الشاعرة روبي كور، “لم أُخلق بتاريخ صلاحيّة”

نسرين الرجب- لبنان

الشاعرة روبي كور Rupi kaur، شابة كنديّة ذات أصول هنديّة، هاجرت عائلتها من إقليم البنجاب وهي في الرابعة من عمرها ولجأوا إلى كندا، ولدت في العام 1992، تنتمي أسرتها لطائفة السيخ، لم تتمكن  في البدء من التأقلم بسهولة في البيئة الجديدة، لذا لجأت للرسم بتأثير من والدتها، وصادقت الكتب، اتجهت للكتابة وهي في السابع عشرة من عمرها، وقد بداًت شهرتها كشاعرة من خلال نشرها مقاطع وقصائد لها على منصة الآنستغرام، فشجعها وألهمها للاستمرار إعجاب الكثير من القرّاء بكتابتها.

        نشرت ديوانها الأوّل “حليب وعسل”  milk and hony، في العام 2014 على نفقتها الشخصيّة بعدما

الشاعرة روبي كور

رفضت دور النشر نشر كتاب لشابة مبتدئة، كانت وقتها تلميذة، بيعت الكثير من النسخ منه، ما يصل إلى ثلاثة ملايين نسخة، ولاق رواجًا كما تُرجم إلى عدّة لغات من العالم.

وفي العام 2017 نشرت ديوانها الثاني ” الشمس وأزهارها” The Sun and her flower، وفي العام 2020  كتابها “الجسد المنزل”  body home، فالبنسبة لها الكلمتين مترادفتين لأن المنزل هو الجسد والجسد هو المنزل، فـ”المنزل هو حيث أنت” كما تقول. وفي كلّ المرّات كانت هي التي تصمّم أغلفة كتبها كونها درست التصميم الغرافيتي.

        لم يكن شكل كتابة القصائد متوافقًا مع أسلوب وقواعد اللغة الإنكليزيّة، وليس ذلك نتاج جهل الكاتبة، بل عن إدراك ورمزيّة خاصة برؤيتها للشعر ولانتمائها الأوّل، فكتابة النصوص بأحرفٍ صغيرة، وندرة استخدام علامات الوقف سوى النقطة في نهاية الجمل،  تُعلّله في عدة مقابلات لها أنّها تتمثل به أسلوب اللغة البنجابيّة- لغتها الأم، وهو أمر يرتبط بتاريخها الشخصي وتُراثها، تفتقد قصائدها الطويلة والقصيرة للعناوين، ولكن أحيانًا يتواجد ما يشبه العنوان في نهاية القصيدة، ويتميّز بأحرُفه المائلة، ترافَق قصائدها رسومات لها تحاكي الحالة الوجدانيّة فيها، تنتمي روبي كور للثقافتين البنجابيّة والإنكليزيّة، وتوصّف ثقل الانتماء لبلدين، والشعور بالاغتراب: ” ليس لديهم أدنى فكرة/ عن معنى أن تفقد وطنك/ وخطرُ ألا تجده مرة ثانية/ أن تكون حياتك منقسمة/ بين أرضين/ أن تصير جسر تواصل بين بلدين/  يؤسفني أن الناس لا يفهمون ذلك..”

        “ملكة شعراء الآنستغرام”

        يتميز عرض “روبي كور” الشعريّ بالتفاعليّة، ففيه الموسيقى وفيه الرسم وفيه الوجه الحسن وحرفيّة التصوير (صورها الشخصيّة، أو تصويرها وهي تؤدي الشعر أمام جمهور)،  فهي تعرض لفنّها الشعري وتسوّق له بذكاء وبشغف، وهذا ما يظهر على صفحتها في الآنستغرام، حيث يتابعها الكثير من المعجبين والمهتمين بفنّها وشعرها، وقد حصلت على لقب “ملكة شعراء الآنستغرام”، ومصطلح “شعراء الآنستغرام” Instapoets  نما في أميركا ويعني مجموعة كتّاب وقرّاء يستخدمون هذه المنصّة لمشاركة كتاباتهم الشعريّة، حيث ينشر الأشخاص قصائد مرفقة غالبًا برسم أو صورة فنية. تقوم روبي بجولات حول العالم لتعرّف بما تقدمه وتحظى دومًا بالإعجاب:

