أهمّيّة أدب الأطفال وتأثيره في تربية الطّفل

بيروت من ليندا نصّار

تعتبر الطّفولة من المراحل العمريّة الحسّاسة، فالطّفل يتأثّر بشكل كبير بالعالم الخارجيّ الذي يحيط به. ولهذه المرحلة خصوصيّتها بحيث تكون الانطلاقة نحو الخبرة الحياتيّة واكتشاف المواهب والإبداعات.

لأدب الأطفال تأثير كبير في حياة الطّفل في هذه المرحلة، من حيث نموّ عقله، وتنمية قدراته، ومراعاة حاجاته، واكتشاف مواهبه، وتوسيع خياله وثقافته، وتحسين لغته. مع ذلك، إنّنا لا نلمح اهتماما كافيا بهذا النوع من الأدب، وحتّى اليوم لم تخصّص له مساحة كافية للبروز في عالم الطّفل كما يجب، كما أنّه لم يلقَ التّقدير اللازم. في هذا الإطار قمنا بهذا التّحقيق حول أدب الأطفال مع كتّاب لهم تجربتهم الخاصّة وقد لمعت أسماؤهم وبرعوا في هذا المجال وهم: سناء شبّاني، د. أنطوان الشّرتوني، سمر محفوظ برّاج، روزيت عدوان، ماري مطر.

 ومن هنا كانت لنا معهم وقفة للإجابة عن الأسئلة الآتية في الجزء الأوّل من هذا التّحقيق: كيف يؤثر أدب الأطفال في شخصيتهم؟ وما هي الصعوبات التي بات يواجهها هذا الأدب اليوم؟«.

1ـ سناء شبّاني

 »يشمل أدب الطفل كل ما هو مكتوب ومسموع  ومرئي من مسرح وسينما وأفلام كرتون، وقصص وأغاني، ، وما تنقله كافة وسائل الإعلام للطفل، وما يراه على الإنترنت في متجر الألعاب. يطلع الطفل على أدب الكبار ويتوجه إليه ويتماهى به لأنه يحب أن يكبر بسرعة. من ناحية أخرى إن الطفل الذي يتم توجيه إلى أدب الأطفال الذي نريده أن يتميز باحترام الخصائص العمرية والاحتياجات النمائية ويقدم المتعة وتذوق الفن والثقافة والقيم الجميلة، وفهم نفسه والمجتمع المحيط به بطريقة تنميه على الإبداع، لهو طفل محظوظ في هذا العصر.

يؤثر أدب الأطفال في شخصية الأطفال سواء كان لائقا أو غير لائق… سواء كان تجاريا يبغي الربح ويسوّق أفكارا غير مناسبة للعمر وأحيانا كثيرة مؤذية ومدمرة فهو يؤثر بشكل كبير لتوافر عوامل عديدة ومنها نمائية تتعلق بدهشة الطفل لكل شيء جديد، ولكل شيء يجذب رفاقه في عمره، ولكل شيء يجده متاحا ويتحداه…لكل شيء يجعله  يشعر بالمتعة والفرح بعيدا عن القيود والأوامر، وكونهم صغارا لا يتمتعون كالكبار بالمقدرات. ها نحن نجد أولادا يربحون في تحدي القراءة ونرى كيف غيّرهم الأدب المقروء من ناحية تحسين اللغة بشكل متقدم عن  غيرهم

سناء شباني

من الأولاد الذين لا يقرأون، أو من ناحية المعرفة والعمق والمقدرة على التواصل مع الآخرين. وأيضا نرى الأولاد الذين يلعبون الألعاب الالكترونية غير المناسبة لعمرهم، ويدمنون عليها، وغيرهم الذين لا يتوافر لهم أدب الأطفال اللائق بل أفلام الكرتون العنيفة والألعاب الدموية والتي كلها تعلمهم أن حل المشاكل يكون بالعنف. كما نرى الأطفال الذين يكرهون المطالعة ويتوجهون نحو الألعاب الإلكترونية فقط.

أدب الطفل بكافة أنواعه متوافر في السوق… دور الأهل أساسي في التوجيه وخاصة بوجود المكتبات العامة فليس على الأهل التكلفة الباهظة لإحضار لأبنائهم القصص الرائعة بشكل مستمر، والتي أصبحت تصدر في بلادنا العربية بمستويات تضاهي البلدان التي تشتهر بإنتاج أدب الطفل بأعلى المعايير.

دور الأهل أيضا في الفلترة  والتصنيف، لاختيار ما يناسب ومناقشة ذلك مع أبنائهم وتنمية الذوق الجيد لديهم في اختيار القصص.

