حول مقال الكاتب محمد علي فرحات عن عمر الشريف والحضور ( الشامي) في مصر

 في العدد رقم 120 صدر للكاتب الشاعر محمد علي فرحات مقالا بالعنوان التالي (عن عمر الشريف و الحضور:الشامي: في مصر)،رأيت من وجهة نظري انه يحتاج الى وقفه تستدعي الحوار والمناقشة و طرح وجهة نظر أخرى،لا تفسد للود قضية، بين من يقدسون حرية الكلمة،وفلسفة واهمية الأختلاف.

 مصر والشام مواقع جغرافيه تجمعهما مع اطراف اخرى ارض واحده ،ولغة واحده ،ويروي لنا التاريخ انهم تعرضوا معا  لمحن واحده من التسلط الاستعماري،والاحتلال العسكري ولحقب وعقود طويله من الزمن ،وان حركة التحرر حين بزغت وسطعت شمسها ،فانها تحققت بخطوات متسارعه ومتضامنه حتى انقشع ليل الاحتلال ،وارتفعت رايات الاستقلال على ارض تلو الاخرى ،اي ان وحدة المنطقة  جرت ترجمتها في وحدة الألم ،كما أن وحدة الأمل كانت ايضا مجدولة ومغزوله تربط وحدة الأقليم بفعل احكام الطبيعة ،ومنطق الجغرافيا والتاريخ.

 مصر وحركة الهجرة .. الشوام

استقبلت مصر افواجا من الهجرة اليها عدة مرات في تاريخها الحديث، وكانت البداية أو الفوج الأول للهجرة حين تولى ( محمد علي) الولاية على مصر بفضل التفاف المصريين حوله،وقرر محمد علي ان يصنع من مصر دولة قويه يتولى حكمها ويكون اولاده من بعده امتدادا لحكمه، لذلك عمل على تأمينها بانشاء جيش قوى يحمى سلطانه،ويدعم حكمه.عهد الى ضابط فرنسي بانشاء مدرسة عسكريه لتخريج ضباط اكفاء وهذا  الضابط اسمه (چوزيف انتيلمى

راشيل ابراهام الشهيرة باسم ( راقيه ابراهيم ) عملت في البعثة الاسرائيليه في الامم المتحده

