إنتاج أوبك والصراع التجاري الأمريكي الصيني

مستقبل أسعار النفط ضبابي.. وإيران تناور وتنتظر

بيروت – هيثم محمود

ارتفعت المخاوف على سلامة تجارة النفط في العالم وسط ما شهدته منطقة الخليج من تفجير لأربع ناقلات نفط قبالة ميناء الفجيرة الاماراتي وكذلك استهداف ميليشيا الحوثيين لمحطتي ضخ للنفط الخام بالسعودية بطائرات من دون طيار، إلا أن الأسواق ما لبثت أن استعادت هدوءها من هذا الوضع الاستثنائي بما يعنيه من تهديد لسلامة انتاج النفط العالمي ولخطوط نقله عبر الخليج العربي. وبغض النظر عن هذا التطور ثمة مستجدات مثيرة للاهتمام في واقع أسواق النفط اليوم ومنها تأثيرات ركود الاقتصاد العالمي وتداعياته على طلب النفط، وكذلك ملف الخلاف التجاري الأمريكي الصيني وما يمكن أن يؤدي اليه من تراجع في انتاج أكبر اقتصادين في العالم، وتبقى العين على الاجتماع المرتقب لمنظمة الدول المصدرة للنفط  »أوبك« في فيينا، الذي سيناقش الحفاظ على اتفاق خفض الإنتاج وبالتالي توزيع الحصص على الدول المنتجة.

في هذا السياق تبدي إيران اعتراضها على تأجيل انعقاد اجتماع  »أوبك« المزمع في 25 يونيو/ حزيران، على أن يلي ذلك محادثات تجريها مع المنتجين من خلارجها بقيادة روسيا في اليوم التالي. وتقترح روسيا تأجيل الاجتماع إلى الثالث والرابع من يوليو/ تموز وتبدو السعودية مؤيدة للاقتراح الروسي.

وباعتراضها على التأجيل، تسعى إيران إلى لفت الأنظار إلى اقتصادها المتداعي في ظل اشتداد الأزمة الداخلية والضغوط الناتجة عن العقوبات الامريكية. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن التحرك الإيراني يمكن أن يؤدي إلى بلبلبة تساهم في رفع أسعار النفط في رسالة غير مباشرة إلى

الحفاظ على اتفاق خفض الإنتاج مسألة حيوية للمنتجين

الجانب الأمريكي عن قدرة طهران للتأثير في أسواق النفط العالمية.

وقال وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه في تصريحات منقولة عنه إنه يعارض اقتراح  »أوبك« بتعديل موعد الاجتماع المقبل للمنظمة إلى أوائل يوليو. وكتب زنغنه  »أعارض التعديلات المقترحة للمواعيد، لدي بالفعل جدول مشحون في تلك الفترة، علاوة على أنه لم يتم تقديم سبب ملح للنظر في هذا الموعد«.

 وتراجعت صادرات النفط الإيرانية الى نحو 400 الف برميل يوميا في مايو/ أيار الماضي مقارنة بنحو 800 الف برميل في ابريل/ نيسان وبانخفاض كبير عن مستوى 2.5 مليون برميل يومياً في ابريل من العام 2018.

يُذكر أن المرة الأخيرة التي فشلت فيها منظمة  »أوبك« في الاتفاق على استراتيجية واضحة بشأن إنتاج الخام كانت في 2016، بعدما أصرت إيران على زيادة إنتاجها في أعقاب رفع العقوبات الأمريكية عنها. وأعادت واشنطن فرض عقوبات على طهران العام الماضي، ونتيجة لهذا انهارت صادرات النفط الإيرانية.

وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي اتفقت  »أوبك« وحلفاؤها، في مجموعة  »أوبك +« على خفض الإمدادات بنحو 1.2  مليون برميل يومياً اعتباراً من مطلع 2019 على أن يكون نصيب  »أوبك« من الخفض 800 ألف برميل يومياً، ويشمل هذا الخفض الأعضاء الـ 11 وتستثنى منه إيران وليبيا وفنزويلا.

في المقابل فإن الموقف السعودي يميل إلى الحفاظ على سقف الإنتاج الحالي الإنتاج سارياً في ظل تراجع أسعار النفط، التي انخفضت لأدنى مستوياتها منذ يناير/ كانون الثاني. واعتبر وزير التنفط السعودي خالد الفالح أن الأسابيع الثلاثة الماضية لم تكن جيدة لأسواق النفط، التي تتأثر بعوامل خارجة عن السيطرة. وشدد على أن الأسعار عند 60 دولاراً للبرميل لا تمنح ثقة كافية للقطاع للاستثمار.

ونقل عن الفالح قوله على هامش مشاركته في مؤتمر نفطي في روسيا: يجري تبني خطوات لمنع حدوث انخفاض حاد لأسعار النفط. وأكد إنه لا يرغب في الانخراط في سباق لزيادة إنتاج النفط لتعويض انخفاض الأسعار، مبينا أن العودة إلى وضع انهيار الأسعار في 2014 – 2015 غير مقبول.

في هذا المجال، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمر بوتين، أن روسيا ترى سعر النفط مناسباً بين 60 و65 دولاراً مشيراً إلى أن قراراً موحداً سيُتخذ مع دول  »أوبك« بخصوص الإنتاج، مع وضع تطورات إيران وفنزويلا وليبيا ونيجيريا في الحُسبان.

