رجوع الرئيس الى قلوب شعبه

 عودة لولا الى سدة الرئاسة في البرازيل جواب لذوي الألباب!

السياسي الأوسع شعبية على الكرة الأرضية

 يقال أن أنواع المسارات البشرية تتوقف لدى نهاياتها؛ إلا أن النهاية في حال لويس   إغناسيوس لولا غير متماسكة. ففي نيسان/أبريل 2021 أبطلت المحكمة العليا في البرازيل أحكام الفساد التي قضت بسجنه على اساس انحياز القاضي ضده،  مما  دفع هذا القرار  المدوي  نحو منازلة بين لولا اليساري والرئيس جائير بولسونارو من أقصى اليمين. وقد  شكل هذا الانعطاف في حياة لولا (76 عاما) مساراً جديداً لرجل كان يتوقع الإنكفاء الى شيخوخته  بعيداً من السياسة وتحدياتها، لكن حسابات الحقل لم تحاكي غلة البيدر، بل  فوجىء البرازيليون، خصوصاً الفقراء بترشح لولا للرئاسة ثم سمعوا صوته قائلاً:   “أرى أن جميع السياسات التي أطلقتها وكرستها لتعود بالنفع على الفقراء قد تعرضت للزوال”.

عند الحديث غير السياسي وفي حال المزاح، يبدو لولا شيخا مرحا  لطيفا مفعما بالحيوية. لكن، بمجرد أن يرد أي تلميح أو ذكر ولو  بالمصادفة إلى حكومة بولسونارو   تراه تشنج   وبرزت نبرة صوته الخشنة العميقة.  للحال يعود لولا الزعيم النقابي المتقد حماسة والملهب للمشاعر كما كان في مطلع سبعينات القرن الماضي، وإذا به ينطلق في تعليق خطابي حماسي ناقد معتبراً نفسه محقا في   كل  ما يقول إذ يرى حلمه للبرازيل خلال ولايتيه الرئاسيتين، من العام 2003 إلى 2010، ممزقا ومفتتا.

لا يختلف إثنان أن حكومة لولا انتشلت ملايين البرازيليين من لجة الفقر،  وأحدثت تحولا في حياة الأكثرية السوداء والأقلية من المواطنين الأصليين عبر برامج اجتماعية تقدمية . غير أن بولسونارو بتطرفه اليميني المحافظ استطاع ان يخرب السياسات التي وسعت مجال حصول الفقراء على التعليم، وحَدَّت من مدى عنف الشرطة ضد جماعات السود، وحمت أراضي السكان الأصليين وغابات المطر في الأمازون من جشع المتاجرين بالشجر، ناهيك عن البشر!

من جهة أخرى، قضى وباء كورونا على 660 ألف مواطن برازيلي، مما جعل خسارة الأرواح ثاني أكبر خسارة بين دول العالم بعد الولايات المتحدة. يرجح   معظم المراقبين أن الوضع الصحي في البلاد ازداد سوءا بفعل مواقف الرئيس بولسونارو الذي وصف الفيروس “بإنفلونزا صغيرة”، ناعتا الأشخاص الذين التزموا بالتوجيهات القائلة بالعزل بأنهم “معتوهون”، رافضا أن يلقح نفسه ضد الكورونا وأن يشتري جرعات اللقاح عندما أصبحت متوفرة. من ناحية أخرى، كشف مسح ميداني أجري في كانون الأول/ديسمبر 2020 أن ما يزيد على 55% من البرازيليين كانوا يعيشون في عدم أمان غذائي بعدما   كانت نسبتهم تعادل 23% في العام 2013.

حتى الديمقراطية البرازيلية الطرية العود  شعرت بأنها في وضع أقل من آمن. فبولسونارو، وهو المدافع عن دكتاتورية العسكر  التي حكمت البرازيل في العقود الأخيرة من القرن   الماضي، يدعو إلى مهرجانات جماهيرية تعترض على القضاة الذين لا يعجبونه ولمهاجمة الصحفيين الناقدين له. كذلك قضى بولسونارو أشهرا يحذر من التزوير في الانتخابات البرازيلية مقلداً  سلوك الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب قبل انتخابات خريف العام 2020 الرئاسية. في نيسان/أبريل ارتأى  بولسونارو إمكان “تعليق” الانتخابات في “حال حدوث شيء استثنائي غير عادي “. لذا  حذر المحللون من أنه في حال خسارته   ليس مستبعدا أن تشهد البرازيل نسخة من مشاغبات 6 كانون الثاني/يناير 2021 التي عرفتها العاصمة الأميركية واشنطن. أما لو فاز ، فالمؤسسات البرازيلية  لن تتحمل أربع سنوات أخرى من حكمه!

