نطقت بريطانيا بكلمة… كبرت …فصارت العولمة

سؤآل: من هو القادر اليوم على الحسم أين يقع الغرب فعلاً، بل أين يقع الشرق وبالتحديد أكثر أين يقع العالم العربي أوالعالم الثالث بل أين هو الجنوب والشمال؟ أليست كلّها جهاتٍ وتسمياتٍ ودول وثقافات تنسحب بالمعنى الإعلامي وتلوذ خلف النوافذ المفتوحة windoos في الإتّجاهات كلّها التي تتجاوز الجهات الأربع بل الستة أي فوق وتحت، وفوق شباكها الإلكترونية تعلق الأجيال والأفكار والسلوكيات والثقافات؟

في الإجابة على هذا السؤآل المعقّد، يمكنني تلمّس فقدان انتماء أولادنا وأحفادنا وأجيالنا الرقمية المعاصرة إلى ذاتها وهوياتها عبر تقنيات وشروحات وعادات جديدة ليست سهلة قطعاً نترصّدها مائعة تفتقر إلى الوعي والموضوعية والمقاصد بمعنى الإتجاهات التي تتحرّك فيها العيون العالمية. ثقافات تحرّكها السبابات والعقول المتراخية عبر دروب وبأساليب مغرية تجاوزت الصحف والإذاعات والشاشات إلى مئات القنوات الفضائية والصحف الإلكترونية ومواقع التواصل الإجتماعي التي تقيم البشرية فيها اليوم وفيها “النيتفليكس” وشركات الإنتاج القارية والأفلام والمسلسلات الضخمة الشيقة والجاذبة بقوّة للإنتباهات التي لا نهايات لها لأنّها تسمّر المشاهدين فتصبحع العائلات والمجتمعات مسكونة بالتسلية والعمل والإنتاج والإستعباد من الشركات الكبرى والدهشة حيال العالم المُقيم كلّه أمامنا 24/24 وفي وجوهنا باللغات العالمية تتقدّمها اللغة الإنكليزية في دنيا فقدت كرويتها وصارت بساطاً ممدوداً يعجّ بالحركة والمال والتعب والسعي الغريب العجيب في حضارة العولمة.

لنقل بأنّ البشرية كانت وما زالت منقادةً إلى التنافس والتفاعل الدولي في ثالوثٍ يكاد تحفل أضلاعه بالحروب والسيطرة والنزاعات والتبعية والإستقلال وتحقيق الأرباح المالية الهائلة تحت عناوين ذكية تتوخّى التغيير عبر إشاعة مفاهيم الديمقراطية والحرية والمساواة والإقتصاد الحر والأسواق..إلخ.

إنهارت أضلاع هذا الثالوث مع “إنفجارات” علوم الإعلام ومكتشفاته اللامتناهيّة لتدمغ البشرية بمؤشّرات تدويل المعارف والثقافات وخروجها من الأقفاص نحو الحريّة شبه المطلقة توخيّاً لختم البشرية بمصطلح العولمة مع أنّني أميل أكثر إلى مصطلح  الكوننة باعتبار أن الأرض تعني الإنتاج بعدما فقدت كرويتها  في علم الجغرافيا التقليدية.

وأكثر من ذلك، لنعترف أنّ الفلسفة التي اعتبرت أم العلوم منذ بذورها الهندية وزهوها الإغريقي والإسلامي والغربي، أُسقطت عن عرشها بعدما شغلت البشرية وجادلت الأديان خلال العصور لمصلحة علوم الإعلام والتواصل والذكاء الإصطناعي واستراتيجيّاتها  كلّها لتعتلي صوريّاً العرش الكوني الوهمي لتغمر الدنيا بلججها وثقافاتها ولغّاتها المحكومة باللعبة وقتل الزمان. بتنا جميعاً وكأننا نعيش حضارة واحدة يفلح في أرضها أجيال متفاوتة وشعوب متنوعة الثقافات واللغات في زمن الزحف وراء قوّة الإعلام في عصرالفضاء الذي يستحيل الإحاطة به وبمفاعيله وتأثيراته. نجد أنفسنا جميعاً مدفوعين للتأمّل معي في لحظة بريطانية سياسيّة غابرة دمغت التاريخ وتتردّد اليوم مع كلّ دولة ومجموعة وفرد.

تعود بذرة الإعلام الأولى حقيقةً، إلى كلمة الخبر News البريطانية القديمة والعظيمة التي تغطي البشرية في عصر العولمة.

