صراع الديوك في الربع الاخير من ولاية عون

لبنان: هل يحصل التغيير بالإنتخابات النيابية المقبلة؟

بيروت- غاصب المختار

تتراكم تعقيدات الوضع اللبناني عند كل مفصل بحيث تنفتح ابواب توتر سياسي جديد مع سهولة تحوله الى توتر امني في الشارع، كما حصل خلال اكثرمن مناسبة في شهر ايار – مايو الماضي، خلال عمليات إقتراع الناخبين السوريين في الانتخابات الرئاسية، وخلال الاحتجاجات  الشعبية امام المصارف وعلى ابواب “السوبرماركت” والمؤسسات التجارية وامام محطات المحروقات.

ثمة وقائع كثيرة تفصيلية حصلت، جعلت صورة المشهد اللبناني مقلقة عند فرنسا ومصر وبعض الدول الاوروبية، لا سيما مع تعطل لغة الحوار بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري بل تصعيد المواقف بعد رسالة الرئيس عون الى المجلس النيابي مستعملاً حقه الدستوري بدعوة المجلس الى اتخاذ قرار او إجراء حول تعذر تشكيل الحكومة. بينما تفيد معلومات خاصة لـ “الحصاد” ان الادارة الأميركية لا تضع لبنان في اولوياتها الخارجية حالياً، وان السفيرة في بيروت دوروثي شيا مُربكة ولا تستطيع التعامل مع الوقائع اللبنانية اليومية وهي غادرت لبنان في اجازة سياسية لمدة ثلاثة اسابيع، حتى ان الجانب الاميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية لم يفِ بتعهده الاتصال بسلطات الاحتلال الاسرائيلي للوقوف على رأيها من الطروحات اللبنانية الجديدة حول الخرائط الجديدة للحدود، وغاب عن السمع منذ توقف المفاوضات بعد الجلسة الاخيرة قبل شهرين. وقد ردت مصادر القصر الجمهوري ذلك بالقول لـ “الحصاد”: ان الادارة الجديدة منهمكة بملفات كبيرة بدأت بالتوتر مع روسيا والصين وإنتهت بالحرب الاسرائيلية الجديدة الاخيرة على قطاع غزة.

مسعى فرنسي ومصري وبرودة سعودية

حاولت  مصر وفرنسا قبل واثناء وبعد التوتر الاخير ملء الفراغ السياسي بحركة هدفها تبريد الجو وتحقيق نوع من التقارب بين المختصمين، حيث اتصل وزير الخارجية المصرية سامح شكري بالرئيس سعد الحريري، والتقى السفير المصري في بيروت ياسر علوي بعدد من الاقطاب السياسيين، عدا عن حركة السفيرة الفرنسية آن غريو بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان الاخيرة الى بيروت، ولقاءات السفير السعودي في بيروت وليد البخاري بعدد من الاقطاب ايضاً.

  وتفيد معلومات خاصة، ان هذه الحركة المصرية والسعودية والفرنسية جاءت من قبيل “الإستطلاع السياسي” لتطورات الوضع اللبناني والبحث في سبل تحريك الجمود القائم. وتقول مصادر المعلومات: ان السفراء الثلاثة المصري والسعودي والفرنسية استمعوا خلال لقاءاتهما الى عرض طويل لكل ما جرى خلال الفترة الماضية، وموقف الاطراف اللبنانية ممّا يجري، ولكن لم يقدم ايُّ منهم فكرة جديدة او اقتراحاً. خاصة ان الجانب السعودي، وحسب المصادر ذاتها، غير مهتم بموضوع تشكيل الحكومة برغم تواصله مع كثير من القوى السياسية، ويؤكّد لمن يلتقيهم او يتصل بهم انه “يحكم على الحكومة بعد تشكيلها ووفق تركيبتها وبرنامجها وبيانها الوزاري من الناحية السياسية. لكن هذا لا يعني عدم الاهتمام نهائياً بلبنان”. 

  الهروب الى الامام

حسب وقائع الشهر الماضي، ازداد الشرخ بين الرئيس عون ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل من جهة، وبين الرئيس الحريري وسواه من حلفاءمن جهة ثانية، بينما سعى رئيس المجلس نبيه بري لحل الازمة الحكومية عبر مبادرة تعثرت في اللحظات الاخيرة بسبب الشروط والشروط المضادة. ووقف كلُّ من “حزب الله ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في الوسط، كلٌّ منهما لحسابات خاصة به، محاولين تدارك القطيعة النهائية وفشل تشكيل الحكومة بالدعوة إلى تسوية لا بد منها كما يقول جنبلاط.