لدى اندفاع لولا من منفاه   لم يتردد  في الادعاء بأنه يستطيع إنقاذ البرازيل من هذا الكابوس. إلا أن البرازيل قد لا تكون البلاد نفسها التي سبق وحكمها لولا. فاقتصادها يعاني الوهن والدوار من جراء الجائحة، وهي تختبر تضخما يبلغ معدله أكثر بكثير من 10%   . كما عملت أزمة سياسية على تقسيم المجتمع بصورة مريرة، وقد اتسعت الصدوع الجيوسياسية التي كانت البلاد قد تخطتها في السابق.

 ناهيك ان الغرب في حرب باردة ساخنة مع روسيا.

مع ذلك يؤكد لولا  موضحا  : “في كرة القدم الأميركية ثمة لاعب انتهى به المطاف متماهيا مع مثال أو قدوة من البرازيل. لقد كان أفضل لاعب ’ركبي’ في العالم لوقت طويل، لكن معجبيه ومؤيديه كانوا في كل مباراة يطالبونه بأن يلعب أفضل من المرة السابقة”. إنه بذلك يشير إلى طوم برادي  . ثم يضيف لولا دا سيلفا مؤكدا: “وفي حال توليّتَ الرئاسة يصح الأمر  علي شخصيا. فأنا ترشحت فقط لأنني أستطيع أن أقوم بأداء أفضل مما فعلت في السابق”.

 في عيد العمال ، الأول من أيار/مايو الماضي انتظر جمهور مؤيدي لولا  لساعات.   جلس الأطفال متبرمين على الكراسي البلاستيكية البيضاء بجانب أهاليهم  تحاشيا لأشعة الشمس الحارقة. كما ارتدى معظمهم القمصان “التائية” الحمراء الحاملة  شعار حركة العمال المشردين، والتي يناضل مرتدوها من أجل تأمين المساكن العامة، وقد نظمت هذا المهرجان في أحد مواقف السيارات في ضاحية من ضواحي سكن الطبقة العاملة في عاصمة البرازيل الاقتصادية، مدينة ساو باولو.

 بعد انتظار طويل  بدأ لولا الحديث رافعا صوته فوق هتاف الجمهور:   “لقد مضى وقت طويل اشتقت فيه إلى الميكروفون”.

 تعتبر الأحياء الشبيهة بهذا الحي الفقير مرآة لتلك التي نشأ وترعرع فيها الرئيس دا سيلفا. عندما كان في السابعة من  عمره، في العام 1952، أتت به والدته مع إخوته السبعة من شمال شرق البرازيل شبه الصحراوي، بعدما سافروا معا مدة أسبوعين في شاحنة مفتوحة الصندوق حتى بلغوا ساو باولو. هناك عاشوا جميعا في غرفة خلفية تابعة لإحدى الحانات. واضطر لولا إلى ترك المدرسة في عمر الثانية عشرة للمساعدة في إعالة إخوته. في عمر السابعة عشر كان يصنع مسكات الأبواب في مصنع، وذات ليلة تعرض لحادث   تسبب بقطع إصبعه الخنصر بالآلة المصنعة.

 في عمر الثالثة والعشرين اقترن لولا بجارته ماريا دي لوردس. لكنها توفيت بعد سنتين نتيجة التهاب كبدها؛ وكانت حاملا في شهرها الثامن، مما أدى إلى وفاة ابنهما الأول أيضا.  لولا يصر على أنهما كانا من ضحايا الرعاية الصحية السيئة المقدمة لفقراء البرازيل.

