د. بتول عبد الحي: النظم التربوية الموريتاني فيها انعدام الإرادة السياسية التي تبحث عن الأفضل

 الدكتورة بتول عبد الحي حاصلة على دكتوراه في علوم التربية والقيادة. لقد شغلت عدة مناصب وطنية ودولية في مجال التربية والتعليم في موريتانيا. تُمثل موريتانيا في اللجنة المغاربية للتقريب بين مناهج دول اتحاد المغرب العربي. و نائبة في البرلمان، ورئيسة الفريق البرلماني المكلف بالتربية والتعليم سابقًا، ورئيسة لجنة التربية والتعليم والبحث العلمي باتحاد القيادات المرأة العربية في جامعة الدول العربية حاليًا. تعدّ الدكتورة بتول رئيسة منظمة مربيات موريتانيا غير الحكومية حاليًا، لديها عدة مؤلفات وبحوث علمية ومقالات.

لها تجربة طويلة في مجال التربية والتعليم والبحث التربوي وإعداد الكتب المدرسية. شاركت في مؤتمرات محلية ودولية ومنها مؤتمر الدولي لتقويم التعليم بالرياض المملكة العربية السعودية.

اجرت العديدة من البحوث التربوية، وعملت فيها على تشخيص وضعية النظم التعليمية من خلال رصد مجموعة من مكامن الضعف في العملية التعليمية. وكان لنا معها هذا  اللقاء الخاص لمجلة الحصاد اللندنية.

   (الحصاد): كل النظم التربوية في العالم تعاني من ضعف المخرجات وأنت ركزتِ في بحوثك التربوية على تشخيص وضعية النظم التعليمية، أين هي مكامن الضعف؟

بسم الله أبدا. د. بتول عبد الحي:

شكرا لكم أختي الكريمة اللطيفة لطيفة على هذا التواصل وإعطاء الفرصة للفضفضة معك حول هموم الساعة.

 لقد قمت بدراسات عديدة بعضها ضمن وظيفتي كمفتشة عامة للتعليم الأساسي ومدارس المعلمين، وبعضها في إطار سياقات أخري

وأبرز ما وصلت إليه في تفسير الحالة المتردية لمخرجات نظمنا التعليمية هو أنها ليست لنا أصلا، ولا تنطلق من واقع مشابه لواقعنا وبالتالي لا تستطيع أن تلبي احتياجاتنا التعليمية، فهي مجرد استنساخ

لما عند آخرين مع رتوش محلية علقت بها عبر الحقب.

زيادة على هذه العقبة الكأداء.  يوجد نقص حاد في التأهيل والتكوين ورقابة الأداء، إضافة إلى تدني الرواتب وتدني تمويل التعليم وبالتالي عدم القدرة على توفير الوسائل التعليمية وهو ما يجعل الدافعية للإنتاج منعدمة ويمكن تلخيص كل هذا في انعدام الإرادة السياسية التي تبحث عن الأفضل فتسخر الأفضل من تخطيط وتمويل وخبرة وتدريب لتنتج الأفضل.

 (الحصاد): لقد كنتِ نائبةً في البرلمان الموريتاني، والآن أنت رئيس الفريق البرلمان المكلف بالتربية والتعليم. ما المهام التي تقومين بها ؟

 د. بتول عبد الحي: عندما كنت نائبة كانت لدي مهام منها مهام النائب الأصلية إعداد القوانين، ودراسة القوانين المقدمة من الحكومة، وكذلك دراسة الاتفاقيات بين الدولة والشركاء، ورقابة خطط الحكومة من جدولتها وسير تنفيذها.

 وهناك أعمال أخرى مثل عمل الفرق واللجان البرلمانية: ومنها رئيسة فريق التعليم وعندما كنت في هذا  الفريق كان الهدف هو التركيز في وظيفتنا الرقابة على مجال معين هو التعليم، توجيها للخطط والأداء ومناصرة لما أرى أنا وفريقي أنه جدير بالمناصرة من هذه الخطط.

وأيضا الوقوف في وجه مالا نرى وجاهته، وقد حاولنا جهدنا أن نقوم بالمهمة وقد نجحنا في مهمتنا مرات وفشلنا مرات أخرى فكان لنا شرف الانجاز والمحاولة والتنبيه والإرشاد.

