الصين-إيران: الصفقة الغامضة

شراكة استراتيجية سياسية عسكرية اقتصادية هائلة لمدة 25 عاما

 محمد قواص

ليس يسيرا تقييم الاتفاق الضخم الذي وقعته الصين وإيران، ذلك أن الأمر يجري وفق ظروف العقوبات الأميركية على إيران والتي لا تحاصر اقتصاد البلد فقط بل تردع أي شركات أجنبيط بما فيها الصينية من البانخراط الفعلي والجدي في أية استثمارات طويلة الأمد داخل إيران.

والأمر ليس يسيرا أيضا من زاوية أن الصين تسعى لاصطياد فريسة ضعيفة أنهكتها العقوبات “التاريخية”، حسب

هل تقوي الصين أوراق خامنئي ضد بايدن

تعبير الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والتي فرضها على طهران منذ قراره الانسحاب من االاتفاق النووي عام 2018، ومن زاوية أن الصين الموقعة على هذا الاتفاق لم تفعل شيئا لانتشال إيران من مأزقها ولم تتبرع بأي بدائل تعويضية لم تستطع الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق تقديمه لطهران.

ضد واشنطن

والأرجح أن البلدين ذهبا باتجاه توقيع اتفاق ضبابي، لم تنشر تفاصيله ناهيك من أن له جوانب سرية قد لا يكشف عنها أبدا، بسبب مصلحة مشتركة في مجابهة عدو مشترك هو الولايات المتحدة. فإيران تريد أن تقوي أوراق التفاوض مع واشنطن حول مستقبل برنامجها النووي، كما حول ملفات أخرى تدعو واشنطن إلى تناولها (برنامج الصواريخ الباليستية، سلوك إيران المزعزع للاستقرار، حقوق الإنسان)، فيما تود الصين أن تتقدم نحو منطقة الشرق الأوسط من خلال الإطلالة الإيرانية لعل في ذلك ما يردع الاستراتيجية الأميركية عن التقدم داخل منطقة آسيا وبحر الصين وهي مناطق تعتبرها بكين جزءا من فضائها الاستراتيجي العام.

وأيا كانت الأغراض الجلية والخفية للاتفاق الصيني الإيراني، فإن طهران معنية بتعميم هذا “الانجاز” دوليا وإقليميا، وخصوصا في البلدان التي تمتلك نفوذا داخلها مما من شأنه رفع معنويات المعولين على دورها وموقعها في المنطقة.

في لبنان، وكلما ضاق صدر اللبنانيين بما آلت إليه أمورهم يخرج الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بالترياق الشافي الوحيد. التوجه نحو الشرق، أي نحو الصين، ذلك أنه خيار  يُنفخ من طهران تبشر به الإيرانيين، تبتز به العالم، وتسوقه لدى امتداداتها الإقليمية من بيروت إلى صنعاء (لاحظ فرحة الحوثيين بالاتفاق).

هل تقوي الصين أوراق خامنئي ضد بايدن

ولئن استغرق التوصل إلى هذا الاتفاق العملاق (تستثمر الصين 400 مليار دولار لمدة 25 عاما) وقتا للدراسة والنقاش منذ الإعلان عنه في طهران (2016) من قبل المرشد الإيراني والرئيس الصيني، فإن التوقيع على الاتفاق بين وزيري خارجية البلدين (27 آذار /مارس) بدا استعراضيا في التوقيت بحيث يأتي كيديا من قبل الطرفين ضد الولايات المتحدة وإدارة الرئيس جو بايدن في واشنطن.

وقعت الصين اتفاقها مع إيران بعد أيام على اجتماع عاصف جرى بين وفدها والوفد الأميركي في ألسكا. حاولت بكين التخفيف من وقع اتفاقها مع طهران ووضعه في سياق التوازن في علاقتها مع دول المنطقة من خلال جولة وزير الخارجية الصينية، وانغ يي، على عواصم عديدة بالمنطقة. كما تقصّد الوزير موارة الحرج من خلال زيارة الرياض والمبالغة في خطب ودّ السعودية قبل أن ينتقل إلى طهران لتوجيه رسالة الاتفاق “الهائل” مع إيران باتجاه واشنطن.

