تجلّيات الذات الحرّة وتمرّدٌ على النمطيّة في قصائد تهاني الصبيح

الرياض – رنا خير الدين

تستعين الشاعرة السعودية تهاني الصبيح بنماذج الشعر العموديّ على أنه كتلة فنيّة قائمة تتناسب مع الزمان والمكان والأحداث على اختلافها، حيث يُعتبر واحداً من أهم أنواع الأدب العربيّ، فيُعبّر

الشاعرة والكاتبة السعودية تهاني  الصبيح.

الشاعر عنه باستخدام الكلام الموزون والمقفّى، والمحتوى على الصّفات الجماليّة والدلالات الرمزيّة لوصف موضوعٍ مُعيّن إلى جانب وضوحه وصراحته. من هنا، تلتزم الصبيح بمعروف الشعر العموديّ تجاه ذاتها وتجاه القراء!

مَن هي الشاعرة تهاني الصبيح؟ ولما لُقبت بخنساء الوطن؟ “الحصاد” تجيب في هذا التقرير عن هذه الأسئلة وتقدّم المرأة العربية السعودية الشاعرة والكاتبة كنموذج يُحتذى به في عالم الفنون الأدب والشعر.

  • “الحصاد”: لقبتك الصحافة السعوديّة بخنساء الوطن، لماذا؟
  • تهاني الصبيح: هذا اللقب أطلقه جمهور سوق عكاظ عقب انتهائي من إلقاء أجمل قصيدة كتبتها في تلك الحقبة من حياتي وكانت عن الطائف ومطلعها:

“دمعٌ على خدّيكِ أبيضُ ذارفُ

وعلى ثراكِ الحُبّ ظلٌ وارفُ

وكأنها ليلى مشتْ بعباءتي

وهناك قيسٌ عند بابكِ واقفُ”

وفيها :

“هل تذكرين بأن وردكِ زارنا

حين التقى ورد الحسا ( وتعارفوا)

قد أرضعتني الأرض حبكما معاً

فنما شعورٌ في دمي وعواطفُ”.

فردّد الجمهور  “خنساء الوطن”، وفي اليوم التالي نشرت الصحافة السعوديّة هذا اللقب مذيلاً بقصيدتي، وأصبح هذا اللقب بمثابة خيط ضوء أطرزُ به سيرتي الذاتيّة في كلّ محفل شعري محلّي أو عالمي أشارك فيه .

 “الحصاد”: تبرز معالم الشعر الأنثويّ اليوم بكثرة، برأيك ماذا أضاف للكتابة الشعريّة؟

  • تهاني الصبيح: لا أؤمن بتصنيف الشعر أنثوي أو ذكوري وحتى القصيدة بتأنيثها والشعر بذكوريّته لا ينتميان للأنثى أو الذكر وإنما لروح الشاعريّة التي تخطف القلوب بسحرها وتفاجئنا بإشراق المعنى..

نعم للأنثى أدواتها في الكتابة ولدينا من يوظّف هذه الأدوات بذكاء يأسر الذائقة ويشي بالأنثى الشاعرة، ولكن روح الشعر لا يمكن أن تتشكّل إلا في صلصال الإبداع دون تصنيف، وعلى الساحة الآلاف من القصائد التي برعت في التأثير على المتلقي وتبين بعد تمحيص أنها قصائد إناث يحبلن بآلاف المعاني والصور.

أتفق أن النتاج الأنثويّ قليل مقارنة بالنتاج الذكوريّ نتيجة لبعض التقاليد والأعراف والعثرات الحياتية، لكن النتاج ليس بكثرته وإنما بغزارته ..

 “الحصاد”: تقولين في إحدى المقابلات، الشعر أرض خصبة تخضر بالسقيا وتنمو بالتجربة والخبرة، كيف تحافظين على زهو قصائدك؟

  • تهاني الصبيح: أحافظ عليها بمتابعة السقيا وأعني بها تغذية العقل بكلّ ما يثري المعرفة عن طريق القراءة وتعميق جانب الوعي والسفر المتكرر في مشاعر من حولنا من الناس. القراءة التي هي بمثابة نافذة مفتوحة على العالم كله دون تمييز عنصري أو مذهبي أو اتباع ناعق
    جانب من الحضور خلال توقيعها ديوانها الأخير.

