المضمون والقيم في أدب الأطفال

تعيش الأمة العربية على مختلف الأصعدة: السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، واقعًا جديدًا فُرِضَ عليها، كلّ هذا فرض علينا التركيز على تنشئة الأطفال، وإلقاء الضوء على الممارسات الثقافية والأنشطة الإبداعية، وتوفير سبل اكتساب المعارف، والمهارات، وقيم الإنسان التي بدورها تساعد الطفل على أن يفهم  نفسه، ويتعرف على الآخر، ويرتقي بوعيه تُجاه البيئة والتراث.

    معنى مصطلح، أو مفهوم “أدب الأطفال”:  هو الأدب الموجّه للطفل، أو تلك الأعمال الفنية التي تُنْقل إلى الأطفال عن طريق وسائل الاتصال المختلفة، ويعدّ هذا الأدب تعبيرًا أدبيًّا جميلًا ومؤثرًا.. ذلك الذي يستلهم مبادئ الأخلاق الحميدة، ويجعله أساسًا لبناء شخصية الطفل عقليًّا، ونفسيًّا وسلوكيًّا، وهو أحد أشكال التعبير الإنساني.

يقول الأديب والباحث المصري أحمد نجيب: ” من الضروري أن نؤكد على أهمية التكامل بين الشكل والمضمون، بحيث لا يتم كلٌّ منهما بمعزل عن الآخر بأيّة حال من الأحوال؛ وإنما يجب أن تربط بينهما معايير أدب الأطفال السليم” .

فائدة قراءة القصص للأطفال:

    إن القصص تساعد الطفل على التعرف على الحياة والناس والمجتمع، وتقدم له أنماطًا من الأدوار التي يقوم بها الناس في الحياة، ولها دورٌ في تنمية القِيَمِ الثقافية للأطفال.

ولقد قُدِّمَتْ عدّة دراسات تحليلية، تلك التي تفسّر أهمية أدب الأطفال من المنظور الاجتماعي، فقد تبيّن أن: “قصص الأطفال تعكس مجموعة من المشكلات الاجتماعية مثل: الهوية، قبول الذات، الثقة بالنفس، التعلم، الاهتمام بالعلم والتكنولوجيا”.

وهناك دراسات أخرى قد أثبتت أن الأطفال الذين قرؤوا أنواعًا مختلفة من الأدب، الأمر الذي انعكس على كتاباتهم، والتعبير عن أنفسهم.. ولا شك في أن بساطة الصياغة، وتعقد المحتوى يجعل من الحكاية الخيالية أداة قوية في إدراكه وانعكاس هذه العواطف.

تطور حكايات الاطفال:

استمر الاهتمام بأدب الأطفال عبر العصور، والأزمنة المختلفة. ثم بعد ذلك بدأت تظهر المجلات التي تتناول قصصًا مختلفة ممّا أدَّى إلى الاستمرار  في النهوض بأدب الاطفالٌ. ومن أهم رواد هذا الأدب: “رفاعة الطهطاوي”، و”أحمد شوقي”، فهما أوّل من قدّم أدب للأطفال، وبعد ذلك تطوّر الاهتمام بأدب الاطفال، وكُتِبَتْ أشعارٌ خاصّةٌ بالأطفال مثل ما كتبه “محمد الهراوي”؛ ولا يزال النهوض به مستمرًا حتى وقتنا الحاضر.

سِمَات أدب الاطفال:

يتّسم أدب الأطفال بجمال الأسلوب، وتناغم الأصوات والمعاني، وشموله الخبرات والمعارف المختلفة للحياة.. كما يمتاز بالجمل القصيرة الواضحة في فهم الطفل، والخفة في الأسلوب، واستخدام الصور الخيالية التي توسِّع خيال الطفل، وتهذِّب وجدانه، وتهتم باختيار الموضوعات الملائمة لحاجات الطفل.. هذا الطفل الذي يمتلك عالمه الخاص.

لقد أجريت عدّة دراسات.. تلك التي تقيس تأثير سمات أدب الأطفال على وعي الطفل ومدركاته، فأثبتت الدراسات أن مجلات الأطفال التي تمدّ الطفل بالمعلومات عن العالم الخارجي في ضوء بساطة الأسلوب؛ تلك القصص تعمل على  تلبية احتياجات الأطفال النفسية والاجتماعية والعقلية.

وما من شك في أن قراءة قصص الخيال العلمي تعمل على إثارة خياله بما ينعكس عليه بالإيجابية، وعلى أسلوبه في تناول المشكلات.

