الخطر الاقتصادي يخيّم على لبنان السياسي

اختبار القدرة التمويلية يقترب

 إجراءات مصرف لبنان مسكّنات موقّتة

 6 أولويات اقتصادية على أجندة الحكومة الجديدة

 العيون الدولية تراقب إلتزام لبنان بما قدمه إلى مؤتمر »سيدر«

 الجهات المانحة تتطلع إلى آلية واضحة للتنفيذ

غسان الحبال

يخيم الوضع الاقتصادي والمالي على الهواجس القائمة في لبنان، بل يكاد لا يخلو تصريح للقيادات السياسية من إشارة إلى حراجة الوضع المالي والنقدي في بلد ناهز دينه العام 83 مليار دولار.، فيما تبدو مساعي تشكيل الحكومة محكومة بالعجلة بسبب هذا الوضع، والمصرف المركزي يبادر إلى إطلاق عمليات تبادل سندات دين حكومية من محفظته ليرفع رصيده من العملات الأجنبية، بهدف الحفاظ على الاستقرار النقدي لأطول فترة ممكنة. وتتراكم المؤشرات على أن المقبل من الشهور سيكون قاتماً ما لم تتسارع خطوات استعادة الثقة بالاقتصاد على المستويين المحلي والدولي.

كلام بالأرقام

الأرقام الصادرة حديثاً توضح الصورة العامة عن الضعف الذي يعتري مفاصل الاقتصاد اللبناني، فنمو الناتج المحلي ما زال منخفضاً عند مستويات لا يمكن أن تساهم في خلق فرص عمل لمكافحة البطالة المرتفعة. المؤسسات المالية العالمية كـ»البنك الدولي« و»صندوق النقد الدولي« تتوقع نمواً لا يتجاوز 2٪ هذا العام، ويفيد تقرير أصدره »بنك عودة« أن النمو الحقيقي يُتوقع أن يكون بنسبة 2.3٪ في 2018، وبمعدل 2.9٪ من 2018 إلى 2022. أما الدين العام المتنامي فبلغ نحو 149٪ من الناتج.

وكانت السنوات القليلة الماضية قد شهدت ارتفاعاً مستمراً لمعدلات الفقر والبطالة. فقد زادت نسبة الفقر من 28٪ في العام 2008 إلى أكثر من 31٪ في العام الماضي. كما زاد معدل البطالة إلى أكثر من 30٪ في أوساط الشباب.

وتُظهر أرقام أصدرتها »مصلحة المعلومات الصناعية« في وزارة الصناعة في تقرير مفصل عن الصادرات الصناعية وواردات الآلات والمعدات الصناعية، ان مجموع قيمة الصادرات الصناعية اللبنانية خلال الشهرين الاولين من 2018 بلغ 390.4 مليون دولار، مقابل 372.6

الحريري في مواجهة حكومة جديدة تلبي شروط مؤتمر »سيدر«
الحريري في مواجهة حكومة جديدة تلبي شروط مؤتمر »سيدر«

مليون دولار خلال الفترة ذاتها من العام 2017 بارتفاع نسبته 4.8٪ مقارنةً بالعام 2017. في المقابل، بلغ مجموع قيمة الواردات من الآلات والمعدات الصناعية خلال الشهرين الاولين من هذا العام نحو 42.8 مليون دولار مقابل 31.7 مليون دولار خلال الفترة ذاتها من 2017.

إلى ذلك، أظهرت نتائج مؤشر »بنك بيبلوس« و»الجامعة الأميركية في بيروت« لثقة المستهلك في لبنان للفصل الأول من 2018 تراجعاً بنسبة 0.6٪ في يناير )كانون الثاني( عن الشهر السابق، وانخفاضاً بنسبة 0.3٪ في فبراير )شباط( وتراجع بنسبة 6.4٪ في مارس )آذار( 2018. واستناداً إلى إحصاءات »جمعيّة مستوردي السيّارات« بلغت مبيعات السيّارات الجديدة في لبنان 2539 سيّارة خلال أبريل )نيسان( الماضي مقارنةً مع 2901 سيّارة في مارس )آذار( و2536 سيّارة في شهر أبريل )نيسان( 2017.

وعلى المؤشرات الدولية، احتلّ لبنان المركز الـ104 بين 115 دولة في العالم، والمركز السادس بين 11 دولة عربية، والمرتبة 29 بين 32 دولة ذات الدخل المتوسط إلى المرتفع على مؤشّر شفافية الموازنة للعام 2017 الصادر عن مشروع »شراكة الموازنة الدولي« )International Budget Partnership(. كما احتلّ المركز 140 عالمياً والمركز الـ12 بين 15 دولة عربية والمركز 38 بين 49 دولة ذات الدخل المتوسط إلى المرتفع على مؤشّر الحرّية الاقتصادية للعام 2018 الصّادر عن مؤسسة »هيريتيج فاوندايشن« بالشراكة مع صحيفة »وول ستريت جورنال« ويضم 180 دولة.

