الكاتب أحمد الهلالي: التجاوب النقدي السردي غير كافٍ والعبثية في الإبداع عرضية

يصنّف الكاتب والشاعر والقاص السعودي أحمد بن عيسى الهلالي المجتمع الأدبي إلى مجالين، الأول الذي ينقل التجربة الذاتية من خلال التموضع الشكلي بالمفهوم المألوف للكلمة والآخر الذي يسعى جاهداً إلى التغلغل في أبحار الماضي والإغفال عن الدور الحقيقي للرؤية التجريبية الفنية الجديدة التي تنقل الواقع، وتستنهض الفكر على الأسس الحديثة بمراعاة الشكل والمضمون الأدبي والنقدي للكلمة بكافة أشكالها المنتشرة.

الهلالي حقّق مساعٍي أدبية وسردية عديدة في مجالي الكتابة الشعرية والسردية، لكنه يميل ميلاً خاصاً نحو الشعر، فهو ملعبه بحسب اعتقاده، وينمو في نفسه خباياه ويسعى إلى التعبير عنه دوماً دون تكلّف أو فلسفة.

أرق الظلال

إضافةٍ إلى ذلك، في جعبته دراسات وتقارير كـ”الغراب في الشعر الجاهلي” وتحقيق ديوان “الشاعر الجاهلي لقيط بن زرارة وابنته دختنوس”.

“الحصاد” كان لها حديث خاص مع الدكتور أحمد الهلالي تعرّفت خلاله إلى مفهومه للكتابة الأدبية الحديثة وما أبرز المعالم الشعرية لديه ضمن التوسّع الحديث والتعلّق بالماضي. ننقل إليكم في ما يلي أبرز ما جاء خلال اللقاء.

  • “الحصاد”: بداية، عرفنا عن أحمد بن عيسى الهلالي الشاعر، الكاتب والقاص.
  • أحمد الهلالي: إنسان يعبر الحياة ويحاول أن يترك أثراً، صدرت لي 4 دواوين شعرية ورواية “سدرة المنتهى”، ودراسات نقدية في كتابين وعدد من الأبحاث، وتحقيق ديوان الشاعر الجاهلي لقيط بن زرارة وابنته دختنوس. كتبت الشعر في سنّ مبكرة، أما ما يخص الكتابة الصحافية فلديّ مقالة أسبوعية في صحيفة مكة. حافظت على استمرارها منذ 2014م.

    لست ضليعاً في السرد، عدا عن روايتي اليتيمة “سدرة المنتهى” التي صدرت عام 2015م عن أدبي حائل ودار المفردات السعودية، وأجهضتُ كل تجاربي الروائيّة بعدها؛ فلم أشعر بالرضا عنها، وربما لن أستطيع تجاوز “سدرة المنتهى”، فهل ستكون المنتهى؟!

  • “الحصاد”: التجربة الفنية، بتنوع خصائصها برأيك تقوم على الاسقاط الذاتي من خلال العبر والقيم الانسانية أم هي حالة فوضوية عبثية لا ترعاها أية معايير؟
  • أحمد الهلالي: لا مكان مبرز للعبثية والفوضوية في التجربة الفنية، فهي غالباً تأتي استجابة لاستعداد فطري في الذات، ثم استجابة للدوافع النفسية بفعل المؤثرات المحيطة بالذات المبدعة، والأرجح أنها تأتي بكيفية منظمة؛ لأن المبدع يدخل في كون انتظمت فيه المعارف والقيم، وتقعدت فيه الفنون الإبداعية واتخذت قوانينها
    الكاتب والشاعر والقاص أحمد بن عيسى الهلالي

    الخاصة، واكتسبت ملامح وحدوداً، ترفض الخروج الفوضوي عنها، بدءا من النظام اللغوي والإملائي وانتهاء بالصور الشعرية، وتظل الحرية للخيال ومقدرة المبدع على التحليق.

أما العبثية والفوضوية فهي غالباً تكون في نمط حياة وسلوك بعض المبدعين، أما في الإبداع فهي وقتية، تأتي في بعض الحالات التي لها بواعثها ومبرراتها الخاصة، لكنها تزول بزوال تلك البواعث.