بعد قرابة أربع سنوات،  في العام 1975   انتخب لولا رئيسا لنقابة عمال الفولاذ في ضاحية ساو برناردو دو كامبو، وهي منطقة صناعية تابعة إداريا لساو باولو تقع على بعد أميال عدة من موقع مهرجان اول أيار/مايو 2022 المذكور اعلاه. يعرف الكثيرون هذه القصة التي خلدها فيلم  بعنوان “لولا ابن البرازيل”. من جهته، يقول منسق حركة العمال المشردين غويليرمي بولس (39 عاما) الذي غالبا ما يعتبر الوريث السياسي للزعيم لولا: “تمتاز مسيرة لولا بسمة أسطورية بالنسبة إلى كل من يناضل من أجل العدالة الاجتماعية في البرازيل. إلا أنه ليس شخصا بعيدا يهتم بالمراسم والشكليات، فهولا يزال حتى الساعة يتكلم لغة الناس”.    ويعلن لولا أن سر نجاحه يكمن في قدرته على الانتساب إلى الطبقة العاملة البرازيلية، وهذا إنجاز غير مألوف بل واستثنائي في بلاد ينزع سياسيوها إلى ارتكاب الزلات والأخطاء العادية الفادحة. وهو يقول شارحا: “أشعر بالفخر لأنني أثبتْتُ  أن عامل فولاذ لم يلتحق بالجامعة أعظم مقدرة وكفاءة في حكم هذه البلاد من أفراد النخبة البرازيلية. ففن الحكم هو استعمال قلبك وليس عقلك فقط”.

لعل منافسه بولسونارو، وهو النقيب السابق في الجيش البرازيلي الملتزم بالأسلوب السياسي القاضي بقول ما يجول في فكره بصراحة، يوافق على أهمية الاتصال والترابط عاطفيا مع الجماهير. غير أن ارتباط لولا بالحركة الشعبية وتحريكه لصفوف الشعب تخفي نزعة عملية تنطوي على دهاء سمح له بأن يبحر في مياه البرازيل السياسية المضطربة. عند توليه الرئاسة حافظ لولا على النزعة المحافظة في الإدارة والإنفاق الماليين، أي النزعة التي ميزت سلفه من يمين الوسط فرناندو هنريك كاردوسو، وقد تقيد باتفاقات البرازيل مع صندوق النقد الدولي وإرضاء المستثمرين. وفي الوقت نفسه كان برنامج “دعم الأسر” التنموي الطليعي قد عزز دخل الأسر الفقيرة، بينما وسعت السياسات الأخرى مجال الحصول على التعليم والرعاية. الصحية  يقول أحد مؤيدي لولا المدعو مِل نوغيرا (39 عاما) شارحا النتائج الإيجابية لسياسات لولا: “إذا كان في وسعي أن أخبركم أن لي ابنة حازت شهادة الحقوق، فإن ذلك يرجع إلى البرامج التي أوجدتها حكومة لولا. إنه يمثل الأمل بكل معانيه”. وفي العام 2009، قبل أن تنتهي ولاية لولا الثانية بعامين سجلت نسبة التأييد الشعبي له 83%، ووصفه الرئيس الأميركي باراك أوباما بـ”السياسي الأوسع شعبية على الكرة الأرضية”.

بعد ذلك انهار كل شيء.

ففي العام 2014  شاهد البرازيليون برنامجا واسعا ارتكز على الرشاوى عوضاً عن العقود، وقد تمحور حول شركة النفط الحكومية العملاقة برتوبراس وأظهر اختلاس مليارات الدولارات من الأموال العامة وضياعها. من هنا أطلقت تسمية “غسل السيارات” على عملية التحقيق. لم يكن لولا في ذلك الوقت داخل السلطة، لكن أحزاب المعارضة في مجلس النواب استغلت موجة الغضب من الفضيحة والأزمة الاقتصادية في البلاد لإدانة خليفته اليسارية دلما روسيف التي كان قد تعهدها في صفوف حزب العمال. صحيح أنها لم تكن متورطة بصورة مباشرة في “غسل السيارات” إلا أن المشرعين صوتوا لإطاحتها من السلطة بتهمة التلاعب بالأرقام لتجعل الأمور تبدو أفضل مما هي قبيل الانتخابات. وقرروا استبدالها برئيس موقت من يمين الوسط هو ميشال تامر. وبعد أسبوعين زعم المدّعون العامون أن لولا كان العقل المدبر  لما حصل. وتمثلت التهمة الرسمية في الادعاء بأنه قد تلقى رشوة في شكل شقة على الواجهة البحرية من إحدى شركات البناء والتطويرات العقارية. ينفي لولا امتلاكه للعقار. مع ذلك، حكم القاضي الاتحادي سرجيو مورو عليه في العام 2017 بالسجن حوالى عشر سنوات. من وراء القضبان في العام التالي أطلق لولا حملة جديدة للانتخابات الرئاسية، وقد كان متقدما كثيرا في استطلاعات الرأي عندما قضت محكمة الانتخابات العليا بعدم جواز ترشحه. إذذاك أدرك لولا أنه إذا كانوا قد عزلوا روسيف، فإن اللعبة تحظر عليه العودة إلى الحكم بعد عامين، الأمر الذي فسر له فوز بولسونارو على مرشح حزب العمال في انتخابات 2018 بحصول بولسونارو على 55,2% ومنافسه على 44,8%. وقد عين القاضي سيرجيو مورو وزيرا للعدل في حكومة بولسونارو!