غموض وأسئلة

بيد أن شيئا ما لا يقنع العالم كما الصين وإيران بجدية التحول الاستراتيجي الكبير في علاقات البلدين كما في الخرائط الجيوستراتيجية الدولية.

لم تستطع الصين، وربما لم تكن تريد، إنقاذ إيران من ضائقتها الاقتصادية الخطيرة إثر قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب (2018) إخراج بلاده من الاتفاق النووي (فيينا 2015) وفرض عقوبات “تاريخية” ضد إيران. بدا موقف الدول الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاق (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) أكثر تقدما من موقفي بكين وموسكو. لا بل إن “شركة البترول الوطنية الصينية” انسحبت من مشروع تطوير حقل “جنوب فارس” النفطي، شأنها شأن باقي الشركات الغربية تجنبا لتعرضها لعقوبات واشنطن.

لم يسجل للصين أنها تدخلت لحماية البلدان التي استثمرت بها في العالم، لا سيما في أفريقيا. لم يكن لها أي موقف حين اهتزت الأرض تحت نظام عمر البشير في السودان حيث وسعت بكين استثماراتها خلال العقود الأخيرة. ثم إن الصين دولة استثمار تسعى بالذراع الاقتصادية والقوة الناعمة إلى مد نفوذها تحت عنوان “مبادرة الحزام والطريق”، ولم يسبق، وفق هذه المقاربة الاستراتيجية، أن تطوعت في الاستثمار في صراعات الآخرين.

ويسهل هنا التساؤل حول موقف الصين الحقيقي من المغامرة في الاستثمار مع إيران صاحبة نزاع مع العالم مرتبط براهن ومستقبل برنامجها النووي، وصاحبة نزاع مع دول المنطقة مرتبط، إلى جانب البرنامج النووي، ببرنامجها للصواريخ الباليستية وبسلوكها المتدخل في شؤون المنطقة والمزعزع للاستقرار. وربما يجوز السؤال حول ماهية موقف الصين في حال فشل التوصل إلى اتفاق نووي جديد، وبدا أن اللغة العسكرية (لا سيما تلك التي تهدد بها إسرائيل) باتت حتمية لوقف سعي طهران لاقتناء القنبلة النووية.

اكتشاف الشرق الأوسط

تطل الصين على منطقة الشرق الأوسط موحية أنها تكتشف معضلاته. تطرح مبادئ أخلاقية للاستقرار في المنطقة دون أن يظهر أنها تمتلك نفوذ بإمكانه منافسة نفوذ تاريخي تمتلكه قوى كبرى في المنطقة، على الأقل بالمستوى الروسي حتى لا نتحدث عن ذلك الأميركي. تعد بكين بالعمل على تحقيق عدم انتشار الأسلحة النووية في المنطقة دون أن تلمح إلى ما تملكه إسرائيل في هذا المضمار ودون أن يظهر منها موقف رادع لطموحات إيران في هذا الصدد. ويتذكر وزير خارجيتها فجأة دعم “حل الدولتين” وكأنه اكتشاف حديث، دون أن يظهر للصين خلال العقود السابقة دور حيوي فاعل في شأن لطالما احتكرت واشنطن مقاربته دون منافسة تذكر.

لا يمكن للصين أن تستمر بادعاء الحياد في إدارة علاقات استراتيجية جدية مع كافة دول المنطقة. ولئن تسعى السعودية ودول الخليج إلى تطوير علاقاتها مع الصين، لكن هذه الدول سيصعب عليها تفهم أي انعطافة جدية من شأنها دعم اقتصاد إيران وموقعها في المنطقة فيما صواريخها ومسيراتها وخلاياها وجماعاتها تهدد أمن واستقرار دول المنطقة. كما أنه سيكون من السريالية أن توازن الصين ما بين خططها الإيرانية وعلاقاتها الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية والأمنية المتقدمة جداً مع إسرائيل.

