لبنان والعرب بعد ال 2050

بروفسور نسيم الخوري*

تصطفّ البلدان المربكة في شرقي البحر الأبيض المتوسط  دون الإفصاح لشعوبها عن ظاهرة الإنشغال العالميّة بثروات النفط والغاز. يمكننا، بدءاً من تهشيم باب العرب الشرقي في العراق في ال2003 مروراً بتونس ومصر والجزائر وليبيا وسورية واليمن ولبنان و”صفقة القرن” وتعوّيض ضمورها بالتطبيع العربي الإسرائيلي، استعراض ثمار ما سمّي “الربيع العربي” ، في نسغِ ملفٍّ واحدٍ ضخم مفتوح وعلى غلافه: النفط والغاز ومستقبل العرب.

لنعترف أنّ النفط والغاز لعبا دورا محوريّاً لمقاربة سياسات العالم وإقتصاده منذ القرن الماضي وسيمتدّ تأثيرهما مستقبلاً إلى حدود 43 سنة قادمة بالنسبة للنفط و 157 سنة للغاز و407 سنوات للفحم. التحوّل الكوكبي نحو الطاقات البديلة النظيفة التي تتجاوز 15% حاليا من مجمل استعمال الطاقة هو السبب. صار العالم مسكوناً، بالحاجة القصوى لاستخراج المواد الأولية التي ستفقد قيمتها بحدود ال 2050 مع حلول الطاقات البديلة.

تسعفني أربع نقاط هنا للخوف من المستقبل بعد ربع قرن.

1- أضع خطّا أحمر تحت الضرورة القومية والوطنية في تقفّي التفسيرات البارعة لهذا الإزدحام الدولي في مياهنا وأراضينا وأنظمتنا وتعثّرها جميعها، وفي كشف الأغطية عن فساد الداخل العربي والإسلامي المتضافر مع الخارج مراكمةً للمنافع والمصالح عبر أنظمة وقادة غير متعاقبين في ما عرفناه  بالوطن العربي الذي اختفى في مياه العالم العربي الموحلة المختفي بدوره مع سقوط العالم الثالث و منظومة عدم الإنحيار. لكأنّ هذا القرن هو قرن الأصوليّات  والإرهاب المتصاعدين بانتظار الإلتحاق بالشرق الأوسط الجديد الذي لم يمت بعد ومن نتائجه التطبيع الكامل مع “إسرائيل”.

2- الأمر الثاني، أخصّه بلبنان “زهرة” التخبّط التي لا يمكن لعاقلٍ تصوّرها متابعاً مستقبل دولة وشعب متشظيين يتحولان برعاية حكّام فاسدين إلى دولة فاشلة لا جذور لها أو دبلة جمعها “دبلات” بمعنى هموم محليّة وإقليمية وعالمية يستعصي إيجاد حلولٍ لها، حتّى ولو تألّفت مئة حكومة قبل صدور هذا المقال، فإنّها ستبقى خارج مفاهيم الحكومات بل هيئة مقعدة عاجزة كسابقاتها وخصوصاً أنّ عذريّة النفط والغاز مكتوبة لمصلحة الغير.

3- في 30 نيسان عام 2019، كان “التجمّع الأكاديمي للأساتذة الجامعيين في لبنان” وبصفتي أحد مؤسّسيه مع عصام خليفة وبشارة حنّا قد وضع ملفّاً علميّاً بين يدي وزير خارجية أميركا السابق جورج بومبيو. يومها تمّ إغلاق المطار اللبناني وحطّت طائرة الوزير آتيةً من تل أبيب، وكان برنامج الزيارة سياسيّاً، لكنّ خلافاً لهذا، فإنّ لبّ الزيارة وكلّ من دار ويدور وزار ويزور لبنان محوره النفط والغاز والتطبيع. يبدو الفساد ثقافةً والتبديد في ثروة لبنان الغازية والنفطية بما يحرم الأجيال المقبلة منها حضارة، لذا ضمرت ما سمّي ب”الثورة” وأقمنا في قلب كلّ ما يحصل منذ تشكيل اللجنة العسكرية وبداية المفاوضات في الناقورة ثمّ توقّفها لأسباب وأسباب وتفاصيل تصب كلّها في ملف البترول والغاز المتعثّر والذي أفسده بعض المسؤولين في لبنان المتّهمين مؤخّراً بالخيانة العظمى.

4- أنشر هنا مختصراً للملفّ المذكور:

أولا: الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل: لقد مرت الحدود بين لبنان وفلسطين بالمراحل التالية:

  • التعريف : حصل بموجب القرار 318 الذي أصدره الجنرال غورو ( 31/8/ 1920).
  • التحديد : حصل بالإتفاق بين بريطانيا المنتدبة على فلسطين وفرنسا المنتدبة على سوريا ولبنان ( 23 /12/ 1920).
  • الترسيم: حصل من خلال إبرام اتفاقية بوله (Paulet )   نيوكومب (New Comb) في 7 آب 1923.
  • التثبيت: حصل بعدما أُودع محضر هذا الترسيم لدى عصبة الأمم في جنيف وتمّ إقراره (4 شباط 1924). هكذا أصبحت الحدود دولية.

أخذت الأمم المتحدة القرار 181 القاضي بقيام دولتين: إسرائيل وفلسطين العربية ( 29 أيلول 1947). وبعد نشوب الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1948 تم التوقيع على اتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل ( 23 آذار 1949 )، ونصت المادة الخامسة على:” أ- يجب أن يتبع خط الهدنة الدائمة الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين….”

تمت الموافقة  في أيار 1949 على انضمام “إسرائيل” إلى الأمم المتحدة وربطت عضويتها بتعهدها باحترام اتفاقيات الحدود والعودة أو التعويض عن اللاجئين الفلسطينين.

قامت لجنة الهدنة اللبنانية الإسرائيلية بين 5 و 15 كانون الأول 1949 ، بإشراف الأمم المتحدة، بعملية مسح جديدة للحدود وتم وضع 12 مادة حيث تم تثبيت النقاط الحدودية (من BP1 إلى 8BP3)، كما وضعت نقاط وسطيّة عددها 104 نقاط مع خرائط مرفقة توضح إحداثيات تلك النقاط. وفي محضر إجتماع لجنة الهدنة اللبنانية الإسرائيلية بإشراف الأمم المتحدة، تم الإتفاق على تجديد وضع الشارات ال 38 الأساسية، إضافة إلى النقاط الثانوية ( 18/1/1961).

من الواضح إذن، السيّد الوزير، أن الحدود بين لبنان و”إسرائيل” مرسّمة وموافق عليها من قبل الطرفين وبإشراف الأمم المتحدة، ولا يمكن للبنان أن يدخل في أي تفاوض لإعادة النظر بهذا الترسيم.

نلفت نظر الوزير مايك بامبيو إلى أن “إسرائيل” بعد حرب 1967 بدأت باحتلال قرية النخيلة اللبنانية وبعض مزارع شبعا ثمّ احتلّت في عامي 1978 و 1982 مناطق لبنانية أخرى. وعند إنسحابها حتى الخط الأزرق عام 2000، بقيت مناطق تحتلها إسرائيل في 13 نقطة تبلغ مساحتها 485487 م2.  يُضاف إليها مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية النخيلة وقرية الغجر بموازاة الحدود اللبنانية السورية المحتلة التي لم تنسحب منها “إسرائيل”، لكنّها استحدثت فيها محطات تزلج وسياحة لها مردود مالي سنوي لا يقل عن 6 مليار دولار.

ثانيا: الحدود البحرية بين لبنان و”إسرائيل”:

تعرفون حضرة الوزير، أن الحكومة اللبنانية وافقت على الإتفاقية الدولية لقانون البحار بموجب القانون 295 تاريخ 22/2/1994، بينما “إسرائيل” لم توقع، بالمقابل، على هذه الإتفاقية الدولية.

يعطي تطبيق هذه الإتفاقية لبنان الحقوق التالية:

  • 23500 كلم2 من المنطقة الإقليمية البحرية الخالصة.
  • يميل النقاش الدائر حول الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية لمصلحة “إسرائيل” مدعوماً من قبل إدارتكم ، إذ يهدف إلى اقتطاع مساحة 860 كلم2 من الحدود اللبنانية، إضافة إلى الخسائر المقتطعة الحالية المقدّرة ب 5500 كلم2.

اللبنانيون في القاع يحرمون من استخراج ثرواتهم البحرية الهائلة لمصلحة الغير، وعرب البترول خائفون على مستقبلهم لما بعد ال2050.

*كاتب وأستاذ مشرف في المعهد العالي للدكتوراه

العدد 116 / ايار 2021