وبعد رسالة الرئيس عون الى المجلس النيابي ورد الرئيس الحريري عليها بكلمة نارية خلال جلسة مناقشة الرسالة، تعقّد المشهد اكثر وحاول كل طرف الهروب الى الامام برمي المسؤولية على الآخر، وبتلويح التيار الوطني الحر بألاستقالة من المجلس النيابي لملاقاة نواب القوات اللبنانية وكتل اخرى والذهاب الى انتخابات نيابية مبكرة. لكن توصية المجلس بعد انتهاء الجلسة جاءت بمثابة ترضية للرئيسين، ما إعتُبِر بنظر الكثيرمن الكتل النيابية بمثابة تثبيت لتكليف الحريري تشكيل الحكومة بعد التسريبات عن مسعى لدفعه الى الاعتذار، ولكن في الوقت ذاته دعوة له الى الاتفاق مع رئيس الجمهورية على تشكيلها. لكن برغم هذه “الترضية” استمرتصعيد المواقف حتى اوائل حزيران، وقالت مصادر قيادية في تيار المستقبل لـ “الحصاد” ان الامور “باتت مقفلة بالفولاذ وليس بحائط اسمنت”.

الحل بالانتخابات؟

عندما فقد الفرنسيون الأمل من إمكانية قيام القوى الحاكمة الحالية بواجباتها في معالجة الازمات وإجراء الاصلاحات المطلوبة، يبدو ان التوجّه لتغيير هذه القوى صار مطلباً فرنسياً وربما اوروبياً. لذلك دعا وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان مجموعات المعارضة التي التقاها خلال زيارته الاخيرة لبيروت، الى التركيز على إجراء الانتخابات النيابية في وقتها، وحضّ هذه القوى المتمثلة ببعض النواب الثمانية المستقيلين ومجموعات الحراك الشعبي والمعارضة السياسية في المجتمع المدني، وحزب الكتائب (الذي استقال نوابه الثلاثة من المجلس)، على توحيد جهودها لخوض الانتخابات في لوائح موحدة كاملة، وبشخصيات معروفة بطروحاتها التغييرية وموثوقة ومقبولة من الناخبين، وصياغة مشروع سياسي عملي. وأكد أمامهم أن المبادرة الفرنسية مستمرة لكن من خلالهم، وبأن بلاده لن تتخلى عن لبنان.

وجاء الموقف الفرنسي نتيجة التخوف من إطالة أمد الفراغ الحكومي وتزايد الإنهيار، وبالتالي تزايد معاناة الشعب اللبناني في المستقبل القريب، وايضا بسبب الخوف من أن ينسحب الفراغ الحكومي إذا طال، فراغاً نيابياً ورئاسياً وعدم إجراء الاستحقاقين في موعدهما العام المقبل.

وحسب مصادرالمعلومات، فإن بعض قوى المعارضة متحمسة لخوض الانتخابات النيابية إذا جرت في موعدها في الربيع المقبل، وستخوض معركة عدم تأجيلها، لأنها ترى ان الظروف القائمة قد تخدمها لتحقيق مطلبها بإعادة تشكيل سلطة جديدة موثوقة، بعدما فقدت اغلبية الشعب اللبناني الثقة بالطبقة الحاكمة وبإمكانية إحداث اي تغيير وإصلاح.

لكن السؤال المنطقي المطروح، على اي قانون انتخابي ستتم الانتخابات. هل على اساس القانون الاخير النسبي الذي جرت على اساسه انتخابات 2018 ، او يتم تعديله او تغييره بالكامل، مع ان تغييره اصبح خلال الوقت الضيق الفاصل عن الانتخابات (اقل من سنة)، من الصعوبة بمكان لجهة صعوبة الاتفاق على قانون بديل كامل وشامل، بينما المطروح بعض التعديلات والاضافات كحجم الدوائر والصوت التفضيلي وانشاء مراكز الاقتراع الكبرى (ميغا سنتر) في مناطق سكن الناخبين وليس مكان قيودهم في بطاقة الهوية، ثم ما هي حظوظ المعارضة بالفوز بنسبة معقولة من مقاعد المجلس النيابي، في ظل الاصطفافات والخلافات الحالية بين قوى المعارضة، وفي ظل التحالفات القوية المتينة القائمة بين معظم أطراف قوى السلطة؟ مع الاشارة إلى محاولات واتصالات ولقاءات جرت مؤخراً لتوحيد قوى المعارضة في جبهة واحدة، لكن لا زالت الخلافات تحول دون انشائها، او تؤدي الى إقتصارها على مجموعات قليلة محددة وغير مؤثرة فعلياً. عدا إن جمهور قوى السلطة الحالية لا زال واسعاً ومؤثراً في اي انتخابات تجري وليس من السهل خرق لوائحه، لا سيما في مناطق محسوبة بالكامل على احزابها.

