنظام البشير.

وبرز اسم البرهان في فبراير الماضي، مع إعلان البشير لتعديلات في قيادات الجيش. وشملت قرارات البشير ترقيته من رتبة فريق ركن إلى فريق أول، وتوليه منصب المفتش العام للقوات المسلحة بعد أن كان قائدا للقوات البرية.

ومع إعلان عزل البشير، كان البرهان أول قيادات الجيش وصولا إلى مقر الإذاعة والتليفزيون السوداني، قبل وصول بن عوف لقراءة بيان القوات المسلحة.

كما ذكرت مصادر أنه كان من بين القيادات التي أبلغت البشير بعزله من الرئاسة.

وظهر البرهان لاحقا في صفوف المعتصمين بساحة القيادة العامة الجيش، وهو يتحدث إلى الرئيس السابق لحزب المؤتمر السوداني، إبراهيم الشيخ، وسط هتافات تطالب بإسقاط النظام.

ويشير البعض إلى تمتع البرهان بقبول شعبي وتوافق من الأطراف السياسية في البلاد، على عكس سلفه بن عوف.

ولا يُعرف عنه ميله لأي تيار سياسي أو تبنيه لتوجه بعينه، وهو ما يعزز من فرص نجاحه في مهمته والتوفيق بين القوى السياسية المختلفة.

لكنه ينتمي إلى أسرة متدينة، تتبع الطريقة الختمية، إحدى الطرق الصوفية في السودان.

ولعب البرهان دورا في الكثير من الأحداث العسكرية الكبرى في المنطقة. كان آخرها الإشراف على القوات السودانية في اليمن، بالتنسيق مع قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان حميدتي.

وتخرج البرهان في الدفعة 31 من الكلية الحربية، وعمل ضابطا في قوات المشاة، وغيرها من وحدات الجيش. وشارك في حرب دارفور، وكذلك المعارك التي سبقت انفصال جنوب السودان عن شماله.

وانتُدب البرهان في مصر والأردن لعدد من الدورات التدريبية. وكان يتنقل مؤخرا ما بين اليمن والإمارات العربية المتحدة.

كما تولى العديد من المناصب، من بينها ملحقا عسكريا في الصين، وقائدا لقوات حرس الحدود، ورئيس أركان عمليات القوات البرية، ثم رئيس أركان القوات البرية.

وذكرت بعض المواقع الإخبارية السودانية أن البشير عرض عليه منصب والي إحدى الولايات، لكنه رفض تولي منصب سياسي.

والبرهان من مواليد عام 1960، في قرية  »قندتو« بولاية نهر النيل في شمال البلاد. ولديه ثلاثة أبناء، ولدان وبنتا، يدرس أكبرهم حاليا في جامعة الخرطوم.

محمد حمدان دقلو (حميدتي): الرجل القوي

بعد الإطاحة بالرئيس السوداني، عمر البشير، تولى المجلس العسكري السلطة.

وينتمي جميع أعضاء هذا المجلس للمؤسسة العسكرية إلا محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي، الذي لم يكن في يوم من الأيام من أفراد هذه المؤسسة، رغم انه يحمل رتبة فريق أول بقرار من البشير نفسه.

وكان حميدتي قد حذّر المعتصمين مؤخرا، أمام مقر وزارة الدفاع السودانية، من نفاذ صبره قائلا:  »أخضع شخصيا للتفتيش من قبل المحتجين، ولا يوجد تنازل أكثر من هذا، فللصبر حدود«.

ينحدر حميدتي من قبيلة الرزيقات ذات الأصول العربية التي تقطن إقليم دارفور غربي السودان.

وعمل في العشرينيات من عمره في تجارة الإبل بين ليبيا ومالي وتشاد بشكل رئيسي، بالإضافة إلى حماية القوافل التجارية من قطاع الطرق في مناطق سيطرة قبيلته.

ذاع صيته وجنى ثروة كبيرة في التسعينيات من القرن الماضي، الأمر الذي دفع البشير إلى تقريبه، وخاصة أنه كان يقود مليشيا كبيرة لحماية القوافل التجارية.

كما يسيطر حميدتي على عدد من مناجم الذهب في دارفور.

منح البشير امتيازات كبيرة لحميدتي، وارتفع عدد الميليشيا التي يقودها، وصلت إلى ما يقارب 40 ألف بحسب مصادر سودانية محلية.

منح البشير حميدتي صلاحيات لا تُمنح إلا للجيش، وأطلق اسم  »قوات الدعم السريع« على المليشيا التابعة له التي ينحدر معظم عناصرها من قبائل دارفور، كما زودت بالأسلحة الخفيفة وسيارات الدفع الرباعي، الأمر الذي أثار سخط وحفيظة الضباط.

إلا أن حميدتي، وقبل بضعة أيام من الإطاحة بالبشير، خيّب أمل البشير وتخلى عنه، بعد أن استنجد البشير به لقمع المظاهرات.

وقالت مصادر محلية سودانية إن  »قوات الدعم السريع« التي يقودها حميدتي، ساهمت في الإطاحة بالبشير، ودعا الحكومة السودانية إلى  »توفير ما يحتاجه المواطنون في سبيل العيش الكريم«، وهو موقف يراه بعض السودانيين إيجابيا.

لكن أخرين يصفون موقفه بـ  »المحاولة الذكية« لتلميع صورته وصرف انتباه العالم عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها قواته في دارفور.

وتتحدث بعض التقارير عن إحكام حميدتي قبضته على مناطق واسعة في العاصمة الخرطوم، وأنه “يملي شروطه على قادة القوات العسكرية« كونه يحمل رتبة فريق أول في الجيش.

يتولى حميدتي بالتنسيق مع رئيس المجلس الانتقالي العسكري، عبد الفتاح البرهان، ملف القوات السودانية المشاركة في التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن.

وتقول ويلو بيردج، مؤلفة كتاب  »الانتفاضات المدنية في السودان الحديث« وأستاذة التاريخ في جامعة نيوكاسل البريطانية،  »لقد ارتكبت قوات الدعم السريع فظاعات في دارفور، ويثير تحركها بعد الإطاحة بالبشير ريبة الكثيرين، وخاصة المتمردين في دارفور«.

وحتى عام 2017 كانت قوات الدعم السريع تابعة لجهاز الأمن والمخابرات ثم أصبحت تابعة لمؤسسة الجيش، بالرغم من أن معظم منتسبيها ليسوا عسكريين.

(*) صحافي وكاتب سياسي لبناني

العدد 93 – حزيران 2019