ترامب.. بين لعبة الأنتخابات وقراءة الفنجان

لندن ـ امين الغفاري

نجح ترامب وسقطت هيلاري، وأحدث الأمر ثورة في وسائل الأعلام وقياسات الراي العام ومراكز البحوث، وانشغلت دوائر صنع القرار وتوجيه الرأي العام بالتحليلات والتنظيرات كما لو ان فارقا جوهريا سوف يحدث أثر هذه النتيجة غير المتوقعة بين انتخاب هذا المرشح أو ذاك، وللتذكير ليست تلك هي المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة في متابعة نتائج الانتخابات الأمريكية وما تسفر عنه من نتائج. في الماضي القريب حين تم انتخاب اوباما رئيسا للولايات المتحدة وهو ذو البشرة السمراء، والذي ينحدر من اسرة كان عائلها مسلما أن تم الأستبشار به، وكأن الأمريكان قد انتخبوه ليعبر عن مصالح أخرى غير مصالح الشعب الأمريكي أو بعبارة أكثر تحديدا عن مصالح أصحاب النفوذ والثروة من المعسكر الأمبريالي، او كما يشار اليهم في العادة بالتعبير السياسي اصحاب المصالح الحقيقية في الدولة وعبر القارات. لعلنا نذكر تعقيب الراحل الكبير محمد حسنين هيكل )أن أوباما على المستوى الشخصي قصة كفاح جديرة بالتقدير والأحترام، ولكن على المستوى السياسي هو رئيس ذو بشرة سوداء من الخارج ولكنه من الداخل أبيض اللون(.هكذا كان اوباما، بليغا في خطابه السياسي، ولكن في مضمون سياسته انصاع للهوى الصهيوني، وساهم في تسليم العراق لأيران، ثم تشريع قانون )جاستا( لمحاسبة السعودية على احداث 11 سيبتمبر..هكذا درنا في الأسابيع الأخيرة بعد فوز ترامب في الأنتخابات على منافسته هيلاري كلينتون في حلقة مفرغة من النقاشات التي تستقرئ المستقبل، وبين تحليلات للتصريحات ومدى حدتها ودراسة الشخصية وميولها دارت الرؤوس لكي تتنبأ وتحدد التوجهات المنتظرة للمرشح الذي فاز رغم انف استطلاعات الرأي وقياسات الرأي العام التي كانت تجزم بتهاوي فرص ترامب وصعود اسهم كلينتون، حتى باتت الأغلبية الساحقة من

ترامب... يمثل تاريخا موصولا للأستبداد الأمريكي
ترامب… يمثل تاريخا موصولا للأستبداد الأمريكي

المتابعين على قناعة تامة بفوز هيلاري الكاسح.لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يفاجأ بها الرأي العام بنتيجة الأنتخابات، فقد سبقتها مفجأة أخرى حين واجه الرأي العام ولم يسلم كذلك من الصدمة، بنتيجة الأستفتاء الذي جرى حول بقاء بريطانيا في الأتحاد الأوروبي أو الخروج منه، وكانت النتيجة مفاجأة كاملة بتأييد الخروج من الأتحاد بعد موجة من الأستقراءات والأستطلاعات التي قامت بها مراكز متخصصة وحسمت الرأي من خلالها ان بريطانيا باقية في الأتحاد الأوروبي، وان نتائج الأستفتاءات والأستقراءات واضحة وجلية في تأييد البقاء ورفض الخروج، وكان أول المصدومين رئيس الوزراء نفسه)كاميرون( الذي اجرى الأستفتاء وأعلن النتيجة والدموع تترقرق في عينية قبل ان يقدم استقالته، ويخرج تماما من كادر الصورة. ذلك لايقلل بأي حال من الأحوال في جهود المتابعة للرأي العام والأستطلاعات الأولية لنتائج الأنتخابات أو تأثير القرارات السياسية الفاصلة في الكثير من الأحيان وغاية الأمر ان القياسات تعني في الكثير من الأحيان بآراء المثقفين أو المتابعين للقضايا السياسية لاسيما في حالة الأنتخابات، ولايعطون في بعض الأحيان اهمية كبيرة لرأي رجل الشارع العادي،وماتتمحور حوله اهتماماته أو تطلعاته، ولذلك فقد اهتمت بعض المراكز البحثية أيضا بدراسة نتيجة الانتخابات الأمريكية، وأشارت الى التحولات الجديدة في المزاج الأمريكي، والتي افضت الى تلك النتيجة غير المتوقعة، وليس لنا ان نعجب من ان نرى على الساحة الأمريكية تلك التظاهرات المعادية لفوز ترامب في انتخابات )ديموقراطيه(! أوان نرى على الساحة البريطانية تظاهرات تعترض على نتيجة الأستفتاء بالخروج من الأتحاد الأوروبي، وقد جرت كذلك على الساحة البريطانية وهي أم الديموقراطية في العالم !.العجيب في الأمر أن الأستغراب والدهشة تعرفهما ايضا هذه المجتمعات المنضبطه!. ذلك أن الحقائق الصادمة تختلف عن الأحتمالات المتوقعة فما دامت الجماهير طرفا في الموضوع فالحسابات النهائية تخضع لرؤيتها رغم كل البحوث والدراسات ومدى دقتها في الوزن والاختبار، فالأنسان يمثل فكرا مركبا من قدرات وطموحات وأهواء ونزعات وليس مجرد رقم تصنعه ورقة وقلم وبعض الأسئلة على الأنترنت أو الفيس بوك أو حتى تجريه مراكز الأبحاث.