سيف) ومعروف تاريخيا  باسم ( سليمان باشا الفرنساوي) و قد استقر في مصر وحفيدته الملكه نازلي .وضع محمد على في سلم اولوياته انشاء المصانع التي توفر له السلاح والبنية الاقتصاديه التي تكفل له توفير الأحتياجات للمجتمع الجديد،وما تتطلع اليه طموحاته، كما أولى محمد علي اهتماما خاصا بالتعليم،ولذلك بدأ بارسال البعثات للخارج في تخصصات يسعى لتوفرها لديه ،وتبعها بانشاء المدارس العليا ،كما اولى نفس الاهتمام للزراعة ،فأنشأ نظاما للري ،وبنى القناطر وأنشأ فروعا للأنهار،وأدخل القطن لمصر، وكان من جراء تلك النهضة ،ان توافدت على مصر الوان متعددة من الهجرة، ليسوا من الشوام فحسب ولكن من ابناء أوطان اخرى فالامبراطورية العثمانيه امبراطورية شاسعه،ومصر واحدة من ولايات الأمبراطورية ،وأصبحت الآن  سوقا مفتوحة للعمل ،ولألوان متعددة من الأستثمار،وكذلك لأستيعاب الكثير من الوان الحرف وايضا المواهب. عزز من تواصل عملية الهجرة لمصر في سنوات لاحقه بعض الاحداث الداميه التي حدثت في الشام ،مثل الحرب الاهلية التي نشبت في سوريا وفي جبل لبنان عام 1860 ودارت رحاها بين بعض الطوائف، ودمرت فيها مئات من القرى، وسقط في ذلك النزاع العديد من الضحايا سواء من المسيحيين او الدروز وكذلك من المسلمين ،،تأثرت حركة التجارة ،خصوصا ما يتعلق بمصنوعات الحرير،وتعطلت الكثير من الأيدي العاملة ، وكان من نتيجة كل ذلك ان زاد حجم الهجرة الى مصر. الفوج الثاني من الهجرة الى مصر،حدث في عهد الخديوي اسماعيل ، وكان عماده افتتاح قناة السويس ،وما صاحبها من وهج اعلامي شديد،وما ترتب عليه من حركة تجارية كبيرة ،وايضا عملية الاعمار الكبيرة وبناء القصور وتطوير حركة المواصلات الداخلية وتطوير البنية التحتية من مد انابيب المياه واضاءة الشواع، ثم الاهتمام بالجانب الفني ،مع افتتاح دار للأوبرا ، وتجديد حركة الموسيقى والغناء، وبدايات حقيقيه لوجود الفن المسرحي .تلك عوامل عززت من شأن حركة الهجرة على مستويات عدة تجارية وصناعيه وفنية ،وكان لأهل الشام حركة مهمة وغير منكورة في اطارها ،فقد لمع الكثيرون في مجالات مختلفة كان منهم في مجال التجارة سمعان صيدناوي،وصرحه الكبير ،وقد حضرت العائله في أول طلائعها عام 1878،وغيره من رجال الأعمال مثل حبيب باشا السكاكيني ،وقد ساهم في بناء دار الأوبرا . في مجال الفن كانت اولى الفرق الشامية التي هاجرت الى مصر فرقة سليم نقاش و أديب إسحاق عام 1876 ، وأحدث أبو خليل القباني تأثيراً هائلاً على المسرح ، ويذكر الباحث أيمن عثمان ، وهو باحث في التراث ، أن الفضل الأول لتأسيس المسرح في مصر يرجع الى الشوام ، خاصة بعد أن طردت الفرق المسرحية من سوريا ، اذ كانت السيدات يشتكين من أزواجهن الذين يتأخرون خارج المنزل ليلاً ، وعندما كثرت الشكاوي التي وصلت الى  الوالي ، عرف أن السبب يعود الى المسارح التي أنشأها الشباب ، فأصدر فتوى بتحريمها ، وطردوا جميعاً من سوريا فالتجأوا الى مصر،وفي عام 1876،أصدر مفتى سوريا فتوى تحرم  التمثيل ، فوجد الشوام البيئة الخصبة للازدهار في مصر ، معتمدين على تعريب المسرحيات العالمية ، ثم كان  يعقوب صنوع ،ثم بديعة مصابني في الاستعراض وفي مجال الطرب فريد الأطرش واسمهان و المطربه لوردكاش. كانت مصر على الدوام مجتمع حاضن ، ذابت في ربوعه الكثير من الجنسيات ،وانصهرت واصبحت مصرية بامتياز ،والفن المصري في مجمله فن عربي ،بمعنى انه ليس مصريا خالصا، كان ذلك في الماضي ومازال في الحاضر .بمعنى اّخر كانت مصر ومازالت كما يطلقون عليها (أم الدنيا) عبارة شائعه تسمعها بكثافة ،حين يذكر اسمها في العديد من المحافل ،ونجيب الريحاني امبراطور الكوميديا التاريخي كان من اصل عراقي ،وليلى فوزي وشادية من اصل تركي وعبدالسلام النابلسي من اصل فلسطيني ونجم مصر الكبير انور وجدي سوري الأصل،وجورج ابيض اللبناني الاصل كان اول نقيب للممثلين في مصر، وناهد صبري وهي من ابرز الوجوه السينمائية المصريه الحاليه تونسية الاصل . بل ان جمال سليمان الفنان الكبير السورى حين اتى لمصر ورشح لتمثيل رجل من صعيد مصر،هب فنان مصري اسمه (احمد ماهر) يعترض ،فهب في وجهه المجتمع المصري ،وسارع كبار الفنانين عادل امام ونور

اسطورة الكوميديا المصريه نجيب الريحاني .. من اصل عراقي

الشريف وحسين فهمي ومخرجين كبار مثل محمد فاضل وشريف عرفه وغيرهم بالأتصال به ،مستنكرين ذلك التصرف. اما في عالم النشر والصحافة فكان هناك اّل تقلا وتأسيسهم للأهرام وروزا اليوسف الفنانه التي اسست مجلة ( روزا اليوسف) وجرجي زيدان مؤسس ( دار الهلال) على جانب اّخر وللحقيقه – فقط –  لابد ان نذكر يعقوب صروف وفارس نمراللذين اسسا جريدة المقطم لمساندة الاحتلال البريطاني اوالدفاع عن سياساته وقد تعاقدت الجريدة مع (كرومر)المعتمد البريطاني الذي امدها بالمال والاخبار والاعلانات ويسر لها الحصول على الترخيص لكي تهاجم الخديوي(عباس حلمي الثاني) ودوره الوطني حتى نحي عن عرشه.