مفاتيح أميركا

والحال أن الولايات المتحدة تمسك جيدا بمفاتيح الشرق الأوسط. وإذا ما قيض للصين تحقيق اختراق في المنطقة، فهو، وحتى إشعار آخر، وعلى منوال ما هو جار مع روسيا، ضمن المتاح والمحسوب. حتى أن بايدن حين سئل عن رأيه بالاتفاق الصيني الإيراني بدا متثائبا في التعبير عن “قلق” من هذا الأمر. بيد أن أمر الاتفاق الصيني الإيراني، والذي تعوّل طهران على الإعلان عنه لتقوية موقفها في وجه واشنطن، سيصلب بالمقابل الموقف الأميركي، ذلك أن واشنطن غير معنية بالعودة إلى اتفاق نووي يعوّم إيران ويطبع علاقة العالم بها ويقدمها هدية مجانية للصين وطموحاتها في المنطقة.

وإذا ما كان الاتفاق الصيني الإيراني يمثل بيدقا تتقدم به بكين على رقعة لعبة صراعها مع واشنطن، فإن الأمر قد يجبر واشنطن على إعادة قراءة موقع الشرق الأوسط داخل الأولويات الاستراتيجية الأميركية من ضمن خطة واشنطن لمواجهة الصين، وقد يرفع من منسوب التحالف الأميركي مع دول مثل الهند واستراليا واليابان وغيرها في آسيا للدفع ببيادق إضافية تجابه الصينيين في “عقر دارهم” داخل فضاء استراتيجي تعتبره بكين من ضمن حدائق نفوذها.

يقدم الصينيون والإيرانيون للعالم اتفاقا مربكا ذي جلبة ظرفية يشبه التصريحات المزلزلة التي تطلقها منابر طهران ضد “الشيطانين” الأكبر والأصغر. يختبئ البلدان وراء غياب الشفافية (الاتفاق لم ينشر وفي ثناياه بنود سرية) لعل في الغموض ما يعظم من شأن الحدث، فلا يعرف العالم عن الاتفاق الكثير، فيما يحذر الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد من هذا الاتفاق الذي يمرر من وراء ظهر الإيرانيين.

شيء ما غير مقنع في هذا الاتفاق، حتى المظاهرات التي سيرت في إيران ضد الاتفاق تبدو مفتعلة مصطنعة. فلا إيران الإسلامية مقتنعة بـ “الالتحاق” بعملاق صيني شيوعي متهم باضطهاد أقلية الإيغور المسلمة، ولا الصين مؤمنة أصلاً بخيار الصين في إيران، ذلك أن هرولة طهران نحو “اتفاق فيينا” وحرصها على المحافظة عليه وعدم الانسحاب منه (رغم الفرصة التي قدمها ترامب)، يعود إلى توق الجمهورية الإسلامية إلى اعتراف غربي بشأنها وموقعها غير عابئة كثيراً بـ “حزام” الصين وطريقها للحرير.

  • لم تستطع الصين، وربما لم تكن تريد، إنقاذ إيران من ضائقتها الاقتصادية الخطيرة إثر قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب (2018) إخراج بلاده من الاتفاق النووي (فيينا 2015) وفرض عقوبات “تاريخية” ضد إيران. بدا موقف الدول الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاق (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) أكثر تقدما من موقفي بكين وموسكو. لا بل إن “شركة البترول الوطنية الصينية” انسحبت من مشروع تطوير حقل “جنوب فارس” النفطي، شأنها شأن باقي الشركات الغربية تجنبا لتعرضها لعقوبات واشنطن.
  • ويسهل هنا التساؤل حول موقف الصين الحقيقي من المغامرة في الاستثمار مع إيران صاحبة نزاع مع العالم مرتبط براهن ومستقبل برنامجها النووي، وصاحبة نزاع مع دول المنطقة مرتبط، إلى جانب البرنامج النووي، ببرنامجها للصواريخ الباليستية وبسلوكها المتدخل في شؤون المنطقة والمزعزع للاستقرار. وربما يجوز السؤال حول ماهية موقف الصين في حال فشل التوصل إلى اتفاق نووي جديد، وبدا أن اللغة العسكرية (لا سيما تلك التي تهدد بها إسرائيل) باتت حتمية لوقف سعي طهران لاقتناء القنبلة النووية.
  • تطل الصين على منطقة الشرق الأوسط موحية أنها تكتشف معضلاته. تطرح مبادئ أخلاقية للاستقرار في المنطقة دون أن يظهر أنها تمتلك نفوذ بإمكانه منافسة نفوذ تاريخي تمتلكه قوى كبرى في المنطقة، على الأقل بالمستوى الروسي حتى لا نتحدث عن ذلك الأميركي. تعد بكين بالعمل على تحقيق عدم انتشار الأسلحة النووية في المنطقة دون أن تلمح إلى ما تملكه إسرائيل في هذا المضمار ودون أن يظهر منها موقف رادع لطموحات إيران في هذا الصدد. ويتذكر وزير خارجيتها فجأة دعم “حل الدولتين” وكأنه اكتشاف حديث، دون أن يظهر للصين خلال العقود السابقة دور حيوي فاعل في شأن لطالما احتكرت واشنطن مقاربته دون منافسة تذكر.