يرى اليسار البرازيلي في إدانة الرئيسة روسيف انقلابا. فهي ليست صاحبة هجوم على السياسيين المتورطين في الفساد الذي فضحته قضية “غسل السيارات”، ولكنه هجوم على التقدم الاجتماعي الذي حاول لولا وروسيف تحقيقه. مع ذلك، يبدو بعض المؤيدين غير متيقنين مما جرى أمام ناظري لولا. في شريطها الوثائقي “حافة الديمقراطية” المنتج في العام 2019، تقول المخرجة اليسارية بترا كوستا: “أتمنى لو أن التحقيق أقنعني بما إذا كان الرجل مجرما أم بريئا. لكن، وعوضا عن ذلك، رأيت مدعين عامين يصطنعون مشهدا مثيرا لعرض قضيتهم”.     قضى لولا 18 شهرا في السجن عندماحكمت المحكمة العليا، في تشرين  الثاني/نوفمبر 2019، بأن المتهمين لا يمكن إيداعهم في السجن قبل أن يستنفدوا من خياراتهم للاستئناف.

 في نيسان/أبريل الماضي، أعلنت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أن محاكمة لولا تميزت بالانحياز وبانتهاك الإجراءات القانونية الصحيحة. كانت تلك فترة مظلمة من حياة الرجل، ولا سيما أن المطبوعات التي طالما اعتادت أن تمجد إنجازاته أخذت تصفه بالمجرم. كما توفيت زوجته الثانية مريزا لاتيسيا (43 عاما) من جراء سكتة دماغية أصابتها في أثناء محاكمته. وخلال فترة سجنه توفي حفيده آرثر، البالغ من العمر سبع سنوات بسبب التهاب السحايا. يتحاشى لولا الرد مباشرة على الأسئلة عن سلامته العقلية في تلك الفترة، معلنا أنه استمد القوة من صيحات “صباح الخير سيادة الرئيس!” من مؤيديه الذين اعتصموا ساهرين أمام السجن. وهو يستطرد مضيفا: “كنت على استعداد لمغادرة السجن دون الشعور بالاستياء، مكتفيا بأن الحبس جزء من  تاريخي ومن مسيرتي. لا يمكنني نسيانه. لكن لا يسعني أن أضعه على الطاولة يوميا. أود أن أفكر في المستقبل”. لكن حملة لولا لم تظهر مخططاته المستقبلية، وإنما أكدت أنه كان رئيسا أفضل من بولسونارو. وكانت سوء إدارة بولسونارو للبرازيل إبان الجائحة وهجماته على المؤسسات الديمقراطية من الأمور التي أتاحت لمنافسه تزعم ائتلاف وحدوي عريض القاعدة. هذا ما جعل حاكم ساو باولو السابق من يمين الوسط ومنافس لولا في انتخابات العام 2006 الرئاسية، جيرالدو آلكمِن يترشح بوصفه نائب الرئيس لولا. كذلك يسجل تأييد العديد من كبار منتقدي الرئيس دا سيلفا لمشروعه الانتخابي، بمن فيهم فيليبي نيتو، وهو من مشاهير اليوتيوب المعروف بمناوأته لحزب العمل في خلال تحقيقات “غسل السيارات”. يشرح نيتو موقفه قائلا: “أنا لست عضوا في حزب العمال، ولدي الكثير مما أنتقد به الكثير من القضايا ذات الصلة بلولا. إلا أن هذه الانتقادات تدخل في مجال اللعبة السياسية ولا تتعلق بحقوق الإنسان. أود أن أعارض زعيما له مشروعيته الشعبية والأخلاقية والمعنوية. وليس في وسعي أن أفعل ذلك في وجه مجرم”.

لاحقاً تقلص الدخل القومي الفردي مقدار 50%  خلال 8 أعوام اعتبارا من العام 2014 فصاعدا، وهكذا فالنخب التي أيدت بولسونارو في العام 2018 أخذت تبدي الحماسة للفكرة القائلة أن لولا قد يستطيع تنشيط الاقتصاد وإراحة الشركات وتسييرالأعمال. في هذا المجال يجدر بنا إيراد ما يقوله لولا: “أنا هو المشرح الوحيد الذي لا يجدر بالناس أن يقلقوا معه بشأن السياسة الاقتصادية.  لقد سبق لي أن توليت الرئاسة لولايتين، ولم أناقش السياسات الاقتصادية قبل الفوز  . علينا الفوز في الانتخابات أولا”  واضاف: “عليكم أن تفهموا أنه بدل السؤال عما سأفعله، تأملوا فقط في ما سبق وفعلته”.

