أهل السياسة.. وسياسة قطاع الطرق: لبنان أمام خياري تشكيل الحكومة أو الانهيارالشامل

بيروت ـ غسان الحبال

العدد 87 – تشرين الثاني 2018

يصف دبلوماسي عربي، سبق له ان عمل في سفارة بلاده في بيروت، السياسة اللبنانية بـ »سياسة قطاع الطرق«، وذلك ردا على سؤال وجه إليه حول ما إذا كان للمعطيات الخارجية تأثير جوهري في تحديد شكل وموعد تشكيل الحكومة اللبنانية؟

إلا أنه في المقابل يرفض تعميم صفة  »قطاع الطرق« على جميع السياسيين في لبنان، ويقول أنها  »ربما تنطبق على بعضهم الذي يمارس الضغوطات والضغوطات المضادة، متجاهلا الأوضاع اللبنانية السياسية والاقتصادية والاجتماعية بكل أبعادها المعيشية، والتي لا يدفع ثمنها سوى المواطن اللبناني«.

وبالفعل، إذا وضعنا حسن النية فوق كل اعتبار في تفسير أبعاد تعليق الدبلوماسي العربي على الحياة السياسية في لبنان، وانحزنا إلى ترجمة مصطلح  »قطع الطرق« بما يعني قيام رجل السياسة بقطع الطريق على منافسه عبر تصعيد شروطه ومطالبة عملا بمبدأ  »المحاصصة«

هل تدفع الأزمات المعيشية المواطن اللبناني إلى الشارع مجددا؟

التي تعتبر عاملا رئيسا في تأخير تشكيل الحكومة اللبنانية حتى اليوم، فإن ما لا يمكن الهروب منه هو أن  »المحاصصة« بمعنى توزع وتوزيع الحصص بين مختلف السياسيين إنما تأتي دائما على حساب الناس العاديين، أو بدقة أكثر على حساب الناخب اللبناني، الذي أوصل هذا المسؤول إلى موقع المسؤولية والقرار، ولذلك فإن ما بين  »المحاصصة« و »قطع الطريق« يبقى المواطن هو الخاسر الأول، ويبقى الوطن هو الخاسر الأكبر.

المحاصصة.. أم تعطيل

كيف يمكن أن  »تقطع الطريق« على تشكيل الحكومة؟

تتمثل عملية  »قطع الطريق« بافتعال الأزمات بشكل دائم، الأزمة تلو الازمة والتعقيد تلو التعقيد، في كل مرة يحصل فيها تحرك جدي نحو انهاء أزمة التأليف. وبصرف النظر عن اللعبة السياسية التقليدية التي يحتفظ فيها السياسيون بسقف عال للتفاوض وتحصيل المكاسب الوزارية، يبدو أن أزمة تأليف الحكومة قد تجاوزت البعد المتصل بالمناورات السياسية والشروط التقليدية، وباتت تهدد بتعقيدات أكثر عمقا عبر افتعال مسببات العرقلة واستهلاك الوقت وتعميم الاهتراء والتراجع في كل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية المعيشية عموما، بما يضع البلاد أمام احتمالات الانهيار.

ومثالا على ذلك، اشتعال الحملات المتبادلة بين  »التيار الوطني الحر« و »القوات اللبنانية« بعد فترة تهدئة من الطرفين كانت قد حملت رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري إلى الإعلان في لقاء متلفز عن تقدم في جهود الحلحلة واقتراب موعد الإعلان عن الحكومة، إلا أن طرح الوزير جبران باسيل معايير جديدة للتوزير نسف التفاؤل، إذ بادر الحزب التقدمي الاشتراكي على لسان وليد جنبلاط، و »القوات اللبنانية« الى الردّ عليه، واعادة فتح السجال الذي كان دائراً حول عملية المحاصصة في الحكومة، وهكذا جاءت الأزمة المستجدة بين  »التيار« و »القوات« لتطعن بجهود الرئيس الحريري، ول«تقطع الطريق« على محاولاته الحثيثة لتأليف الحكومة، الامر الذي أثار شكوكاً عميقة لدى بعض الجهات في موقف  »التيار« ورئيسه باسيل، ومن خلالهما موقف رئيس الجمهورية وما اذا كان يوافق على كل ما طرحه باسيل من شروط بدت أقرب الى فرض معايير على الرئيس المكلف والقوى التي ستشارك في الحكومة.

