المقامات الأدبية بين الظهور والأفول

د. حسين رشيد الطائي

المقامة حديث أدبي بليغ أدنى الى الحيلة منها الى القصة؛ فهي في ظاهرها قصة لكنها في الحقيقة درّة أدبية تقوم على بليغ القول وراقي اللغة، رغم أنها تشترك مع القصة في أركان عدّة؛ فهي لا تخلو من الاعتماد على السياق والبناء الدرامي القائم على تسلسل الأحداث. إلا انها في الواقع تبرز موضوعا من موضوعات الحياة بطريقة هزلية فكاهية بغرض النقد والعظة والتفكر والانتباه ومعالجته بأسلوب أدبي ثرّ.

لا شك ان مبتدع المقامات العالم اللغوي الكبير بديع الزمان الهمذاني المتوفى منتصف القرن الرابع الهجري كانت له أسبابه في ابتداع هذا النوع من الفنون الأدبية ربما تكون أسماها تنبيه الناس وتوعيتهم وتعريفهم بقضايا قد ألبست عليهم وأخذ دروس من الحياة والاستفادة منها.

وإنما سميّت مقامة نسبة الى (المجلس) الذي هو المقام؛ فهي تقوم على الشخوص فتغور في أسبار الواقع مستكشفة قضاياه ومشاكله ومحاولة معالجتها.

وفي حين أن فكرة الهمذاني إنشاء هذا النوع من الفنون الادبية مأخوذة من (الأربعين حديثا) لابن دريد، كما يذهب الى ذلك أبو اسحاق الحصري في (زهر الآداب)، إلّا انه في الواقع جعلها فنّا متفردا له ضوابطه وأركانه، وقد فتح الباب لأدباء آخرين من بعده يقتفون في ذلك أثره.

ورغم ان الهمذاني أنشأ ما يقرب من أربعمائة مقامة لم يصل إلينا منها سوى اثنتين وخمسين، إلّا أنه اشتهر كذلك برسائله البلاغية التي تربو على مائتين وثلاث وثلاثين رسالة موجهة لشخصيات بارزة تعالج قضايا حساسة وذات أثر بالغ في المجتمع آنذاك.

ولقد أصبحت المقامات فنا أدبيا قائما بذاته؛ فاشتهر الى جانب مقامات الهمذاني المعروفة مقامات الحريري.

ونحن إذ نبرز هذا النوع من الفن في زمن ضاعت فيه اللغة واندثرت معالمها واختلطت مفرداتها وجذورها مع العامية والأعجمية حتى أمسى المتخصصون يرجعون الى المعاجم في كل شاردة وواردة لمعرفة جذور الكلمات ومعانيها والصحيح منها من غيره، نثبت أن المقامات كانت تقوم الى جانب اللغة الرصينة والأساليب البلاغية العالية والجمل والتراكيب المتقنة، على الثقافة القرآنية والحديث النبوي الشريف والرجوع الى الشعر العربي القديم والأمثال. فكانت في واقعها خزينا معجميا هائلا ومستودعا للتجارب والحكم ووثيقة تاريخية مهمة لقسم من العصر ورجالاته وزمانه، إضافة الى كونها دراسة اجتماعية للحركة الإنسانية وطباع الناس آنذاك؛ وهي تدعو كذلك الى الكرم والعفو والحلم والشهامة والصدق والصفات الإيجابية مع إظهار ما يناقضها ومحاولة هدمه.

لقد حاول الهمذاني في مقاماته عرض المنابع الرئيسية في التراث العرفي والاجتماعي ومحاولة التعريف به ونقده؛ ومن أجل ذلك اخترع شخصيات لمقاماته لتكون محور موضوعاتها، فكان أبو الفتح الاسكندري بطل مقاماته؛ الذي يشبه إلى حد ما أبا دلف الخزرجي (الشاعر الرحالة المعاصر للهمذاني كانت حياته عبارة عن ترحال بين شمال فارس وأرمينيا) كما يذهب أحد المتخصصين في الأدب؛ وبطله يظهر في مقاماته (والذي يتميز بشخصيته الفكاهية) على أنه مغامر وضليع في النثر والشعر واللغة والفصاحة والبلاغة، إلّا أن أبرز أدواره كانت تصوير الأوضاع السياسية المتقلبة والاقتصادية المتردية ومعاناة الناس.