يرث لولا اقتصادا يبدو في وضع أشد قتامة بكثير مما كان عليه عندما تسلم السلطة في العام 2003. وحسب بعض المحللين السياسيين يصعب تعميم ما يعزى من نجاح له في ولايتيه الرئاسيتين . إلا أن المهمة اليوم تبدو أشد صعوبة وقسوة بل ورعبا. ربما بدا ذلك في أوضح صورة في مجال النفط، فقد أدت اكتشافات شركة بتروبراس في حقول النفط البحرية إلى دعم موازنات الحكومة وأبقت أسعار مشتقات النفط منخفضة في البرازيل. أما اليوم، فنجد أسعار النفط حول العالم في تصاعد يزيد معدل التضخم  . بدورها ترخي الجهود لمكافحة أزمة المناخ ظلالا كثيفة على مستقبل قطاع النفط الذي يشكل نسبة 11,5% من صادرات البلاد. وكان المرشح الرئاسي اليساري في كولمبيا, غوستافو بدرو، قد وعد بإيقاف فوري لعمليات التنقيب عن النفط في بلاده تماشيا مع توصيات وكالة الطاقة الدولية، وأعرب عن أمله بأن ينضم إليه الرئيس لولا دا سيلفا وغيره من الحلفاء التقدميين لتشكيل كتلة مناهضة للنفط. الواضح أن استجابة لولا تبدو مخيبة لآمال البيئيين، ولا سيما عندما يقول: “يحق لبدرو أن يقترح ما يشاء. إلا أن ذلك في حال البرازيل ليس واقعيا ، ولا هو واقعي في حال العالم ككل . هل يحتمل أن يوقف عمليات التنقيب بينما يقوم باستخراج المكتشف منه؟ الجواب ببساطة هو “كلا! طالما لا تتوافر لديك طاقة بديلة، عليك باستعمال موارد الطاقة المتاحة لك”، وفق ما يصرح لولا تكرارا. ومع أن لولا يعد بأن ترفع إدارته مستوى إنتاج البلاد من الطاقة النظيفة، فإنه يتعهد بالاستثمار في البنية التحتية الجديدة لمصافي النفط بغية فك الارتباط بين سوق النفط البرازيلية المحلية والسوق الدولية. وهو يضع الأمر في إطار السيادة الوطنية، معلنا: “يكفي أن نفكر في عزيزتنا المستشارة الألمانية السابقة أنجلا مركل التي قررت إغلاق جميع المفاعلات النووية المولدة للتيار الكهربائي. لم تفكر في حرب أوكرانيا. واليوم تعتمد أوروبا على روسيا في إمدادات الطاقة”.

تجعل سياسة لولا الخارجية من الرجل في وضع معاكس للرياح السائدة حاليا. عندما تولى الرئاسة رفض الاصطفاف مع حجج الغرب في وجه منافسيه، وفاخر بتحدثه في الوقت نفسه مع الرئيس الفنزويلي الراحل هيوغو شافيز ونظيره الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد في الأسبوع نفسه الذي يحادث الرئيسين الأميركيين السابقين جورج بوش أو باراك أوباما. كما يعرب عن قلقه من اعتراف الولايات المتحدة والكثير من بلدان أميركا اللاتينية في العام 2019 برئاسة المرشح المزعوم أنه من يسار الوسط في فنزويلا، خوان غويدو، وذلك في مسعى منها لحمل خليفة شافيز اليساري نيكولاس مادورو على الاستقالة. كذلك يرفض لولا وصف مادورو بالدكتاتور حتى ولو ادعت وسائل الإعلام الأميركية بأن فنزويلا تعيش في ظل حكمه … ولولا من المؤمنين إيمانا راسخا بأن قائدي بلدين منتخبين يمكن لهما أن يجلسا إلى الطاولة نفسها وينظرا في عيون بعضهما كي يستطيعا  حل جميع المشكلات. وهو يصر على الزعم بأن الرئيس جو بايدن وقادة الاتحاد الأوروبي أخفقوا في القيام بذلك في فترة الاستعداد والتهيؤ للاجتياح الروسي لأوكرانيا في شباط/ فبراير الماضي. ويستطرد قائلا: “تتمتع الولايات المتحدة بالكثير من النفوذ السياسي. وكان في وسع الرئيس بايدن تجنب الحرب بدل التحريض عليها. كان بإمكانه أن يزيد من مستوى مشاركته. كان في وسعه أن يركب الطائرة إلى موسكو، حيث يجري محادثات مع بوتين. هذا هو الموقف الذي تتوقعه من زعيم عالمي”.