فنك ليس مسألة أن/ يُعجَبَ الآخرون به/ فنك هو أن يعجبك أنت/ أن يعجب قلبك/ أن يعجب روحك أن ينسجم مع شرفك/ أن ينسجم معك أنت/ وأنت بالتأكيد لن تبيع الشرف/ مقابل العلاقات/ افعل ما تشاء/ كن كما تشاء/ افعل ما يحلو لك“.

        موضوعات تُشبهنا

        وصلت كتاباتها عبر ترجمات متفرقة إلى عالمنا العربيّ، تناولت موضوعات إنسانيّة من زاوية معاصرة وبرؤيةٍ مباشرة وعميقة الأثر، والأهم أنّها تُشبهنا، فتحدثت عن الحب، الفراق، الصدمات، التعافي، الأنوثة والاغتراب، هي تشعر بالانتماء إلى فنّها وعندما تقوم بالعرض الشعري يتبلور فكرها وفهمها للعالم: ” تسألني المعالجة النفسيّة بعد مرور أسبوع على الانفصال ما شكل الحب؟/ لم أعرف إجابة لسؤالها باستثناء/ حقيقة أني اعتقدت أن الحب يشبهك كثيرًا / كان ذلك في البداية/ بعدها أدركت كم كنت ساذجة/ لأجسد فكرة شديدة الجمال/ على هيئة شخص..”، وتقول: “الحب ليس شخصًا / الحب هو أفعالنا/ هو بذل كل ما نستطيع ..”

        تطرقت إلى مواضيع شديدة الحساسيّة عن العنف الأسري، والعنف الموجه ضد المرأة وسوء المعاملة، تقول في إحدى قصائدها: “عندما تَفـتحُ أمي فمها/ لتتحدث، ونحن نتـناولُ العَشاء/ يغرزُ أبي كلمة: اسكُتي/ بين شفتيها/ ويَطلبُ منها ألَّا تتكلمَ أبداً/ وفمُها ممتلئٌ بالطعام/ هكذا تعلمتْ النساءُ في أُسْرتي/ أن يَعشنَ وأفواههنَّ مطْـبَـقة” .

        توجّه خطابها للحبيب وللزوج، وللأب أيضًا تدعوه لكي يكون الصورة الحسنة لابنته، للمرأة التي ستكونها والتي ستبحث عنه في وجوه رجال يشبهونه: ” في كل مرة/ تقول لابنتك/ تصرخ في وجهها/ بلا حبّ/ تعلّمها أن تخلط الغضب بالشفقة/ والذي يبدو فكرة جيدة/ إلى أن تكبر/ وتثق في رجال يؤذونها/ لأنهم يبدون أكثر شبها بك”.

  تتقمص روبي كور المشاعر الحقيقيّة للجسد المعنّف، وتنقل معاناة النساء، في كثير من المقاطع ، توصّف الأمر كما لو أنّ المرء يعيش مستلبًا، و” كما لو كنت لا تمتلك جسدك الخاص بك”، وتقول: ” هم من يمتلكون جسدك”،  ” العنف الجنسي كما لو كنت تجوب العالم مصحوبًا بإعاقة جسدية أو عقلية…”

        تكتب روبي كور عن العلاقة مع الجسد، وعن حبّ الذات والثقة تقول في مقطع: “كنت أتجنب المرايا كما يتجنب المرء شريكه السابق في حفلة/ لقد رفضت اللاعتراف به النظر إليه أو حتى تقديره..” وهي ترى أن الشعر قد ساعدها لتجد الحب في نفسها، فترى في الكتابة وسيلة للتعافي الروحي: ” إذا كنت قد ولدت/ نقطة ضعف هي السقوط/ فقد ولدت/ بنقطة قوة للنهوض من جديد/ مهما طال الليل ستشرق الشمس  وهذا ما سيحدث معك”