لعبة الأنتخابات وقياسات الرأي العام

لعبة الأنتخابات وقياسات الرأي العام الكل يعلم ان الأنتخابات العامة في كل الدول لها قواعد وأصول، وربما تتزايد في بعض المجتمعات عن أخرى في حجم وألوان ونوعية العمليات الدعائية والترويجية لمرشحيها،،ويروي أيضا الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل انه أثناء متابعته للأنتخابات الأمريكية في اوائل الخمسينات من القرن الماضي أنه شاهد الجنرال الأمريكي دوايت ايزنهاور اثناء الحملة الأنتخابية التي قادته الى رئاسة الجمهورية وقد غطت وجهه الأصباغ بالوانها الفاقعة، وذلك لكي تبدو صورته في شكل أوضح من حيث الملامح وأكثر قبولا وتأثيرا لدى مشاهديه من الناخبين عبر شاشات التلفزيون ومصوري وكالات الأنباء العالميه. أما من حيث الموضوع فنجد شهادة أخرى تساهم في استكمال الصورة للكاتب الراحل احمد بهاء الدين بعد انتخاب ميتران في فرنسا عام 1981 فقد كتب يقول ان المرشح الفرنسي الفائز فرانسوا ميتران سيكون اكثر تأييدا للجانب الأسرائيلي في قضية العرب الأولى فلسطين، وما يترتب على ذلك من سياسات وآفاق تعاون، وذلك من واقع تصريحاته ومواقفه السابقة للأنتخابات، ولكن بعد فترة من استلامه للحكم عاد الراحل الكبير احمد بهاء الدين ليقول ان سياسة

هيلاري كلينتون...  وجهها الناعم لن يحجب خشونة السياسة
هيلاري كلينتون… وجهها الناعم لن يحجب خشونة السياسة

ميتران ليست بالكامل انحيازا لأسرائيل، وفق رؤيته لمصالح لبلاده بعد ان تقلد مراسم الحكم فقد تزايد حجم المصالح التي تربط بين فرنسا والعرب خصوصا مع العراق، فقد ابرمت الكثير من الأتفاقيات بلغت الى حد التعاون النووي بين العراق وفرنسا في الأغراض السلمية، وقد أدى ذلك الى تصعيد الحملات الأعلامية سواء من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ضد سياساته، والأهم من ذلك هو استثارة اسرائيل ذاتها، وقد أقدمت في عام 1980 على اغتيال عالم الذرة المصري يحيي المشد الذي كان يعمل ضمن الفريق العراقي في المركز النووي ثم نفذت غارة جوية دمرت اجزاء من المفاعل الذري، وقد تعرض نفس المفاعل الى ضربات اخرى خلال حرب الخليج الثانية عام 1991. خلاصة الأمر أن السياسة حين تصبح مجرد رأي خارج دائرة الحكم فانها ربما تختلف عند الممارسة اثناء تولي السلطة، والنظر في حسابات المصالح العامة والى اين يمكن للبوصلة ان تتجه وفق العائد الذي تحققه، وفي مصر كانت هناك مقولة يرددها الوفديون اثناء العهد الملكي حين يتولون السلطة ويتراجعون عن بعض التوجهات التي نادوا بها من قبل بقولهم )ان الوفد في المعارضة غير الوفد في الحكم( والمثال على ذلك مجموعة التشريعات التي تقدم بهااسطفان باسيلي لمجلس النواب بخصوص تقييد حرية الصحافة بشأن أخبار الأسرة المالكة، وكان الوفد خارج الحكم من أشد المدافعين عن حرية الصحافة. لكن السؤال بعد كل ذلك هل يمكن المراهنة على اي حاكم امريكي بشأن قضايا الحرية والأستقلال للشعوب الطامحة لحرية الأرادة الوطنية واستقلال القرار ؟ هذا هو السؤال ؟

