لبنان .. في تحوّلات الرياض وطهران ودمشق

اتفاق تاريخي بين السعودية وإيران وعودة سوريا إلى الجامعة العربية

على الرغم من المداولات الداخلية في لبنان وتطوّر الخرائط المتعلّقة بالمرشحين للانتخابات الرئاسية في البلد، وعلى الرغم من أهمية العامل المحلي ودينامية موازين القوى البيتية، إلا أن الثقل الخارجي ما زال في الوجدان الجمعي الشعبي أو النخبوي هو الفيصل في تحديد بوصلة الرئاسيات اللبنانية.

من يملك مفاتيح قصر الرئاسة في لبنان؟

والأمر ليس جديدا في تاريخ الاستحقاقات الرئاسية منذ الاستقلال عام 1943، لكن المشهدين، الإقليمي والدولي، شديدا التعقيد والتشابك على نحو يصعب معه المغامرة في أي استشراف بشأن مآلات الأزمة ومخارجها. وجدير هنا تأمل إيقاع التطورات الجيوستراتيجية التي طرأت على منطقة الشرق الأوسط كما على المشهد الدولي العام، لاستنتاج مدى تذبذب مفاعيل التحوّلات على مسار البلد ومصيره.

ويعكف اللبنانيون على مراقبة تلك التحوّلات الجارية في المنطقة وما يمكن أن يكون لها من تداعيات لإيجاد حلّ للانسداد السياسي في البلد. والتعويل منصبّ على قراءة ما يمكن أن يحمله الاتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين من عوامل جديدة تّؤثر على حالة المراوحة في لبنان، كما على رصد معاني عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وحضور الرئيس بشار الأسد أعمال القمة العربية الأخيرة في جدّة بالنسبة للتوازنات اللبنانية. والواضح أن سيناريوهات عديدة يمكن أن تقترح وتتراوح احتمالاتها، خصوصا في ما تثيره هذه التطورات الإقليمية من حسابات ومصالح لدى القوى الدولية المهتمة بالشأن اللبناني.

الصفقة المفاجئة في بكين

يشكل الاتفاق السعودي-الإيراني الذي أُبرم برعاية الصين في ، في  آذار10 (مارس) الماضي، عاملاً مستجدّاً على الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان. وعلى الرغم من عدم وضوح المداولات التي أدت إلى هذا “الاتفاق التاريخي” بين الرياض وطهران، وعدم إمكانية استنتاج مفاعيله وتداعياته على ملفات النزاع الإقليمي، بما فيها ملف لبنان، فإن التيارات السياسية اللبنانية المتعارضة فسَّرت الاتفاق واستخلصت عِبَره بما يتناسب مع أهوائها الخاصة.

ويعتقد التحالف الذي يقوده حزب الله أن هذا الاتفاق يُعزز فرضياته بخصوص النفوذ الإيراني في لبنان، ويُقوّي خيارات الحزب في التأثير على المستقبل السياسي للبلد، خصوصاً لجهة انتخاب رئيس جديد للجمهورية لم يستطع

الاتفاق السعودي الإيراني: الحياد الظاهري في لبنان

مجلس النواب اللبناني، خلال جلسات متعددة، من انتخابه خلفاً للرئيس السابق ميشال عون الذي انتهت ولايته في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) 2022.

وبشكل أساسي، تقوم رؤية حزب الله والتيارات السياسية اللبنانية المتحالفة معه على فرضية أن في ثنايا الاتفاق  مقايضة تُسهّل وفقها إيران الوصول إلى تسوية في اليمن مقابل السماح بتسويةٍ لبنانيةٍ ما تكون مرجّحة لخيارات طهران وحزب الله الموالي لها في لبنان. وعلى الرغم من غياب أي مؤشّرات حقيقية ودلائل حسّية تدعم هذه المقاربة، فإن هذا المعسكر السياسي لا يزال يرى في “الوفاق” السعودي الإيراني، وفي استعادة سورية مقعدها داخل جامعة الدول العربية، ما يدعم افتراضاته الخاصة حول نتائج اتفاق .

عودة دمشق إلى الجامعة العربية

شكّل تطوّر العلاقات العربية مع النظام السوري عاملاً جديداً آخر أنعش آمال حلفاء دمشق في لبنان باستعادة النفوذ والامتيازات التي كانوا يمتلكونها في مرحلة “الوصاية” التي امتدت في مراحل مختلفة من التدخل العسكري السوري في لبنان الذي بدأ عام 1976. وعلى الرغم من انسحاب القوات السورية من لبنان إثر اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري عام 2005، فإن حلفاء دمشق، لاسيما الذين ثابروا على زيارة العاصمة السورية وتأكيد استمرار تحالفهم معها، بقوا مُعوّلين على عودة النفوذ السوري إلى بلدهم.