يجادل معظ المحللين الغربيين بأن هجوم بوتين على أوكرانيا يجد ما يغذيه في رغبة توسع إمبريالية عند الرجل في الاستيلاء على الأراضي وليس إلى أي استفزاز من أوكرانيا. إلا أن الرئيس الأوكراني فولودمير زيلنسكي يتشارك المسؤولية ويستحق اللوم وهو الذي قضى أشهرا يراقب تجميع وحشد القوات الروسية عند حدود بلاده الشمالية قبل بداية الغزو. ولا تقل مسؤولية زيلنسكي عن تلك التي يتحملها بوتين فيما يخص نشوب الحرب. ففي الحرب ليس من طرف واحد مذنب. وهو يعيب على القادة الغربيين طيشهم وعدم مسؤوليتهم لجهة الاحتفاء بزيلنسكي بدل التركيز على المفاوضات وراء أبواب موصدة. ويوجه كلامه إلى القادة الغربيين قائلا: “أنتم تشجعون هذا الرجل الذي يظن نفسه عندئذ زينة الكعكة وأطيب ما فيها. علينا عقد محادثات جدية معلنين: صحيح أنك ممثل كوميدي رائع. لكن، دعنا لا نشعل حربا حتى تبرز أنت على شاشة التلفزة مستعرضا قدراتك التمثيلية”. كذلك يضيف لولا: “كان يفترض بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التأكيد لبوتين أن أوكرانيا لم تكن لتنضم إلى حلف شمال الأطلسي. ويقارن الوضع الراهن بأزمة الصواريخ الكوبية في العام 1962، حين توافقت واشنطن وموسكو على إزالة الصواريخ المنصوبة في الساحات الخلفية لكل من القوتين العظميين. كذلك تركت العقوبات الغربية على روسيا آثارها السلبية على اقتصادات المناطق الأخرى الكثيرة حول العالم بصورة غير نزيهة وغيرمنصفة. ليست الحرب حلا. علينا نحن أن ندفع الفاتورة.  “أنتم لا تعاقبون بوتين،  بل أنتم تعاقبون البشرية”.

إذا كان موقف لولا من حرب أوكرانيا  أو رفضه للاعتراف بأي أخطاء تتصل بقضايا الفساد من قبل حزبه تدل على عناده، فإن مؤيديه يؤكدون أنه يتطور حيث يكون ذلك هاما وذا صلة. على سبيل المثال، يمكن أن يسجل لمحادثات البرازيل بشأن التمييز العرقي الشامل تقدما منذ العام 2010. وكانت برامج لولا لمكافحة الفقر وتوسيع نطاق خدمات التعليم قد تركت له سجلا حافلا ومشرفا فيما يتعلق بتحسين حياة السود والجاليات البرازيلية متعددة الأعراق، علما أن هؤلاء يشكلون نسبة 56% من مجموع السكان، و75% من أشد مواطني البلاد فقرا. إلا أن السود وسكان البرازيل الأصليين يطالبون اليوم بتدابير عملية أشد دقة واستهدافا للقضاء على التركة الشاملة المتمثلة في العبودية والاستعمار. لذا يفترض بأن تزيد حكومة الرئيس لولا مستقبلا من تشديدها على مكافحة العنصرية  وعلى تصحيح بعض الإخفاقات الخطرة التي ارتكبتها حكومات حزب العمال السابقة على صعيد تعامل الشرطة وضبط الأمن. فليس كافيا العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل بولسونارو، والجدير التحرك من النقطة التي كانت سياسات لولا قد بلغته وتوقفت عنده. وقد استمع لولا إلى الكثير من الناشطين والمثقفين والسياسيين السود. كما يعلم أن إعادة بناء البرازيل يستدعي مكافحة العنصرية والتمييز العرقي.

انها قضيته الكبرى، وفي الآتي ، بعد فوزه الرائع في الإنتخابات الرئاسية،جواب لذوي الألباب!