الروائية الإمارتية لطيفة الحاج : الإبداع بدون حرية ليس إبداعًا والإبداع مع قيود لا طعم له

الروائية والقاصة الإماراتية  لطيفة الحاج (مواليد 1980 ، العين) تخرجت من جامعة الإمارات وتحمل شهادة بكالوريوس في الهندسة المدنية وماجستير إدارة هندسية. تمتلك موهبة فذة في الكتابة الإبداعية ولديها أسلوب شيق ومشوق يجذب القارئ. ترى أن المرأة الكاتبة أكثر صدقًا من الرجل في الإفصاح عن همومها وأحلامها .

أنجزت خلال أربع عشرة سنة : أربع روايات وثلاث مجموعات قصصية وعشرة  مجاميع شعرية . أول عمل صدر لها عام 2009 بعنوان (فارس بحصان رمادي)وهو مقالات ساخرة بالعامية، وأصدرت مجموعتها الشعرية الأولى (أحلام زرقاء) في عام 2012وفي نفس العام  صدر لها رواية بعنوان (واد في القلب) ثم في عام  2013رواية  (أكتب لي شيئاً) وفي عام 2015 رواية (سين تريد ولدا) وفي عام 2019رواية (نواقيس العزلة ). في الشعر صدر لها ديوانان (شاي تركي) ، (هويل كاليفورنيا). وفي القصة القصيرة صدر لها (أبدو صغيرة /عاشقة اللاشيء/ تدرس قصتها / مصباح الحمام).

الحصاد: لطيفة الحاج أنتِ كاتبة إماراتية واعدة رغم تخصصك العلمي لكنكِ تمتلكين شروط الكتابة الإبداعية والأسلوب المشوق الذى يجذب القارئ حتى نهاية العمل. تخصصك بكالوريوس هندسة مدنية وماجستير إدارة هندسية. من الهندسة إلى الكتابة كيف كان ذلك، ومن الذي شجعكِ  على  خوض تجربة الكتابة؟

لطيفة الحاج : أنا مارست الكتابة قبل التخصص واختيار كلية الهندسة. منذ صغري وأنا أحب القصص والشعر وكنت أبدع في حصص التعبير وإلقاء القصائد في الإذاعة المدرسية، ورافقني هذا الشغف حتى بعد دخولي الجامعة. أنشأت مدونة بعد التخرج وكانت تلك بداية الكتابة الجادة. لاحقًا أصدرت كتابي الأول. ربما لم أجد التشجيع بمعنى التشجيع لكن عدم ممانعة أهلي من ممارسة الكتابة هو بمثابة التشجيع.

الحصاد: أنتِ منحازة للمرأة في أعمالك، وترين أن المرأة الكاتبة أكثر صدقًا من الرجل في التعبير عن همومها وأحلامها حيث تجسدين العلاقات الإنسانية في أعمق صورها، خاصة العلاقة الأزلية بين الرجل والمرأة؟

لطيفة الحاج : ليس انحيازًا وقد صرحت بأنني أجد المرأة أصدق؛ لأنها بطبيعتها أكثر عاطفية، كون العاطفة تغلب عليها فهذا يجعلها أصدق في التعبير عن مشاعرها ومواقفها حتى في الكتابة. على الأقل هذا ما أشعر به.

الحصاد: ماذا قدمت لطيفة الحاج المهندسة والإنسانة إلى لطيفة الكاتبة؟

لطيفة الحاج : شئت أم أبيت لا يمكنني الفصل بين تخصصي وميولي الأدبية. الهندسة ساعدتني في التحليل والمنطقية في تقييم إبداعي والمواقف الإنسانية التي أمر بها لا بدَّ وأنها تظهر في أعمالي وتنعكس في أفكاري، والعكس صحيح، الأدب الذي أجرب الكتابة في مجالاته يظهر في سلوكي وفكري وطريقة كلامي كما أنه ينعكس على عملي، فمثلا كوني كاتبة لدي مهارات في الكتابة أكثر من زملاءٍ آخرين.