    لأيدلوجيات باهتة. ومن هنا تنمو التجارب وتختزل الذاكرة حقائب من الصور التي يترجمها القلب على هيئة نص يشدّك للفكرة مع مؤثرات لفظية قد تفرحك وقد تبكيك، فلا يمكن للشاعر أن يظلّ هادئاً وعليه أن يستسلم للريح متمرداً معها كي يستمرّ في الجريان ثم يصبّ ذاته في محيط العالم كله الذي وهبه نفسه منذ ولادته وأصبح مملوكاً لأحاسيس من حوله فحتى حين يكتب عن ذاته فما ذاته إلا مزيج من عذب ومالح لماء الحياة .

  • “الحصاد”: لمَ اتجهت إلى القصيدة العموديّة، وماذا تعني لك؟
  • تهاني الصبيح: القصيدة العمودية هي إرثي الوحيد من كل من قرأت لهم من القدماء. هي هويتي الحقيقية وفستاني المطرّز بالعراقة والانتماء، وبها رفعتُ عمود خيمة حسان والنابغة والخنساء النقدية وحافظت على وصايا المتنبي واعتداده بذاته وأشعلت فوانيس مدرسة محمود سامي البارودي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم كي تحيا بحور الشعر بعد أن نضب ماؤها وجفّ مدادها في زمنٍ اختلطت فيه التعريفات ..

يبقى شعر التفعيلة بالنسبة لي محاولة جميلة للتمرّد على النمطية ومغامرة مثيرة لخوض تجربة الكتابة بذكاء يجعل للقصيدة طعماً آخر يأسر الحواس بخفته وعذوبته .

 “الحصاد”: الالتزام المطروح بالقصيدة العمودية لا يشبه سواه، برأيك أهو اختيار أم مصير؟

  • تهاني الصبيح: هذا الانطباع الذي تضمنه سؤالك أسعدني جداً وأتمنى أن يكون انطباعاً نقدياً حقيقياً تترجمه دراسات مستقبلية! الالتزام بالقصيدة العمودية والقدرة على التأثير من خلالها على جمهور من العوام والخواص براعة تضاف إلى سجل الشاعر الإبداعي وتعلي من مقامه الأدبي. والقصيدة العمودية تؤمن بي وأؤمن بها وكلانا تكثفنا البرودة ويبللنا الندى ويتسع بنا فضاء رقمي وسط زحام من الشعر والشعراء. وأظنني اخترتها منذ البدايات فصارت مصيراً أبدياً لا أحيد عنه .
  • “الحصاد”: بم تستهويك القصيدة العمودية، أبوصفها السردي أم بجاذبية النغم فيها؟
  • تهاني الصبيح: تستهويني بالوصف والنغم معاً وكأنهما جناحان منبسطان يحلّق بهما النص في وجداني ويغادر بي إلى دهاليز الماضي، إلى غرف المجاز ومفاتيح الوصف لأبلغ منتهى
    خلال مشاركتها في إحدى الندوات.

    الجمال وأتنزل بثقل الإلهام الذي يغدق عليّ ما أكتبه ..

لذلك أحفظ الكثير من القصائد العمودية التي كانت ولا تزال بمثابة وشم على جدار ذاكرتي، أستدل بها على الكثير من المواقف والأحداث التي تصادفني في حياتي .

 “الحصاد”: مواضيع الشعر العمودي أغلبها الوطن، الحنين الى الماضي والقضايا الانسانية والاجتماعية. ما الذي تضيفينه كشاعرة على هذه المواضيع؟