ومع ذلك، قال مسؤول كبير في حزب الكتائب لـ “الحصاد”: ان الحزب يسعى مع مجموعة من المعارضة لتشكيل جبهة موحدة تخوض الانتخابات بلوائح موحدة لخرق لوائح احزاب السلطة في كل لبنان، وان الاجتماعات بينهم قائمة لتنسيق العمل والتحضير لخوض الانتخابات.

معارك نهاية العهد

في حصيلة توترات شهر ايار، ان العهد برئاسة ميشال عون يخوض آخرمعاركه بعدما دخل السنة الاخيرة من الولاية (تنتهي في تشرين الاول – اكتوبر من العام2022)، وهو يريد ان يحقق شيئاً ما كبيراً وملموساً تحت عنوان الاصلاحات البنيوية في الادارة والمالية والاقتصاد وإلانتاج. وخصومه السياسيين لاسيما من المسيحيين، يخوضون ضده معركة إضعافه وإضعاف تيارة السياسي البرتقالي قبل الانتخابات النيابية المقبلة في ربيع العام ذاته (ايار – مايو 2022) اي قبيل انتهاء ولاية عون بأشهر قليلة، وذلك تحضيراً لمعركة الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي بدأت القوات اللبنانية تمهد لها بنشر استطلاعات رأي مؤخرا تفيد عن “زيادة شعبيتها بما يحقق لها الحصول على اكبركتلة نيابية مسيحية وبالتالي يصبح رئيس القوات سمير جعجع المرشح الاقوى للرئاسة”، خلافاً لكتلة التيار الوطني الحرالذي تقول القوات ان شعبيته تتراجع. بينما بدأت قيادات تيار “المردة” المعارض للرئيس عون، تروّج لمقولة ان رئيس التيار النائب والوزير الاسبق سليمان فرنيجة سيكون له الحظ الاوفر في الرئاسة.

وفي كل الاحوال ستكون المعركة حسب خبراء الانتخابات في لبنان بين القوى المسيحية الكبيرة، كالقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر وتيار المردة وحزب الكتائب وشخصيات مستقلة لكن مؤثرة، ولكل طرف منهم بعض الحلفاء.

أمام معادلة الرئيسين، هناك من ينتظر تبلور الوجهة الدولية، وهناك من يعمل بصمت من بعيد، سعياً وراء إنتاج تسوية جديدة، مراهناً على فشل الحريري في خطوته لتشكيل الحكومة، وقناعته بأنه سيتجه إلى الاعتذار في سبيل التحضير للانتخابات النيابية، وانسجاماً مع رغبة القاعدة الشعبية. هذا البعض يحاول انتهاز الفرصة مع الفرنسيين وغيرهم للتسلل إلى الحلبة الحكومية، على قاعدة تشكيل حكومة لإدارة الإنتخابات، لكن الطريق أيضاً لا تبدو معبّدة وسهلة.

الاستعداد والتحضيرات للانتخابات النيابية العامّة قد بدأت، على ما يقول وزير الداخلية محمد فهمي،

ويبقى السؤال: لو تشكلت الحكومة خلال شهر حزيران، هل سيبقى مطلب الانتخابات النيابية المبكرة قائماً؟ بالنسبة للقوات اللبنانية وبعض حلفائها وللمعارضة المدنية، فإن تشكيل الحكومة يساعد على إجراء الانتخابات لأنها السلطة التنفيذية المولجة التحضير لها والاشراف عليها، وبرأي هذا الفريق تشكيل الحكومة سريعاً يقلب الطاولة لمصلحته بالدفع قدماً نحو إجراء الانتخابات. لكن بعد تشكيل الحكومة هل تعود هناك مصلحة لفريق الحكم القوي والمتحكم بكل مفاصل الدولة بإجراء إنتخابات مبكرة قد يخسر فيها بعض مقاعده لمصلحة المعراضين؟ الجواب كلا بالتأكيد.

العدد 118 / تموز 2021