الصعوبات كثيرة وهي تحديات تمر بها كافة بلدان العالم الذي تنتشر فيها العولمة.. وفي عالمنا العربي الكثير من الأفكار لا تتناسب مع ثقافتنا وخصوصية مجتمعاتنا العربية…انفتاح التكنولوجيا وتوافرها وتدفقها هو أكبر تحدي في غياب الرقابة والتوجيه والسياسات التي تدعم دور الأهل وتساندهم… ها نحن نحصي أعداد الأولاد الذي انتحروا أو أقدموا على الانتحار بسبب الألعاب المتوافرة في متجر الألعاب في الهواتف الذكية… وها نحن نعرف أن كافة الأولاد يسعون للحصول على هاتف ذكي خاص بهم ولا يعرفون أن الهاتف يؤذي دماغهم… التكنولوجية رائعة ومن الجيد أن تتوافر لكل طفل.. ولكن أتمنى أن يتم اختراع أجهزة ذكية خاصة بالأطفال… مركبة لتتناسب مع حاجاتهم… مدروسة من الناحية الصحية، وربما مبرمجة أن تتوقف عن العمل بعد ساعتين من الاستعمال في لعب الألعاب الإلكترونية ومن ثم تعمل مرّة أخرى… نسمع الأهل يشكون أن أبناءهم يمضون اليوم كله في لعب الألعاب الإلكترونية.

الأطفال يختارون أدب الأطفال الذي يعجبهم ولا يستطيع الأهل منافسة تعلق الأولاد بالهواتف الذكية، نعاني من فوضى وتدفق أدب الأطفال من دون تقييم، يوجد الجيد ويوجد السيء.. ومن الصعوبات الأساسية الأخرى عدم تحسين تعليم اللغة العربية بالوسائل الجذابة ليتعلق الأولاد بها، وخاصة بوجود القواعد الكثيرة في اللغة العربية، بالإضافة إلى انتشار الصعوبات التعلمية لدى الأولاد وعدم مقدرة العديد من المدارس  على اكتشاف هذه الحالات، ووصم الأولاد الذين يعانون من الصعوبات التعملية بالكسل والاهمال والبطء..بالطبع هناك تقدم باهر في المناهج وتشبيك المجتمع المدرسي مع الاختصاصيين، وأقصد بهذا التحدي الموجود في  المجتمعات الفقيرة وما أكثرها وهي تعاني من النمطية في التعليم والتعلم«.

2 ـ أنطوان شرتوني

 »عادة، عند كتابة قصة للأطفال، يظهر بطلها لوحده في خيال الطفل بمساعدة الأحداث التي يخصصها الكاتب للبطل. ويجب أن تكون هذه الشخصية )أي بطل القصة(، محبوبة من الأطفال و »فريدة من نوعها« مما تجعله محط انتباههم. كما أحداث وما يقوم به بطل القصة من أفعال مهم جدا للأطفال الصغار الذين يسقطون مشاعرهم وحياتهم الخاصة تجاه البطل. ففي كل قصة، هناك عملية إسقاطية يقوم بها الطفل بشكل غير واع خلال سماعه أحداث القصة. أما الشخصيات الأخرى في القصة، فهي تلعب دورا أساسيا في حبكتها. كما تؤثر القصة بمساعدة الطفل

انطوان الشرتوني

في كيفية معالجة  »المشكلة« التي حولها أحداثها.

وتساعد القصص في عملية نموّ الطفل الإجتماعي والعاطفي والإدراكي:

 1ـ على الصعيد العاطفي: تعتبر القصة أداة تساعد الطفل لإسقاط مشاعره ومخاوفه تجاه أبطال القصة التي يقرأها.

2 ـ على الصعيد الإدراكي: تصبح القصة وسيلة لكسب اللغة والمفردات والحصول على المعلومات بشكلٍ مسلٍ. لذا يجب أن تكون القصة مسلية لكي ينجذب إليها الطفل ويقرأها بلا ملل.

 3ـ على صعيد النموّ الإجتماعي: تساعد القصة في توعية الطفل على الموضوعات الإجتماعية التي هي محور إهتماماته.

هناك بعض الصعوبات التي تواجه أدب الأطفال أهمها الألعاب الالكترونية بالرغم من إنها تحفّز أيضا الخيال عند الأطفال وتوسّع آفاقهم، ولكن لا يجب أن تحل الألعاب الالكترونية محلّ القراءة والمطالعة، ومن هنا دور الاهل في توجيههم وتحديد وقت للمطالعة ووقت للألعاب الإلكترونية التي يجب ألا، تتخطى النصف ساعة )حسب العمر الطفل(«.

