طريق الحرير الصينية الجديدة بين المخاوف والآمال

تغطي 65 بلداً وتتضمن استثمارات بألف مليار دولار

لندن: جمال الجزائري

أطلق الرئيس الصيني شي جينبينغ، في 2013، مبادرة ضخمة تتضمن استثمارات بقيمة ألف مليار دولار، تقضي باقامة طرق ومرافئ وسكك حديد ومجمعات صناعية عبر الصين وأوروبا وآسيا وتسمح كذلك بالوصول إلى افريقيا عبر بحر الصين والمحيط الهندي.

ويهدف مشروع الحزام والطريق لربط الصين عن طريق البر والبحر بجنوب شرق آسيا وباكستان وآسيا الوسطى وبعد ذلك إلى الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا.

وتقضي المبادرة المعروفة في الصين باسم »حزام واحد طريق واحد«، بإقامة حزام بري من سكك الحديد والطرق عبر آسيا الوسطى وروسيا، وطريق بحرية.

ويغطي هذا المشروع المسمى »طرق الحرير الجديدة« 65 بلدا تمثل ستين بالمئة من سكان العالم وحوالي ثلث اجمالي الناتج العالمي.

وقد أُطلق المشروع بكل أبعاد ودلات ذلك في شيان، العاصمة القديمة للأمبراطورية الصينية ونقطة انطلاق طريق الحرير التاريخية التي ربطت أوروبا بآسيا طوال قرون.

وبقدر الحماس الصيني للمشروع، بقدر ما كان التوجس الغربي عموما والأوروبي خصوصا، حيث اعتبر قسم من الأوروبيين أنه ينم عن نزعة توسعية خطيرة من جانب القوة الاقتصادية الثانية في العالم.

ماكرون: طريق الحرير الصينية الجديدة لا يمكن أن يكون اتجاها واحدا

وخلال الزيارة الأولى للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في يناير/ كانون الثاني الماضي إلى الصين، سعى إلى قيام تحالف جديد بين بكين وأوروبا يشرك القارة القديمة في مشروع »طرق الحرير الجديدة« الذي يعد درة عهد الرئيس الصيني.

واعتبر الرئيس الفرنسي ان هذا التحالف ضروري من أجل »مستقبل« العالم.

وأشاد شي بخطاب نظيره الفرنسي في شيان، على ما اعلن الاليزيه، مؤكدا ان اللقاء تم في اجواء »ايجابية جدا«.

وأهدى ماكرون، نظيره الصيني أحد خيول الحرس الجمهوري الفرنسي. في المقابل كانت هدية شي لماكرون لوحة لحصان.

واختار ماكرون بدء زيارته في شيان، العاصمة القديمة للامبراطورية الصينية ونقطة انطلاق طريق الحرير التاريخية التي ربطت اوروبا بآسيا طوال قرون.

وقال ماكرون في خطابه في شيان »آمل بان تكون فرنسا وأوروبا )…( حاضرتين في الموعد الذي حددته الصين«.

وأبدت فرنسا الحذر حتى الساعة حيال مشروع يعتبر قسم من الأوروبيين أنه ينم عن نزعة توسعية خطيرة من جانب القوة الاقتصادية الثانية في العالم.

إلا أن ماكرون أقرن تمنياته بتحذير من أن »هذه الطرق مشتركة ولا يمكن أن تكون ذات اتجاه واحد«، قائلا »لا يمكن ان تكون طرقا لهيمنة جديدة تستتبع الدول التي تعبرها«.

وطالب الرئيس الفرنسي ببناء هذه الطرق بحسب المعايير الأوروبية للحكم الرشيد ومراعاة البيئة.

في المقابل طلب النائب الاوروبي فرانك بروست الرئيس الفرنسي بـ»ابداء الحزم« إزاء بكين لأن »هذه الطريق الجديدة التي ستجيز نقل سلع من صنع الصين في 14 يوما ترمي خصوصا إلى بناء بنى تحتية مقابل الوصول الى ثروات الدول الشريكة )مواد اولية، امتيازات(«.