تجمع روبي كور بين الجمال والتحرر من نمطيّة الصورة والنظرة الجامدة اتجاه للمرأة، وكأنّ بها تصرُخ:”  لم أخلق بتاريخ صلاحية”، من ضمن قصيدة لها تقول فيها: ” أقنعوني أن أمامي بضع سنوات طيبة/ قبل أن تأخذ مكاني فتاة أكثر شبابًا مني/ وكأن الرجال يكتسبون القوة بتقدمهم في السن/ بينما تفقد النساء الأهمية/ يمكنهم مواصلة الكذب/ لقد بدأت لتوي.. ” وتُكمل؛ أنها في كلّ مرحلة من عمرها ستكون جاهزة لتقديم المزيد.

كتبت عن الحُب في جميع أشكاله، في تساميه من خلال حُب الأم اللامشروط: “أجتهدُ وسعَ طاقتي/ حتى أفهم/ كيف يتأتى لأحدٍ ما/ أن يَسكبَ روحَه بأَسْرِها/ ودمَه وطاقـتَـه/ لأحدٍ آخرَ/ دون أن يَطلبَ شيئاً/ في المقابل/ علَيَّ أن أنتظر حتى أَكُونَ أُمّاً”.

وفي إلفته، وهي المتمردة والمُحبّة، يتماهى الحبيب في مخيلتها مع الطبيعة في عطائها: “أجْمَلُ ما أجدُه فيك/ رائحتُـك/ رائحتُـك كرائحةِ الأرض/ والأعشاب والحدائق/ رائحةُ إنسانٍ أسمَى مِن بقيةِ الناس”

عن القوّة الداعمة واللطف :”أحتاجُ إلى رَجُلٍ/ يعرفُ معنى الكفاح/ كما أعرفه/ ويشدُّ أزري/ في أيامٍ لا أقوى فيها على الوقوف/ هذا النوع مِن الرجال/ الذي يمنحني ما أحتاج/ حتى قبل أن أعرفَ ما أحتاج/ هذا النوع مِن العشاق/ الذي يسمعني/ حتى وأنا لا أتكلم/ هذا هو التجاوب الذي أطلبه/ -العاشق الذي أحتاج إليه-“

فهي العاشقة التي تعرف ما تريد، وتتحدث بصوت النسوة اللواتي يترافق الحب لديهن مع الاهتمام: ” ما الجدوى/ إن كنت تحبني أو/ تفتقدني أو تحتاج إليّ/ عندما لا تفعل شيئًا  لكي تكون بجواري/ إن كنت لا تجعل مني/ حب حياتك فلسوف أكون/ في المقابل/ خسارة حياتك” .

وعندما لا يستطيع الحبيبان تفهّم حاجات بعضهما فمن الأنانية أن يبقيان معًا: ” لا أحد منا سعيد/ لا أحد منا يريد الرحيل/ ومع ذلك يصر كلانا على إنهاك الآخر/ ونسمي ذلك حبًا.”

        يزخر شعر “روبي كور” بالكثير من الموضوعات المعاصرة، كشاعرة شابة جعلت من الكتابة عملاً يوميًا لها بحسب تصريحاتها، ومن الشعر انطلقت لتصنع اسمًا لها، وفنًّا يميّزها، ما يلفت في شِعرها أنه يصل إلينا، يلامس أفكارنا، وهو على بساطة مضامينه وسعة إشكالياته وعمقها، يعبر داخلنا ويدفعنا للتأمل في الذات وفي الآخر، ولرُبما هذا ما يجعل من الشعر جماهيريًّا أيّ كانت لغته، أنّه يُحاكي الشعور ويتناول قضايا الإنسان في مجتمعه، وفي نفس الوقت يحترم حضوره ولا يتصنّع حتى في تطرقه لأكثر المواضيع حساسيّة.

العدد 116 / ايار 2021