3 ـ روزيت عدوان

 »الطّفل صفحة بيضاء يمكن للكاتب أن يخطَّ ما يشاء عليها. لكن على الكاتب أن يكون مدركا لكل المواضيع الّتي تناسب الطّفل من حيث العمر والاهتمام وكلّ التَّفاصيل الَّتي تهمُّ عالم الأطفال. علينا ككتَّاب أن نبحث عن المواضيع الَّتي تهمُّ الأطفال خياليَّة كانت أم واقعيَّة وإضافة عبر

روزيت عدوان

ة يتعلّم الطّفل من خلالها أمورا تربويَّة أو اجتماعيَّة أو أخلاقيَّة أو حتَّى علميَّة. يجب ألاَّ يخلو أدب الطّفل من أيٍّ من المواضيع السَّابقة حتَّى لا يكون كلاما فحسب. فدور الكاتب مهمّ جدّا في تنميَة الطِّفل ثقافيّا وعلميّا وتربويّا بعيدا عن الاستخفاف به أو محاولة إرضائهِ لدرجة أن ينسى الهدف الأساسيّ من المطالعة للطّفل. لذلك كلُّ كاتب يعتبرُ مسؤولا عمَّا يخطّه قلمه من قصص في مجال أدب الأطفال، لأنَّ الطّفل يتعلَّم من خلال القصص. والقصّة بالنّسبة له عالم واسع لا حدود له لا ينتهي مع انتهاء قراءتها إنَّما يبقى تأثيرها في ذهنه، طارحا أسئلة كثيرة ومتنوّعة عن شخصيَّاتها وموضوعها وخاتمتها قد لا تخطر في ذهن القارئ الرَّاشد. وبناء الشّخصيّة لا يمكن أن يكون بعيدا عن اللّغة، والمعرفة، والأخلاق.

أدب الطّفل اليوم بات يواجه صعوبات كبيرة فالكتابة لطفل اليوم أصعب من الكتابة لطفل الأمس. مع التّطوّر الَّذي اجتاح عالمنا أصبح الطّفل هو المعلِّمُ تكنولوجيّا وأصبحت عيناه مسمَّرتين على الحاسوب والهواتف الذَّكيَّة ممَّا جعله بعيدا عن المطالعة والاهتمام بالقراءة. حتَّى أنَّه بات يواجه مشاكل عديدة من حيث القراءة الصَّحيحة والسَّليمة. وهذا جعل المسؤوليَّة كبيرة جدّا على عاتق الكاتب لكي يستطيع الوصول إلى الطّفل. إنّه لأمر في غاية الصّعوبة أن يبحث الكاتب عن الأمور الَّتي تعني الطِّفل ويحاول أن يناقشها بأسلوب جذَاب شيّق لا يخلو من العبر. وبما أنَّ الطِّفلَ اليوم يختلف عمَّا كان عليه بالأمس من حيث القناعة والاكتفاء والتّفرّغ لتلقي المعرفة، على الكاتب أن يسعى بشتَّى الوسائل التَّربويَّة لجذب انتباهه، كما عليه أن يتابع كلَّ الدّراسات الجديدة في ما يتعلَّق بعالم الطّفولة. والتّطوّر الحاصل اجتماعيا وعلميّا وتكنولوجيّا جعل متطلّبات

الحياة عديدة ومتنوّعة. ولا يمكن نأي الأطفال عن التّطوّر النّاتج لأنّنا بذلك ننتزعهم من عالمهم الّذي يعيشون فيه. قد يكون التّطوّر الحاصل في الحياة قد خفّف من اهتمام الطّفل بالقصّة والكتاب إلاَّ أنَّه لم يمحُ أهمّيّتها، خصوصا وأنَّنا لا نزال نجد إقبالا على بعض الكتابات من كتَّاب من مختلف العالم العربي دخلت قصصهم قلوب الأطفال من دون استئذان«.

4 ـ  سمر محفوظ برّاج

 »لأدب الطّفل دور أساسيّ في بناء شخصيّة الطّفل، فالقصّة تساعد على تعزيز نموّه النّفسي والعقلي والعاطفي والثّقافي والاجتماعي، تنمّي عنده الحسّ الإنساني والحسّ النّقدي والفنّي، تدفعه على التّفكير والتّحليل وتشجّعه على التّعبيرعن رأيه وأفكاره، تحفّزه على التّخيّل والإبداع

سمر محفوظ براج

والابتكار، تزوّده بالمعلومات، كما تكسبه القيم والمهارات الاجتماعيّة والسّلوكيّة، إضافة إلى إغناء لغته وتحبيبه بها.

