واو الدهشة للعوّام وعبد الغني

تمتهن جهينة العوّام مهنة المخاطرات، فهي تغامر بألمِها كي تسجّل هدفاً صعباً في مرمى الأدب الحديث، لتحظى بنعمة الرواية الحقيقية التي لا تنفيها الأحلام والأمنيات.. هي شاعرة تحمل نصّاً يطرح مشاغل أرضية في فضاءٍ إنساني رحب، بإحساسٍ تغلب عليه متعة المبارزة…

في »واو الدهشة« الكثير من التساؤلات التي تضعنا على حافة الانعجاب بالنص كونه طاقة مُنبجسة من دراية وتأنٍ، لناحية تاريخية الحدث الذي ارتبط بوقائع حصلت إبَّان الثورة السورية الكبرى، وتناغمها مع مشكلاتٍ خرجَت من مدلولها المادي لتجسّد فكرة العالم الجديد الذي خلقته، وذلك باعتمادها شخصيات حقيقة أثّرت في الواقع وأضافت رؤى جديدة للثورة عبر التمرّد على الذات، وبانتقائها الشخصية الجبرانية كعنوان لرؤيتها كشخصية رجا العارف، والمقاوم في شخصية سعد القنّاص.. وهؤلاء شخص واحد في داخلها… والملفت أن العوّام طعّمت الحوارات بشعريةٍ عالية أكثر من سرد ممجوج وهو ما تحتاجه الرواية الحقيقية منذ ولادتها، فجعلتنا ننزع الى دواخلنا لنقرأ علامات استفهام كثيرة يحملها خلل الإجابة عنها واقع حال أمّتنا المزرية…

إضافةً، لقد عَمدَت جهينة الى تحرير الكثير من الأفكار القديمة خلال رحلة القبض على المعنى، وكأنَّ مصير الرواية ينزاح عند الكثير من الروائيين، فيعلَقون بالمتن والسرد دون إيجاد رؤية أو استدلال للمعاني، أي الغرض من العمل الفني…

وقد نجحت جهينة في دخولها في تجربة فريدة مع شريكها في الرواية محمود عبد الغني الكاتب المصري الذي بدأت عنده الرواية في المكان الذي انتهت هي إليه، ويبدو لنا أن الموضوع المُتابع واحد، دون أن نعرف مَن كتبَ بقية الرواية إلا من خلال الأسلوب في الثلث الأخير منها، حين نصل الى رسائل جمال نصر، التي تختزل حكاية رجا العارف ورؤيته الجمالية للعالم.

هذا الصحافي الحشّور الباحث عن حدثٍ يُعيد أنفاسه إلى روعة الحلم، راح في تحدٍ ذاتي نحو ارساء فكرة الخبر اليقين، بعد أن استعصى عليه البحث عن مكان يرشده إلى التفاصيل المدهشة، فوجدها في

إصاره على التقدم نحو الحدث…

محمود عبد الغني )جمال نصر( أخذ يستطلع مناخات حديثة تصوِّر العالم المُشاهد بعين لمّاحة، تختفي بعدها الصور الى صور تعتمد المفاجأة التي دمغت الرواية بعنوانها » واو الدهشة«…

 رواية جديرة بأن تُقرأ وتُعمَّم، كونها تدلّنا على نوازع فينا لم تُصهر بعد.. يضاف إليها البُعد الجبراني المؤسِس لفكرة خلود المعنى حين نستشفّ رحاه برؤيةٍ شجاعة، ونمطٍ جديد تسعى إليه رواية العصر…