عناوين وأولويات

وفي نظرة معمّقة، يمكن تفنيد المشاكل المتفاقمة في الاقتصاد اللبناني والتي يجب أن تكون في أولويات الحكومة الجديدة تحت العناوين التالية:

1- عجز الموازنة: يبلغ هذا العجز نحو خمسة مليارات دولار سنويا ما يرفع الدين العام بمعدل وسطي سنوي يصل إلى ثلاثة مليارات دولار.

2- أزمة قطاع الكهرباء: يشكّل العجز الذي تتكبده مؤسسة »كهرباء لبنان« سنوياً أحد أبرز مصادر عجز الموازنة إذ تعتمد المؤسسة على الدعم الذي تقدمه الحكومة لتغطية بيع الطاقة بسعر أقل من كلفة الإنتاج وكذلك لتغطية شراء المحروقات.

3- غياب الاستثمارات: لقد ساهم غياب الاستقرار السياسي والأمني في لبنان في تراجع الاستثمارات وخصوصاً في القطاعات المنتجة، وبالتالي فإن غياب أي معالجات جدية سيساهم في استمرار ضعف النمو. ومن هنا تنبع الحاجة إلى تحسين مناخ الأعمال بهدف رفع الاستثمار وزيادة النشاط الاقتصادي عبر إجراءات ضريبية تحفيزية وتسهيل الإجراءات الإدارية.

4- غياب الإصلاحات الاقتصادية: إن إجراء إصلاحات اقتصادية هيكلية وقطاعية كان ولا يزال في طليعة التوصيات التي تصدرها المؤسسات المالية العالمية والتي لم تلق تجاوباً من الحكومات اللبنانية المتعاقبة إلا على شكل خطوات خجولة كان آخرها قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

5- عجز الميزان التجاري: لهذا الامر تداعيات سلبية على ميزان المدفوعات وبالتالي على استقرار العملة المحلية وقدرة المصرف المركزي على توفير العملات الأجنبية.

6- محاربة الفساد: قد يكون هذا العنوان هو القاسم المشترك بين الثوى السياسية. ووفق بعض الأرقام فإن الفساد والهدر يتسببان بخسائر قيمتها نحو 10 مليار دولار سنوياً.

الخطر الداهم

في الآونة الأخيرة كان لافتاً التراجع الذي أصاب أسعار سندات الدين الحكومية اللبنانية بالعملات الأجنبية )يوروبوند( وتعزز هذا الاتجاه عندما أعلن المصرف المركزي إجراء عملية استبدال لجزء من هذه السندات الموجودة في محفظته والتي سبق أن اكتتب بها ما أنتج تراجعاً في العائد عليها في السوق الدولية إلى ما بين 8٪ و9٪ الأمر الذي يعكس ضعف الطلب عليها.

وإذا كانت هذه السندات حاجة للدولة اللبنانية لتأمين ما يلزمها من العملة الصعبة لتمويل عجزها السنوي الذي يقارب خمسة مليارات دولار سنوياً، فإن المصرف المركزي يحتاج أيضاً لوجود احتياط كبير من الدولار لمواجهة الطلب من ضمن سياسة تثبيت سعر صرف الليرة، وكذلك لتعزيز الثقة في سوق الصرف الداخلية ولإيجاد هامش من القدرة في الطفاع عن العملة الوطنية.

والطلب على الدولار مصدره الأساس هو العجز السنوي في الميزان التجاري، الذي يقارب 17 مليار دولار، وبالتالي فإن »المصرف المركزي« يحتاج إلى هذا المبلغ لتغطية قيمة الواردات. وهذه المبالغ الضخمة تأتي عادة من مصدرين أساسيين هما الاستثمارات الخارجية

أزمات لبنان الاجتماعية تضع اقتصاده على شفير الهاوية
أزمات لبنان الاجتماعية تضع اقتصاده على شفير الهاوية

وتحويلات المغتربين وهما لا يكفيان لسد هذا النقص فيلجأ إلى استعمال سندات الدين.

استدان لبنان نحو 31 مليار دولار مقابل سندات في السوق الدولية، والذين يكتتبون بها يتاجرون بها أيضاً عند حاجتهم للسيولة أو عندما يلمسون فرصة لتحقيق الربح.

