ندوة بعنوان »المساواة بين الجنسين ثورة لكن، من أي نوع«

البشر متجانسون لكنهم مختلفو الطباع والعادات، الفرد يعبّر عن ذاته ووحددته، لا العرق أو اللون أو الدين يعبرون عن أي انسان كان، لا اختلاف، لا تمييز بين جنس وآخر، الكل سواسية، في علم الايزوتيريك. ما هو الايزوتيريك؟ هو الدرب إلى باطن الانسان، هو الطريق إلى معرفة الذات عبر التطبيق العملي، هو بمثابة مسار وعي داخلي يساعد على تفتيح المقدرات العقلية والقوى الخفية الهاجعة في أعماق كل انسان، وذلك بهدف التطور والوعي على كل صعيد، ولا نقول بهدف التوصل إلى الذكاء السامي وسبر أغوار الأبعاد الفكرية فحسب … بل الوعي لمجريات الأمور، وسير الانسان نحو الأفضلية والكمال، انطلاقاً من أنّ الانسان هو سيد نفسه ومصيره. وتجدر الإشارة إلى أن مصطلح الايزوتريك يعني داخلي، جوّاني، باطني؛ إستخدمها فلاسفة الإغريق للإشارة إلى كل ما هو خفي… على عكس كلمة إكزوتيريك التي تعني خارجي، ظاهري. ثم شاع إستعمالها في اللغات الحديثة. والإيزوتيريك هو عقيدة المعرفة وإيديولوجيتها… والتحقق في الممارسة. هو الفكر العميق القوي والواسع المستنير الذي يسبر الآفاق. هو مجموعة علوم الإنسان في شموليتها، والحياة في أسرارها، والطبيعة في غوامضها، والفضاء في خفايا وكل ما تتعلّق معرفته بالإنسان المحور لكل شيء، بهدف توسيع آفاق وعيه وذلك بالتحقق بنفسه. وفي ظل التأويل والأخطاء الفاتحة في تحليل الاستراتيجييات والمعتقدات التي يأخذها البعض في الحسبان خلال قراءة المساواة واللامساواة بين الجنسين، كان للمهندسة هيفاء العرب ندوة لتصحيح الكثير من الأفكار الباهتة والبالية، تحت عنوان »المساواة بين الجنسين ثورة لكن، من أي نوع؟« وذلك في قاعة المحاضرات في البيال خلال معرض بيروت الدولي للكتاب، وعالجت الندوة من خلال نظرة شاملة تحليلية بحت من خلال الإدراك البشري لاختلاف النظريات والآراء حول المرأة والرجل في المجتمع.

بدايةً، عرضت المهندسة هيفاء العرب إحصاءات لعدد من الأسئلة طرحتها على شريحة من المجتمع وذلك للتحليل المكثف لآراء أفراد المجتمع، وكيف تتباين هذه الآراء، ثم شرحت العرب كيف يرى الايزوتيريك هذه القضية وكيف يحللها من خلال كتب مختصة بهذا الموضوع في الايزوتيريك.

الرؤية الايزوتيريكية للمرأة والرجل

unnamed-12
المهندسة هيفاء العرب

تقول المهندسة هيفاء العرب أن علم الايزوتيريك يتميز عن سواه بأنه يتخذ من الإنسان محوراً… ولا يعالج أي موضوع لا يفيد تطور الإنسان. ويطرح كتاب »المرأة والرجل في مفهوم الايزوتيريك » هو كتاب المرأة كانسان، والرجل كانسان في مسار التطور. فلكلمتيْ المرأة والرجل أبعاد تجعل الفكر يغوص عميقاً في كل ما كتب ويكتب عن علاقة هي في الأصل أساس بناء الحياة أولا والمجتمع ثانياً. خاصة أن واقع تلك العلاقة يضع المرأة في موقف غير متكافئ، تتنازعه الحيرة والأسى والشد العكسي. وهو واقع حال الجمعيات النسائية ولجان الدفاع عن حقوق المرأة اذ تخوض صراع التحرر، صراع المساواة الكاملة بين المرأة والرجل. فالمرأة التي كانت تمثل العنصر الضعيف على مر العصور ) بحسب التاريخ الذي كتبه الرجل عنها( ما فتئت تطالب بحقوقها إلى حد الثورة على الرجل ومحاولة التسلط عليه، إن لم نقل الثأر منه أحيانا… والرجل من ناحيته، والذي كان يمثل الحاكم المطلق داخل العائلة وخارجها، بات يجد في المرأة منازعاً يهدد وجوده وسلطته وتاريخه. فهل المرأة محقة بثورتها للمطالبة بحقوقها إسوة بالرجل؟ وهل الرجل عادل في تصلبه؟ ولاسيما أننا وسط هذه الصراعات نشهد العائلة كمؤسسة تتضعضع أو تنهار وبالتالي تتصدع البنية التحتية للمجتمع. الإجابة عن هذه الطروحات تستلزم الوعي في تحليل أسباب صراع المساواة بين الجنسين الذي زُرِعَت بذوره مع بدء التاريخ المكتوب، وتمتد جذوره في أعماق حاضرنا، ويكاد يهدد ظلامه مستقبل الأجيال الصاعدة من خلال تبادل الأدوار…فمرة الظالم هو الرجل ومرة المرأة، فتتفاقم سوء المعاملة ويعود العنف إلى الواجهة.