أما راوي مقاماته فهو عيسى بن هشام؛ وهو شخصية خيالية؛ قال عنه بعض الإخباريين إنه اسم لشيخ الهمذاني الذي تعلّم على يديه الأخبار.

وايما يكن الراوي فما دام كونه شخصية خيالية فالراوي الأصيل هو الهمذاني نفسه وإن تخفّى تحت ستار أسماء وهمية أو خيالية.

فمن الشخصيات التي تلبّسها الهمذاني (أبو مرّة)؛ وهي كنية إبليس، في مقامة سميت بـ(المقامة الإبليسية) حيث جسّد فيها شخصية إبليس ليخبره أنه أملى على جرير الشاعر المعروف قصيدة مشهورة له على اعتبار ان لكل شاعر شيطانا من الجنّ كما يشاع عند العرب.

ولقد اعتمد الهمذاني أسلوب النثر في مقاماته ملتزما بالسجع التزاما تاما مع المحسّنات البديعية من توشية وجناس وطباق وموازنة وترصيع وتورية حتى أصبحت جمل مقاماته وكأنها أمثال مسجعة مثل قوله (المرء لا يعرف ببرده والسيف لا يعرف بغمده)، غير ان أهم أسلوب المقامة سجعها وبليغ مفرداتها؛ ومن الأمثلة على ذلك قوله في المقامة البغدادية (حَدَّثَنَا عِيَسى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: اشْتَهَيْتُ الأَزَادَ، وأَنَا بِبَغْدَادَ، وَلَيِسَ مَعْي عَقْدٌ عَلى نَقْدٍ، فَخَرْجْتُ أَنْتَهِزُ مَحَالَّهُ حَتَّى أَحَلَّنِي الكَرْخَ، فَإِذَا أَنَا بِسَوادِيٍّ يَسُوقُ بِالجَهْدِ حِمِارَهُ، وَيُطَرِّفُ بِالعَقْدِ إِزَارَهُ، فَقُلْتُ: ظَفِرْنَا وَاللهِ بِصَيْدٍ، وَحَيَّاكَ اللهُ أَبَا زَيْدٍ، مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ وَأَيْنَ نَزَلْتَ؟ وَمَتَى وَافَيْتَ؟ وَهَلُمَّ إِلَى البَيْتِ، فَقَالَ السَّوادِيُّ: لَسْتُ بِأَبِي زَيْدٍ، وَلَكِنِّي أَبْو عُبَيْدٍ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، لَعَنَ اللهُ الشَّيطَانَ، وَأَبْعَدَ النِّسْيانَ، أَنْسَانِيكَ طُولُ العَهْدِ، وَاتْصَالُ البُعْدِ، فَكَيْفَ حَالُ أَبِيكَ ؟ أَشَابٌ كَعَهْدي، أَمْ شَابَ بَعْدِي؟ فَقَالَ: َقدْ نَبَتَ الرَّبِيعُ عَلَى دِمْنَتِهِ، وَأَرْجُو أَنْ يُصَيِّرَهُ اللهُ إِلَى جَنَّتِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّا للهِ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَلاَ حَوْلَ ولاَ قُوةَ إِلاَّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيم، وَمَدَدْتُ يَدَ البِدَارِ، إِلي الصِدَارِ، أُرِيدُ تَمْزِيقَهُ، فَقَبَضَ السَّوادِيُّ عَلى خَصْرِي بِجُمْعِهِ، وَقَالَ: نَشَدْتُكَ اللهَ لا مَزَّقْتَهُ، فَقُلْتُ: هَلُمَّ إِلى البَيْتِ نُصِبْ غَدَاءً، أَوْ إِلَى السُّوقِ نَشْتَرِ شِواءً، وَالسُّوقُ أَقْرَبُ، وَطَعَامُهُ أَطْيَبُ، فَاسْتَفَزَّتْهُ حُمَةُ القَرَمِ، وَعَطَفَتْهُ عَاطِفُةُ اللَّقَمِ، وَطَمِعَ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ، ثُمَّ أَتَيْنَا شَوَّاءً يَتَقَاطَرُ شِوَاؤُهُ عَرَقاً، وَتَتَسَايَلُ جُواذِبَاتُهُ مَرَقاً، فَقُلْتُ: افْرِزْ لأَبِي زَيْدٍ مِنْ هَذا الشِّواءِ، ثُمَّ زِنْ لَهُ مِنْ تِلْكَ الحَلْواءِ، واخْتَرْ لَهُ مِنْ تِلْكَ الأَطْباقِ، وانْضِدْ عَلَيْهَا أَوْرَاقَ الرُّقَاقِ، وَرُشَّ عَلَيْهِ شَيْئَاً مِنْ مَاءِ السُّمَّاقِ، لِيأَكُلَهُ أَبُو زَيْدٍ هَنيَّاً، فَأنْخَى الشَّوّاءُ بِسَاطُورِهِ، عَلَى زُبْدَةِ تَنُّورِهِ، فَجَعَلها كَالكُحْلِ سَحْقاً، وَكَالطِّحْنِ دَقّا، ثُمَّ جَلسَ وَجَلَسْتُ، ولا يَئِسَ وَلا يَئِسْتُ، حَتَّى اسْتَوفَيْنَا، وَقُلْتُ لِصَاحِبِ الحَلْوَى: زِنْ لأَبي زَيْدٍ مِنَ اللُّوزِينج رِطْلَيْنِ فَهْوَ أَجْرَى فِي الحُلْوقِ، وَأَمْضَى فِي العُرُوقِ، وَلْيَكُنْ لَيْلِيَّ العُمْرِ، يَوْمِيَّ النَّشْرِ، رَقِيقَ القِشْرِ، كَثِيفِ الحَشْو، لُؤْلُؤِيَّ الدُّهْنِ، كَوْكَبيَّ اللَّوْنِ، يَذُوبُ كَالصَّمْغِ، قَبْلَ المَضْغِ، لِيَأْكُلَهُ أَبَو َزيْدٍ هَنِيَّاً، قَالَ: فَوَزَنَهُ ثُمَّ قَعَدَ وَقَعدْتُ، وَجَرَّدَ وَجَرَّدْتُ، حَتىَّ اسْتَوْفَيْنَاهُ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا أَبَا زَيْدٍ مَا أَحْوَجَنَا إِلَى مَاءٍ يُشَعْشِعُ بِالثَّلْجِ، لِيَقْمَعَ هَذِهِ الصَّارَّةَ، وَيَفْثأَ هذِهِ اللُّقَمَ الحَارَّةَ، اجْلِسْ يَا أَبَا َزيْدٍ حَتَّى نأْتِيكَ بِسَقَّاءٍ، يَأْتِيكَ بِشَرْبةِ ماءٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ وَجَلَسْتُ بِحَيْثُ أَرَاهُ ولاَ يَرَانِي أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ، فَلَمَّا أَبْطَأتُ عَلَيْهِ قَامَ السَّوادِيُّ إِلَى حِمَارِهِ، فَاعْتَلَقَ الشَّوَّاءُ بِإِزَارِهِ، وَقَالَ: أَيْنَ ثَمَنُ ما أَكَلْتَ؟ فَقَالَ: أَبُو زَيْدٍ: أَكَلْتُهُ ضَيْفَاً، فَلَكَمَهُ لَكْمَةً، وَثَنَّى عَلَيْهِ بِلَطْمَةٍ، ثُمَّ قَالَ الشَّوَّاءُ: هَاكَ، وَمَتَى دَعَوْنَاكَ؟ زِنْ يَا أَخَا القِحَةِ عِشْرِينَ، فَجَعَلَ السَّوَادِيُّ يَبْكِي وَيَحُلُّ عُقَدَهُ بِأَسْنَانِهِ وَيَقُولُ: كَمْ قُلْتُ لِذَاكَ القُرَيْدِ، أَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، وَهْوَ يَقُولُ: أَنْتَ أَبُو زَيْدٍ، فَأَنْشَدْتُ:

