مئويّة نزار والمجد الشّعري

قلّما يجود الزّمن بقامة شعرية من وزن نزار قبّاني، الذي عبر القصيدة ناثرًا على جسدها حقولًا من الخزامى والياسمين.

لم يكن مرور نزار قبّاني في الشّعر العربي مجرّد عبور شاعرٍ مرموق ذائع الصّيت، بل كان علامة عصره، وقاده ولَهه بالشّعر إلى قِمّة مجدٍ شعريّ لا يتسنّى إلا لمن يقبضون على النور متلبّسًا بالاشتعال.

شعريّة النار عند نزار قبّاني، لم تخفت طوال مسارٍ مُجَلٍّ، ولم يخبُ بريقُها طيلة عقود. فالنّجوم فقط لا تتعب من السّطوع، وهو النّجم المسكون بكاريزما شعرية وإنسانية ودبلوماسية كرّسته سيدَ المنابر والدواوين. وهو المتفرّد بنمطٍ شعريّ بارَزَ بسهلِه الممتنع جيلًا من كبار الشّعراء، ووشمَ بنجوميته زمنًا شعريًّا صار له عنوانًا.

تربّع الشاعر الدمشقي سليل الأسرة العريقة على عرش الشّعر العربي الحديث، مجدّدًا، ثائرًا، لمّاحًا، عاشقًا، وطنيًّا، إنّما عبر بصمةٍ نزاريّة وقولٍ شّعري رسَما خريطةً حديثة للقصيدة الجامحة والعذبة في آن.

مئةٌ مرّت على إشراق هذا النّجم العربي، الشّاعر المجدّد في روح القصيدة ونَفَسِها وحضورها، ولا تزال عروسَه الجميلة وعذراءه المرصودة على هنيهات وحيِه. ولا تزال قصيدته مَعلمًا في تاريخ الشّعر المعاصر لروّاد مدرسته في الحبّ والمرأة والوطن والحياة.

نزار قبّاني الرّيادي، الحالةُ الشّعرية الفريدة بأناقتها ونجوميتها وحضورها الأرستقراطي، وبسطوتها على القلوب العاشقة، تتمدّدُ كالزئبق إلى الخلود من دون افتعال وتكلّف. فها هي اليوم تظلّلنا في ذكراها التي أمسَت ذاكرةً كثيفة الحضور في الوجدان، عصيّةً على الغياب والأفول.