وفي إطار دفاعه عن التعددية دافع ماكرون عن التحالف بين أوروبا والصين، وأكد ان »مصائرنا متداخلة )…( سأعود الى الصين مرة في العام على الاقل. واضاف ان »المستقبل بحاجة إلى فرنسا وأوروبا والصين. نحن ذاكرة العالم. يعود لنا أن نقرر أن نكون مستقبله«.

وبعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب بلاده من اتفاق باريس حول الاحتباس الحراري، أعلن ماكرون أنه سيعرض على نظيره الصيني »إعادة إطلاق معركة المناخ« عبر تعزيز الالتزامات لمكافحة الاحترار.

لكن لا تزال هناك نقاط احتكاك بين باريس وبكين ولا سيما العجز التجاري الفرنسي البالغ 30 مليار يورو لمصلحة الصين، وتسعى فرنسا بهذا الصدد لـ»إعادة التوازن« إلى العلاقة التجارية الثنائية وتدعو إلى المبادلة بالمثل في فتح الأسواق بين الاتحاد الأوروبي والصين.

كما تدفع فرنسا باتجاه زيادة سيطرة الاتحاد الأوروبي على الاستثمارات الأجنبية ولا سيما الصينية في القطاعات الاستراتيجية.

الاتحاد الاوروبي يطالب بـ »انفتاح صيني أكبر« على الاستثمارات الأجنبية

اللافت أنه وبالتزامن مع زيارة ماكرون اعلنت مفوضة الاتحاد الاوروبي لشؤون التجارة سيسيليا مالمستروم من باريس، أن الاتحاد الاوروبي يطالب الصين بـ»انفتاح أكبر« على الاستثمارات الاجنبية وبـ »تعزيز للتجارة الحرة« مع شركائها.

وقالت المفوضة الاوروبية لمحطة »بي اف ام بزنس« الإذاعية الفرنسية »نحن نجري محادثات مع الصين لاستكشاف الآليات التي تمكننا من العمل معهم حتى يبدوا انفتاحا اكبر«، في وقت يجري الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون زيارته الرسمية الاولى الى الصين.

واعتبرت المفوضة الأوروبية انه يجب »الحذر« ازاء الاستثمارات الصينية في اوروبا.

وحذرت مالمستروم »اعتقد أن وجود استثمارات صينية في اوروبا يعتبر امراً جيداً، لكن يجب الا نكون سذّجا، يجب ان نعلم ايضا ان خلف الاستثمارات هناك احيانا دعما حكوميا صينيا«، داعية بكين الى التحرك من اجل المزيد من تعامل بالمثل مع شركائها الاوروبيين.

وقالت مالمستروم: »يصعب اليوم على الشركات الاوروبية الاستثمار في الصين«، مشيرة إلى معوقات تعترض عمل الشركات ولا سيما »النقص في الشفافية« و»دخول الانترنت«.

وشددت مالمستروم على أن »الصين تريد ان تتحول الى اقتصاد السوق، هي لم تصبح كذلك، ولكن إذا كانت تريد هذا الامر فعليها الالتزام بشروطه«.

وتشكل تصريحات مالمستروم صدى لتصريحات الرئيس الفرنسي الذي دعا إلى تحالف أكثر توازنا بين الصين وحلفائها الاوروبيين.

انقسام أوروبي وتشدد أمريكي

وفي رد على سؤال حول مفاوضات التبادل التجاري الحر، أقرت مالمستروم بوجود عقبات مرتبطة بمواقف الإدارة الأميركية، مشددة في الوقت نفسه على التقدم الذي يتم تحقيقه بين الاتحاد الاوروبي وعدد من شركائه.

وقالت مالمستروم »ما شهدناه بعد الموقف الشديد السلبية للإدارة الأمريكية )…( هو ان هناك العديد من الدول التي تشاركنا قيمنا، والتي تقول مثلنا انه من الجيد القيام بالاعمال التجارية«.

حذر اوروبي من المشروع الصيني
حذر اوروبي من المشروع الصيني

وأضافت المفوضة »لقد انجزنا« اتفاقا »مع اليابان قبيل عيد الميلاد، ونحن قريبون جدا من انجاز اتفاق مع المكسيك والدول الاربع في السوق المشتركة لدول اميركا الجنوبية »ميركوسور« )الارجنتين البرازيل باراغواي والاوروغواي(، و»سنطلق محادثات مع استراليا ونيوزيلندا لاحقا هذا العام«، مؤكدة ان دولا عدة تتطلع إلى »ريادة أوروبية«.