أَعْمِلْ لِرِزْقِكَ كُلَّ آلـهْ

 لاَ تَقْعُدَنَّ بِكُلِّ حَـالَـهْ

وَانْهَضْ بِكُلِّ عَظِـيَمةٍ

 فَالمَرْءُ يَعْجِزُ لاَ مَحَالَهْ)

ومن الموضوعات التي استهدفها الهمذاني في مقاماته النقد الأدبي، إذ نقد الشعراء والكتّاب في مقامات عدّة، ومن الذين نقدهم  الشاعران أمرؤ القيس والفرزدق والكاتب الجاحظ؛ بل لقد كتب في الأخير مقامة خاصة به سمّيت بـ(المقامة الجاحظية). كما أن من موضوعاته المديح والوعظ الديني والزهد والتأمل في الدنيا والدعوة الى الآخرة كما في (المقامة الوعظية الأحوازية).

ومن الجدير بالذكر ان مقاماته أخذت في بعض الأحيان أسماءها من الأماكن التي دارت فيها أحداثها كالمقامة الكوفية نسبة الى الكوفة والمقامة البغدادية نسبة الى بغداد وغيرها.

وعطفا على ذكر كتاّب المقامات فهم كلهم علماء لغويون ونقاد كما هو الحال في الكتاب الذين توارثوا هذا الفن الجميل أمثال الكاتب اليمني أبي بكر باعبود في القرن الحادي عشر الذي ألف (المقامات النظرية ذات الألفاظ الجوهرية) وعددها خمسون مقامة أسوة بمقامات الهمذاني والحريري. ومثلما جعل الهمذاني أبا الفتح الاسكندري بطلا لمقاماته وعيسى بن هشام راويا لها واختار الحريري أبا زيد السروجي شيخا لمقاماته والحارث بن همام راويا لها، جعل باعبود أبا الظفر الهندي بطلا لمقاماته والناصر بن فتاح راويا لها، ومن أمثلة مقاماته (المقامة السرهندية) حيث يمر أبو الظفر بقوم مسافرين ولأنه كان من غير زاد ولا متاع قرر أن يتزود منهم، ولكي ينال ما يريد اتخذ هيئة الخطيب الواعظ فقال (جلس في أخريات الناس، وملأ الأسماع بدر نثره ونظمه، حتى توسم القوم كمال عقله وفهمه) ولما لم يفده ذلك لجأ الى النواح والبكاء بأسلوب الكدية كما المتعارف عليه في فن المقامة فقال (رزقت في عمري ولدا واحدا، ولم أزل به والدهر واجدا، وعلمته من الأدب ما زانت به حليته، حتى ضاق به من رام بلوغ حيلته. وفاق به أهل زمانه، وتصدر مجالس أقرانه، ولما استكمل في أفق الكمال بدره، انقضى أجله وعمره، وتوفي في سحر ليلة البارحة، ولا أملك من الدنيا سارحة ولا بارحة. فمن منكم الندب الأريب، يعين على دفن هذا الميّت الغريب، فأعطوه من الدراهم والزاد ما أغناه من الازدياد).

