انهيار العائلة أخطر ما أنتجه الاحتلال في العراق

د.ماجد السامرائي

لقد بدأ مسلسل التدمير للعائلة العراقية منذ وقت طويل قبل عام 2003، حين أدخل أبناؤها في الحروب الخارجية تلبية لرغبات الحاكم، وتسببت تلك الحروب في فقدان عشرات الألوف من الرجال الآباء لأبناء أصبحوا يتامي تحت رعاية أمهات ذليلات لا تداوي جراحاتهن المكرمات المؤقتة وتهدئة الخوطر أو الاستحقاقات التقاعدية التي حجبت بعد مجيئ الحكم الجديد لأنه أعتبر إن تلك الحرب ضد إيران ليست عادلة ولذلك لا تستحق دماء أولئك الشباب أي تعويض لعوائلهم، وهذا ما يفسر مدى التناقضات السياسية والاجتماعية التي حلت في العراق ودفعت ثمنها العائلة العراقية. لقد اهينت سيدة العائلة المرأة وهي التي وصفت بالصمود أمام العواصف وبالذكاء والابداع والثقافة، فانقطعت ينابيع الثقافة العلمية عنها وعن صغارها لتحل بدلها ثقافة دينية مذهبية تغلق منافذ النوروتفرّق بين أبناء المجتمع. ومن الطبيعي حصول حالة النقاش داخل العائلة في التنافر أو التوافق ما بين مفاهيم تتعلق بالنمو والعمل والانتاج، لكن الأزمة أخذت تتعمق حين يحصل تثوير التناقض والاحتراب ما بين عقليتي التخلف والدين والمذهب وما بين التطور المدني الحديث لينتصر في النهاية المارد الذكوري العملاق على الركن الأول للعائلة » المرأة« كانت مخرجات العائلة المنكوبة بانعدام الخدمات الأساسية من قبل الدولة الراعية وخصوصاً التعليم الغائب وتسرب قوافل من الجهلة الصبايا إلى الشوارع باحثين عن لقمة الخبز ومنخرطين في الأعمال اليدوية وهم في سن الثانية عشرة أو أكثر بقليل، ويضيع غيرهم في مكبات نفايات الأغنياء والمفدسين، أو الذهاب إلى ملاذات »الحسينيات والجوامع« لتخريج التطرف الطائفي، وهو واحد من أسباب سهولة تدفق »داعش« في العراق عام 2014 التي أنتجت ملايين المشردين والنازحين من بيوتهم، وهناك قصص مبكية لحالات العوائل في الخيام حيث أفتقدت النسوة رجالها المقادين إلى الاعتقال أو الموت بسبب شبهة »داعش«. وقد أنتجت الصراعات الحالية ملايين الأرامل والأيتام. وأصبح أكثر من 1.6 مليون طفل في عداد المشردين في العراق وفقاً لإحصائيات وزارة العمل والشؤون العراقية وهذا ما يقارب من 70 من المشردين الذين يقدر عددهم بحوالي 2.5 مليون عراقي داخل البلاد. وقال المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط العراقية »إنه وبحسب البيانات الرسمية لعام 2016 فإن عدد الأرامل بلغ 850 ألف أرملة وهذا الرقم لا يشمل محافظتي« الأنبار ونينوى. وسط حشد من النساء النازحات من مدينة )الصقلاوية( في الأنبار حيث صرخت إحدى النساء »خذوا الطحين الفاسد الذي توزعوه علينا وأعيدوا لنا رجالنا« وذكر ممثل الأمين العام للألأم المتحدة في العراق )كوبيتش( في إيجازه امام مجلس الأمن بتاريخ 30 أيار بأن منظمة العفو الدولية أصدرت تقريراً بتاريخ 12 أبريل خلص إلى أن النساء والأطفال العراقيين الذين يُظنّ بأن لهم علاقات مع تنظيم داعش يواجهون مسائل خطيرة على صعيد الحماية، بما في ذلك رفض تقديم المساعدة لهم وتقييد على حرية الحركة والمضايقات

الجنسية والاغتصاب والاستغلال الجنسي. ويدين المجتمع الإنساني هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان بأقوى العبارات، بما في ذلك أي شكل من اشكال الاستغلال الجنسي وإساءة معاملة النازحين واللاجئين. وتمت إحالة جميع الادعاءات بوقوع سوء معاملة خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام إلى السلطات العراقية او وكالات الأمم المتحدة او المنظمات غير الحكومية من اجل التحقيق فيها. وتتعاون الممثلية مع مركز اتصالات النازحين الذي يعتبر آلية مجتمعية لتقديم الشكاوى لمعالجة حالات الاستغلال والاعتداء الجنسيين وذكرت صحيفة الغارديان البريطانية إن ما لا يقل عن 150 طفلا عراقيا يباعون سنويا مقابل مبالغ تتراوح بين 200 و4000 جنيه إسترليني مشيرة إلى أن بعضهم يتحول إلى ضحايا للاستغلال الجنسي.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين وهيئات إغاثة قولهم إن الفساد المالي والتهاون في تطبيق القانون وسهولة اختراق الحدود العراقية تضافرت كلها لتفاقم أزمة الاتجار بالأطفال العراقيين مما أدى إلى خطف أعداد كبيرة منهم سنويا وبيعها خارج العراق أو داخله.