  (الحصاد): لديك عدة مؤلفات في مجالات مختلفة، وتكتبين الشعر أيضا…. هل الأدب ينقل أزمة الإنسان إلى العالم الخارجي؟

 د. بتول عبد الحي: لدي عدة مؤلفات في مجالات مختلفة، وأكتب في مجال التوجيه الاجتماعي أحيانا.

وقد كنت فِي صغرى اكتب شعرًا لكن محاولاتي الشعرية لم تعجبني فتركت كتابة الشعر إلا أني بقيت أكتب بعض الأناشيد المدرسية.

وبخصوص تأثير الأدب فهو بطبيعته مؤثرٌ، وعابرٌ للحدود، وعاكسٌ لبيئته وأزماتها لكن بطبيعة الظرفية الحالية في موريتانيا حيث الأزمات المعيشية المتلاحقة أخاف عليه من الاختناق داخل الشاعر؛ فالأزمات بدأت تطبق عليه بعد انتعاشه في العقدين الماضيين.

  (الحصاد): لم يعد مفهوم الأمية اليوم يحيل فقط إلى جهل القراءة والكتابة إذ هو أصبح يتجه أكثر بما يسمى بالأمية الرقمية؟

 د. بتول عبد الحي: صحيح فقد اصبحت الرقمية تساوى الامية الأبجدية والحضارية ،  وقد اتضح ذلك جليًا بعد تعطل التعليم خلال انتشار الكرونا، وبقاء الفرصة الوحيدة للمتابعة هي التعليم عن طريق الوسائط الرقمية، فمن كان لديه تجربة في استخدام التقنيات في التعليم واصل تعليمه مع معالجة النواقص شيئًا فشيئًا.

  ومن لم يكن كذلك توقف كليًا، وهو يضرب أخماسًا بأسداس ويقول يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزًا عظيمًا.

 (الحصاد): لقد أجريتِ العديد من الدراسات والبحوث عن التعليم، ووضع المرأة …هل وصلت الرسالة التي كنت تودين أن تقوليها من خلال الدراسات والأبحاث للعالم ؟

د. بتول عبد الحي: أصدقك القول رسالتي لم تصل بعد كما أريد لها، ولا من قريبا منه ، ومع ذلك استطعنا توصيل بعض رؤانا من خلال منبر الحملة العربية للتعليم للجميع حيث عملي كعضو فيها وهي عضو في  الحملة الدولية للتعليم، والتي هي أيضا ممثلة بعضوين عربيين في اليونسكو تلك الهيئة الأممية التي من ضمن مهامها التربية والتعليم.

لكن الأدهى عندي هو عدم وصول الرسالة للمعنيين داخل بلدي فهي تستهدف الحكومات والنخبة ثم عامة الناس.

 فالحكومات لا تريد تغييرًا وإنما تفضل بقاء ما كان على ما كان، فالشعب الجاهل سهل القيادة ولا داعي لما قد يثيره.

 والنُخبةُ رجالٌ ونساءٌ إلا من رحم ربي ما بين مشغول بالبحث عن الثراء أو المناصب أو غارق   في إدمان الانترنت، والباقي مشغول بالبحث عن لقمة العيش.

والبحث واستغلال نتائج البحث هي آخر ما يثير اهتمام الفُرقَاء الثلاث.. نتمنى أن يتغير الحال وإلا……

 (الحصاد): كيف نُخرج طلبة قياديين ومبدعين قادرين على التنافس على الوظائف…هل آن الأوان لإلغاء التوجيهي؟

 د. بتول عبد الحي: سيكون ذلك عندما تتخرج أول دفعة من نظام تعليمي مرن منبثق من مستهدفيه يشتق أهدافه من حاجاتهم   يتسم بالعدالة والإنصاف، ينمي ملكات الخلق والابتكار والتفكير الناقد.

يعتمد الخبرة مدخلاً والتدريب على مهارات الحياة طريقًا، ويتماشى مع مستجدات عصر الرقمة. لديه القدرة على التكيف مع حالات الطوارئ في الوقت المناسب ومزود بنظام تقييم وتقويم مستمر… أين؟ ومتى؟ الله أعلم نتمنى أن يكون قريبًا.

 (الحصاد): هل تم وضع سياسات تعليمية جديدة في موريتانيا، وهل نُفذت؟

 د. بتول عبد الحي: لحد الساعة (لا).