جدير بالذكر ان المقامة لم تظل حبيسة العربية وحدها بل لقد انطلقت الى آفاق أخرى فكتبها الفرس رغم انه لم يعرف من كتّابها إلا كاتب واحد هو القاضي حميد الدين، مع انها تختلف عن العربية لأن الفارسية فقيرة في الكلمات المترادفة والمتساجعة بالقياس إلى العربية . كما  انتقل هذا الفن الى الادبين السرياني والعبري بل يذهب الكثير من النقاد والكتاب المحدثين الى تأثر القصة الأوروبية بالمقامة وشخوصها تأثرا كبيرا حتى كانوا يقولون ان القصة التي يكتبها الكاتب إنما تعبّر عنه هو لا عن شخصية وهمية استلهاما من المقامة ذات الشخوص الوهمية، كما بدا واضحا في الادب الاسباني؛ حتى انها كانت تهدف الى نقد الواقع المتردي الذي يعيشه أغلب الناس في العصور الوسطى من الفقر والفاقة والتسول وكثرة الأنذال. وهذا الأمر بالطبع يعكس مدى تأثر الأدب العالمي بفن المقامة الذي ابتدعه الهمذاني.

ولقد اهتم الكثير من الكتّاب المتأخرين بإحياء فن المقامة الى جانب الفنون الأدبية الأخرى لا سيّما أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، ويمكن أن نذكر منهم محمد مهدي الحفني ومحمد لطفي جمعة فيما يعتبر ناصيف اليازجي وأحمد فارس شدياق وحافظ ابراهيم من أهمهم.

والسبب في محاولة إحياء المقامة هو التمسك بالوظيفة اللغوية من الأمثال والحكم والقصص التي يجري بها القلم ويسعى لها القدم مع نوادر التراكيب ومحاسن الأساليب والأسماء التي لا يعثر عليها إلاّ بعد جهد التنقير والتنقيب، كما يقول اليازجي الذي يؤكد على ضرورة المحاكاة السردية لرواد المقامات، وهي في الحقيقة محاولة لإحياء التقاليد الكلاسيكية للكتابة العربية والتراث النثري القديم.

ومن المفيد أن نختم كلامنا بمقامة من مقامات اليازجي يقول فيها (مللت الحضر، وملت إلى السفر، فامتطيت ناقة تسابق الرياح، وجعلت أخترق الهضاب والبطاح، حتى خيّم الغسق، وتصرّم الشفق، فدفعت إلى خيمة مضروبة، ونار مشبوبة. فقلت: من يا ترى القوم النزول هاهنا هل بهم الخوف أم الأمن لنا؟ قد كان عن هذا الطريق لي غنى)؛ وهي طويلة الى ان يقول فيها (فلما توارى بهم أوفض الشيخ على ناقته القلوص، حتى أتى الحي فنادى اللصوص. وطلب المراعي فانهالت في أثره الرجال، وإذا اللصوص قد ساقوا قطعة من الجمال. فأطبقوا عليهم من كل جانب، وأخذوهم أسرى إلى المضارب. حتى إذا أثخنوهم شدّوا الوثاق، وقد كادت أرواحهم تبلغ التراق. ثم أدخلونا إلى بيت طويل الدعائم، في صدره شيخ كأنه قيس بن عاصم) الى آخر المقامة.

لكن ما يلفت الأنظار هو الفروق اللغوية واللفظية بين المقامات القديمة والحديثة رغم ان الأخيرة حاولت ما استطاعت من جهد ان تحاكي المقامات القديمة. والعلة في هذا واضحة تمام الوضوح فلا اللغة هي هي ولا الألفاظ كذلك وقد اختلط العصر بالمصر وعمّ العاميّ ساحة الفصحى حتى اختلط على الخبراء فأصبحوا يشاركون العوام مآدبهم اللغوية.

ومن خلال هذا المقام ندعو بكل قوة الكتاب والبلغاء والفصحاء في عصرنا هذا الى إحياء هذا الفن الرفيع حتى لا يندثر وينسى. خاصة أننا بحاجة ماسة إليه من النواحي الثلاث الموضوعية واللغوية والواقعية.