 مصر وحركة الهجرة اليها .. اليهود

 سبق وكتبت في عددين من هذه المجلة (79،و80) مقالين عن (اليهود والصهيونيه..وثمن اسرائيل)

واوضحت ان نهج التسامح كان يلف الجميع ، وعن الوجود اليهودي في مصر عبر مراحل وعقود طويله ،ولكن وجود اسرائيل عكر تلك العلاقة عبر عمليات التاّمر والمذابح التي شاهدناها ،وحتى لا اكرر فانني اختصر في جمل. تدفقت الهجرة الى مصر كما اسلفنا من قبل في مصر العثمانيه ،ولكن في عام 1914 وقيام الحرب العالمية الاولى قامت بريطانيا وهي دولة محتله لمصر،باعلان الحماية عليها  ويعني هذا فصلها عن الدولة العثمانية،واطلق على حاكم مصر لقب (السلطان) بدلا من ( الخديوي) وقامت الثورة المصريه عام 1919 تنادي بالاستقلال .في عام 1922  صدر تصريح 28 فبراير وهو

تصريح اعلنت فيه بريطانيا انهاء الحمايه البريطانيه على مصر، وان مصر ” دوله مستقله ذات سياده ” مع تحفظها على قضايا اربعه احداها ( حماية المصالح الاجنبيه والاقليات بها) وتشكلت لجنه لوضع الدستور المصري من ثلاثين عضوا من مسلمين ومسيحيين وكان بها ايضا يوسف اصلان قطاوي وهو يهودي، وقد اصبح وزيرا في وزارة (زيوار باشا) ،كما انتخب عضوا في مجلس النواب.

مع ضع الدستور، وتحول مصر الى الملكيه ،واصبح الملك فؤاد اول ملك لمصر.مع (حق حماية المصالح الأجنبيه وحقوق الأقليات) ظهرت الأمتيازات الأجنبيه، التي تتعلق بالعمل وحرية حركة راس المال والتقاضي امام محاكم خاصة (المحاكم المختلطه) لذلك احتفظ الكثير من المهاجرين الذين وفدوا الى مصر بجنسياتهم الاصليه، لانهم بذلك يستمتعون بحماية دولة عظمى ،وبصور اخرى من مقاييس العمل والضرائب،وكان اليهود لهم امتدادتهم الواسعة في التجارة للعقارات والبنوك والمنشاّت التجاريه من مضارب للارز الى الغزل والنسيج الى الشركات الزراعيه،ومنهم عائلات معروفه( عدس وسوارس وسموحه ورولو وموصيري وقطاوي وغيرها،ولذلك فضلوا الاحتفاظ بجنسياتهم الاولى.

 مصر و هجرة اليهود منها  

كانت هجرتهم اليهود الاولى من مصر حين اقترب روميل منها،ووصل الى حدودها في منطقة العلمين  في الحرب العالمية الاولى ،فقد انتابتهم حالة من الذعر لقدوم الالمان ،فكانت الهجرة الاولى، وقد توجهت الى جنوب افريقيا ، ولم تتوجه الى امريكا او اوروبا ،وكانت الثانية بعد ثورة يولية( وفضيحة لافون ) وزير الدفاع الاسرائيلي الذي رتب عمليات تفجير لبعض المنشاّت المصرية والامريكيه في مصرلأساءة العلاقة بين البلدين وتعويق مفاوضات الجلاء عام 1954،وتسمى عملية ( سوزانا ) وقد قبض فيها على عناصر يهودية اسرائيلية وعناصر مصريه وفرت ممثلة

وزير الدفاع الأسرائيلي بنحاس لافون
                      مدبر مؤامرة تفجيرات المنشاّت الأمريكيه والمصريه في مصر عام 1954

مصريه اسمها الحقيقي (راشيل ابراهام) الشهيرة باسم (راقيه ابراهيم). وقد توجهت الى الولايات المتحدة وعملت في المكتب الاسرائيلي في الامم المتحدة، وكانت الهجرة الثالثة أثر عدوان عام 1956 واستيلاء اسرائيل على سيناء بما اجج المشاعر الوطنيه ضد اليهود وقد انعكس ذلك بالطبيعه على العلاقة مع الشعب المصري . ثم كانت الهجرة الرابعه بعد عدوان عام 1967) واحتلالها للكثير من الاراضي العربيه،والغضبة الشعبيه العارمه ضد اسرائيل ،وانعكاساتها على العلاقة مع اليهود  .