 »قطع الطريق« على التشكيل

وإذا كان افتعال هذه الأزمة قد اتخذ شكل  »قطع الطريق« على الرئيس المكلف، فإن الأمر هنا يأخذ أيضا منحى التداخل بين«قطع الطريق« و »المحاصصة«، إذ تشير المصادر الرسمية إلى ان  »التيار الحر« و »القوات اللبنانية« رفعا سقف المواقف والمطالب، ليس بالضرورة من اجل التعطيل، بل ربما لإعادة التفاوض حول الحصص، ولكن هذا يعني بشكل مباشر إعادة الكرة الى ملعب الرئيس المكلف، الذي بات عليه اجراء دورة جديدة من المفاوضات ستتمحور مجددا حول حصص الطرفين والحقائب التي يريدانها وكيفية خفض السقف العالي عندهما.

وبالانتقال إلى موضوع تمثيل  »حزب الله« في الحكومة، كطرف سياسي أساسي معني باللعبة السياسية في لبنان، والاعتراض على منحه حقيبة الصحة او اية حقيبة اخرى تحتم على الوزير التواصل والتعاون مع الجهات الدولية المانحة والصديقة، يقول مصدر إعلامي رسمي أن هذا الاعتراض يشكل، بالإضافة إلى الأسباب الداخلية، دليلا على وجود ضغوط خارجية تتدخل لـ »قطع الطريق« على الرئيس الحريري، وتأخير تشكيل الحكومة، إلا أن معلومات تولت جهات إعلامية في  »حزب الله« الترويج لها، ذكرت  »ان الحزب لمس منذ بدء مفاوضات

جبران باسيل: معايير جديدة للالتفاف على الجميع

تشكيل الحكومة اعتراضا من الادارة الاميركية، ربما بطلب من بعض حلفائها في المنطقة، على تمثيله نهائيا، وان كان لا بد فليتمثل بحقائب عادية او اقل من عادية«، لكن  »حزب الله« كطرف سياسي أساسي في التركيبة اللبنانية، لن يتأخر هنا عن المطالبة بحصته أيضا، ولو اتهم بـ »قطع الطريق« على تشكيل الحكومة، معلنا تمسكه  »بشدة بحقيبة الصحة او بحقيبة اخرى خدماتية او رئيسية الى جانب حقيبتين عاديتين، حتى لا يفسر تراجعه بأنه إذعان للضغوط والشروط الاميركية، وقد ابلغ المعنيين بتشكيل الحكومة بموقفه هذا، وهو امر محسوم لدى الحزب«.

وهكذا، فما بين  »المحاصصة« و »قطع الطريق« على تشكيل الحكومة، يمضي الوقت وتضيع الجهود، لتعود الأمور إلى البدايات، أو إلى الصفر، وفق تعليق رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي عقب على مطالبة الوزير باسيل بمعايير جديدة للتوزير، بالقول:  »لقد عدنا إلى الصفر.. كان هناك بوادر حلحلة، لكن بعد التصريحات الأخيرة )تصريحات الوزير باسيل والردود عليها( صرت متشائماً«، وليستطرد مازحا ومتسائلا:  »إن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة كلٌّ يطالب بحصّته في الحكومة بمعزل عن حصة تياره السياسي، فأين حصّة رئيس المجلس النيابي؟«.

المواطن.. أي مصير؟

وما بين المطالبة بالحصص الوزارية وقطع كل طرف الطريق على حصة الآخر من جهة، وقطعهم الطريق على تشكيل حكومة تتولى شؤون البلاد والعباد من جهة ثانية، تشهد البلاد مزيدا من التدهور في مختلف مرافقها، وتتصاعد معاناة المواطن وتزداد أوضاعه سوءا، الأمر الذي حمل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على التحذير في تغريدة له على  »تويتر« قال فيها:  »كفى بناء قصور من ورق، ان الظروف لا تسمح بهذا الترف وعداد الدين يزداد في كل لحظة نتيجة الهدر والفساد وتراكم الدين والصرف العشوائي. ما من احد او مؤتمر لينقذنا. التسوية ضرورية ولا عيب في التنازل من أجل الوطن«.

