اقتران الذات بالحداثة في قصائد السعودي مهدي العطوي

الحداثة والتجديد عنصران أساسيان في توليفة الأبيات الشعرية لدى السعودي الشاب مهدي العطوي، الذي قرّر أن يخرج عن المألوف ويغرّد خارج السرب مع الاحتفاظ بطابع البيئة والعناصر المجتمعية السائدة!

يعمد العطوي إلى استنباط روحيّة متجددة تحكي واقعه حيث يبدأ من الذات وينتهي عند الآخر وسط ضجيج من

الشاعر مهدي العطوي

الكلمات الملحنة والإيقاع المنفرد.

“الحصاد” كان لها حديث خاص مع الشاعر مهدي العطوي عرّفنا من خلاله إلى نشاطاته الشعرية ونظريته المتجددة في التوارد الشعري.

  • “الحصاد”: حدثنا عن علاقتك مع الشعر.
  • مهدي العطوي: كانت بداياتي مبكرة مع الشعر فقد ولدت في بيئة شعرية محبة للأدب ولقد غرس ذلك حبّ الشعر في نفسي منذ الصغر. أولى محاولاتي لكتابة قصيدة عن عمر الثانية عشرة تقريباً. الشعر متنفسي الوحيد لكل ما يدور في نفسي ولكل ما يدور حولي من أحداث.
  • “الحصاد”: غالباً ما يكون للمكان والزمان وقع فريد عن سواه. ماذا يعنيان لك؟
  • مهدي العطوي: الزمان والمكان ثنائية تقوم عليهما بنية الكثير من الأعمال الأدبية نظراً لأهميتهما في حياتنا، لكن هذه الأهمية قد تبدو بصماتها واضحة لدى بعض الشعراء، لذلك يُعدّ الكشف عنها تبيان لبعض سلوكياتهم وأحاسيسهم، وقد يلقي هذا الكشف الضوء على خلفيات النص الأدبي فيكون عاملاً مساعداً في تفسير كثير من النصوص للقارئ.

الزمكانية حاضرة في أغلب النصوص بشكل واضح لأن الزمن له دلالات كثيرة، منها التاريخية والطبيعية إضافة إلى الزمان النفسي والرمزي الذي يعطي قيمة ويضيف التشويق لأي نص كيفما اذا كان هذا النص شعراً.

  • “الحصاد”: التماهي في الفكرة والتسلسل السلس للأبيات عمود القصيدة. كيف تحقق ذلك بقصائدك؟
  • مهدي العطوي: تسلسل وترابط الأبيات والصور الشعريّة يُعدّان أهم ما في القصيدة حيث تصل الفكرة للمتلقي بشكل أوضح ومتسلسل بحيث تمنع تشتته. وهذا نطلق عليه مصطلح (الحبك والسبك) وباعتقادي أن الوصول الى هذه المرحلة تأتي بعد مشوار طويل من خوض التجارب الشعرية المتنوّعة.

لذا لتحقيق ذلك يجب التركيز على ترابط النص وترابط صوره الشعرية في البيت الواحد وفي القصيدة ككل وسلاسة الانتقال بين أبيات القصيدة وبين الأفكار لتخرج القصيدة قطعة واحدة متماسكة.

  • “الحصاد”: تستخدم أحياناً العامية قي القصائد. بماذا تختلف عن القصيدة الفصحى؟
  • مهدي العطوي: العامية أو الشعر النبطي لا يختلف كثيراً عن الفصحى من ناحية الأوزان والبحور فهو امتداد
    خلال إحدى الندوات الشعرية.

    للشعر الفصيح فمثلاً نجد بعض البحور الشعرية المستخدمة في قصائد العصر الجاهلي موجودة الآن في الشعر النبطي باختلاف المسمّيات. فمثلاً بحر الوافر يسمّى بالنبطي بحر الصخري، كذلك بحر الهزج يسمّى بحر الشيباني أو اللويحاني.

أرى حقيقة أن الشعر النبطي هو الأقرب للمستمع لكون اللهجة العامية هي اللهجة الدارجة والمستخدمة بين الأفراد.

  • “الحصاد: قصائدك قريبة من أن تُلحّن وتغنّى.. هل لديك تجربة في هذا السياق؟
  • مهدي العطوي: لعلّ السبب في ذلك هو ميولي لكتابة القصيدة العذبة والعميقة بمعنى فيه جرس موسيقي واضح إضافة إلى القافية السلسة. وهذه مميزات الشعر الغنائي. لديّ تجربة فنية مع عدد من المنشدين والفنانين من المملكة وخارجها. لديّ عمل جديد مع الفنان محمد المطروشي وأغنية “ما في عتب” مع المنشد عبدالرحيم الروقي وكذلك أغنية “يا جنونك” مع المنشد عبدالمحسن الصدفاني.
  • “الحصاد”: القصيدة الحديثة أثبتت تجربتها وما زالت تسعى، برأيك هل هو زمانها؟
  • مهدي العطوي: القصيدة الحديثة يميّزها الخروج عن الشكل العمودي التقليدي للنص وقد أثبتت نجاحها. وباعتقادي في ظل العولمة وطبيعة الزمن الحالي أصبح جمهور القصيدة الحديثة كبيراً وأصبح هناك رواج للقصيدة الحديثة التي لها طابع خاص. كما أنني لا أحبّذ أن تكون الحداثة في النص بشكل مملّ أو غامض بحيث تضع المتلقي في حالة حيرة!