الحصاد: في رواية (نواقيس العزلة) أخترتِ بطل الرواية رجلاً مثقفًا شخصية مهندس قارئ كاتب مقال حولته الظروف إلى روائي يبنى عوالم رواياته…لماذا؟

لطيفة الحاج : كون البطل كاتب فهو بالضرورة سيكون مثقف. جاءتني الفكرة بلا سابق تخطيط، وسير الأحداث جعلني أجعله مهندسًا يعمل في مدينة أخرى ليلتقي بالبطلة، وتتابع بقية الأحداث. الكثير وأظنكِ منهم تجدين تناقضًا في الكاتب ذو الخلفية العلمية، ربما وددت أن أستعرض هذه الفكرة وأؤكد أن المهندس والطبيب والعالم يمكنه أن يكتب الروايات ويبدع فيها.

الحصاد: أنتِ كاتبة مهتمة بالشأن الثقافي والسياسي وتمكين المرأة. هل المرأة الآن أخذت  حقها ؟

لطيفة الحاج : أنا مهتمة بالكتابة ككتابة، الشأن الثقافي يهمني كون الأدب جزء من الثقافة والسياسة جزء من حياتنا وواقعنا ولا يمكننا إنكار الأمر، المرأة ممكنة ومتمكنة وهنالك نساء أخذن حقهن وزيادة، الوضع يختلف من مكان إلى مكان ومن زمان إلى آخر.

الحصاد: كيف ينظر  الكتاب و الأدباء لتأثير  الثقافات الغربية في الأدب والثقافة العربية؟

لطيفة الحاج : هنالك كتاب عرب هاجروا وبعضهم يعيشون في الغرب ونحن نعيش في عالم منفتح. الثقافة الغربية وصلت إلى بيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا. وأعتقد أن تأثيرها كبيرٌ وواضح مع تزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. هنالك أنماط أدبية دخلت إلى الأدب العربي لم تكن موجودة مثل قصيدة الهايكو. وأظن أن هنالك فرصة جيدة للأدباء العرب لطرح بعض القضايا وتوظيفها في أعمالهم الأدبية.

الحصاد: هل على الكاتب أن يكون مناضلاً ومتمردًا أم عليه أن يكون من أجل فنه هامشيًا؟ و هل يقتل الالتزام الإبداع؟

ًلطيفة الحاج : على الكاتب أن يكتب بالطريقة التي تناسبه في الظروف التي تخدم إبداعه. أنا مثلاً أميل إلى الهدوء والسلام والعزلة، وهذا ما يساعدني في صنع إبداعي. آخرون لا يستطيعون الكتابة في بيئة هادئة ويلزمهم أن يكونوا متمردين ليبدعوا. الإبداع بدون حرية ليس إبداعا والإبداع مع قيود لا طعم له.

 الحصاد:  أريد إضاءة على روايتك « أكتب لى شيئا»  ؟

ًلطيفة الحاج : الرواية تحكي عن فتاة تعيش قصة حب الكترونية مع رجل يكبرها بسنوات،  تكتشف لاحقاً أنها لا تعرف عنه إلا ما يخبرها به، وتصارع مشاعر الغيرة والتعلق التي تنتابها مع متابعتها له وما يحصل في حسابه في التواصل الاجتماعي.

الحصاد: في  الديوانين (الشعر شاي تركي، و هويل كاليفورنيا)تكتبين نصًا مفتوحًا  لا يستقر على صورة معينة بمعنى أن النص مزيج ما بين القصيدة والسرد والخاطرة.. أين تجدين نفسك هل في الشعر أم الرواية أم القصص القصيرة؟

لطيفة الحاج : جربت الكتابة في الشعر والرواية والقصة القصيرة. أحب الشعر لأنه يأتيني كومضات أدونها في أي وقت ومكان. الرواية فيها مساحة من الحرية والاتساع تمكنني من التعبير بإسهاب، والقصة مثل الرواية لكنها اختزال لفكرة كبيرة لا يمكن جعلها ممتدة. وأينما وجدت في نفسي الميل للكتابة فإنني أكتب بدون تخطيط أو نية مسبقة. الفكرة والحالة هي التي تحكم شكل الناتج في النهاية.