ومع أن القوى السياسية اللبنانية على اختلاف مشاربها كانت تراقب، بقلق من جهة وترحيب من جهة ثانية، خطوات دول عربية للتقارب مع النظام في سورية وتنشيط العلاقات الدبلوماسية مع دمشق خلال السنوات الأخيرة، غير أن

عودة دمشق إلى الجامعة العربية: رسائل ملتبسة في لبنان

التحوّل السعودي بصدد العلاقات مع سورية، خصوصاً في الفترة التي تلت إبرام الاتفاق السعودي-الإيراني، قد حضّر لبنان لتوقّع تداعيات لهذا التطوّر على موازين القوى السياسية في البلد.

وقد تراوحت ردود الفعل على هذا التحوّل بين التشكيك والامتعاض عند البعض؛ وبين الترحيب والاغتباط لدى البعض الآخر. وبدا أن لبنان راح يقيس الأمور بجديّة منذ دعوة السعودية وزير الخارجية السوري فيصل المقداد لزيارة المملكة؛ فزار جدّة في 12 نيسان (أبريل) الماضي، وما تلا ذلك من زيارة لنظيره السعودي فيصل بن فرحان إلى دمشق في الـ 18 من نفس الشهر.

وقد عوّلت القوى السياسية اللبنانية المعارضة لدمشق على اعتراض بعض الدول العربية على عودة سورية إلى جامعة الدول العربية لتعطيل التطبيع العربي الشامل مع النظام في سورية، وعدم دعوة الرئيس السوري لحضور القمّة العربية. غير أن الاجتماع التشاوري لبحث مسألة العلاقات العربية مع دمشق الذي حضره وزرارء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى نظرائهم من مصر والعراق والأردن، في جدة في 15 نيسان (أبريل) الماضي، كما الاجتماع الذي عقده وزراء خارجية السعودية ومصر والأردن والعراق إضافة إلى نظيرهم السوري في عمّان في الأول من أيار (مايو) الماضي، قد انتهيا إلى تفاهمات هيأت لقرار صدر عن جامعة الدول العربية في 7 أيار (مايو) باستئناف دمشق أنشطتها السياسية كاملة داخل الجامعة، ما قاد لاحقاً إلى دعوة الرئيس السوري وحضوره لأعمال القمّة العربية التي انعقدت في جدّة برئاسة السعودية في 19 من نفس الشهر

حظوظ المرشح فرنجية

يُعدُّ كلٌّ مِن حدثي الاتفاق السعودي-الإيراني، وإعادة دمج دمشق في “الحضن العربي”، تطوّرين لافتين في لبنان، بسبب ما تملكه دمشق وطهران من نفوذ وتحالفات قد تؤدي إلى تقوية حظوظ مرشح الحلف الإيراني-السوري في لبنان للوصول إلى سدة رئاسة الجمهورية اللبنانية. ولا يزال حزب الله وحركة أمل، أو ما يطلق عليهما اسم “الثنائي الشيعي”، يدعمان ترشُّح زعيم تيار المردة سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. وفرنجية حليف لـ “الثنائي”، ولطالما أكد ارتباطه بالنظام السوري وامتلاكه صداقة شخصية مع الرئيس الأسد. وتعود علاقة عائلة فرنجية في لبنان وعائلة الأسد في سورية إلى جد المرشح فرنجية، رئيس الجمهورية الراحل سليمان فرنجية.

هل تمرر المرحلة ترشيح سليمان الفرنجية

غير أن الوقائع تتحدث عن معطيات مضادة لا تذهب، حتى الآن، لصالح المرشح فرنجية. فتحالف حزب الله لا يملك الأكثرية البرلمانية التي تُمكِّنه من فرض مرشحه رئيساً للبنان، ناهيك من أن فرنجية لا يحظى بغطاء ميثاقي مسيحي بسبب رفض جلّ التيارات السياسية المسيحية لترشحه، بما فيها “التيار الوطني الحر” المتحالف مع حزب الله، والذي أسّسه الرئيس السابق ميشال وعون ويرأسه حالياً صهره الوزير الأسبق جبران باسيل. كما أن التيارات اللبنانية الأخرى المعارضة للحزب ما زالت متدثّرة بموقف سعودي لا يزال بعيداً عن تسهيل انتخاب فرنجية.