  • “الحصاد”: لكونك عضواً في هيئة التدريس بجامعة الطائف لا بد أنك من روّاد اتباع مناهج العلم وطرائق التدريس لتحقيق شروط الكتابة السردية الصحيحة، كيف تساهم في تحقيق ذلك مع الطلاب؟
  • أحمد الهلالي: غالباً أدرّس لطلابي ما يتعلّق بالشعر والبلاغة العربية، وإن درّست شيئاً حول السرديات، فغالباً ما يكون في إطار نظريات التلقي والتحليل، أما الكتابة السردية فلم يسبق أن درستها، فلها متخصّصون أقدر مني، وإن تحدثت عن الكتابة الإبداعية بصفة عامة، فإني أتحدّث عن أهمية الانطلاق من روح العصر وتجاوز التقليد والتقليدية، مركزاً على جناحَي الإبداع، اللغة والخيال المتجدد.
  • “الحصاد”: تقول إن روايتك “سدرة المنتهى” جاءت لاستلهام الدروس والعبر ولاسقاطها على المستقبل. كيف يساهم الكاتب في استنهاض فكر الشعوب وتوجيهه؟
  • برأيي إن الأديب ابن بيئته وعصره، يتأثر بما يُحيط به من أحداث، ويظل يفكر في الحلول، واستشراف المستقبل، والنظر إلى ما وراء، وقد كان واقع الأمة العربية منغمساً في أتون الماضي، وبعيداً عن منطقة الفعل العالمي والحضاري. وهذا أكثر أمر يشغلني في نظري إلى المجتمع العربي بصفة عامة، أما على مستوى الخليج وبلادي السعودية، فقد كان يُرعبني انغماس المجتمع في ما سبق مضافاً إليه تعلّقه بالاستهلاكية، وحين أسمع عن مقولات (نضوب النفط) فإني أصاب بالهلع على أجيالنا القادمة، لكن هذا الهلع تبدّد، بعد رؤية الأمير محمد بن سلمان التي ركّزت على ما كانت روايتي تدور حوله، تحرير المجتمع من التعلّق بالماضي، ودفع عجلة العلوم وتقنيات العصر، ثم تحرير الاقتصاد من الاعتماد على النفط، والعمل الجاد على خلق البدائل. وهذه الرؤية المضيئة ستنسحب على المنطقة العربية بمجملها؛ لأن نجاحها في السعودية سيشجّع الإخوة العرب على استنساخها، وقد ظهرت بوادر ذلك.
  • “الحصاد”: ماذا أضافت لتجربتك رواية “سدرة المنتهى”؟ ولمَ اخترت هذه العنونة؟
  • أحمد الهلالي: عشت مع “سدرة المنتهى” خمس سنوات، بين الكتابة والمراجعة والتنقيح والإضافات وتجويد اللغة، وكانت من أحب الأعمال إلى نفسي، ألجأ إليها هارباً من أشياء كثيرة، وقد حاولت أن أضمنها كل شيء
    تحقيق في ديوان لقيط بن زرارة وابنته

    كان في نفسي في تلك المرحلة، وأن أكتب بسقف حرية مرتفع في كل القضايا التي تعرضت لها الرواية. أما العنونة، فأنا أولاً مغرم بشجرة السدر، كانت ملهاي ومرتع طفولتي في القرية، ومكان اجتماع القبيلة والأعيان في النهار للاحتفال أو مناقشة بعض القضايا، ثم إنها تدل على أقصى العلو في الخطاب الدينيّ، وهذا ما تتغياه الرواية للمجتمعات العربية، وأخيراً قد حضر السدر في ثنايا الرواية.

