المدينة والكلاب

لِكلّ مَقامٍ…

“هكذا هي السّياسة إنّها شَقُّ الطّريق بين الجثث”، يختزل الكاتب والرّوائي والسّياسي البيروفي “ماريو بارغاس يوسا” شرح السّياسة وتعريفها بهذا القول القاسي في حقيقته. وهو يدرك أنّ قساوة تخيّل المشهد لا تلغي حدوثه، ورمزيّة العبارة لا تخفّف من وطأة الموت على الجثث، بل تمهّد أكثر لِشقّ تلك الطريق.

عقودٌ مضت، والقائمون على السياسة اللبنانية يعتمدون هذه الاستراتيجية لتحقيق أحلامهم السّلطوية. مرّةً بالحروب وأخرى بالسّلم المقنّع، ومرّات بالّلصوصية والمافيوية، وأحيانًا بالارتهان والعمالة، ودائمًا بشحذ الغرائز والقبليات والطائفية، مرورًا بالتجويع وسلب الإرادة، وصولًا إلى الاستيلاء على أغلى ما عند اللبناني: كرامته. وبعد استلاب الكرامة، لا قيمة لأي شيء حتى الموت وتراكم الجثث عند شقّ الطريق، طالما أنّ الجثّة هي الأكسسوار المطلوب للحفلة التنكّرية التي ينظّمها السياسيون ليمارسوا فيها فانتازماتهم الدكتاتورية.

“حفلة التّيس” تلك La fiesta del chivo)) هي ليست رواية “يوسا” فقط، إنما قصة الدكتاتور “التّيس” اللبناني الذي نكّل بالوطن الجميل إلى أن أصبح بؤرة للفساد والموت والفقر والبؤس، لأنّ “العنزة الجربانة ما بتشرب إلا من راس النبع” على ما يروي المثل اللبناني، فنضب النبع وعاشت العنزة.

“للأسف لا نستطيع التخلّص من الأوغاد عن طريق الانتخابات لأننا لم ننتخبهم أصلًا”. يقول الفيلسوف والكاتب الموسوعي و”أبو اللغويات الحديثة” كما يشار إليه، “نعوم تشومسكي”. مناسبة الكلام الانتخابات النيابية اللبنانية في شهر أيار/ مايو المقبل، فهل سيبقى “الأوغاد” ويجدون من ينتخبهم بعد الموبقات الهائلة التي اقترفوها؟ وهل سيخرج الناس من تحت عباءات هؤلاء إلى النور مجددًا بالتراجع عن ولاءاتهم الغبية؟ وهل سيدرك الوطن الصغير العدالة يومًا؟ أم أنّ “صوت الأغلبية ليس إثباتاً للعدالة” على قول “فريدريك شيلر”؟ وهل سيصلون يومًا إلى يقين العظيم “شارل ديغول” حين اعترف “أن السياسة مـوضوع أخطـر بكثير من أن نتركه للسياسيين؟.وأنّ “من لا يعرف شيئا ويظن أنه يعرف الكثير إذًا هو يمتهن السياسة” بعبارة “جورج برنارد شو”؟

في رواية “المدينة والكلاب”   (La ciudad y los perros)لكاتبنا صاحب جائزة نوبل “يوسا” يغنّي المواطنون بحسرة مع الشاعر التونسي “محمد الصغير أولاد أحمد”:

إلهي

لينبُت دودٌ مكانَ البلَحْ

ذهبنا جميعًا إلى الانتخابِ

ولم ينتخبْ أحدٌ مَنْ نَجَحْ!

ماجدة

العدد 126 / أذار 2022