موقف السعودية بعد اتفاق بكين

استمر الموقف السعودي على حاله حتى بعد اتفاق. وتسرَّب أن الرياض رفضت الخطة الفرنسية التي طُرِحَت في اجتماع ثلاثي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في 22 أيلول (سبتمبر) 2022، واكتفى المجتمعون ببيان يحثّ لبنان على انتخاب رئيسه. كما شهدت باريس عدة اجتماعات سعودية فرنسية تطورت إلى اجتماع أوسع شارك به ممثلون عن الرياض وباريس وواشنطن والقاهرة والدوحة في 9 شباط  (فبراير) الماضي، فيما يُنتظر أن يلتئم الاجتماع الخماسي في العاصمة القطرية قريباً للتداول في سيناريوهات من شأنها مساعدة لبنان وسياسييه على تجاوز الانسداد الحالي، ودفعهم للتوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

وبقي الموقف السعودي الذي عبَّر عنه كلٌّ من وزير الخارجية السعودي، وسفير المملكة في لبنان وليد البخاري، يؤكد حياد الرياض بشأن اختيار اللبنانيين لرئيسهم. وقد جال البخاري على كثير من القيادات السياسية في لبنان، واستقبل قيادات أخرى، بمن فيهم مرشح تحالف حزب الله سليمان فرنجية. غير أن زيارة السفير السعودي لمنافس فرنجية، مرشح بعض التيارات المناوئة لحزب الله ميشال معوّض، وطبيعة المواصفات التي تتمناها السعودية لرئيس لبنان، يعكسان عدم رغبة السعودية في إعطاء أي غطاء يدعم ترشُّح فرنجية.

موقف إيران بعد اتفاق بكين

كانت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى لبنان، بين 26 و28 نيسا (أبريل) الماضي، لافتةً، إذ أعلن فيها عدم تدخل بلاده في شأن اختيار اللبنانيين لرئيسهم، ودعم توافقهم على نحو ما أظهرهُ الموقف السعودي. وسبق للسفير الإيراني في لبنان، مجبتي أماني، أن تبنّى في 11 آذار (مارس) الماضي في تغريدة موقف وزير الخارجية السعودي، وعدَّهُ موقف الجمهورية الإسلامية بشأن مقاربة الأزمة اللبنانية. وكان الوزير السعودي قد صرَّح في نفس اليوم أن “لبنان يحتاج إلى تقارب لبناني وليس لتقارب إيراني سعودي”.

وعكست زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق، في 3 أيار (مايو)، أجواءً جديدة داخل التحالف الإيراني-السوري من المتوقع أن يكون لها تداعيات على التوازنات اللبنانية. جاء توقيت الزيارة قبل أيام من إعلان جامعة الدول العربية عودة دمشق إلى صفوفها، وقبل أسبوعين من توجه الرئيس الأسد إلى جدّة لحضور القمة العربية.

هل تسوّق قطر لقائد الجيش جوزيف عون

ووقعت خلال هذا اتفاقات جديدة عُدَّت استراتيجية في علاقات البلدين. وعلى الرغم من أن زيارة رئيسي كانت سُورية الطابع والأجندة، فإن الحدث ألقى بظلاله على واقع لبنان ومستقبل تأثّره بتحالف طهران ودمشق الذي لا يبدو أن عودة سورية إلى جامعة الدول العربية ستخفف من واقعه.

ومع أن حزب الله يسعى إلى الضغط على بقية الجماعات السياسية، بما فيها التيار الحليف الذي يتزعمه جبران باسيل، فإن أسئلة تدور حول ما إذا كان طرح اسم فرنجية هو مجرد مناورة يقوم بها الحزب لتقوية أوراقه على طاولة تسوية لإنتاج رئيس آخر. ويُعتَقد في هذا الصدد، ووفق ما يصدر عن المنابر الرسمية والسياسية والإعلامية الإيرانية، أن طهران جديّة في الالتزام باتفاق  مع السعودية، وأنها لن تدعم في هذه المرحلة خيارات سياسية في لبنان تتعارض مع الخيارات السعودية في هذا البلد. غير أن المناورة العسكرية التي نفَّذها حزب الله في 21 أيار (مايو)، في بلدة عرمتي على بعد 20 كيلومتراً من “الخط الأزرق” الفاصل بين لبنان وإسرائيل، على الرغم من رسائلها التقليدية باتجاه إسرائيل، قد أثارت أسئلة بشأن الرسائل المرتبطة بخيارات الحزب الداخلية عامة، والرئاسية خاصة.