وتبدو أوروبا منقسمة حول البرنامج الصيني الكبير »لطريق حرير جديدة« الذي يثير آمالا كبيرة وقلقا في الوقت نفسه.

وقال بارتيليمي كورمون الخبير في الشؤون الآسيوية في المجموعة الفكرية »ايريس« إنه »اهم ملف في العلاقات الدولية في السنوات المقبلة واهم ملف خلال زيارة ماكرون« التي تبدأ الاثنين الى الصين.

وقالت أليس ايكمان مسؤولة نشاطات الصين في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية »بالنسبة للحكومة الصينية انه مشروع للدبلوماسية الاقتصادية والاتصال والحوكمة العالمية«.

ورأى بوغدان غورالتشيك مدير مركز أوروبا في وارسو السفير السابق في آسيا ان هذه النزعة الى التوسع والتصميم الذي تبديه بكين »اديا الى انقسامات عميقة داخل أوروبا«.

وفي مقابل توجس في غرب القارة ففي أوروبا الوسطى والشرقية، هناك حماسة للاستثمارات الصينية.

وقال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ان »البعض يعتبر يقظة الصين وآسيا تهديدا ونحن نرى فيها فرصة هائلة«.

وكان اوربان يتحدث خلال قمة في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بين الصين و16 بلدا من وسط وشرق اوروبا والبلقان من الاتحاد الأوروبي وخارجه.

وبهذه المناسبة اعلنت بكين منح ثلاثة مليارات يورو لمشاريع مثل بناء خط سكك حديد بين بلغراد وبودابست.

في المقابل، لا تخفي بعض الدول في أوروبا الغربية وخصوصا في الشمال، قلقها. وقال دبلوماسي غربي رفيع المستوى متسائلا عن طرق الحرير الجديدة »اليست صيغة مغرية لاخفاء طموح للهيمنة على العالم؟«.

وقالت ايكمان »نظرا لحجم المشروع الصيني والغموض الذي يلفه، تلتزم دول اوروبية عدة بينها فرنسا والمانيا الحذر. فهي تتساءل خصوصا عن النتائج الجيو-استراتيجية لهذا المشروع على الامد الطويل«.

وفي مقال نشرته صحيفة ألمانية، حذر رئيس الوزراء الدنماركي السابق اندرس فوغ راسموسين من انه يخشى ان تتنبه اوروبا »متأخرة عندما تصبح شرائح كاملة من البنى التحتية في اوروبا الوسطى والشرقية تابعة للصين«.

يذكر راسموسين بأن اليونان عرقلت في حزيران/يونيو بيانا مشتركا يدين انتهاكات النظام الصيني لحقوق الانسان بينما انتقل بيريوس أحد اهم المرافىء في العالم الى السيطرة الصينية عام 2016.

ورغم تأييدها للاستثمارات الصينية، تعبر ألمانيا عن تحفظات أيضا.

وقال وزير الخارجية سيغمار غابرييل في آب/أغسطس الماضي »إذا لم نحضر استراتيجية في مواجهة الصين، فانها ستنجح في تقسيم أوروبا«

فرنسا تتخذ موقفا وسطيا

وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إن »هدف فرنسا ليس قطع الطريق على الصين«.

وأضاف »لكن يجب اقامة شراكة تستند الى المعاملة بالمثل في فتح الاسواق«، مشيرا الى ان »محادثينا الصينيين يفضلون )صيغة( الكل رابحون. لم لا؟ شرط الا تكون الجهة نفسها رابحة في المرتين«.

وقال بارتيليمي كورمون ان القادة الصينيين »ينتظرون اليوم موقفا واضحا« من فرنسا مع استقبالهم ماكرون الذي يعتبرونه »قاطرة« اوروبا.

وأضاف »إذا قرر ماكرون مواكبة المبادرة الصينية فسيتبعه كل الاتحاد الاوروبي«، وان كان هذا الخبير يعتبر انه من الصعب الجمع بين مختلف الآراء.

وتابع أن »ماكرون لا يستطيع اتخاذ قرار بالانغلاق لأنه سيصطدم فورا بأزمة أوروبية محدودة«.