  • “الحصاد”: عادةً، ما تسعى إلى تحقيق نمط يوازي حجم الموروثات الاجتماعية والإنسانية والشعبية والدينية في المملكة، كيف تحقق ذلك وكيف؟
  • أحمد الهلالي: مجتمعنا في السعودية من أثرى المجتمعات العربية، أولا من حيث التاريخ والجغرافيا العربية القديمة جداً، فكل شبر في أرضنا الشاسعة له مكانه الأثير في الذاكرة العربية والإسلامية، وثانياً لاحتضانها المقدسات التي يفد إليها الناس من شتى أنحاء العالم، وثالثاً من حيث التنوّع الديموغرافي، فقد أقام على أرضنا أقوام من شتى العرقيّات خاصة في الحجاز من قبل قيام الدولة السعودية، ناهيك عن ملايين المقيمين الذين جذبهم سوق العمل، وفي هذا التنوّع ثراء كبير، إذ لكل مكون اجتماعي طقوسه وفنونه ومعتقداته ونمط حياته، ومن هذه المكوّنات جميعاً تشرق الثقافة السعودية بألوانها المختلفة المبهجة، واستثمار كل هذا في الآداب والدراما والفنون وعلوم الاجتماع والتخطيط الحضري، سيكون مدهشاً ومبهراً.
  • “الحصاد”: أين تختلف الكتابة الروائية عن الشعرية، في أعمالك؟ أخبرنا عن شعرك.
  • أحمد الهلالي: الشعر هو ميداني الرئيس، وإضافة إلى “رفيف رئة” أصدرت “أرق الظلال” و”الجمر وردٌ آسر” و”قطرات صلبة” ثم إني قد طعّمت “سدرة المنتهى” ببعض القصائد الشعرية، وظهر أثر الشعر جلياً في لغة الرواية، وهذه أعدّها نقطة التقاء، أما الاختلاف ففي التعاطي الموضوعي. فالرواية نصّ كبير تنتظم داخله نصوص صغرى، لكن الخطّ السردي يحافظ على انتظام الفكرة الرئيسة للعمل لكل ما تحتها، أما الديوان الشعري، فهو قصائد أشتات موضوعاً وزماناً وحالة شعورية، كذلك لست من الشعراء أصحاب المشروعات الذين تنتظم قصائدهم في حبل فكرة كبرى.
  • “الحصاد”: رحلة الدراسات والتحقيقات لديك حافلة، ما الهدف الأساسي من وراء ذلك؟
  • أحمد الهلالي: الباحث في الأدب العربي يقوده البحث إلى الاطلاع على موضوعات شتى، وقد قادني بحثي في الماجستير “الغراب في الشعر الجاهلي” إلى الاطلاع العميق على الكثير من الموضوعات، فاستهواني التحقيق حتى ظفرت بجمع وتحقيق شعر لقيط بن زرارة، ولقلّته جمعت إليه شعر ابنته دختنوس ونشرتها في
    ديوان رفيف رقة

    كتاب صدر عن المجلة العربية عام 2015، وهدفي الرئيس هو الإسهام في خدمة التراث، وتنظيم المدونة الشعرية القديمة وإتاحتها للباحثين.

  • “الحصاد”: كيف ترى صورة العمل الأدبي والشعري في المملكة؟
  • أحمد الهلالي: منذ خمسين عاماً أسست السعودية الأندية الأدبية عام 1975م، وهذه الأندية ظلت تذكي الحراك الثقافي والأدبي، واليوم نرى السعودية من أثرى الأوطان العربية بالأسماء الأدبية والشعرية المميزة، وربما من أكثرها مؤسسات ثقافية تعنى بالإبداع الأدبي، وتمنح الجوائز الضخمة لكل مبدعي الوطن العربي، وتعقد الملتقيات بشتى أنواعها التي يتلاقى فيها المبدعون، وفي وجود وزارة الثقافة بنظرتها الشمولية وهيئاتها المتعددة، وعناية الجامعات بالآداب، وكثرة الجمعيات الأدبية الحديثة، والصالونات الخاصة، نستشرف مستقبلا أكثر توهجاً وعطاء في مجالات الأدب بأنواعه والفنون.
  • “الحصاد”: الأدب الحديث يقوم على التحليل والتأويل النصي من خلال المعرفة في مسارات الفكر. برأيك هل هي كافية للسرد الأدبي؟
  • أحمد الهلالي: الحركة النقدية صنو الحركة الإبداعية، وإن جاءت متأخرة عنها بخطوة، فمهمتها رصد وتصنيف وتحليل وتقييم الإبداع، ثم تأتي ثمار ذلك الجهد في تقويم وتجويد المنتج الإبداعي من خلال رصد النماذج الإبداعية العليا التي يهتدي بها المبتدئون، فلا يقدمون على نشر أعمال نيئة.

أما من ناحية الكفاية للسرد، فلا أظنها كافية، لأن المنتج السردي ضخم جدا، وبوصلة النقد ليست موجّهة بما يكفي، بل تعمد إلى الانتقائية، وهنا يأتي دور الجامعات في ضرورة خلق منهجية للباحثين، وصناعة أداة تركز على استجلاء جديد المشهد السردي، في عملية منظمة.

والقضية ليست في كفايتها، بل في استسهال وميل كثير من الكتّاب المبتدئين إلى الكتابة السردية فور قراءتهم بعض الأعمال، ومباشرتهم نشر العمل نيئاً دون أن يخضع للمراجعة وتقييم التجربة، فنصطدم بأعمال تافهة، وأفكار متناسخة، ولعلّ بحث دور النشر عن الربحية جعلهم يغفلون دور الناقد في تقييم الأعمال قبل النشر، فلم تعُد بعض المؤسسات تبالي بالسمعة في مهب الربحية العاتي.

مجموعته الخاصة