الصين صديق خطر لإيران

رأت مجلة فورين بوليسي الأميركية إن طهران بحاجة لصديق وإن بكين ربما تصبح الصديق الخطر بالنسبة لها. وأوضحت أنه وعلى الرغم من حاجة طهران العميقة لبكين لإنقاذها من العقوبات الأميركية الخانقة، فإن الرأي السائد في طهران أن هناك حاجة إلى علاقة مختلفة نوعيا مع الحكومة الصينية قبل أن تتمكن إيران من الالتزام بأن تصبح مرساة الصين في غرب آسيا. لكن السؤال المهم: كيف ترى الصين مصالحها طويلة المدى في إيران؟

تضيف الصحيفة أنه من غير المنطقي في الصدام الجيوسياسي الكبير بين الولايات المتحدة والصين أن ترضخ بكين لجدول أعمال واشنطن بعزل طهران. وفي الواقع انتهك الصينيون بالفعل علنا العقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران بالاستمرار في شراء النفط الإيراني من بين أمور أخرى.

ويذهب بعض المراقبين إلى أبعد من مجرد توقع خطة صينية شاملة لإنقاذ إيران من براثن واشنطن.  وتقول صحيفة نيويورك تايمز إن إيران مفتاح خطط الصين مثلما هي خطط الصين مفتاح مصير منطقة أوراسيا الممتدة من المحيط الأطلسي غربا إلى مضيق بيرنغ بأقصى شرق روسيا شرقا.

وتضيف أنه من وجهة نظر الصين لا يوجد سبب يجعلها تريد نجاح الحملة الأميركية ضد إيران. ومع ذلك، هذه ليست القصة كلها. فالعلاقات بين بكين وطهران أكثر تعقيدا مما يُرى من خلال النظرة الأولى.

فقد حدد المخططون الصينيون إيران كواحدة من أهم الدول لربط آسيا بأوروبا من خلال مبادرة الحزام والطريق التي تمثل أهم المبادرات بولاية الرئيس الصيني شي جين بينغ في السياسة الخارجية، وهدفها النهائي إعادة هيكلة نظام قواعد التجارة العالمية وممارسات الاستثمار ليصبح نظاما أكثر ملاءمة للصين، بالإضافة إلى إبراز القوة الناعمة وإنشاء الأسس لهيمنة الصين في أوراسيا.

ومنذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لإيران وزبونها النفطي، ويمتد التعاون بينهما ليشمل مبيعات الأسلحة والميزان الجيوإستراتيجي ضد الولايات المتحدة.

وقد اتضح الكثير من الرؤية الصينية للتعاون المشترك في زيارة جين بينغ لطهران في يناير/كانون الثاني 2016، إذ اتفقت الدولتان على توسيع التجارة بينهما إلى ستمئة مليار دولار خلال عشر سنوات، كما قدمت الحكومة الصينية قرضا بقيمة عشرة مليارات دولار للشركات الصينية لبناء السدود ومولدات الطاقة والبنية التحتية الأخرى في إيران.