وإذا اطلعنا على قصائد الحداثة في نصوص الأمير بدر عبدالمحسن عرّاب الحداثة في الشعر النبطي لوجدنا أن الحداثة فيها اعتدال.

  • “الحصاد”: الواقع والشعر.. كيف يتلاقيان في قصائدك؟
  • مهدي العطوي: الشاعر يعيش بين واقعه الخاص وخياله وواقع المجتمع فهو يعيش في ثلاثة عوالم مختلفة في آن. تجده مرّة هنا ومرّة هناك وأقول في هذا الخصوص:

“الــشـعـر يــأخـذنـي إلــــى عــالـم بـعـيـد

أهـــرب مـــن الــواقـع وأســافـر لـلـخـيال

أفـضـفـض شـعـوري وسـولـف لـلـقصيد

افـــــرغ هــمــومـي بــصـمـتٍ وانــفـعـال

اقـــول مـــا فــى خـــاطري والـــلي أريـــد

اتــقـــص الأدوار فــــي جــــو انــعــزال”.

الواقعية والخيال جزء لا يتجزأ من كينونة الشاعر فهو يشعر بواقعه ويستشعر بخياله.

  • “الحصاد”: لماذا يكتب مهدي العطوي الشعر في الحب؟ وراحة البال؟ والفرح؟
  • مهدي العطوي: الشعر رسالة يجب أن يحملها الشاعر على عاتقه لذلك أحب دائماً أن أنشر التفاؤل والطاقة الإيجابية في كتاباتي.
  • “الحصاد”: القافية واضحة وصريحة في قصائدك. أيهما أهم القافية أم الفكرة؟
  • مهدي العطوي: أعتقد أن الفكرة تبقى الأهم حيث على الشاعر البحث عن الجديد المميّز على الدوام، ثم تأتي القافية والجرس الموسيقيّ للنص لكون القصيدة تقوم على الوزن والقافية لكن كذلك لا نهمل أهمية القافية السلسة والجميلة والتي تتناسب مع فكرة ومفردة النص وتتماشى معه.
  • “الحصاد”: الأسلوب السهل الممتنع يغذّي الروح خصيصاً الشاعرية. كيف تترجم ذلك كشاعر؟
  • مهدي العطوي: أنا من معتنقي مدرسة السهل الممتنع وهو أجمل الأدب عموماً، والشعر خصوصاً، وسهولته
    ولإلقاء الشعر مكانة

    لم تأتِ من ضحالته، بل من موهبة قائله، واكتمال الصورة في خياله، واستسلام الفكرة لتعبيره، حتى أنه يسيطر عليها ويصوغها أجمل صياغة فتصل الفكرة.

  • “الحصاد”: التناقل بين أساليب الشعر قوة؟ أي أن الشاعر يحتاج التجربة حتى يصل إلى مبتغاه الأخير؟
  • مهدي العطوي: التجربة الشعرية هي الخبرة النفسية والفكرية للشاعر حين يقع تحت سيطرة مؤثر ما فيندمج فيه بفكره ووجدانه. وهذه الخبرة لا تأتي إلا بعد سنوات من الإطلاع والمعرفة والتمرّس. التنقل بين أساليب الشعر يعطي الشعر الخبرة الكافية للوصول إلى مبتغاه وإيجاد ضالته.
  • “الحصاد: ما رأيك بالشعر في المملكة؟
  • مهدي العطوي: يحتلّ الشعر في المملكة العربية السعودية مكاناً مهماً جداً في التاريخ الأدبي لشبه الجزيرة العربي. فهو امتداد لثقافة وأدب العرب من العصور القديمة جداً إلى العصر الحالي فسوق عكاظ في العصر الجاهلي والذي كان يقام بالقرب من مدينة الطائف كل عام، حيث كان يقصده جميع العرب وشعرائهم لإلقاء قصائدهم خير دليل على مكانة الشعر في الجزيرة العربية والتي تشكل المملكة العربية السعودية الجزء الأكبر منها مهتمة بهذا الإرث الثقافي. فالشعر ما زال حاضراً إلى وقتنا الحالي مع تطور في أساليبه ومدارسه كي يتماشى مع تغييرات العصر وأحداثه.
  • “الحصاد”: تعشق التجديد وذلك واضح من شعرك، كيف يشبع ذلك دورك كشاعر وحامل رسالة؟
  • مهدي العطوي: أكره التقليد في نظم القصائد وأعشق التجديد بالمعنى والأفكار. التجديد هو مطلب الإنسان دائماً وهذا ما يدفعه إلى الاختراع والإبداع والتغيير. هذا التجديد ينطبق على الشعر وأساليبه، فطبيعة الإنسان يملّ من التكرار.

لذلك التجديد في الأفكار والصور الشعرية وإلباس المفردات حلّة جديدة لتظهر بشكل أنيق وفي أبهى صورة شعرية هو المطلب المنشود لإدهاش المستمع.