الحصاد: هل الإبداع هو في البساطة أو التعقيد. وهل عظمة الأدب تكمن في وضوح الرؤيا أم الغموض والخداع. وهل الحياة كلها تسعى إلى التقعر والالتباس أم إلى الجلاء واليقين؟

لطيفة الحاج : كل هذه الخيارات التي وضعتها والمتناقضات هي من الحياة وظروفها، أحيانا يكون جمال الإبداع في بساطته وأحيانا يدفع التعقيد المرء ليبدع. وكل مبدع له لغته وطريقته وكل عمل يفرض اللغة والأسلوب اللائق به. عظمة الأدب تأتي من كونه أدباً وقد يجمع عمل واحد الوضوح والغموض معا.

 الحصاد: يقول  دوريس ليسينج:” الكتابة هي محاولة لتحويل الألم إلى شيءٍ جميل “ماذا تمثل الكتابة لكِ، ومن أين تستقين مواضيع  رواياتك؟

لطيفة الحاج :   تعتبر الكتابة فناً وعلماً يمكن استخدامه لنقل الأفكار والمعلومات والمشاعر من شخص إلى آخر عبر الزمان والمكان. تسمح الكتابة للأفكار بأن تخرج من العقل وتتجسد في شكل حروف وكلمات وجمل، مما يسهل تبادل المعرفة والخبرات والثقافات بين الناس.

مواضيع رواياتي أستقيها من الواقع حولي والذي أعيشه، وكثيرًا ما أسمع ممن يقرؤون لي أنهم شعروا بأنني أتحدث عنهم أو أن موقفًا محددًا ذكرهم بشخص يعرفونه. وهذه هي الحياة. أحداث متقاطعة ومتشابهة ومتكررة وقصص تحدث في الغرب ومثلها تحدث في الشرق. ما دامت الكتابة إنسانية وتعبر عن الإنسان فهي بالتأكيد ستكون أجزاء مترابطة من قصص متفرقة لا بد وأن يكون هنالك من عاشها ومر بها في هذا العالم.

الحصاد: عن العلاقة الخاصة بينك وبين الشعر هل برأيك سيستعيد الشعر مكانته ذات يوم؟

لطيفة الحاج : الشعر لم يفقد مكانته، ما حدث أن الرواية برزت وأصبحت في المرتبة الأولى على مستوى الأدب. المهتمون بالشعر كثر. ومازالت هنالك جوائز عربية وعالمية تمنح للشعراء وأمسيات تقام بصورة مكثفة. لست قلقة على الشعر وعلاقتي معه جميلة. أكتبه في لحظات الانفعال سواء كان فرحًا أو حزنًا أو حيرة أو امتنانا. وحتى قراءة الشعر، أمارسها وأنا في حالات معينة، تناسبه وتتماهى معه.

 الحصاد: لكل نص أدبي له رسالة معينة أو هدف محدد والهدف منه إثراء الثقافة العامة وتعزيز القيم الإنسانية وبناء الوعي الثقافي . هل على الأدب أن يخضع لوظيفة مجتمعية وإنسانية؟

لطيفة الحاج : في النهاية الأدب نتاج إنساني وهو موجه للإنسان، بالطبع ستكون له وظيفة إنسانية تؤثر على المجتمعات وتتأثر بها. حتى الكتاب الذين يزعمون أنهم يكتبون لأنفسهم أو يكتبون من أجل الأدب نفسه. لا يمكن فصل الأدب عن الإنسان والمجتمع؛ لأنه نابع منه، عائد إليه.

الحصاد: كيف تجدين عالم الأدب العربي اليوم. ولماذا لا ينظر العالم إلى المثقفين والكتاب في الجوائز العالمية؟

لطيفة الحاج: كلنا نعرف أن الجوائز عمومًا موجهة وتحكمها العلاقات وهذا ليس بسر وكل عام تطرح هذه الأمور ويتم الخوض فيها. في العالم العربي هناك عدة جوائز ويوجد أسماء عربية حصلت على البوكر العالمية. ربما يومًا تكون هناك حركة ترجمة أفضل ويجد الأدب طريقه إلى العالمية.