من الصّعوبات التي يواجهها الأدب، المنافسة من قبل الوسائل السّمعيّة والبصريّة والكترونيّة التّي تجذب الطّفل وتوفّر له التّسلية ممّا يبعده عن القراءة عموما. هناك أيضا تفضيل البعض القراءة باللّغة الأجنبيّة على القراءة باللّغة العربيّة. من المهمّ على الأهل وإدارات المدارس ومعلّمي اللّغة العربيّة ومسؤولي المكتبات، بذل الجهود من أجل تحبيب الطفل باللّغة العربيّة وتشجيعه على القراءة بهذه اللّغة. من المصاعب أيضا التّركيزعند اختيار الكتب والمواضيع على ما يتناسب مع الأهداف التّعليميّة والمناهج في المدارس ممّا قد يحدّ من إبداع الكاتب. الطّفل يحتاج أيضا إلى كتاب يمتعه ويحفّز خياله حتّى لو كان يستخدم هذا الكتاب في المدرسة«.

5 ـ ماري مطر

 »تتولّد علاقة قويّة بين الطّفل وأدبه ربّما قبل أن يولد، ويمكننا القول خلال لحظات تكوّنه في بطن أمّه حيث تلجأ الكثير من الأمّهات إلى رواية القصص للجنين أو الغناء له أو إسماعه الأغاني على أمل أن تبني لديه حسّا معيّنا. وهذه العلاقة بين الطّفل وأدبه تأخذ حيّزها الصّحيح بعد ولادة الجنين لترافقه بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال الأغاني والقصص والأشعار… ما توفّر منها في المجتمع أو في المدرسة ، من الأهل أو الأصدقاء والمحيط وهكذا. وبالتّالي فهي قد يكون لها تأثير مباشر أو غير مباشر في شخصيّة الطفل الّذي يؤخذ بسحر الأغاني وخيال القصص ووقع الكلمة الشّعرية والآداء المسرحي … لذلك سعى الكثير من كتّاب أدب الأطفال إلى تضمين رسائل اجتماعيّة أخلاقيّة تربويّة دينيّة وفنّيّة في مؤلّفاتهم لجعلها أكثر سرعة في الوصول وبالتّالي الاكتساب. فكم من طفل تقلّدوا بأبطال بعض الرّوايات والقصص والمسرحيّات؟! وكم من سلوك تغنّي به وتمتمه الأطفال وساروا على نهجه؟

لكنّنا لا يمكننا أن نهمل الوجه المعاكس والسّلبي لأدب الأطفال الّذي استغلّه بعض المدّعين والّذين لا صلة لهم بهذا الأدب ليخرّبوا عقول الأطفال وتوجّهاتهم وبالتّالي توجّه المجتمع. ومن هنا لا بدّ من مقاومة هذا النّوع وتجنّبه ومحاربته وسحبه من السّوق لكي لا ينجح في تدمير هذه العقول الواعدة.

أدب الأطفال العربي، بدأ مؤخّرا يأخذ مجراه وبشكل لافت على الرّغم من بعض الصّعوبات والتّحدّيات  ومن أهمّها الصّراع القائم ما بين التّقليد والحداثة، واللّغة المعتمدة فمن الكتّاب من يجود باللّغة نحو اعتماد مفردات صعبة أو قديمة والّتي بدورها قد تنفّر قارئنا الصّغير من أيّ قراءة. كما وأنّنا نلاحظ أنّ هناك مواضيع تطرح للأطفال بعيدة عن واقعه ومملّة بأفكارها أو غير مناسبة له ولمحيطه. وقد تتبنّى بعض درو النّشر أعمالا للأطفال غير مناسبة وتسعى للتّرويج لها وبيعها وبالتّالي سيكون مفعولها هدّاما نوعا ما لمن لا ينتبه لمضمونها، وهنا لا يمكننا أن نتغافل عن بعض الّذين اعتمدوا أدب الأطفال نهجا وعملا لهم وهم بعيدون كلّ البعد عن حاجات هذا العمر ومتطلّباته وشروط الكتابة له … يمكننا القول إنّ هذا النّوع من الأدب هو السّهل الممتنع! فليس مسموحا لأيٍّ كان أن يكتب لأطفالنا«.

ماري مطر