إضافة إلى هذه التطورات، تعمل قطر من خلال وفود سياسية وأخرى أمنية زارت لبنان على المساهمة في “استكشاف” وجهات النظر اللبنانية ثم الدفع باتجاه الالتقاء حول خياراتٍ رجَّحت معلومات أنها قد تكون لصالح قائد الجيش جوزيف عون. ومع أن ثمة مَن يفترض أن تحركات قطر تجري بالتنسيق مع السعودية في ملف لبنان، لاسيما أن الدوحة باتت عضواً في اللقاء الخماسي الدولي الإقليمي بشأن لبنان، والذي التأم في باريس ومن المقرر التئامه في الدوحة في يونيو الجاري، غير أن مصادر لبنانية شككت في مسألة تنسيق أعمال الوفود مع السعودية.

السيناريوهات المحتملة

بناء على ما هو متوفّر من معطيات داخلية، وما استجد من تطورات خارجية، فإن استشراف مستقبل الأزمة الرئاسية اللبنانية يدور حالياً حول سيناريوهات ثلاثة رئيسة:

الأول، بقاء لبنان من دون رئيس للجمهورية على أن تُصرّف أعمال حكومته الحكومة الحالية برئاسة نجيب ميقاتي، وبحيث تستمر القوى السياسية في التعايش لإدارة البلد وتجنّب انحدار وضعه إلى درك كارثي. ويعوّل هذا السيناريو على استمرار الدول المانحة، العربية والأجنبية، في إرسال الدعم الإنساني، أخذاً في الاعتبار وجود عدد كبير من

جهاد أزعور مرشح المعارضة

اللاجئين السوريين أيضاً في الأراضي اللبنانية، في ظل غياب تسوية سياسية تنتج سلطة في لبنان تثق تلك الدول بها لضخّ الدعم الدولي المشروط بالإصلاحات التي وضعها صندوق النقد الدولي

الثاني، حصول تسوية دولية إقليمية تدعم خططاً يُنتخب فيها سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية مقابل تعيين رئيس حكومة يكون ممثلاً للتيارات السياسية المعارضة لحزب الله. وسبق أن سوَّقت فرنسا هذا السيناريو باقتراح تعيين نواف سلام، وهو قاض عمل في محكمة العدل الدولية وشغل سابقاً منصب سفير لبنان في الأمم المتحدة، رئيساً للحكومة ممثلاً للمعسكر المعارض لحزب الله مقابل انتخاب فرنجية مرشح الحزب رئيساً للجمهورية. وعلى رغم أن فرنسا عادت وأكدت في 20 نيسان (أبريل)، بعد تعثُّر ما تسوّقه ورفض الأمر من داخل لبنان وخارجه، عدم وجود مرشح لديها لرئاسة الجمهورية اللبنانية، غير أن هذا السيناريو لا يزال متداولاً ولم يخرج من دوائر البحث.

الثالث، التوصل إلى تسوية من نوع آخر تأتي بشخصية حيادية طالما طالب بها البطريرك الماروني بشارة الراعي، وتيارات سياسية مناوئة لحزب الله. ويقوم هذا السيناريو على موافقة حزب الله وحلفائه على اسم رئيس محايد يحظى بقبول الفرقاء، وسبق أن تردد اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون، مع العلم أن أسماء أخرى طُرحت قد تكون بديلاً مثل الوزير السابق جهاد أزعور، الذي أعلنت المعارضة اللبنانية رسمياً، في 4 حزيران (يونيو) ترشيحه لشغل هذا المنصب. ويقوم هذا السيناريو أيضاً على حقيقة أن الدول المانحة، كما صندوق النقد والبنك الدوليين، ما برحوا يطالبون بشخصية يمكن الوثوق بها تكون بعيدة عن المنظومة السياسية الراهنة، بما يُشجِّع المانحين على إعادة ضخّ الأموال لانتشال لبنان من أزمته الاقتصادية التاريخية.

استنتاجات

مع أن قابلية تأثُّر لبنان بالتحوّلات الإقليمية، لاسيما الاتفاق السعودي الإيراني، وعودة سورية إلى الجامعة العربية، تبدو عالية، نتيجة ما لطهران ودمشق والرياض من نفوذ مباشر لدى التيارات السياسية اللبنانية، لكن لم تظهر حتى

وزير خارجية إيران: لا نتدخل في رئاسيات لبنان

الآن مفاعيل هذه التحوّلات على الداخل اللبناني، وما يمكن أن تنتجه من تسويات لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، تحديدا.ً

 وفي المحصلة، لم يلمس لبنان إلا مواقف سعودية إيرانية تؤكد حيادهما في مسألة الرئاسة، ودعمهما توافق اللبنانيين في هذا الشأن، ما يعكس حرص الرياض وطهران على عدم المسّ بالتوازنات والتفاهمات التي صدرت في بيان اتفاق البلدين في ، وحرصهما على عدم ترسيخ حالة التنافر داخل المشهد السياسي اللبناني.