كذلك أصبحت شركات الطاقة الصينية تهيمن على تطوير حقول النفط والغاز الطبيعي في إيران التي تمتلك ثاني أكبر غاز طبيعي بعد روسيا، وواحدة من أكبر احتياطيات النفط الخام التقليدية في العالم.

ويعتقد وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف أن على الصين مواجهة التحدي المتمثل في إنهاء “التعصب الأميركي” في جميع أنحاء العالم، مؤكدا أن بلاده ستقدم بكل سعادة دعمها لهذا الجهد.

ومع ذلك فإن دعوة ظريف لإقامة أساس قوي للعلاقات الاقتصادية -التي تعود بالنفع على بلاده والصين- يتم استقبالها بمخاوف واسعة النطاق في إيران، إذ يعتقد كثيرون أن العلاقات الاقتصادية الحالية تميل لصالح الصين، كما أن المسؤولين الإيرانيين يشكون بهدوء من أن الضغوط الأميركية جعلت بلادهم عميلا أسيرا للصين.

يضيف خبراء في الشؤون الصينية أنه لا يوجد أدنى شك في أن الصين مستعدة بشكل متزايد لاستغلال الضغوط الأميركية على إيران لإثبات أنها صاحبة مصلحة مسؤولة، لكنها ستلعب أوراقها الإيرانية بملء الفراغ التجاري والاستثماري الذي خلفته الشركات الغربية المغادرة لإيران، والتشجيع على زيادة التجارة المقومة باليوان. ومن الناحية السياسية ستقول إن تعددية الأطراف طريق إلى الأمام في حل توترات الشرق الأوسط، لكنها في نفس الوقت تخشى صراعا أوسع نطاقا بالمنطقة من شأنه تعطيل وارداتها من الطاقة.

وتقول الفورين بوليسي إن الصين لا تعتبر إيران أقرب صديق لها. فحتى عندما تسارعت العلاقات بينهما منذ بداية هذه الألفية وأصبحت الصين أكبر شريك تجاري لإيران بدلا من ألمانيا، لا تزال بكين تولي اهتماما كبيرا لحساسيات واشنطن تجاه طهران. والأرقام الاقتصادية الأخيرة من الأشهر الخمسة الأولى للعام الجاري تظهر أن تجارة الصين مع إيران انخفضت بشكل ملحوظ مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، عندما لم تكن العقوبات الأميركية المفروضة على إيران سارية.

وتضيف أنه ليس كل شيء في العلاقات الإيرانية الصينية يتشكل من خلال ما تتخذه واشنطن من خطوات، ولفت الانتباه إلى موقف بكين الرافض لمحاولة إيران طويلة الأمد الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون التي تقودها الصين وروسيا، مشيرا إلى أنه ليس سرا لإيران أن الصين لها علاقات مع كل دولة شرق أوسطية بما في ذلك خصوم إيران كإسرائيل والسعودية، وهي علاقات قد تتعرض للخطر إذا تقربت بكين إلى طهران أكثر.

وعلى الرغم من نداء ظريف الحثيث للقيادة الصينية، فإن طهران لا تتوقع أن تختار الصين دعمها ضد الولايات المتحدة بأي ثمن، ومن المتوقع أن تلعب الصين أوراقها الإيرانية بعناية، لكن الإيرانيين يأملون استمرار الخلاف الأميركي الصيني وتوفير بعض الفرص لطهران.

ويرى الخبراء أن أحد المؤشرات المبكرة لنهج بكين في مسألة العقوبات الإيرانية هو الكيفية التي ستستجيب الصين بها لمطالب واشنطن بوقف استيراد النفط الإيراني بعد أن انتهت الإعفاءات التي سمحت لها سابقا بمواصلة هذه الواردات في مايو/أيار الماضي. فإذا اتخذت بكين موقفا أكثر جرأة في الدفاع عن طهران وتحديا لواشنطن -مثل تزويد الأوروبيين والإيرانيين بشبكات مالية بديلة لمساعدتهم على التهرب من العقوبات الأميركية- فقد يشير ذلك إلى الحسابات الصينية بأن إدارة ترامب نمر من ورق وأن تعاملها العدائي مع إيران لن يكون سوى حملة مؤقتة.