أهداف أدب الأطفال :

إن الهدف يكمن في الغذاء النفسي والفكري والعاطفي للطفل، حيث يعمل على تنبيه مدركاته. فهو ضرورة وطنية، وشرطٌ من شروط التنمية الثقافية؛ لأنه من الوسائل المهمّة في حياة تربية الطفل العقلية، تلك التي تعد أساس مستقبله ومستقبل المجتمع. إن للأدب دورًا ثقافيًّا يتمثل في: إكساب الطفل القِيَم والسلوكيات السليمة، وفي تسلية الطفل، وإمتاعه وتنمية واكتشاف موهبته، وتنمية قدراته اللغوية والجمالية، كما أنه يسهم في خدمة الجيل الصاعد؛ لأن أطفال اليوم هم رجال المستقبل. ولا ينبغي التهاون به؛ لأنه يعمل على إكساب الطفل مهارة النقد . ويخلِّص الطفل من الانفعالات الضارة.

إن القيم الإنسانية هي قواعد لمؤسسة أخلاقية.. تلك التي اتفقت عليها جميع الديانات  والشرائع وتلك المبادئ تنعكس على الأدباء والمبدعين في نتاجاتهم الأدبية التي بدورها تخدم البشرية.. من هنا، فإن الأدب المقدّم للطفل يعزّز هذه القيم فيه؛ لكي يكون على استعدادٍ للدفاع عن حقوقه، ومن أهمّ هذه  القِيَمِ الإنسانية: العدل، التسامح، المحبّة.. والمؤاخاة، والصدق وعزة النفس …..إلخ. فالطفل يتشرب بسهولة المبادئ والأخلاق، ممّا يجعل لديه من المسلّمات الشيء الكثير.. وهذا الأمر يعطيه حصانة قوية ضد المؤثرات الخارجية، ويتحوّل عنده في مرحلة الكِبَر إلى أصول وقواعدَ مبرّرة.

 ولنعلمْ أنّ اندماج الطفل في الجو الأدبي يعمل على إثارة عواطفه وانفعالاته وإحساسه بالأشياء؛ ممَّا يكون له أبعد الأثر في تحسين طباعه، وتنقية سلوكه من الشوائب وترقية ذوقه.

لماذا يحتاج الطفل إلى أدب خاص فيه؟

إن حاجة الطفل إلى أدب خاص به كحاجته إلى الغذاء والماء؛لأن الموضوع ليس جدَلِيًّا.  ومن المعلوم لدى خبراء التربية أن أدب الاطفال هو أدب تربوي.. وهو بناء يسهم بشكل مباشر في التنشئة المتكاملة للطفل في الوقت الذي يحتاجونه في مراحلهم الباكرة  لترسيخ التقاليد الصحيحة للغة واستعمالاتها، وبعض الصور الأدبية.

كما يعمل الأدب المقدّم للطفل على تحقيق توازن شخصيته، وقدرته على المواصلة والبناء والإقبال بمرح على الحياة.

ويؤدي كذلك إلى ظهور مفاهيم كثيرة حول العلاقات التي تنشأ بين الطفل والمجتمع والظواهر المشتركة، والمواقف، والعلاقات.

الكتابة للأطفال:

(طلال حسن) من العراق يقول : “عندما نكتب للأطفال، فعلينا أن نراعي بدقة المراحل العمرية- دون سن المدرسة- والمرحلة الأولى من الابتدائية، والمرحلة الثانية منها، ثمّ للفتيان من سن ” 13 حتى 17 ” ، وقضية أخرى، فإن القرّاء الصغار الذين نكتب لهم، ليسوا في درجة واحدة من الذكاء والتحصيل الثقافي”.

ومن البَدَهِيّ أنه ليس كلّ من يكتب إلى الكبار يستطيع أن يكتب للصغار. فلقد فشل بعض كبار الكُتَّاب في سرد قصة واحدة للأطفال، ولعلّ السبب يكمن في عدم قدرة الأديب على فهم عالم الطفل وميوله النفسية. وتعدّ الكتابة للطفل بمثابة تشكيل حاضره بكلّ عناية، كما تتبنّى أسلوبًا مناسبًا لقدرات الطفل، فهي فنٌّ وموهبةٌ تتطلّب مهارةً خاصّةً.

إن البساطة في كتابة أدب قصص الأطفال هي سِمَة رئيسية، وتعتبر من العوائق الحقيقية أمام كثير من الكُتّاب، فالتبسيط  يتطلب جهدًا إضافيًّا من الكاتب؛ كي يستطيع أن يدرج المعاني في ألفاظ وجمل مفهومة للطفل.

