في حوار مع الكاتبة روزيت عدوان: الطفل كان وما زال اهتمامي الأول والأخير

بيروت من ليندا نصار

يعتبر عالم الطّفل عالمًا واسعًا ومفتوحًا وفيه يتوّلد الخيال الذّي تنمو فيه بدايات الإبداع.وتتجلّى خصوصيّة هذا العالم في الرّغبة الشّديدة في المعرفة، والاطّلاع، وحبّ الاكتشاف.

يتمتّع الطّفل بحساسيّة كبيرة تجاه الأشياء، فمن خلال إدراكه لها، يستطيع أن يكوّن أفكارًا مبدئيّة لما يدور من حوله، وهذه الأفكار تشكّل العالم الحقيقيّ بالنّسبة إليه، فتمرّ الصّور أمام عينيه وتبقى محفورة في ذاكرته وفكره.هذا الإحساس العالي الّذي يمتلكه الطّفل، يجعله يختار وينجذب إلى أشياء دون سواها.وهذا الأمر ينطبق على أدب الأطفال الّذي يحمّل الكاتب مسؤوليّة كبيرة تجعله ينتبه إلى مراعاة تفكير الطّفل، وتنمية قدراته، وتطوير مهاراته الذّهنيّة، ورسم صورة جميلة للعالم، يستطيع الطّفل من خلالها تطوير إبداعه.في هذا الصّدد كان لنا لقاء مع كاتبة قصص الأطفال والشاعرة روزيت عدوان، وقد صدر لها عدد من القصص من بينها: زينة والحذاء الجديد، الجوع ممنوع، زياد والمعكرونة، تينا في عاصمة النور باريس، الزهور الزّرقاء.لها في الشّعر ديوانان: يظنّون، وانطلقنا…

روزيت عدوان: ابحث عما يُرضي اطفالنا العرب
روزيت عدوان: ابحث عما يُرضي اطفالنا العرب

»الحصاد«:  كيف يمكن للكاتب أن يصوّر للطّفل هذا العالم الجديد الّذي يحاكي إدراكه للأشياء؟

روزيت عدوان:  الطَّفل صفحةٌ بيضاءُ لذلك تُعتبرُ مرحلة الطُّفولة من أكثر المراحل الَّتي يتعلّم الطّفل فيها ويعتمد عليها تكوين شخصيّته.فالطّفل يراقب ويحلّل ويستنتج ويقوم بالتّنفيذ والتّقليد من دون أن يعلم مدى سيّئات الأمر أو حسناته.وهنا يأتي الدّور الّذي تلعبه القصص في تنمية خياله وإعداده أخلاقيًّا وسلوكيًّا لمواجهة كلّ ما يعترضه في حياته اليوميّة إن كان في مجتمعه الصّغير مع أفراد عائلته أو المجتمع الكبير مع رفاقه ورفيقاته ومعلّميه ومعلّماته في المدرسة.وبما أنَّ الطِّفلَ اليوم يختلف عمَّا كان عليه بالأمس من حيث القناعة والاكتفاء والتّفرّغ لتلقي المعرفة، على الكاتب أن يسعى بشتَّى الوسائل التَّربويَّة لجذب انتباهه، كما عليه أن يتابع كلَّ الدّراسات الجديدة في ما يتعلَّق بعالم الطّفولة.فالحياة الَّتي يعيشها الأطفال اليوم تختلف عن الحياة الّتي كنَّا نعيشها في السَّابق، والتّطوّر الحاصل اجتماعيًا وعلميًّا وتكنولوجيًّا جعل متطلّبات الحياة عديدة ومتنوّعة.ولا يمكن نأي الأطفال عن التّطوّر النّاتج لأنّنا بذلك ننتزعهم من عالمهم الّذي يعيشون فيه.