الصين تتمدد

قال تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، إن معاهدة التعاون الاقتصادي والاستراتيجي، التي وقعتها كل من الصين وإيران، قد تعمق النفوذ الصيني في الشرق الأوسط. وأوضح تقرير الصحيفة أن “المعاهدة قد تعمق النفوذ الصيني في الشرق الأوسط، وتقوض الجهود الأميركية لإبقاء إيران في عزلة”.

وأشار التقرير إلى الرفض الإيراني للانخراط في مباحثات مع الولايات المتحدة بخصوص الاتفاق النووي، وقد أيدت الصين هذا الموقف الإيراني، رغم كون الصين واحدة من الدول التي وقعت على الاتفاق في عام 2015.

ولم تعلن إيران تفاصيل المعاهدة قبل توقيعها، لكن خبراء يقولون إنها لم تتغير كثيرا عن تلك التي سرب تفاصيلها في مسودة من 18 ورقة العام الماضي.

وكانت “نيويورك تايمز” قد نشرت تفاصيل اتفاقية منتظرة بين الصين وإيران خلال العام الماضي، شملت 400 مليار دولار استثمارات صينية في عدد من المجالات، بما في ذلك، الصرافة، والاتصالات، والموانئ، والسكك الحديدية، والرعاية الصحية، وتكنولوجيا المعلومات، لمدة 25 عاما قادمة.

وبحسب المسودة، فإن الصين ستحصل على إمدادات نفطية إيرانية، مخفضة للغاية، وبشكل منتظم، وفقا لمصادر إيرانية. ودعت المسودة أيضا إلى تعميق التعاون العسكري بين الجانبين، بما في ذلك التدريبات والبحوث المشتركة، وتطوير الأسلحة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية.

وروج المسؤولون الإيرانيون للاتفاقية مع بكين -والتي اقترحها الزعيم الصيني شي جين بينغ لأول مرة، خلال زيارة في عام 2016 – باعتبارها اختراقا. لكنها قوبلت بانتقادات داخل إيران، تقول إن الحكومة تقدم الكثير للصين.

ولفت التقرير إلى زيارة الصين لعدد من خصوم إيران الإقليميين، مثل السعودية، وتركيا، ومن المقرر إجراء زيارات لكل من الإمارات، والبحرين، وعمان.

كما ذكر التقرير تعليق المحلل الاقتصادي الإيراني، على الاتفاقية الإيرانية-الصينية، إذ قال “لفترة طويلة جدا في ما يخص تحالفاتنا الاستراتيجية، وضعنا كل بيضنا في سلة الغرب، ولم تسفر عن نتائج، الآن إذا حولنا السياسة ونظرنا إلى الصين، فلن يكون الأمر سيئا للغاية”.

يذكر أن الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، قد كشف في يونيو الماضي، جزءا من الاتفاقية التي وصفها بـ “السرية”. وقال أحمدي نجاد إن “الأمة الإيرانية لن تعترف باتفاق سري جديد مدته 25 عاما بين إيران والصين”، محذرا من أن أي عقد يتم توقيعه مع دولة أجنبية دون أن يعرف الناس عنه، سيكون باطلا.

إيران بوابة الصين في الشرق الأوسط؟

تم الإعلان عن توقيع وقعت الصين وإيران اتفاقية تعكس شراكة استراتيجية لمدة 25 عام على الأقل.  ولم تُنشر تفاصيل هذا الاتفاق بعد، لكن التكهنات تشير إلى أن الصين ستتحدى العقوبات الأمريكية بشراء النفط الإيراني. وفي المقابل، تسمح إيران للصين بالاستثمار في البلاد، خاصة أن العقوبات حالت دون وجود أية استثمارات أجنبية.

ويعد هذا الاتفاق امتداداً جديداً للمشروع الصيني الخاص بمبادرة الحزام والطريق، التي تشمل بناء طرق تربط الصين ببقية أنحاء العالم مما يمكنها من توسيع نفوذها كقوة عالمية.