التجربة الوطنية مع نظم الحكم الأمريكيه

منذ مؤتمر كامبل بانرمان الذي حدد المنطقة العربية بأنها احدى المناطق التي تشكل خطرا على الأستعمار، وتم زرع الجسم البشري )اسرائيل( لفصل وحدتها والأمعان في تمزيقها، نرى الرئيس الأمريكي بعد الحرب العالمية الأولى وودرو ويلسون، وقد تنكر لوعوده قبل انعقاد مؤتمر فرساي وماتضمنته نقاطه الاربع عشرة من توفير حق تقرير المصير للشعوب المستعمرة، وأيد اعلان الحماية البريطانية لمصرالصادر عام 1914، و بعد الحرب العالمية الثانية، وبروز دور الولايات المتحدة الأمريكية كزعيمة للمعسكر الغربي، وتأييدها لقرار التقسيم الخاص بفلسطين ومساندتها لآسرائيل خرج البيان الثلاثي عام 1950 )أمريكا وفرنسا وبريطانيا( لحماية حدود اسرائيل، وفي عام 1956 اثر العدوان الثلاثي على مصر، وقفت أمريكا ضد عملية الغزو، لا انحيازا للحق ولكن لوراثة النفوذ البريطاني الفرنسي، فتقدمت )بمشروع ايزنهاور( بدعوى )ملء الفراغ(الذي نتج عن الأنسحاب البريطاني الفرنسي، وحين فشل المشروع في استقطاب دول المنطقة عمدت الى فكرة الحلف الأسلامي عم 1961، لكن استدراكا لرؤى الحكام الأمريكيين ربما يكون جون كيندي هو الرئيس الذي حمل معه رياح التغيير على السياسات التقليدية ونحا الى جانب تعزيز المكانة والجدارة لدولة تمثل احدى القوتين الأعظم في العالم بما يليق ان تحققه من اجل السلام والعدل في آن واحد، وربما ايضا كان ذلك أحد اهم الاسباب التي اطاحت بعهده.واستكمالا للطرح يأتي الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون وهو صاحب المقولة الشهيرة عقب وفاة عبدالناصر واصداره الأوامر بالغاء المناورات العسكرية التي كانت مقررة للقوات الأمريكية في البحر البيض المتوسط في ذلك الوقت بقوله )تلغى هذه المناورات فان الرجل الذي كنا نريده ان يسمع صوتنا قد رحل(.لكن رونالد ريجان كان صورة أخرى للكاوبوي السينمائي حين تحول الى السياسة فكان ايضا هو نفس الرجل الكاوبوي فهو صاحب التعبيرات الشهيرة في القاموس السياسي الأمريكي )علينا ان نكف في طلب امريكا المحبوبة ونبدأ في تأكيد امريكا المحترمه( وامريكا المحترمة في عهده هي صاحبة تعبير )امبراطورية الشر( في تعريفه للأتحاد السوفيتي، وتمجيده للقوة عبر تهبير )حرب النجوم( وهو البرنامج السيء السمعة لسباق التسلح والمنافسة العسكرية، ثم احتضانه لحركة ماسمي )بالمجاهدين الأفغان(،وقصفه لليبيا ومااسفر عن القصف من ضحايا، وكانت منهم ابنة القذافي بالتبني( والسجل حافل بالكثير من الكوارث التي حملت بذورها المرحلة الريجانيه. امّا جورج بوش الأبن فهو الأكثر دموية بعد هولاكو في التاريخ العربي، وكانت مأساة العراق هي قمة المآسي التي شهدتها المنطقة العربية من ضرب للبشر وللحجر،