»الحصاد«:  بما أنّ أدب الأطفال مسؤوليّة تقع على عاتق الكاتب.فما هي الصّعوبات الّتي يواجهها الكاتب إثر تحضيره لكتابة قصّة جديدة؟

روزيت عدوان:  عالم الأطفال عالم واسع جدًّا، وكلَّما اقتربتُ منهم أكثر وتعمّقتُ في تفكيرهم واختبرتُ تساؤلاتهم، زادَ اهتمامي بالكتابة لهم وزادت المسؤوليَّات والصُّعوبات إن من حيثُ إيصال رسالة معيَّنة في قالبٍ طريفٍ قريب منهم أو من حيثُ إلقاء الضَّوء على بعض المواضيع العلميَّة والاجتماعيّة الَّتي يحتاج الطّفل إلى معرفتها.فعلى كلِّ كاتب أن يكون مسؤولاً عمَّا يخطّه قلمه من قصص في مجال أدب الأطفال، لأنَّ الطّفل يتعلَّم من خلال القصص الّتي من المفترض أن تكون واقعيَّة وتربويّة في الدّرجة الأولى.والقصّة بالنّسبة له عالم واسع لا حدود له لا ينتهي مع انتهاء قراءتها إنَّما يبقى تأثيرها في ذهنه، طارحًا أسئلة كثيرة ومتنوّعة عن شخصيَّاتها وموضوعها وخاتمتها قد لا تخطر في ذهن القارئ الرَّاشد.فالصُّعوبة، كلُّ الصُّعوبة، تكمن في اختيار تلك المواضيع العصريَّة المناسبة له والّتي تحمله إلى ذاك العالم الواسع الّذي لا حدود له.

»الحصاد«:  كونك شاعرة أيضًا، كيف يمكن للشّعر أن يساعد في كتابة قصص الأطفال ونسج صور جميلة للعالم؟ وبالعكس أيضًا، كيف يخدم أدب الأطفال أدب الكبار ليجعل من الطّفل رجل المستقبل؟

روزيت عدوان:  بما أنَّني مؤلّفة قصص أطفال، اعتدتُ على إيصال الفكرة واضحة وبسيطة من دون غموض أو قيود تحدّها، ممّا انعكس على كتاباتي الشّعريّة، ووجدتني أكتب قصيدة النّثر الَّتي تحرّرني من قيود الوزن والقافية وتجعل من شعري أقرب إلى نصٍّ نثريٍّ سهل المفردات، سلس الأسلوب وواضح المعاني.فبالنّسبة إلي، الشّعر ليس نظم كلمات وأبيات فحسب إنَّما هو شعور إنسانيّ صادقٌ يعبّر من خلاله الكاتب عمّا يختلج في نفسه من أحاسيس مرهفة صادقة.فالطّفل الّذي في داخلنا لا يَتلاشى ويختفي مع مرور السّنين.إنَّما يبقى ويترسَّخ فينا، مُحاولاً وبكلّ جهدٍ، أن يَجد فسحةً يظهر من خلالها.والشّعر قد يكون تلك الفسحة الّتي تفجّر تلك الأحاسيس المرهفة من خلال كلمات رقيقة وتعابير عذبة تنساب كالموسيقى لتصل إلى المتلقّي فيشعر بصدقها.ولا يمكن الوصول إلى قلب الطّفل وبثّ الرّوح الجميلة في القصص الموجّهة إليه ما لم يكن الكاتب، في الدّرجة الأولى، صادقًا.وهذا ما يجعل الشَّاعر أقرب إلى الطّفل.وَلا ننسى طبعًا أنَّ ما نرسّخه في ذهن الطّفل، من أفكار ومبادئ وقيم، يحدّد شخصيَّته في المستقبل.

»الحصاد«:  تنعكس في كتاباتك رسالة معيّنة.ما هي هذه الرّسالة الّتي تحملها روزيت عدوان، الشّاعرة والكاتبة، وإلى أيّ مدى تمّ تحقيقها اليوم؟