  • تهاني الصبيح: أستطيع أن أضيف فكرة التعبير عن الذات من خلال جميع هذه القضايا، فالمتلقي بحاجة إلى استيعاب ذات الشاعر، أفكاره، خبراته وتجاربه من خلال إحساسه الوطني المجذّر بالانتماء، أو من خلال تعبيره عن فكرة الموت كحقيقة موجعة لا مفرّ منها وإخراج نصّ يوقن بهذه الحقيقة محققاً نوعاً من التوازن الفكري في الداخل، أو من خلال الحنين كنداء تبعثه الجوارح حين يدق ناقوس الذكرى أو تتحرك رزنامة الأيام، كل الألفاظ والموضوعات تبدو عادية للمتلقي ولكن الشاعر بذكائه يصنع منها لوحات تشكيلية بألوان جاذبة تعبّر عما يحسه المتلقي ويجد نفسه عاجزاً عن البوح به.
  • “الحصاد”: على أي أساس تختارين أفكار قصائدك؟ التجربة الشخصية أم الواقع المعاش؟
  • تهاني الصبيح: كل أفكار القصائد تنبع من تجارب حياتية وقراءات ثقافية متعددة وكلما اتسعت المعرفة اتسعت المعاني بأقل عدد ممكن من الألفاظ ، الشعر ليس تعقيداً ولا فلسفة وحين ننوي وأد القصيدة علينا أن نفلسف معانيها وهنا سنجدها ميتة قبل أن يعتقها المخاض بولادة حقيقية.

فالقصيدة  فكرة ودهشة وإبداع وسيحقق الشاعر بها أعلى مراتب الفوز حين ينسلخ من ذاته ويكتب بروح الفكرة المدهشة والصياغة غير المتكررة ..وهذا الفن بالنسبة لي شخصياً صعبٌ ولكنه ليس مستحيلاً، هو تحدٍّ وإصرار ومحاولة وفي النهاية تجلٍّ واقتراب ..

  • “الحصاد”: لكل كاتب او شاعر هدف. ما هدفك؟
  • تهاني الصبيح: هدفي هو أن أكون محوراً للتأثير على العالم وكسب قلوب الناس ..
  • “الحصاد”: ما هو آخر مسرح شعريّ وقفت فيه حتى هذا اللقاء؟
  • تهاني الصبيح: مسرح مهرجان حوران للشعر في مدينة إربد عاصمة الثقافة العربية لهذا العام ٢٠٢٢ في المملكة الأردنية الهاشمية. وهناك التقيت بالشعر في أبهى حالاته فكراً وذوقاً
    وجوه بلا هوية

    وإبداعاً متمثلاً في عدة دول عربية ومثّلتُ وطني بقصيدتي “وطنٌ على خارطة المعنى ” التي حازت على إعجاب جمهور نوعي من المثقفين والأدباء فما أسعدها من لحظات لا تزال تضج بها الذاكرة…

  • “الحصاد”: ماذا تقولين للشاعرات المبتدئات؟
  • تهاني الصبيح: أقول لهن: القراءة، القراءة، القراءة هي عصبُ النهضة وحضارة الأمم والطريق الوحيد للنهوض بثقافتنا وقيمنا وإبداعنا في الحياة …

الشاعرة تهاني الصبيح في أسطر

– تهاني حسن عبدالمحسن الصبيح ولدت بتاريخ 13أكتوبر 1975 في مدينة الخبر. هي أديبة، شاعرة وكاتبة.

– صدر لها:

رواية “وجوه بلا هويّة”، ديوان “فسائل”، ديوان “وجه هاجر” .

– حاصلة على المركز الأول لجائزة الأمير محمد بن فهد للتفوق العلمي في المرحلة الثانوية 1995.

– عضو مجلس إدارة سابق في نادي الأحساء الأدبي 2011 – 2019.

– فازت بالمركز الثاني لمسابقة السفير حسن عبدالله القرشي بجمهورية مصر العربية عن ديوانها “فسائل” 2018.

– فازت بالمركز الثاني في مسابقة اليوم الوطني السعودي برعاية نادي تبوك الأدبي 2018.

تُرجم لها في :

– معجم السرد بالأحساء، معجم شعراء الأحساء المعاصرين.

– معجم “أعلام النساء في المملكة العربية السعودية” للكاتبة اللبنانية غريد الشيخ محمد.

– شاركت في أمسيات شعرية داخل المملكة وخارجها (البحرين، مصر، الأردن، الإمارات) وكان آخرها مهرجان الشارقة للشعر بدولة الإمارات العربية المتحدة، مهرجان الرمثا للشعر العربي الفصيح بالمملكة الأردنيّة الهاشمية 2019.

صور

4 ديوان فسائل….

5 وجوه بلا هوية…