ويشكك بعض الإيرانيين في دوافع الصين عند تسريب مسودة للاتفاق العام الماضي، فاتفاقات الحزام والطريق تهدف إلى خدمة مصالح الصين بالأساس. وتبين لاحقا أن بعض الاتفاقات التي بدت جذابة هي في الحقيقة مجحفة وقاسية بالنسبة للدول الأصغر والأفقر (والكثير منها أفقر وأصغر من الصين)، التي وجدت نفسها قد تورطت في الاتفاق.

لكن إيران لها وضع مختلف، فهي أصغر من الصين، لكنها تظل بلدا كبيرا ذا موارد طبيعية هائلة وسياسة خارجية فعالة.

وسيعزز الاتفاق الجديد من موقف إيران في مواجهة الولايات المتحدة. وبتوقيع إيران للاتفاق الجديد مع الصين (وهي عضو في الاتفاق النووي كذلك)، ثمة أمل في تحقيق ما هو أكثر من مجرد زيادة في مبيعات النفط، رغم أهميتها للاقتصاد الذي تضرر كثيرا من العقوبات الأمريكية.

ويحاول الرئيس بايدن، كسلفيه، تحويل تركيز إهتمام بلاده عن الشرق الأوسط إلى منطقة آسيا والمحيط الهادي الأكثر أهمية. لكن فعليا، من المستحيل صرف الاهتمام عن الشرق الأوسط لما فيها من مصالح حيوية للولايات المتحدة، وأحدها الطموح النووي لإيران، الذي تنفيه طهران مرارا.

وفي الوقت الذي تراجعت فيه الولايات المتحدة عن سعيها للتحول عن المنطقة، إلا أنها لم تحقق تقدما. فخوفها من المزيد من التورط في المنطقة فتح المجال أمام منافسيها. فروسيا مثلا وجدت لنفسها مساحة لإحياء الدور القديم للاتحاد السوفيتي عن طريق التدخل في سوريا.

والصين ترى أن الولايات المتحدة دخلت مرحلة تراجع لا يمكن الرجوع عنها، وإن كانت طويلة الأمد. وترى في نفسها القوة العالمية الصاعدة. وقوة بهذا الحجم لا يمكنها تجاهل منطقة كالشرق الأوسط في القرن الواحد والعشرين وما بعده.

وربما كان التعاون الاستراتيجي مع الخليج ذو أهمية أكبر بالنسبة لطموح الصين على المدى البعيد، مقارنة بأي مكسب مباشر تحققه إيران. ولم تقتصر جولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي في المنطقة على مراسم توقيع الاتفاق في إيران.

وكشفت صحيفة الصين اليومية، التي يصدرها الحزب الحاكم، عن خطة من خمس نقاط “لتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، بتقديم دفعات بناءة للحوار الفلسطيني-الإسرائيلي، واستكمال الاتفاق النووي مع إيران، وبناء إطار عمل أمني في المنطقة”.

وهذا النوع من الخطاب يصدر عادة عن الدبلوماسيين الغربيين. تعتبر الولايات المتحدة الشرق الأوسط منطقة نفوذها منذ نهاية الحرب الباردة، وطالما قاومت منح حلفائها في الاتحاد الأوروبي دورا أكبر من مجرد تقديم بعض المساعدات.

وبنى جيش التحرير الشعبي الصيني أول قاعدة له في الخارج بالفعل على ساحل البحر الأحمر في جيبوتي والقاعدة تطل على أحد أهم الممرات البحرية في العالم، وعلى بعد عشرة كيلو مترات فقط من المقر القيادة الأفريقية في الجيش الأمريكي.

فهل تخطط الصين لبناء مقر شبيه على الساحل الإيراني المطل على الخليج، بحيث يصبح لها موطئ قدم في المكان الذي تعتبره البحرية الأمريكية بحيرة خاصة لها؟

وربما يجد بايدن وإدارته طريقة ما للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، فهم يرونه في صالحهم.

وبالطبع ستؤرقهم أي إشارات إلى أن الصين التي تبرز في المشهد العالمي بقوة، تنافسهم للحصول على موطىء لها في واحدة من أكثر المناطق غير المستقرة في العالم.

العدد 116 / ايار 2021