كيف بل لماذا حصل ذلك ؟

 لأنّ بريطانيا العظمى استطاعت تاريخيّاً كدولةٍ عُظمى أولى أن تنقش إسمها في الذاكرة البشرية أبداً ب”البلاد التي لم تكن تغرب الشمس عن أراضيها بمعنى مستمراتها الشاسعة في الكرة الأرضية.

يقودني هذا التذكير نحو ولادة المصطلح الأولى فوق اللسان أو في العقل البريطاني الذي كان يتطلّع نحو احتلال العالم كلّه تسبقه مهمات إيصال أخباره وتأثيراته وسياساته إلى الجهات الأربع.

إذا جمعنا الأحرف الأربعة الأولى لكلمة الخبر NEWS نجمع الدنيا بجهاتها الأربعة:

الشمال:   North

الشرق:           East

الغرب:         West

الجنوب:             South

ولأنّ اللغات تُولد وتنمو وتتطوّر وتتحوّل في الأذهان والألسنة حاملةً مقاصد متلفّظيها وتطلّعاتهم وأحلامهم، انغرست كلمة “نيوز” البريطانية في الذهن العالمي، وباتت تطمح إليها دول العالم كبرى وصغرى ، وفي المجال تبرز قيمة ما نحن متعلّقين به وكأنه الرحم الأبدي للبشرية.

صارت البذرة نيوز News حقيقة لا تنتهي من الحقائق والأفكار والرغبات والطموحات الفردية والجماعية  والدوليّة التي تلوّن البشرية وتجمعها بألوان ثقافية لا تنتهي، وتُشغل المفكّرين ليجد كلّ منّا نفسه منخرطاً فيها عبر تيّارات عالمية دقيقة الهندسة، لكنها جميلة ومغرية ولو زوّدتنا بهويّات رخوة تفقد صلابتها بسهولة عند استعمال السبابات والأصوات والصور في الحوار والكتابات وغيرها من المكتشفات اللامتناهية في الشاشات التي تُدير العالم. تنخرط في هذه المحيطات الأنظمة والحكومات والأحزاب والمهنيون  والطلاب وأساتذة الجامعات وتبدو المعرفة جاهزة ومطروحة في الشاشات التي لا تشبع من امتلاك الخبرات والبرامج التقنية والإصطناعية لاستعمال المفاتيح  والمواقع الخاصّة  وغزو زوايا الأرض الزاهية والمظلمة عبر ما يشابه الألعاب. هكذا يُعاد طرح كلّ القضايا الكبرى المرتبطة بالناس بشكلٍ جذري من العدالة والحرية والمرأة والمساواة والتربية والتعليم والقوانين وكلّ ما يتدفّق علينا من أبواب المعارف والثقافات وميادينها. ويبدو التأثر والتأثير محكوماً بمنظومات إعلامية متطوّرة يمكنني تسهيلاً للأمر، اختصارها في الحروف/ أو الصفات الأربعة: PPII

 Pوتعني planetaire أي أن الإعلام صار كونيّاً، P الثانية تعني       Permanent أي أنّ الإعلام صار  دائماً، وتعني      Immediate أن الإعلام صار فورياً أو جاهزاً  يملأ الزمان 24/24، وتعني Immateriel بأنّ الإعلام بات فضائياً.

أليست الصفات الأربع هذه حاملةً لمقاربات أسطورية تجرأ ماكنتوش، المخترع الأوّل للكومبيوتر للإستعمال الشخصي، منحها  صورة التفاحة المقضومة التي تدمغ بها مقتنيات العولمة التي خلّفتها بين أسنان آدم بعدما ناولته إيّاها حوّاء في الجنة، وكأنّه بذلك يفتح أبواب التواصل والتأثّر والتأثير وينسف الحدود بهدوء بين البشر؟

خاتماً أضيف ، صفتي الصدفة والمشاعية التين تتحكّمان بنا لدى القراءة والكتابة والتحاور والتواصل وتداخل الثقافات التي تبدو وكأنّ لا ضوابط قديمة كافية لها تحميها وهي تفتقر إلى قدرات واضحة في التنخيل والمراقبة. إنه عصر تواصلٍ عالمي يرفع الأغطية الكثيرة ويعرّي الإستراتيجيات والصراعات بهدف المليارات والمعلومات والتكتّلات المتكاثرة لكن لا ننسى أنّ العالم “اللوغاريتمي” يسير على خطى الخوارزمي بسرواله دامغاً حضارة الإنسان الوهمية المتكررة.

كاتب وأستاذ مشرف في المعهد العالي الدكتوراه

عضو الهيئة العليا للإشراف على الإنتخابات