وقالت : إن العصابات الإجرامية تحقق أرباحا كبيرة من الأسعار الرخيصة للأطفال والفوضى الإدارية التي تجعل نقلهم خارج البلاد أمرا سهلا نسبيا. وتشير إحصاءات وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي إلى أن عدد الأطفال الأيتام في العراق بلغ نحو أربعة ملايين ونصف المليون طفل بينهم الآلاف المشردة في الشوارع،  وتضم دور الدولة للأيتام بحدود 500 -600 طفل يتيم فقط بحسب مسؤولة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.وقد اعلنت وزارة الخارجية الأمريكية بتاريخ 28-6-2-18 بأنها أضافت العراق وايران وميانمار والنيجر للدول التي تستغل الأطفال.ويعيش الأيتام وضعا مأساوياً وحالة من العوز المادي والضيق بسبب عدم احتوائهم واحتضانهم من قبل أية جهة رسمية.ان المعلومات تشير إلى ضعف دور الدولة وحاجتها الماسة إلى مستلزمات تمكنها من معالجة هذه الآفة الكبيرة في المجتمع العراقي. هؤلاء الأطفال هم ضحايا الحروب وضحايا الصراع الطائفي والديني والعرقي الذي ابتلى به هؤلاء الأرامل والأيتام. كما إن الأمراض المزمنة تفتك بالمرأة والطفل والكبير، وتظل العائلة قلقة على حياة مريضها في ظل انعدام الرعاية الصحية، وانتظار الموت البطيئ. وتنتظر العائلة أبنها الشاب وتصرف عليه شقى عمرها لكي يتخرج من الجامعة، ولكن النتيجة يدخل رقماً جديداً في قائمة ملايين العاطلين، فقدان للرعاية الصحية للأم الحامل وللطفل الجديد، وهموم الأب بعد القدرة على رعاية عائلته مما لجأ عدد كبير منهم إلى مختلف جرائم السرقة لسد رمق أبنائه أو لجوء بعضهم إلى الانتحار. في وقت يعيش أبناء السياسيين الحكام حياة مرفهة خارج العراق بقصور فارهة وخدمات ترفيهية غير محدودة خشية عليهم من عدم الراحة والقلق.

 أما الشباب فلم يكن أمامهم سوى الانتظام في زمساطرس العمال في المدن العراقية التي امتلأت باآلاف منهم الذين ينتظرون فرصا للعمل في البناء أو الصباغة وبعض الأعمال اليدوية الأخرى، وبعض هؤلاء يحملون شهادات جامعية، اضطرتهم الظروف للنزول إلى الشارع والعمل في هذه المهنة بعد أن فقدوا الأمل في وظيفة بالقطاعين الحكومي أوالخاص، واضطر الكثير منهم إلى التطوع في سلك الشرطة وأجهزة الأمن رغم إن القبول لا يتم إلا بعد تزكية أحد الأحزاب، مما اضطر الكثير من العوائل العراقية إلى الهجرة إلى كل من الأردن وسوريا قبل أن حل بأهلها من كوارث شبيهة بما حل بشعب العراق. وتتباين أرقام البطالة في العراق فقد اشارت نتائج مسح اجرته وزارة التخطيط والتعاون الانمائي بالتعاون مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق إلى ان معدل البطالة في العراق يبلغ 1 40 عام 2008 ولا تعرف الأرقام التي تضاعفت خلال العشرات التالية بعد هذا التاريخ. ويرافق البطالة عادة تبعات سلبية ضارة على المجتمعات تهدد الاستقرار الاقتصادي والسلام الاجتماعي، حيث تظهر تلك التبعات على شكل أمراض اجتماعية ونفسية خطيرة تتحول مع الزمن إلى انحرافات اخلاقية وسلوك اجرامي يصعب معالجته.لم يتم بناء اقتصاد عراقي يعتمد على السوق مثلما حدده الدستور، بسبب فوضى هذا الاقتصاد. ولعل الشباب الضائع المحبط من الحياة في بلده بعد سنوات الأماني، يتطلع إلى الحياة الجميلة بعد أن أصبحت الهجرة هي المنقذ، فاندفعت مجاميع هائلة إلى قوارب الموت أو التسلل عبر الحدود، ودفع بدلات التهريب من قوت أهله الصامدين بوجه الحرمان في بلدهم. بعض العوائل اضطرت إلى بيع بيوتها لدفع أثمان التهريب لضمان عيش أبنائهم. وقد فتحت هذه التجارة أبواب الربح أمام أصحاب شركات السفر والسياحة وعلاقاتهم بمافيات التهريب في الدول المجاورة للعراق خاصة تركيا.واندفعت أمواج المهاجرين الشباب بقوة دون تفكير، لأنهم أرادوا الخلاص من كابوس البطالة والفقر، ولم يلتفتوا للنصائح القائلة بأن الشباب العرب والعراقيين من بينهم لن تتوفر أمامهم سوى فرص العمالة المتدنية. كان الجانب المادي بالنسبة اليهم واحدا من الأسباب التي دفعتهم إلى هذه المغامرة، وهناك اسباب أخرى متعلقة بالاستقرار الاحتماعي والأمن والحرية الحقيقية التي افتقدها ببلده .