سحلب – زياد كاج

ليس من السهل أبداً، أن يقصّ علينا زياد كاج سيرته بنفسٍ روائي وهو بين ذاكرتين الوعي ونقيضه..! هو جريء كفاية ليستردّ تراكمات عمره المريرة بكثيرٍ من الأريَحيّة التي يحتاجها الراوي لإثبات معالم انفصامه…

لقد بدا واضحاً من اعتراف الراوي، أنه عانى من تحديات عقلية واستمر بصبرٍ وإرادة وقبول لمواجهة حقيقة الأشياء التي حصلت معه والتي أحدثت في داخلها  »غرغرينا« الاشتعال، لا القيح الدموي الذي يترسّب في عمق الجرح… فبدا في  »سحلب« مواجهاً لتجربته الشخصية مع الاكتئاب، ومعايشته حتى أسماه  »الصديق-اللدود«، فكسر مع هذا الاعتراف كل المحرّمات التي تقف وراء الإفصاح عن علّة تخجل من ذكرها أو التعامل معها.

خوف زياد كاج مصدره  »باب الحمّام« المفتوح القريب من غرفة النوم. لم يكن يخاف الناس ولا الشرّ، بل كان الخوف يأتيه من داخله ممّا حرمه متعة النوم التي يحتاجها.. فكبر معه حتى أصيب باكتئابٍ حادّ جعل كل عمل يودّ القيام به  »حالة ميؤوس منها«.

هذا الكاتب أراد أن يحرّر فينا مكامن الخوف، لأنه أي  »الخوف لا يمنع عن الموت، بل يمنع عن الحياة«، كما قال نجيب محفوظ في روايته  »أولاد حارتنا«.. وهذا ما يجعلنا مرضى نفسيين تكبر فينا المدافعة حتى نصل الى اللاشيء، فنقع في انفصامٍ داخلي بين الأنا والذات والآخرين…

عشرة أيام في مشفى دار العجزة الإسلامية، تخبر عن عالمٍ داخلي مكسور، الى عالمٍ خارجي مختلف، لكنه أكثر تعقيداً، والحبيبة تُنهي صراعها مع الحب الى غير رجعة…

لم يعد يوجد في العالم نبلاء، وأصحّاء… المرض نتيجة صحية للنبالة والشهامة والمروءة، والإحساس بالخوف من أناك؟! حين تصطدم  »أناك« بالأشياء التي حولك ترى العالم لا شيء دون  »سواك«…

تمتاز رواية زياد كاج بالنضج الذي بَلَغَتهُ المرحلة التي قامر فيها بكل شيء للحفاظ على أناه.. فبقي هو وسلمت الرواية وأعطت المصداقية لعفوية صادمة كان ما فيها شديد الحساسية والبلوغ، وكأن هناك الكثير يريد أن يقوله خَفي في طيّات الحروف والعبارات…

زياد كاج، سُرِرتُ كثيراً بمعرفتك كإنسانٍ حقيقي عالج مرضه بالنسيان دون أن يَكسر روحه التي تألقت في حنايا الوجع، لتُقدِّم لنا مواعظ جديدة بإسم الحياة… لقد تحررت أنت وسجنتنا نحن الذين لم نزل نلبس القفازات لنراكم كذبنا…صدقك عرَّانا وجعل العالم الذي ندور فيه، ميؤوس منه…

إقرأوا  »سحلب« هذا الوجع لتكونوا ما أنتم أيها المختبئون ؟؟؟