مميزات وخصائص أدب قصص الأطفال:

 المربّية “حنان أمارة” من مصر تقول في حوار صحفي :”إن لقصص الأطفال مميزاتٍ وخصائصَ متعدّدة تجعلها شكلًا ومضمونًا..  قيمة وتذوّقًا يحمل في طيّاته قيمًا إنسانية تزرع في ذهن الطفل مبادئ إيجابية تشوّقه، وتستثير مَلَكاتِهِ العقليةَ والوجدانيةَ. “

أدب قصص الأطفال وسيلة للتعبير عن النصح والإرشاد، والتعبير عن النفس. ويأخذ الأدب القصصي أشكالاً متعددةً، ويشكل الثقافة له؛ لأن الطفل أمام الكتاب يتصرف بحرية تامة. فهو يحلم، ويتأمّل، وينتقل بين فصول الكتاب.. يقرأ متى يشاء، وفي أيّ وقت يشاء. فيجب أن تكون مادة الكتابة المقدمة إلى الطفل موضوعيةً تتضمن فكرة، أو موقفًا، أو تجربة، أو معلومة مفيدة، ويجب أن تتسم بالواقعية والصدق.

وبالنسبة للمرحلة العمرية.. فلا بُدَّ من أن نختار للطفل كتابًا يناسب المرحلة العمرية التي يمرُّ بها؛ حتى يتمكّنَ هذا الطفل من قراءة الكتاب بيُسرٍ، واستيعاب مضامينه وأهدافه.

أما من الناحية الفنية، فإنه يجب علينا انتقاء الكتاب من حيث: جودة الطباعة والرسوم والإخراج.. والألوان يجب أن تكون زاهية، وهذا يبعث فيه الثقة والاستمتاع.

  إننا نجد في هذه الأيام أن الأطفال أصبحوا يستخدمون الحاسب الآلي، فظهرت الكتب الإلكترونية التي تتحدث إليهم، وعنهم؛ ومن هنا يجب علينا أن نختار الأشكال الإلكترونية بعناية، وعلى الآباء أن ينتبهوا ألَّا تطغى الكتب الإلكترونية على الكتب التقليدية الورقية.

وفي هذا يقول الدكتور (بشارة مرجية) في لقاء صحفي عن أهمية الصور في قصص الأطفال: “إن الرسومات والصور والألوان تفتح خيال الطفل كثيرًا، وتنمّي إحساسه وشعوره لكي يتذوق هذا الجمال الفني من ناحية؛ ولكي ينمّي خياله من الناحية الأخرى”، ومن هنا، فإن القصة التي تحتوي على صور وألوان جميلة جذّابة تشدّ الطفل أكثر من غيرها.

أشكال أدب الاطفال:

توجد أشكال متعددة لأدب الأطفال، ومنها: القصص الشعرية، والحكاية المسرحية، والمواد العلمية الخيالية، والخيال العلمي، والسِّيَر الشعبية “الملاحم”، والسير الشخصية للأبطال والعلماء المخترعين.. القصص الشعبية، والخيالية، والأسطورية، والقصص الخرافية  وغيرها.

مستقبل كتب الأطفال في الوطن العربي:

إن معيارًا هامًا من معايير الرقي الحضاري يتجسد فيما تقدمه الأمة لأطفالها ؛لأن الطفولة صانعة المستقبل ..فهل آن الأوان لكي نعطي هذه الطفولة حقها من العناية العميقة والاهتمام الكافي ..؟هل آن الأوان لكي نسير في الطريق الصحيح نحو بناء المستقبل الثقافي لأطفال الوطن العربي..؟ وبسبب افتقاد التوازن بين أصناف المعرفة في كتب الأطفال وإن الكتب ذات المضمون السيء تمثل نسبة خطيرة وقلة الكتب بصفة عامة رغم أهميتها للأعمار الصغيرة؛  فأن هذه الملاحظات تدعونا إلى أن نقف وقفة متأنية لنقدر خطورة الأمانة لنحملها بقوة ووعي واخلاص.

كيف نعدّ لأطفال الوطن العربي الزاد الثقافي المناسب والكافي:

ومن البديهي فإن الزاد الثقافي الذي يغطي كل مجالات المعرفة البشرية بطريقة متوازنة وحسب أهميتها النوعية ويحقق أهدافًا للمضمون الجيد في النواحي الثقافية والقومية والخلقية والاجتماعية والروحية والعقلية؛ يساعد على بناء شخصيات متكاملة لأطفال اليوم ورجال المستقبل .ولكن يبقى التساؤل المطروح :كيف نعدّ مكتبة عربية للأطفال..؟ ولا يكون ذلك إلا عن طريق إنشاء مؤسسات قومية لكتب الأطفال على مستوى الوطن العربي . وإنشاء مركز لكتب الأطفال في جامعة الدول العربية وفروعٍ له في أنحاء العالم .وبالإضافة إلى دعم التعاون بين ناشري كتب الأطفال في الدول العربية  وإنشاء جهاز يخطط وينسق على مستوى الوطن العربي أو على مستوى كل دولة على حدة.. المهم أن نبدأ بطريقة علمية مدروسة ويتم فيها التكامل بين مختلف الإمكانيات  في العالم العربي ويمكن من وصول الكتاب للطفل بثمن معقول. المهم أن نبدأ فقد طال بنا الوقوف والدنيا تسير.