وتضيف العرب أن المرأة والرجل انطلقا معاً في مرحلة ما من مفهوم الإنسان كوجود، وهذا الوجود هو حقيقة وحدةٍ انعكست من الإنسان الكامل في رجل وامرأة، وهذا الانعكاس امتداد، والامتداد مساواة أطلقها النظام الكوني العادل الحكيم. فهو ) أي الكتاب ( » محاولة تتصدى لأعتق مشكلة في التاريخ، ألا وهي الثنائية. إن » مهمة الايزوتيريك جلاء الغموض وإزالة الغبارعن كل ما يفيد الإنسان ويفتح وعيه، لأن الايزوتيريك كما وصف البعض مؤلفاته هو »تاريخ وجود الإنسان وأصالته وإطلالة معرفته ونهج تطوره في الحاضر… نحو المستقبل البهي«.

وتشدد هيفاء العرب أن السر، كل السر يكمن في الوعي، لأنه المحور الذي يرسم بموجبه الإنسان دائرة وجوده ضمن مسار التطور والارتقاء صعداً نحو الأصل، نحو الوحدة الأولى، نقطة الانطلاق والهدف في آن واحد. »والصعود هو الاسم الروحي للتطور« على ما يذكر الأب يوسف يمين في مقدمته للكتاب. يبدأ الكتاب بالقول »اكثر ما يلفت الانتباه في واقع مجتمعنا هو التمييز المجحف بين المرأة والرجل… واكثر ما يلفت الانتباه على مسار الباطن الإنساني – الايزوتيريك، هو تساويهما اللأساسي«.

بعد الندوة كان لـ»الحصاد« حديث مع المهندسة هيفاء العرب حول بعض الإشكالية المطروحة في هذا الموضوع.

»الحصاد«: إلى أي مدى يسمح مجتمعنا بتحقيق المساواة بين الجنسين في ظل المعتقدات والعادات البالية التي تشرع سلطة الرجل على المرأة؟

»هيفاء العرب«: المسألة أبعد من المعتقدات والعادات المتوارثة، فالطابع الذكوري يغلب على المجتمعات قاطبة وإن بنسب مختلفة… أي أن المسألة لا تقتصر على المجتمعات المحافظة. أضف إلى أن المرأة هي شريكة في واقع الحال، خاصة إذا ما ركّزنا على دورها في تربية الأجيال، كدور أساس. بالتالي المجتمع ليس صاحب السلطة في أن يسمح أو الا يسمح بالمساواة، حال اللامساواة بين الجنسين في المجتمعات هي نتيجة ومعالجة النتيجة تتطلب الغوص إلى أسبابها… هنا يكمن دور المرأة في سعيها إلى تحقيق المساواة التي تنشد مع الرجل.

»الحصاد«: كيف يعالج علم الإيزوتيريك العنف الأسري؟

»هيفاء العرب«:علم الإيزوتيريك هو علم الوعي، ومن يتعمق في دراسة منهج علم الإيزوتيريك كما يقدّمه الدكتور جوزيف مجدلاني مؤسس مركز علم الإيزوتيريك الأول في لبنان والعالم العربي، من يتعمق في دراسة هذا المنهج لا يطور وعيه فحسب وإنما يحسن حياته في جوانبها كافة. إذا ما تناولنا كلمة عنف في المطلق نجد أنها نقيض كلمة وعي في المطلق أيضًا. بالتالي حيث الوعي لا عنف وحيث الجهل احتمالات وقوع العنف تتزايد. مسألة العنف الأسري شائكة لكنّها عامة حالة تخلو من الوعي، بمعنى أن المرأة لا تعي أبعاد الخيار الذي تقوم به والذي يقودها إلى حياة تكون فيها معنفة )وقد يكون الرجل هو المعنف أيضًا في بعض الحالات…( وقد سمعت شهادات عدة لنسوة تعرضن للعنف، ومن شهاداتهن أنهن لو كنّ أوعى لما اخترن ما أوصلهن إلى العنف… قد تقولين لي أن الاختيار قد يفرض فرضًا على المرأة خاصة في المجتمعات الفقيرة، هنا الحديث يتشعب ولا بد لنا أن نتطرق لموضوع الكارما الخاصة بكل حالة… فلكل حالة تشخيص مختلف ولكن غياب الوعي يختصر بشكل عام مجمل الحالات…

»الحصاد«: هل المساواة بين الجنسين تحقق التكافؤ والتجانس الكاملين؟ وكيف؟

»هيفاء العرب«:علم الإيزوتيريك يشدد على أهمية تحقيق الحب في حياة المرء الذي يسعى إلى تطوير حياته. غياب المساواة بين الجنسين يعني الغياب الكامل للحب الواعي بينهما. وبداية الحب هي بداية تقارب ومداواة منهجية للشرخ العميق القائم بين الجنسين. لا يمكن اختصار المساواة بكلمة فهي كارما يدفع ثمنها الجنسان معًا والمجتمعات قاطبة.

»الحصاد«: ما هي أبرز القضايا التي يعالجها اليوم علم الإيزوتيريك؟

»هيفاء العرب«: علم الإيزوتيريك يعالج كل ما يختص بالنفس البشرية لرفع مستوى وعيها ونشر العدل والسلام في المجتمعات كافة.