تتويج تشارلز الثالث .. ملكا على بريطانيا

في أعرق النظم الديموقراطيه في العصر الحديث

شهدت بريطانيا ،وخصوصا العاصمة ( لندن) موجة من الاحتفالات بتنصيب الأمير تشارلز ملكا على بريطانيا ،وذلك بعد رحيل الملكة اليزابث الثانية عن عمر يناهز 96 عاما ، وأكثر من سبعين عاما في دائرة الحكم ،كأطول مدة احرزها ملوك بريطانيا جلوسا على العرش. الملك الجديد من مواليد عام 1948 ،ويناهزمن العمر 74 عاما منها 64 عاما تم تنصيبه فيها وليا للعهد وذلك منذ عام 1958

الاحتفالات بالمناسبات الرسمية من شأنها أن  تدخل المجتمعات في حالة من البهجة ،وذلك من خلال خروجها الى الشوارع والميادين ،حيث تغص بالناس ،في اطار من التنظيمات المحكمة ،والمظاهر المدروسه ،سواء في برامج الاحتفال ،أومن خلال اللقاءات العامه ،وتنظيم الميادين وحركة المرور ولك ان تعلم أن هذا الأحتفال الكبير قد رصد له أكثر من 145 مليون دولار،وذلك كما  نشر موقع سي ان ان باعتبار أن هذه الاحتفالات من شأنها ان تنعش الطلب على العديد من القطاعات والخدمات في بريطانيا، وذلك بسبب توافد الآلاف خلال عطلة نهاية الأسبوع على وسط العاصمة لندن، كما تم إعلان يوم الاثنين يوماً للعطلة الرسمية في المملكة المتحدة احتفاءً بالمناسبة ومن أجل تمكين الناس من المشاركة في الاحتفالية ومتابعتها، سواء في الشوارع أو عبر وسائل الإعلام. لقد بدأ التتويج يوم السبت 6 مايو الماضي، وقد أداره رئيس اساقفة كانتربري ،وقد استمر لمدة ثلاثة ايام من الاحتفالات سواء في جميع انحاء لندن ،أو في انحاء المملكة المتحدة كافة ،وقد بلغت ذروتها خلال العطلة الرسمية يوم الاثنين الثامن من مايو .من جانب اّخر ،فقد تمت مراسم التتويج في كنيسة ويستمنستروسط لندن ،وقد دعي الى حضورها أكثر من 2300 شخص من بينهم أكثر من مائة رئيس دوله ،ولذلك على المرء ان لا يندهش حين يجد عشرات الألأف من البشر ،ومن جنسيات مختلفة ،على طول الطريق مشاركين في الأحتفال بموكب التتويج للملك تشارلز الثالث . اتخذت كذلك العديد من التدابير الأمنية ،فقد شارك في ذلك الموكب مايربو على سبعة اّلآف جندي في الطريق بين قصر باكينجهام وكنيسة ويستمنيسر، ذلك بالأضافة الى نشر أكثر من 11،500 جندي من عناصر الأمن. من المفارقات بين حفل تتويج الملكه اليزابث وتتويج الأبن الملك تشارلز أن حفل تتويج الأبن اقتصر على دعوة أكثر من 2000 ضيف بأعداد طفيفه ،بينما كان الأمر في تتويج والدته عام 53 مختلفا فقد تمت دعوة أكثر من 8000 شخص .،كما استمرت مراسم التتويج للملك تشارلز ساعتين ، ومراسم تتويج والدته الملكه اليزابث أكثر من ثلاث ساعات .

سمات المجتمع البريطاني

دخلت بريطانيا عهدا جديدا، بتنصيب الملك تشارلز الثالث ملكا على العرش اوهو عهد جديد ،ولكن ليس نظاما جديدا،كما نألف في الكثير من الدول،فالنظام هنا يعرف الاستقرار،ولا يعرف الوثبات بتغير رأس الدوله.في النظم البرلمانيه عادة،فان رأس الدولة يملك،ولكن لا يحكم ،وذلك كما تنص قواعد  الدساتير عادة،ذلك ان تم احترامها ،وفي بريطانيا ،صاحبة الأعراف الديموقراطيه ،قبل النصوص  الدستوريه ،حتى وان لم تكن مكتوبة ،لابد ان توضع تلك الاعراف بجوار النصوص مكان الاعتبار والاجلال .علينا ان نتساءل هل تلك خاصية تتفرد بها بريطانيا ،ولذلك ينعتونها بأم الديموقراطية ؟ في قول مأثور للملك المصري السابق  فاروق في تنبئ له بمصير الملكيه في العالم انه قال ( لن يبقى من الملوك في العالم الا خمس ملوك .. أربعة ملوك الكوتشينه و ملك انجترا )،والمعنى هنا يشير الى ان المقصود بملوك الكوتشينه ،أما لأنها لعبة تسلية بريئة أو أنها تدخل في عمليات القمار ،وهو ضعف انساني يمكن ان يتحول الى مرض ،ولذلك يستمر ،ولكن بقاء ملك انجلترا يعنى احترام الدستور وهو(ابو القوانين) لذلك سيبقى الملك التزاما منه واحتراما  لأحكام الدستور. ثم لابد ان نشير الى ملاحظة أخرى جديرة بالتقدير والأجلال طرأت على المجتمع البريطاني ،نراها واضحة في هذا القدر من وجود هذا التنوع الثقافي في المجتمع البريطاني ،وقد  ادي بدوره الى قدر من الانفتاح السياسي ،نراه متجسدا في وجود رئيس للوزراء البريطاني يرجع الى اصول هندية ،وهناك عمده بريطاني مسلم الديانه ويرجع الى اصول باكستانيه كذلك رئيس وزراء اسكتلندا ،وهو من اصول باكستانية ايضا ومسلم الديانه .هذا التنوع يشير بوضوح الى مجتمع مفتوح ومتسامح ،مما يثري حركته ويطرح مع انفتاحه الداخلي انفتاحا اوسع في مجاله الخارجي مما يدعم حركة السلام الاجتماعي ،ويشكل اساسا قويا امام حركة السلام العالمي . هذه بداية يمكن البناء عليها من اجل دعم حركة النهضة داخل المجتمع الموحد، بتنوعه وتعدده وانفتاحه .