بالفعل، وفي غياب أية جهود حكومية رسمية في ظلّ مرحلة تصريف الاعمال الحالية، لبدء الاصلاح المالي والاقتصادي المنشود، أصدر المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي بيانا سلبيا حول وضع لبنان، شدد فيه على حاجة لبنان  »إلى ضبط مالي فوري وكبير لتحسين القدرة على خدمة الدين العام الذي تجاوز 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2017، وهو ما سيتطلب التزاما سياسيا قويا ومستداما«، وقال البيان أن  »المديرين التنفيذيين اتفقوا مع فحوى تقييم للخبراء حث لبنان في شباط/فبراير الماضي، على التثبيت الفوري لأركان سياسته المالية عن طريق خطة ضبط تستهدف استقرار نسبة الدين للناتج المحلي الإجمالي ثم وضعها على مسار نزولي واضح«، وأوصى البيان  »بزيادة معدلات ضريبة القيمة المضافة وكبح أجور الوظائف العامة وخفض دعم الكهرباء تدريجيا«.

قبل الانهيارالشامل

وفيما يهدد إهمال الطبقة السياسية لسبل معالجة الازمة الإقتصادية الخانقة، وتفرغها لصراعاتها في سبيل تحقيق المكاسب تحت عنوان  »المحاصصة«، بانهيار مالي، تقف الدولة عاجزة عن مواجهة الازمات الحياتية والهموم المعيشية التي تثقل كاهل اللبنانيين، والتي لم تعد تقتصر على تدهور أحوال الخدمات الضرورية من كهرباء وماء واستشفاء وتعليم والتهديد بفرض رسوم إضافية كإقتراح زيادة الرسم على استهلاك البنزين، بل ذهبت الأمور إلى منحى أكثر فداحة يتمثل بتبرؤ الدولة من تبعات الازمة المعيشية، وعدم بذل جهود فعلية للحد من الهدر الحاصل في المال العام، الأمر الذي بات يهدد الاستقرار الداخلي، ولجؤ المواطن إلى الشارع في ظل اشتداد الضغوطات عليه، في تطور قد ينسف مقولتي  »المحاصصة« و »قطع الطريق«، وليفرض على جميع الأطراف الخروج من دوامة تعطيل تشكيل حكومة وفاق وطني تنقذ البلاد من الانهيار الشامل.

النائب نقولا نحاس: الإصلاح السياسي

يجب ان يسبق الإصلاح المالي

قال النائب نقولا نحاس ان امكانية خروج لبنان من دائرة الخطر قائمة، لكنها تتطلب إصلاحاً سياسياً قبل الاصلاح المالي،  »ويتوجب على كافة المسؤولين من دون استثناء، اليوم قبل الغد، إرسال مؤشرات الى المؤسسات الدولية والشعب اللبناني، بأنهم يعوا بشكل كامل المخاطر التي تحيط بنا، وان يُطلعونا على كيفية معالجة أسباب التدهور، السياسية أوّلاً، والتي نتج عنها التدهور المالي والاقتصادي والاجتماعي«.

وحول امكانية التوصل الى إلتزام سياسي لتطبيق الاصلاحات، قال نحاس في تصريح إعلامي:  »ان المحاصصة وتوزيع المغانم بالمفهوم غير الديمقراطي المتّبع في ممارسة الحكم، يعرقل التوصل الى التزام سياسي في التغيير«.

النائب نقولا نحاس

واشار الى انه طرح على الرئيس المكلف سعد الحريري ان يلتزم كافة الفرقاء السياسيين بالاصلاحات المقرّة في مؤتمر  »سيدر« قبل تشكيل الحكومة  »لان الالتزام يصبح أصعب بعد التأليف«.

وأكد ان مجرّد تأليف الحكومة لا يعني استئناف الاصلاح، مشيرا إلى أن النهج السياسي المتبع في لبنان منذ العام 1992  »يُنتج هذا النوع من المردود الاقتصادي والمالي والنقدي، ولكنّ هذا الامر يجب ان يتغيّر لاننا أصبحنا في دائرة الخطر ولا تملك الطبقة الحاكمة، خياراً آخرا«.