روزيت عدوان:  على كلّ القصص الموجّهة للأطفال أن تحمل رسالة تربويّة، وهذا ما أتّبعه في كلِّ كتاباتي إن كان في قصائدي النّثريَّة أو في ما يتعلّق بأدب الأطفال.فهدفي الأول والأخير هو الوصول إلى عبرة في نهاية القصّة يستفيد منها القارئ الصَّغير وبخاصَّة أنَّنا نعيش في عصرٍ قليلًا ما نجد فيه العائلة مجتمعة وبالتّالي لا يحصل الطّفل العصريّ على النَّصائح الكافية من والديه، فلم لا يستفيد من القصَّة ويخرج منها بعبرة مفيدة؟ ورسائلي واضحة وصادقة، تحمل نصائح قد تكون بسيطة إلاَّ أنَّها، وعلى الرّغم من بساطتها، أعتبرها تلك »البحصة الَّتي تسند خابية«.فتشجيع الطّفل على المثابرة على المطالعة، أو تقديم النّصائح الغذائيَّة له للمحافظة على سلامته الصّحيّة، أو حثّه على مساعدة الآخرين أو المحافظة على أغراضه وغيرها من الأمور الّتي تناولتها في قصصي، قد لاقت استحسانًا كبيرًا عند الصّغار الّذين ثابروا على الأخذ بتلك النّصائح، ما شجّعني على الكتابة للأطفال أكثر فأكثر.

»الحصاد«:  في قصائدك مواضيع متنوّعة.ونلاحظ انتشارًا لحقل الطّبيعة والإنسان والحبّ، ما جعلها تتسلّل سريعًا إلى ذائقة المتلقي.إلى أيّ مدى يمكن ربط علاقة الإنسان بالطّبيعة بتطوّر حياته؟

روزيت عدوان:  الواقع يكاد يخلو من كلّ معاني الإنسانيَّة، ونحن نعيشُ في عالم بات ماديًّا أكثر منه معنويًّا، إلاَّ أنَّني ومن خلال قصائدي، أحاول أن أنقل صورة مغايرة عن الحياة، صورة متميّزة تحمل كلّ معاني الإنسانيّة، أمحو من خلالها كلّ البغض والكراهية والحقد والأنانية، وأتغنَّى بالصّفات الحميدة.فالإنسان في بحث يوميّ ومستمرّ عمَّا يزيل قلقه ويريح قلبه ويشعره بالطَّمأنينة والهدوء والسّكينة بعيدًا عن الضّغوطات النّفسيَّة والصّعوبات اليوميّة الّتي تواجهه في حياته.وفي بعض الأحيان يبحث ويبحث ولا يجد الإجابات الحقيقيّة لتساؤلاته.أمَّا بالنّسبة إلي،

من كتب روزيت عدوان
من كتب روزيت عدوان

ففي الطَّبيعة تكمن كلّ الحقيقة، أجد فيها الرّاحة والطّمأنينة والهدوء.الطّبيعة الَّتي تعكس حياة الإنسان في كلِّ مراحلها، لا تستسلم أبدًا، بل تنهض بعد كلّ سقوط.فتنضح بالماء بعد أن جفّت سواقيها، وتنبت بالعشب بعد أن يبست أراضيها وتصفو من الغيوم بعد أن تلبّدت سماؤها…ودعوتي لكلّ إنسان أن يتمثّل بالطّبيعة ولا يستسلم أبدًا.

»الحصاد«:  روزيت عدوان الّتي تغيب فترة، ثمّ تفاجئنا بأعمالها المميّزة خصوصًا من ناحية أدب الأطفال.ما هو جديدك؟

روزيت عدوان:  دائمًا أُحاول أن أبحث عمَّا يرضي أطفالنا العرب من مواضيع شيّقة وجذَابة تحمل في معناها رسالة هادفة ولا تخلو من الطَّرافة.وَقد تعاونت مؤخّرًا مع دار الفكر اللّبناني التي اصدرت لي قصّة مميّزة فعلاً من حيث المضمون والإخراج إذ أنَّها قصّة ثلاثيَّة الأبعاد.والآن، نحضّر لقصّة مميّزة مع الدَّار نفسها أتمنَّى أن ترى النُّور قريبًا.بالإضافة إلى مشاركتي مؤخّرًا في كتاب الطُّفولة العربيّة بعنوان »حكايات عربيّة« صدر عن المركز القومي لثقافة الطّفل وعنوان القصَّة »التُّحفة الفنيَّة المميَّزة«.كما أنَّني في صدد تحضير عدد من القصص الهادفة الَّتي تزوّد مكتبة الطّفل ثقافيًّا وعلميًّا واجتماعيًّا.كما أنَّني أكتب لمجلَّة نسيم الالكترونيَّة الَّتي تعنى بالطّفل واهتماماته.فالطّفل كان ولا يزال وسيبقى اهتمامي الأوّل والأخير.

من كتب روزيت عدوان