التحديات التي تواجه الملك تشارلز

رغم الاقرار ان الملك تشارلز ملكا لدولة ديموقراطيه ،وان تدخله لا  يعني الكثير بالنسبة لقرارات الدولة التي يتولاها رئيس وزراء منتخب ، الا ان دور الملك يظل في اطار القوة الناعمه التي تؤثر دون ان تتدخل ،وان جاذبيته بالنسبة لشعبه يمكن ان تقوم بالكثير من الانجازات ،وفي هذا الاطار نذكر ان من اهم التحديات التي تواجهه ايضا هي مدى ايمان الشعب بالنظام الملكي ،في ظل التكلفه الكبيره التي يدفعها المواطن البريطاني من خلال الضريبه التي يؤديها ،وفي ذلك الأمر نتذكر دعوة الملك حين كان وليا للعهد بمطالبته بتخفيض تلك التكلفة التي تقدم خدمة للنظام الملكي، ونذكر في ذلك الصدد انه اول من طلب تخفيض تكلفة الاحتفال كذلك بتتويجه من خلال قلة عدد المدعوين مقارنة بما تم في تتويج والدته . التحدي الثاني هو مطالبة اسكوتلندا بالأنفصال ،ولكننا نشير ايضا الى الاستقبال الحار الذي قوبل به في زيارته لأوسكتلندا للمشاركة في تشييع والدته الملكة اليزابث الثانية ، حيث وصل النعش الى ادنبرة بعد عدة ساعات من مغادرة منزلها الصيفي بالمرتفعات الاسكتلنديه ،مرورا بعشرات الآلاف الذين اصطفوا على جوانب الطرقات والشوارع لتوديع الملكة الراحلة، حيث التزم كثير منهم الصمت وأخذ بعضهم يصفق ويهتف وانفجر آخرون في البكاء،وهو مايشير الى ان الدعوة للأنفصال ،ليست سوى دعوة يتبناها الحزب القومي الاسكتلندي ،وهو تطرف ،ليست له الجماهيرية الحاضنه ،وهو مايعزز الدور الرمزي للملك الجديد في مصادرة مثل تلك الدعاوى. التحدي الثالث الذي يمكن ان يصادفه الملك الجديد في مستهل مسؤولياته هي الازمات التي مرت وتمر بها الأسرة المالكه خصوصا شقيقه أندرو،أو ابنه هاري،وزوجته ميغان.هنا نذكر ان عواصف كثيرة قد مرت على الأسرة المالكه البريطانيه ،ولكنها كانت دائما تتسم بالحكمة في معالجاتها ،والأسرة الحاكمه في النهاية فهم بشر،ولابد ان يصادف البشر،مايمكن ان يصادف الأخرون من بني البشر،والفارق الوحيد هو الحكمة في التصرف ،والهدوء في اتخاذ القرار . قال الملك تشارلز خلال اول كلمة يلقيها وهو ملك ،في اشارة ذات مغزي للزوجين اللذين تربطهما علاقة متوترة ببقية العائله في كلمة بثها التلفزيون (أود أيضا التعبير عن حبي لهاري وميغان مع استمرارهما في حياتهما خارج البلاد) ،وقال مخاطبا المواطن البريطاني (أينما كنت تعيش في المملكة المتحدة،أو في المناطق التابعة والأقاليم في جميع أنحاء العالم،ومهما كانت خلفيتك أو معتقداتك، سأسعى لخدمتك بإخلاص واحترام ومحبة،كما فعلت طيلة حياتي) .هي كلمات رجل مسؤول يشغل موقعا رفيعا على كرسي العرش، يمثل الهاما للعيش بكرامة ،والأحساس بالطمأنينه والسلام .انها القوة الناعمه القادره على التأثير والنفاذ الى اعماق المشاعر.