رونالد ريجان... البحث عن امريكا المحترمة وليست المحبوبة
رونالد ريجان… البحث عن امريكا المحترمة وليست المحبوبة

وتمزيق التراث العراقي وتشريد الملايين في الصحارى والفيافي. عهد بوش الأبن كان قمة في السياسات الوحشية والهمجية التي ستظل محفورة في الوجدان العربي لآماد طويلة من الزمن، ولعله الرئيس الوحيد في العالم الذي استقبل حذاء يستهدف وجهه تعبيرا عن احتقار منهجه وسياساته، والى الحد الذي صاغ فيه احد الشعراء )للأسف لم استدل على اسمه( خاطب المجاهد منظر الزيدي صاحب ضربة الحذاء بقوله )لدي سؤال بحجم العراق وطول الفرات وبعد النظر / كيف وانت سليل النخيل تهين حذاءك يامنتظر. لكننا في شرقنا السعيد نعشق حتى الثمالة قراءة الفنجان وقراءة الكف وضرب الودع ورصد النجوم وقراءة الكواكب واستحضار الارواح، ونتشاءم ونتفاءل بلون القطة وشكل البومة وسحنة الغراب. نفرح بالكوب الملآن وننزعج من الكوب الفارغ.نحرض العروس على الدخول الى منزل الزوجية بالقدم اليمنى وليس باليسرى حتى يعم الخير والهناء بحياة مستقرة سعيدة، وينعم الزوجان بالبنين والبنات، وتعد قراءة الأبراج واعرف حظك في الصحف من الأبواب الهامة التي تستهوي الكثيرين ويحرصون على متابعتها، لأنها تكشف الطالع وتنبئ بالمستخبي، فتبشر أو تحذر من تصاريف القدر، أو غدر الزمان. سألت صديقا يتابعها بشغف ان كانت قد صدقت معه مرة، فقال على الأطلاق لم تصدق اللهم مرة واحدة بشرتني بألم في المفاصل، ومازلت اعاني منه حتى الساعة، ولكل ذلك نتصور ان هناك فارقا في الأنتخابات ألأمريكية بين مرشح وآخر ونمعن النظر في الرصد والتحليل واستدعاء مهارات الباحثين واستقراءات الدارسين لعلها تطرح بوادر امل في غد قريب، تغيب عن ذاكرتنا التجارب المرة التي يزخر بها تاريخنا في صراعنا مع نفس القوى الاستعمارية وبنفس الأساليب. والأولى بنا من كل ذلك هوأن نعالج أمراضنا بأنفسنا، وان ننتصر على تمزقاتنا بوحدة صفنا، ونعلو فوق خصوماتنا، وأن نهزم صراعاتنا وندرك ان الخلاص بيدنا نحن، وأن قوتنا في وحدتنا وتآزرنا، وان ثراءنا يعالج فقرنا، وقوتنا تقهر عوامل ضعفنا،أما امريكا فستظل تحكمها مصالح عظمى من الأحتكارات الكبرى والمؤسسات والشركات عابرة القارات وتجار السلاح واصحاب النفوذ، وقوى الضغط الداخلية فضلا عن الخارجية، وهم حريصون وقادرون على صناعة النظام السياسي الذي يتلاءم مع المصالح الكبرى للطبقة الحاكمة مهما تدثروا بالقواعد الديموقراطية والليبرالية الغربية التي تحمي حرية الصراخ والحق في التظاهر، ولكنها ابدا لاتحمي قطعة الخبز لجائع أو قطرة الدواء لمريض أو حتى سقفاً على حائط يحتمي به المتسولون على أي أرض مهما كان حجم المجاعة التي تعتصر بطونهم، وقسوة الطبيعة التي تمزق عظامهم، وظلم الأنسان للأنسان الذي يعلو فوق وحشية الحيوان المفترس.

ريتشارد نيكسون... الغى المناورات لأن من يريده ان يسمع قد رحل
ريتشارد نيكسون… الغى المناورات لأن من يريده ان يسمع قد رحل