قراءة في كتاب »بورتريه للموت« ـ أنطولوجيا لشعراء سوريّين

د. سرجون كرم
د. سرجون كرم

ليندا نصّار

   إنجاز جديد صدر حديثا للدّكتور »سرجون كرم« »والدّكتور سيباستيان هاينه«، وهو ترجمة قصائد إلى اللّغة الألمانيّة لتسعة شعراء سوريّين، من مجموعة »ثلاثاء شعر«. الشّعراء هم: زيد قطريب )مؤسّس المجموعة(، مناهل السهوي، جوزيف حداد، أحمد كرحوت، أحمد ودعة، معاذ زمريق، أحمد سبيناتي، أحمد علاء الدين، أمير عدنان مصطفى. وكان »كرم« و«هاينه« قد قاما بعدّة ترجمات منها: كتاب »وطن للتّهجئة« لمجموعة شعراء »شهرياد« لبنان.

   الدكتور »سرجون كرم« الّذي عمل على ترجمة الكتاب، هو أستاذ مادة الترجمة واللغة العربية في معهد الدراسات الشرقية والآسيوية في معهد العلوم الإسلامية واللغات الشرقية في جامعة بون في ألمانيا، أمّا الدكتور »سيباستيان هاينه« الّذي عاونه، فهو متخصص في علم اللسانيات المقارنة وباللغات السنسكريتية والهندوجرمانيّة في الجامعة نفسها، وقد قامت بتدقيق الكتاب المترجمة الدّكتورة »كورنيليا تسيرات«، كما صمّمت الغلاف المهندسة اللّبنانيّة »جان عيسى كرم«.

     »ثلاثاء شعر«، مجموعة من الشّعراء الشّباب السّوريّين الّذين يلتقون كلّ ثلاثاء، يتقاسمون لقمة الشّعر، يوزّعونه خبزا في زمن أكلت الحرب فيه كلّ شيء ما عدا بقايا الإنسان، هؤلاء لم يجدوا أمامهم إلّا أن يشكروا الموت راضين بواقعهم، محاولين تخفيف الألم عبر كتابة الشّعر بما أنّه نضال، وبه يواجه الشّاعر العالم في هذا الحوار الإبداعيّ على الرّغم من الدّمار المهيمن… وبالشّعر يفتح ثقب الكون لتتنفّس الوجوه المظلمة الّتي خطّتها أصابع الموت.

    وفي حديث مع الدّكتور »سرجون كرم« أفادنا أنّ الإضاءة على تجربة الشّعر الحديث وإظهار تطوّره في مرحلة الحرب عبر شعراء في زمن سمّاه »طوفان الشّعراء«، يظهر توجّهات مجموعات معيّنة لا تملك دعما من الجهّات الرّسميّة أو المؤسّسات الثّقافيّة. وأضاف »كرم« أنّ هذه المجموعة جاهدت وأسّست نفسها بنفسها لتحقيق أهدافها وطموحاتها الثّقافيّة، ويعتبر المترجم أنّ قصائد هؤلاء الشّعراء، تمثّل صورة عن النّموذج الجمعيّ في الوطن، وهو يبغي من خلال ذلك تحقيق رسالته الثّقافيّة. بالنّسبة إليه، شعراء »ثلاثاء شعر« »خامات« لهم تجربة خاصّة، عبّروا عنها من داخل الحدث وتحت القصف.

    تعكس قصائد »بورتريه للموت« إشكاليّة الحرب السّوريّة بكلّ ظروفها وإيديولوجيّاتها وأدواتها، فتأتينا الصّور الشّعريّة في القصائد محمّلة برائحة البارود ودماء الأطفال والشّهداء الأبرياء…و تظهر علاقة الذّات الشّاعرة بالمكان المجروح الّذي ضاع في

مجموعة »ثلاثاء شعر«
مجموعة »ثلاثاء شعر«

فوضى الحرب. ويبقى الخيار: إمّا الصّمود تحت القصف، وإمّا الرّحيل في سفينة المصير المجهول.

     نأخذ على سبيل المثال تجربة »زيد قطريب« الّذي يخاطب الحزن وكأنّه شخص فُرض عليه في زمن الحرب. يقوم الشّاعر برثاء وطن فقدَ كلّ شيء واستنزفت قواه، فكلّ ما فيه فسد بفعل الفراق والموت والألم. كما يتوجّه هذا الأخير بقلمه نحو حزن من نوع جديد اليوم، تربّى بين يديه حتّى أصبح يكبره بتاريخ.

يقول قطريب:

سنتبادل الرايات المنكسة

ونعلن انتهاء الحرب

هنا على الجبهة المقابلة لعيونك الخضر

يسلم الجنود بطاقاتهم الشخصية

مع الرشاشات ودفاتر المذكرات.

يمكنك أن تجعلي وجهي دريئة للمقاتلين

قبل أن تفتك البواريد بقصائدي

التي كتبتها وأنا أموت!.

هاهو قلبي المثخن يقول لجراحك: كفى

غلاف »بورتريه الموت«
غلاف »بورتريه الموت«

نعلن الآن انتهاء الشوق

سنجفف مستنقعات الحقد

ونتبادل المعاهدات مع البضاعة المهربة والمقاتلين

حيث القلوب تكمن على السواتر وإصبعها على الزناد!.

     أمّا  »مناهل السّهوي« فهي تمثّل الصّوت النّسويّ الوحيد في المجموعة، تعبّر عن المرأة السّوريّة الّتي تسلّلت الحرب إلى أعماقها وسلبتها الأمان. تراها تبحث عن بقايا ترمّم بها ذاكرة مفقودة  للوطن الحلم، وهي الّتي ستعيد ترتيب الوجود وتنقذه من دماره. تنطلق الشّاعرة من مبدأ وهو، بالشّعر يتمّ تجميل الكون وإصلاح العالم على الرّغم من الضّبابيّة الّتي تحيط بالمستقبل، الّذي بات الفرح فيه شبه مستحيل.

القلب المحشو جرائد

هذا الوحش الجائع

هو قلبي

القلب الذي يعود إليك

تماما كالساعة الرملية

التي كلما انتهى رملها قلبتها من جديد

القلب الموثوق بأوكسجين الشعر

كلما أبعدت الكمامة عنه

شدي يدي، شدني نحوه

ودخلني

انظر جيدا أترى هذا القلب الفارغ

إنه البالون الذي نفخته في طفولتي وابتلعته!.

     يبقى من الحقّ أن نقول إنّ هؤلاء الشعراء يكتبون والرّصاص يحيط بهم من كلّ جانب، ليتصاعد شعرهم طلقا يستغيث بالسّماء لتنجد سوريا الحلم الّذي كان جميلا، كما أنّهم يكتبون قصائد ترجو الموت أن يكفّ عن بثّ رائحته في سطورهم وما من منجد.

غلاف »بورتريه الموت«

د. سرجون كرم

مجموعة »ثلاثاء شعر«