ومن المتوقع أن تنعكس التحولات الإقليمية، التي قد تحتاج بعض الوقت حتى تأخذ مداها، على أجواء المداولات الدولية التي تشارك بها فرنسا والولايات المتحدة تمهيداً لإيجاد تفاهمات خارجية يُمكِن أن تضغط على الداخل اللبناني لإنهاء الشغور في موقع الرئاسة في هذا البلد. ومن الممكن أن تظهر توافقات ما في الاجتماع الخماسي الإقليمي الدولي الخاص بلبنان والمنتظر عقده قريباً.

ورغم ما يمكن قراءته واستنتاجه واستشرافه، فإن اللحظة الرئاسية في لبنان قد تبتعد وتقترب وفق مزاج داخلي خارجي عصيّ على التوقّع. العالم يعيش يوما بعد يوم تطورات الحرب في أوكرانيا بصفتها محددا وفيصلا في شكل مستقبل النظام الدولي وخرائط موازين القوى الدولية. وإذا ما كانت دول المنطقة تتعايش بارتباك تارة وبراغماتية تارة ثانية مع التحوّلات الدولية واحتمالاتها، فإن لبنان بدوره هو ضحية الفوضى والعبث وعدم يقين الذي يعيشه الكوكب برمته.

يُعدُّ كلٌّ مِن حدثي الاتفاق السعودي-الإيراني، وإعادة دمج دمشق في “الحضن العربي”، تطوّرين لافتين في لبنان، بسبب ما تملكه دمشق وطهران من نفوذ وتحالفات قد تؤدي إلى تقوية حظوظ مرشح الحلف الإيراني-السوري في لبنان للوصول إلى سدة رئاسة الجمهورية اللبنانية. ولا يزال حزب الله وحركة أمل، أو ما يطلق عليهما اسم “الثنائي الشيعي”، يدعمان ترشُّح زعيم تيار المردة سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. وفرنجية حليف لـ “الثنائي”، ولطالما أكد ارتباطه بالنظام السوري وامتلاكه صداقة شخصية مع الرئيس الأسد.

تعمل قطر من خلال وفود سياسية وأخرى أمنية زارت لبنان على المساهمة في “استكشاف” وجهات النظر اللبنانية ثم الدفع باتجاه الالتقاء حول خياراتٍ رجَّحت معلومات أنها قد تكون لصالح قائد الجيش جوزيف عون. ومع أن ثمة مَن يفترض أن تحركات قطر تجري بالتنسيق مع السعودية في ملف لبنان، لاسيما أن الدوحة باتت عضواً في اللقاء الخماسي الدولي الإقليمي بشأن لبنان، والذي التأم في باريس ومن المقرر التئامه في الدوحة في يونيو الجاري، غير أن مصادر لبنانية شككت في مسألة تنسيق أعمال الوفود مع السعودية.

كانت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى لبنان، بين 26 و28 نيسا (أبريل) الماضي، لافتةً، إذ أعلن فيها عدم تدخل بلاده في شأن اختيار اللبنانيين لرئيسهم، ودعم توافقهم على نحو ما أظهرهُ الموقف السعودي. وسبق للسفير الإيراني في لبنان، مجبتي أماني، أن تبنّى في 11 آذار (مارس) الماضي في تغريدة موقف وزير الخارجية السعودي، وعدَّهُ موقف الجمهورية الإسلامية بشأن مقاربة الأزمة اللبنانية. وكان الوزير السعودي قد صرَّح في نفس اليوم أن “لبنان يحتاج إلى تقارب لبناني وليس لتقارب إيراني سعودي”.

بقي الموقف السعودي الذي عبَّر عنه كلٌّ من وزير الخارجية السعودي، وسفير المملكة في لبنان وليد البخاري، يؤكد حياد الرياض بشأن اختيار اللبنانيين لرئيسهم. وقد جال البخاري على كثير من القيادات السياسية في لبنان، واستقبل قيادات أخرى، بمن فيهم مرشح تحالف حزب الله سليمان فرنجية. غير أن زيارة السفير السعودي لمنافس فرنجية، مرشح بعض التيارات المناوئة لحزب الله ميشال معوّض، وطبيعة المواصفات التي تتمناها السعودية لرئيس لبنان، يعكسان عدم رغبة السعودية في إعطاء أي غطاء يدعم ترشُّح فرنجية.