بطبيعة الحال فإن المستثمرين قد يلجأون للتخلص من هذه السندات عندما يلمسون ارتفاعاً في الأخطار التي تحيط بها، وهذا ما ينطبق على الحالة اللبنانية ففي الفترة الأخيرة، بدأت أسعار السندات تنخفض وهذا يعزز التوجه الى بيعها، ويستنتج منه خوف حامليها من الاحتفاظ بها على خلفية مراقبتهم للتطورات السياسية والأمنية الداخلية وربما نتيجة لمعلومات يملكونها في ها المجال.

مصرف لبنان احتاط للأمر ونفذ عملية استبدال بين جزء من سندات اليوروبوند التي في حوزته مقابل شهادات إيداع كانت المصارف المحلية تحملها، ما أدّى إلى إطالة آجال استحقاقات الدين بالعملة الأجنبية.

تخلص مصرف لبنان من عبء المديونية بالدولار لعام 2018، لكنه سيواجه المشكلة نفسها في السنة المقبلة. الحاجات بالدولار ستتزايد في 2019 وهو لديه خيار اللجوء مجدداً إلى عمليات استبدال يسميها هندسات مالية تعزز احتياطه من العملات الأجنبية. كمت أن لديه خيار رفع سعر الفائدة، وهذا خيار نصحت به المؤسسات الدولية ةفي طليعتها »صندوق التنقد«. إلا أن لهذا الخيار انعكاس مباشر على كلفة الدين العام، ما يعني ضمناً تعميق المشكلة في المالية العامة للدولة.

الأسواق تتناقل اليوم حديثاً ما زال خلف أبواب مغلقة عن شكوك بقدرة لبنان التمويلية، وإذا ما صح ذلك فإن هذا يعني مباشرة زيادة درجة الأخطار واحتمالاً كبيراً لخفض التصنيف الائتماني للبنان، وهو أمر لمّحت إليه »موديز« في تقريرها الأخير عن لبنان، وإن كانت ترى أن مصدر المخاطر الأكبر هو مجموع النشاطات السياسية والأمنية والاقتصادية.

امتحان مؤتمر »سيدر«

تعوّل الدولة اللبنانية على النتائج والتعهدات التي حصلت عليها من الدول والجهات المانحة للاستثمار في مشاريع البنية التحتية بما يخلق آلاف فرص العمل ويرفع النمو الاقتصادي.

إلا أن جهات من الدول المانحة أبلغت »الحصاد« أن السير بتنفيذ هذه المقررات يرتبط بشكل مباشر بمسألتين:

الأولى تشكيل الحكومة الجديدة ومراقبة إسناد الحقائب إلى الأطراف السياسية.

والثانية خطوات ملموسة تنفذها هذه الحكومة في تنفيذ التعهدات اللبنانية المقدمة الى المجتمع الدولي بمكافحة الفساد وضبط الهدر في القطاع العام.

ووفق مصادر »الحصاد« فإن الجهات المانحة تعكف على مراقبة الجهود المبذولة لإنتاج آلية مستدامة لمتابعة التقدم المحرز على أربعة مستويات هي: تطبيق المشاريع، الدعم المالي، أجندة الاصلاحات، والنتائج. ومن ضمن هذا الجهد فإنه من المتوقع أن يعود السفير الفرنسي في

مصرف لبنان.. السياسات الترقيعية لم تعد تجدي نفعا
مصرف لبنان.. السياسات الترقيعية لم تعد تجدي نفعا

لبنان بيار دوكان، الذي أشرف على التحصيرات لمؤتمر »سيدر«، إلى بيروت بعد تشكيل الحكومة الجديدة للوقوف على هذه التفاصيل ومتابعة التنفيذ مع الجهات اللبنانية.

وترى المصادر أن الاصلاحات المقدمة ضمن الرؤية التي عرضت في مؤتمر »سيدر« جرى إعدادها يشكل يتيح تنفيذها سريعاً، وكان الهدف من ذلك إعطاء زخم من الثقة خلال المؤتمر. وتتوقع المصادر نمواً ضعيفاً بسبب ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية وكذلك زيادة أسعار الفوائد على الدولار وهما يشكلان عاملي ضغط على الاقتصاد.

وتنتقد المصادر برنامج الاصلاحات الذي قدمته الحكومة اللبنانية الى مؤتمر »سيدر« وتعتبره مفصّلاً جداً وهي تطالب برؤية أكثر شمولاً، كما أن هناك حاجة إلى خطة تتضمن الأولويات على المدى المتوسط، وضرورة وجود جهد مشترك للتواصل مع التركيز على إصلاحات لها الأولوية وتحديداً الحوكمة المالية والاستدامة.