فمنذ الاستقلال سنة م1960 قامت الحكومة الموريتانية بخمسة إصلاحات والسادس يجرى إعداده بعض جوانبه حاليًا، وبعض جوانبه قيد التنفيذ، نرجو أن يكون أحسن حظا من سابقيه، ولدي تفاءل مشوب بالحذر بشأنه، فقد توفر له من الخبرة والدراسة ما لم يتوفر لغيره، رغم أن أسباب الفشل السابقة مازال جلها قائمة.

 (الحصاد): ما هو دور الشباب الموريتاني في الحفاظ على العادات والتقاليد للمجتمع ودور المثقف في الحفاظ على الموروث الاجتماعي الموريتاني؟

 د. بتول عبد الحي: موريتانيا تراثها وتقاليدها مازال جلها معاشا، وإن كانت العشرين سنة الأخيرة عرفت خلخلة وحلحلة طالت كل مناحي الحياة، فالظروف السيئة للمواطنين وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي وتقلص دور المحضرة التي ظلت صمام أمان غير الكثير من المثل والفكر عند الشباب الأقل من عشرين سنة علما بأن المجتمع الموريتاني اغلبه شباب ف 60 % منه تحت سن الأربعين.

ولعل أسباب حفاظ الشعب وعموما الشباب على جل ثقافته وعاداته وتقاليده إلى اليوم أسباب لعل من أهمها:

  1. تأثير المحضرة كما قلنا وهي جامعة أهلية تدرس العلوم العربية والإسلامية من التهجي حتى المستوى الجامعي، تكون في الحي إن كان متنقلا تتنقل معه وإن كان مستقرًا تستقر معه، ولها تأثير أخلاقي قوي مازال اليوم قائما إلى حد ما، ذلك أنها كانت مرجع الجميع في شؤون دينهم ودنياهم فقد كانت تقوم بالفتوى وفصل الخصومات وإبرام عقود الزواج والعقود.
  2. أن البلد لم يخضع للاحتلال المباشر قط، وإنما كان الاحتلال يديره من خارج حدوده، ولئن فوت ذلك عليه بعض المنافع فقد منع عنه كثيرًا من المضار مثل الذوبان في ثقافة المحتل..
  3. كونه معزولا جنوب الصحراء عن امتداده العربي.
  4. نسبة كبيرة منه تعيش في الريف بعيدًا عن مظاهر المدنية.

 (الحصاد): ما هي العوائق والتحديات التي واجهتك خلال مسيرتك المهنية.

 د. بتول عبد الحي: بالنسبة لي شخصيا ليست هناك عوائق تستحق الذكر، لكن حالتي لا تنطبق على جل النساء في بلدي، فأنا كقلة من النساء معي ربما محظوظات في هذا المجال، ذلك أن أسرتي أسرة يمارس أفرادها التعليم رجالا ونساء قديما وحديثا.

 والدي شيخ محضرة يدرس الرجال والنساء، وكذلك أمي وجداتي منشغلات بالدراسة والتدريس، أنا وإخوتي وأخواتي درسنا المستوى الابتدائي في المحضرة والتحقنا بالنظامي في المرحلة الإعدادية، وواصلنا التعليم ثم توظفنا ولم تكن لدينا صعوبات خاصة بالنساء تستحق الذكر، قد يتوجب علينا مثلا عدم التأخر خارج البيت مساء لدواعي أمنية عكس الاولاد.

 القانون الموريتاني آنذاك ليس فيه ما يميز المرأة عن الرجل أو الرجل عن المرأة، قبل أن يفد إليه ما يسمى بالتمييز الايجابي وهو طبعا لصالح المرأة.

كل ما قد يعترض المرأة عندنا هو فكر الرجل وسلوكه غير الرسمي في المجال الاجتماعي والسياسي ومجال العمل، مثل تعمد الإقصاء من إسناد الوظائف، عدم الترشيح للمناصب الانتخابية، إلا ما جاء به النصيب المفروض للمرأة في اللواىح الانتخابية ، وحتى  المفروض لها فيمكن الالتفاف عليه بترشيح نساء تابعات لرجالهن بلا شخصيات ولا تكوين.

 وأحيانا تعاني المرأة من التحرش في المدرسة أو أماكن العمل خاصة النساء الضعيفات أمام إغراء الرجال، مما يشعر المرأة الجادة بعدم الأمان وبالتالي العزوف عن المشاركة في الشأن العام.