وكان وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، قال أنه لا يستبعد هبوط أسعار النفط إلى 30 دولارا للبرميل ما لم يمدد العمل بالاتفاق الحالي للانتاج. وتتقاطع وجهتا النظر السعودية والروسية عند ضرورة الحفاط على سقف الإنتاج إذ أشار نوفاك إلى وجود خطر كبير من زيادة إنتاج النفط في العالم، مشدداً على ضرورة الاستمرار في تحليل الوضع. وأضاف أن هناك أخطاراً كبيرة من حدوث فائض في الإمدادات في السوق وأن موسكو بحاجة لمراقبة السوق بصورة أكبر كي يتسنى اتخاذ قرار متوازن في اجتماع يوليو/ تموز.

أوبك تهادن حلفاءها لتواصل التحكم بالأسعار

غير أن رئيس شركة  »روسنفت«، إيغور سيتشن، أعلن إنه سيطلب تعويضا من الحكومة الروسية إذا اتفقت موسكو على تقييد الإنتاج لفترة أطول.

أما وزير النفط العراقي، ثامر الغضبان، فشدد على إن بلاده تدعم تمديد الاتفاق الحالي بين  »أوبك« وحلفائها لخفض إنتاج النفط، مضيفا أنه يتعين اتخاذ إجراءات أكثر جدية في ضوء تطورات السوق في الآونة الأخيرة. وذكر أن الاتفاق الحالي لخفض الإنتاج 1.2 مليون برميل يوميا والمقرر أن ينتهي سريانه هذا الشهر أثبت فعالية جزئية في تقليص مخزون النفط والمساعدة في تحقيق الاستقرار في السوق.

يُذكر أن خام  »برنت« و »الأمريكي الخفيف« بلغا أدنى مستوياتهما منذ منتصف يناير/ كانون الثاني عند 59.45 و50.60 دولاراً على التوالي، وسط ارتفاع مخزون الخام الامريكي وإنتاج قياسي في الولايات المتحدة وبدء تضرر الطلب على الطاقة من التباطؤ الاقتصادي العالمي. وارتفع إنتاج الخام الأمريكي إلى مستوى قياسي بلغ 12.4 مليون برميل يوميا في الأسبوع المنتهي في 31 مايو/ أيار، حسبما أعلنت  »إدارة معلومات الطاقة« ليزيد 1.63 مليون برميل يوميا منذ مايو/ أيار 2018. وفي ظل ارتفاع الإنتاج، قفز مخزون الخام التجاري الأميريكي 6.8 ملايين برميل في الأسبوع المنتهي في 31 مايو/ أيار، لتصل إلى 483.26 مليون برميل مسجلة أعلى مستوياتها منذ يوليو/ تموز 2017.

تأتي المواقف الدولية من موضوع تمديد العمل باتفق خفض الإنتاج في وقت حذرت مؤسسات مالية عالمية من أخطار متزايدة للركود بسبب الحرب التجارية المتصاعدة بين واشنطن وبكين. ولا تتوقع هذه المؤسسات التوصل الى اتفاق تجاري بين أكبر اقتصادين في العالم، خلال قمة مجموعة العشرين المقررة نهاية الشهر الجاري في أوساكا اليابانية.

وقال  »بنك أوف أميركا ميريل لينش« إن نمو الطلب العالمي على النفط يسجل أضعف معدلاته منذ 2012 بما دون مليون برميل يومياً، وإن ذلك يؤدي إلى الهبوط الذي شهدته أسعار النفط في الآونة الأخيرة.

أما مصرف  »مورغان ستانلي« فتوقع أن يطغى تزايد توترات التجارة وتباطؤ الاقتصاد عموماً إلى جانب تراجع الطلب على النفط على أثر نقص الإمدادات ويؤديان إلى انخفاض أسعار الخام. وقال محللون من المصرف إن الطلب آخذ بالضعف بوتيرة أسرع كثيرا من المتوقع.  ويضيف هؤلاء إن فرص انهفاض أسعار النفط ترتفع بالنظر إلى البيانات الصادرة في الآونة الأخيرة، سواء ما يتعلق منها بسوق النفط أو تلك الخاصة بالاقتصاد الكلي.

وتوقع  »مورغان ستانلي« بدء ركود عالمي في غضون تسعة أشهر في حال فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوما جمركية بنسبة 25 في المئة على صادرات صينية إضافية بقيمة 300 مليار دولار، ورد بكين على ذلك بإجراءات انتقامية. وبدأت الولايات المتحدة في تحصيل رسوم جمركية تبلغ 25 في المئة على سلع صينية كثيرة وصلت إلى الموانئ الأميركية، صباح الأول من يونيو/حزيران الجاري.

كذلك حذر مصرف  »جيه بي مورغان – تشايس« من ارتفاع أخطار حدوث ركود في النصف الثاني من العام الجاري إلى 40 في المئة من 25 بالمئة منذ شهر مضى.

بدوره، قلص  »غولدمان ساكس« توقعاته للنمو الأمريكي في النصف الثاني من العام بحوالي 0.5 في المئة إلى 2 بالمئة، مشيراً إلى أنه يرى احتمالا أكبر لخفض أسعار الفائدة من مجلس الاحتياط الفيدرالي (المصرف المركزي الأمريكي).

وقال محللون في  »مؤسسة سيتي غروب« إن الصورة الاقتصادية العالمية تعززت في ظل توترات التجارة المتزايدة، إلا أنها أشارت إلى أنه رغم هذا التشاؤم الكبير، فإن أساسيات سوق النفط لا تزال تحمل توقعات بإمكان الصعود. وتتوقع مجموعة  »فيتول الدولية«، أكبر شركة لتجارة نفط في العالم، أن تقوم  »أوبك« وحلفاؤها بتمديد اتفاق الحد من الإنتاج في النصف الثاني من العام الجاري 2019 لدعم الأسعار.