 التمصيـر

أثر تأميم مصر لقناة السويس ،قامت بريطانيا وفرنسا بتجميد ارصدة مصر الخارجيه ،ثم جرى تنسيق غربي بمحاصرة مصر اقتصاديا وقد ردت مصر على تلك الأجراءات بتمصير المؤسسات الماليه والتجاريه الأجنبيه  خاصة لمن اتخذوا مواقف عدائية منها،وبالطبع أضير الذين رفضوا الجنسية المصرية سابقا وطلبوا معاملتهم كأجانب ،بحكم القانون ،وتجدر الملاحظة ان الذين يتمتعون بالجنسية المصريه مثل سمعان  صيدناوي ،واّل تقلا في الأهرام وزيدان في دار الهلال وغيرهم لم يضاروا فهم مصريون وغيرهم كثيرون. وتأسست تبعا لذلك (المؤسسة الأقتصاديه) التي كانت نواة القطاع العام . يصف الدكتور حلمي مرد استاذ الاقتصاد المصري أن قرار التمصير كان قرارا جوهريا فقد  حرر مصر من الأخطبوط الأقتصادي الأجنبي الذي كان يلتف حول عنقها بل وجعلها رهينة ،ويضرب مثلا بالبنوك فقد كان في مصر في ذلك الوقت ( 135 بنكا) منها ( 123 بنك) أجنبي، وقد صدر كتاب في ذلك الوقت بعنوان (من يحكم مصر؟) وبه كل اسماء اعضاء مجالس الشركات والبنوك والمؤسسا ت في مصر ،ومعظمها اسماء مكررة واجنبيه،وهو يعني ان مصر لا يحكمها في الواقع ابناؤها وان استقلالها ليس سوى استقلالا رمزيا .

التأميـم

لم تكن القرارات الاشتراكية قرارات متسرعه ،وانما كانت قرارات مدروسة ،عمادها تذويب الفوارق بين الطبقات ،واجراء عمليات تنمية تستهدف مضاعفة الدخل القومي خلال عشر سنوات، ولم تطبق بشكل عقابي ، وانما طبقت من اجل التنميه ،وفقا لحجم رأس المال ،وعدد القوى العامله، وقد حققت معدلات تنمية عاليه ، اتسعت بفضلها الطبقة المتوسطة المصريه ،وارتفع مستوى التعليم بشهادة العالم ( احمد زويل) اذ قال في حديث  تلفزيوني  مع الاعلامي محمود سعد ( لقد كان التعليم في مصر فترة الستينات جيدا ،وانا لم ادخل مدارس اجنبيه ،وانما انا خريج التعليم المصري العادى) وكذلك مجدي يعقوب والدكتور فاروق الباز وغيرهم كثيرون في مختلف التخصصات ،والمجتمع المصري في العهد الملكي كان ( مجتمع النصف في المائه ) وباقي المجتمع ينتشر في صفوفه (الحفاة) من الفلاحين ،وثوراتهم في ( بهوت ،وكفور نجم) ،واكثر الامراض تبعا لذلك كانت الامراض المتوطنه البلهارسيا والاسكارس والانكلستوما . الثورة المصريه كانت ثورة سياسية للتحرر الوطنى والاستقلال وثورة اجتماعية لتحرير الانسان المصري من العوز والحرمان ،وفي ظل نظام عبدالناصر تم بناء ( 1200) مصنع ،وبني السد العالي ،بكل ماترتب عليه من زيادة الرقعة الزراعيه وكما ذكر عبدالناصر ( لن يكون الفقر ارثا ولن يكون الغنى ارثا ) وانما العمل والكفاءة والفرص المتكافئه للجميع .

عمر الشريف .. والذباب الألكتروني

اوافقك بحماس  فيما يتعلق بالذباب الالكتروني،ولذلك فانا اقاطعه تماما ،والاتهامات باليهوديه ليست قاصره على عمر الشريف ،وانما تستخدم للتشويه،والأساءة للكثير من الشخصيات ،وهي تطلق لاهداف سياسية وليست دينيه ،وعمر الشريف سواء اختلفت مع اجتهاداته السياسية او اتفقت فيكفيه انه ظل لا يحمل جنسية غير جنسيته المصريه ،مع كل سنوات اغترابه، وامام اغراءات متعددة ،ولكنه ظل وفيا لأنتمائه الوطني ،وقد ذكر في حديث له عبر شاشة التلفزيون مع الفنان سمير صبري ،الآن عدت الى مصر بعد ان كبرت،واّن لي ان استريح وأن أموت على ارض بلدي ، وبين كل من احبهم .

                                                                                      أمين الغفاري

العدد 122 / تشرين الثاني 2021